بديع أبو شقرا: الممثل هو أضعف حلقة في العمل الدرامي
هو من أوائل الممثلين الشباب الذين شكّلوا نقلة نوعية في الدراما اللبنانية منذ أواخر تسعينات القرن الماضي في مسلسل «طالبين القرب»، ثم انتقل إلى أميركا ومنها إلى كندا ليمتهن عملاً بعيداً عن الفن، بهدف إكمال دراسته في المسرح.
يتمتع الممثل اللبناني بديع أبو شقرا بأداء تمثيلي حقيقي في ظل غربة بين الدراما والواقع، ويشير إلى أن لا سبب منطقياً لعودته إلى لبنان إلا الرغبة في ذلك، ويتحدث عن تجربته في Dancing with Stars ، وشغفه بالمسرح وعلاقته بالشعر والقوانين...
- لماذا تشارك في برنامج Dancing with the stars ؟
بالنسبة إليّ الأولوية للتمثيل وأفضل أن أكون منهمكاً حالياً بمسلسل أو فيلم، ولكن إذا لم يكن هناك عمل مناسب، فالمشاركة في برنامج «الرقص مع النجوم» تجربة جيدة، إذ إنه برنامج تقني ومخصص للرقص ولا يوجد فيه أفكار لا تستهوينا.
تواصلوا معي وكنت خارج لبنان، وكنت حينذاك أقراً بعض الأعمال، ووجدت أن البرنامج مسلٍ. كما أن ابنتي التي تبلغ من العمر 11 عاماً، تعتبر Dancing with stars البرنامج الأهم بالنسبة إليها وتتابعه بنسخته الأجنبية، بالإضافة إلى أن القيّمين على البرنامج ذوو خبرة ويتمتعون بالنزاهة، إذ لا يقدمون تنازلات مثل بعض البرامج. شكل البرنامج معروف وهو محترم ومتخصص.
- معظم الممثلين يقولون إنهم يقرأون ولم يجدوا عملاً مناسباً، فما هو العمل المناسب؟
هناك نوعان من الأعمال، أولاً النوع الذي يناسبني أنا كشخص، أي عندما أقرأه أشعر بأنني أرغب في تأدية هذه الشخصية وأن أكون ضمن هذه القصة وبدأت ملامح العمل تظهر أمامي.
أما غير المناسب فهو أن يكون النص سيئاً، وهذان عاملان متوافران، مثلاً في الأعمال التي قرأتها أخيراً، ثمة نصوص لم تكن جيدة تقابلها نصوص أخرى جيدة ولكنني لم أجد الشخصية التي أرغب في تقديمها.
- شاركت في فيلم «يلا عقبلكون» وانطلق أخيراً فيلم «يلا عقبلكون شباب»، حدثنا عن العمل.
نيبال عرقجي الكاتبة والمنتجة تملك أسلوباً خاصاً، والجمهور بحاجة إلى أعمال تكون قريبة منه ومسلية ومضحكة ومبكية في الوقت نفسه وتجسد مشاكلنا، بالإضافة إلى طبيعة مجتمعنا في لبنان، من حيث الجرأة في الطرح والتفكير، إذ لدينا حيّز من الحرية لا بأس به على المستوى الشخصي، وهذا الجانب اشتهرت به بيروت منذ فترة طويلة.
- وما الذي أقنعك بنص «مش أنا»؟
نص «مش أنا» خطوة كبيرة جداً في تقريب الدراما من الواقع، في مسلسل «مش أنا» حاولنا أن نعتمد على التمثيل الحقيقي، أي أن نظهر على طبيعتنا أكثر.
- ