علماء الدين يحذّرون من الوصول الى الطلاق: الإنترنت ضرّة داخل البيت!
عندما تصل علاقة الزوج بالإنترنت إلى درجة الإدمان وإهمال الزوجة، نصبح أمام مشكلة خطرة تشعر فيها المرأة بأن شبكة الإنترنت ضرّة في البيت، تنافسها على زوجها وتسرقه منها أحياناً كثيرة.
وإذا كانت لدى بعض الزوجات قدرة على تحمل هذه الضرّة، فإن بعضهن الآخر لا يحتمل، حتى أن زوجة أقامت دعوى قضائية تطلب فيها الطلاق من زوجها مدمن الإنترنت... لكن ماذا يقول علماء الدين؟ وهل يجوز طلب الطلاق من الزوج المدمن للإنترنت؟ وما هي نصائحهم للأزواج؟
«لمياء» زوجة شابة في الثلاثين من عمرها، أقامت دعوى قضائية أمام محكمة الأسرة، تطلب الطلاق من زوجها المدمن للإنترنت، وقالت في دعواها: «تزوجت منذ خمس سنوات بعد قصة حب رائعة مع زميل دراسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وهو شاب طموح ومجتهد في عمله، ومع هذا لا يؤمن بعمل المرأة، ويرى أن مكانها الطبيعي البيت وتربية الأبناء أفضل تربية، طالما كان زوجها قادراً على الإنفاق عليها، وأنا وافقته على ذلك من شدة حبي له».
وتضيف لمياء في دعواها القضائية: «يمضي زوجي جلّ وقته في البيت وهو جالس الى الإنترنت، يتواصل مع أصدقائه وأقاربه، ولم يعد يتكلم معي إلا نادراً، وحتى إذا كلّمني يكون ذلك في أضيق الحدود، ويغضب لأنني أخذته من الإنترنت، بل إنني أنظر إلى الإنترنت كـ«ضرة» تعيش معي في منزلي، ونجحت في سرقة زوجي مني».
وتشير لمياء إلى أنها كثيراً ما أخبرت زوجها بأنها تشعر بالملل والإحباط، بسبب إهماله لها، وجلوسه الدائم إلى الإنترنت... موضحةً أن الحياة اسودّت في عينيها، ونفد صبرها، ولم تعد تطيق العيش مع هذا الزوج المدمن للإنترنت، وقد وصل بها الأمر أن ذهبت إلى طبيب نفسي أكثر من مرة، ولم يتوصلا الى حل للمشكلة رغم كثرة الخلافات الأسرية، فالزوج بلغ بالفعل درجة الإدمان، حتى أنها شككت في إساءته استخدام الإنترنت بالدخول الى المواقع الإباحية، ودليلها في ذلك خلوده الى النوم في وقت متأخر جداً.
وتنهي الزوجة دعواها القضائية قائلة: «أعترف بأنني فشلت في استرداد زوجي من زوجته الإلكترونية، المتمثلة في الإنترنت، ولهذا رفعت الراية البيضاء وطلبت الطلاق للضرر من خلال القضاء، الذي أتمنى أن ينصفني ولا يطيل أمد عذابي مع زوج جعلني وأولاده في ذيل اهتماماته التي يتصدّرها الإنترنت».
حقوق الآخر
يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يجعل استمرار الحياة من خلال الزواج، بحيث يميل كل من الرجال والنساء ميلاً فطريّاً الى بعضهم، حتى يتحقق السكن والمودة والرحمة، ولهذا قال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
ويوضح الدكتور رأفت عثمان، أنه لضمان حصول ثلاثية «السكن والمودة والرحمة»، لا بد من أن يعرف كل من الزوجين الحقوق الشرعية للآخر عليه، ويتقي الله فيه، وليكن نصب عينيه قول الله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» (آية 281) سورة «البقرة»، وبالتالي يدرك كل من الزوجين أن عليه واجبات تجاه الآخر، قبل أن يبحث عن حقوقه فقط.
ويشير الدكتور عثمان الى أن من حق الزوجة طلب الطلاق للضرر؛ إذا فشلت في تقويم اعوجاج زوجها وتقصيره في حقها، من خلال اتباع وسائل الإصلاح الشرعية للزوج الناشز، بإدمانه للإنترنت وإهماله لزوجته، وتتمثل الوسيلة الشرعية في التعامل مع مثل هذا الزوج بالنصح والاستعانة بالأصدقاء والأقارب وكل من لهم تأثير إيجابي فيه، لقول الله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (آية 128) سورة «النساء».
نصيحة
تنصح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بور سعيد- جامعة الأزهر، الزوجة المبتلاة بإدمان زوجها للإنترنت بمحاولة جذبه إليها والبحث عما يحب، لأن لكل شخصية مفتاحاً يمكن من خلاله التواصل الإيجابي معها، وأن تتزين له وتجعل بيته واحة للراحة والسعادة، بعيداً عن المشكلات– ولو على حساب نفسها– حتى تستطيع استرداده من سيطرة الإنترنت عليه، وتكون ممن قال فيهن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت».
وتلفت الدكتورة عبلة إلى أهمية أن يدرك كل من الزوجين أنه مسؤول عن رعيته أمام الله، وبالتالي لا يجوز لأحد الزوجين أن يهمل شريك حياته لقول النبي (صلّى الله عليه وسلم): « كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته».
وتنهي الدكتورة عبلة الكحلاوي كلامها، مؤكدةً أن من حق الزوجة شرعاً طلب الطلاق للضرر، إذا فشلت كل محاولاتها لتحرير زوجها من العبودية للإنترنت، مما يجعلها تخشى على نفسها الفتنة بسبب هذا الإهمال، الذي يأثم عليه الزوج، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول».
الصبر
ترى الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، أن ليس من المعاشرة بالمعروف– التي أمر بها الإسلام- إدمان الزوج للإنترنت وإهماله لزوجته، لأن المعاشرة بالمعروف تتطلب إحساس الزوج بمسؤولية القوامة، التي هي تكليف وليست تشريفاً، ولهذا قال الله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (آية 228) سورة «البقرة».
وتشير الدكتورة إلهام إلى أن من المعاشرة بالمعروف- من جانب الأزواج- عدم الإضرار بالزوجات، سواء مادياً أو معنوياً حتى يطالبن بالطلاق مثلاً، لأن الإمساك والعيش بالمعروف يقتضيان الرعاية الشاملة للزوجة من المأكل والمشرب والملبس والعفة والود والرحمة والاستماع اليها والمؤانسة لها والإحساس بها كإنسانة، وإلا فإن البديل تسريحها وتطليقها بإحسان لقول الله تعالى: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُدُوا مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» (آية 229) سورة «البقرة».
وتنصح الدكتورة إلهام، زوجة المدمن للإنترنت بالصبر عليه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ولتحتسب صبرها عند الله الذي سيعطيها الجزاء والثواب العظيم للصابرين حسبة لله سبحانه القائل: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 155- 157) سورة «البقرة».
آخر الحلول
يرفض الدكتور سالم عبدالجليل، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف السابق، أن تطلب الزوجة الطلاق بسبب إدمان زوجها للإنترنت، مؤكداً أن عليها نصحه ومحاولة علاجه، ولو عند طبيب نفساني أو خبير تربوي أو استشاري أسري، وقبل هؤلاء جميعاً علماء الدين، ليوضحوا له الحلال والحرام، وأنه لا يجوز له شرعاً التقصير في حقها، وإلا يُعد آثماً ويجب تعزيره إذا رفعت الزوجة أمرها الى القضاء لينصفها وليس ليطلقها.
ويلفت الدكتور سالم إلى أن أبغض الحلال عند الله الطلاق، ولهذا يجب جعله آخر الحلول بعد أن تفشل كل محاولات التقويم والإصلاح. أما قبل ذلك فلا يجوز للزوجة طلب الطلاق، لأنها ستتحمل ذنباً عظيماً على ذلك، وقد حذّر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) الزوجات من طلب الطلاق بدون ضرورة شرعية، فقال: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة»، مع الاعتراف بأن قدرة الزوجة على تحمل الزوج المدمن للإنترنت تختلف من امرأة لأخرى، وهو سبحانه القائل: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ...» (آية 286) سورة «البقرة».
تحذير
تؤكد مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، أن من الخطأ التعميم في جواز طلب الطلاق من الزوج المدمن للإنترنت من عدمه، لأن لكل زوجين ظروفهما التي تختلف عن غيرهما، فبعض الأسر يمكن فيها إصلاح حال الزوج، وفي بعضها الآخر لا يمكن، ولهذا فإن هذا الأمر متروك للقضاء لبحث كل حالة على حدة، وإصدار حكم عادل في ملابساتها، لأن القاضي هو الموكل شرعاً في الفصل في المشكلات بالعدل، لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (الآيتان 58-59) سورة «النساء».
وتحذر الدكتورة سعاد، الأزواج من التمادي في إهمال زوجاتهم من خلال وسائل الاتصال الحديثة، وفي مقدمها الإنترنت، وفي الوقت نفسه، لا بد من أن تكون الزوجات أكثر حكمة في معالجة مثل هذه المشكلات، لأن اللجوء إلى القضاء لطلب الطلاق قد يزيد المشكلة تعقيداً بعناد الزوج، مما يؤدي إلى خراب البيوت، خاصة في حال وجود أولاد.
وتنهي الدكتورة سعاد صالح كلامها، ناصحةً الزوجات والأزواج بأن يتقوا الله في بعضهم بعضاً، وأن يبحث كل منهما عما يسعد الآخر- ولو على حساب نفسه- لأن الأسرة ليست ساحة ملاكمة يحاول كل منهما هزيمة الآخر وإذلاله فيها، ولو بالإهمال والانشغال عنه بالإنترنت أو غيره، ونسي الجميع قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضيع؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته».
دورات توعية
يحذّر الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر، الأزواج المدمنين للإنترنت والمهملين لشؤون زوجاتهم وأسرهم، من أنهم آثمون شرعاً، لتفريطهم في الأمانة التي سيسألهم الله عنها، وهذا ظلم للنفس وللغير، وقد حرّم الإسلام الظلم، فجاء في الحديث القدسي في ما وراه عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، عن ربه عز وجل؛ أنه قال: «يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا»، وتوعد الله الظالمين بالعذاب الأليم فقال الله تعالى: «وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (آية 49) سورة «الكهف».
ويطالب الدكتور إبراهيم بعقد دورات توعية أسرية للمقبلين على الزواج، حتى يعرف كل من الزوج والزوجة حقوقه وواجباته تجاه الآخر، لأن كثيراً من المشكلات الأسرية سببها الجهل بأحكام الشرع في الحياة الزوجية، بدليل أن مدمن الإنترنت لا يعرف قيمة الوقت والصحة، رغم قول الله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا» (آية 36) سورة «الإسراء»، وقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلم): «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ».
ويوضح الدكتور إبراهيم الهدهد، أن طلب الطلاق ليس حلاً للزوجات المبتليات بأزواج مدمنين للإنترنت- خاصة إذا كان هناك أولاد- بل لا بد من البحث عن حلول أخرى، وما من مشكلة ليس لها حل، إلا إذا تكاسل صاحبها عن السعي لحلها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024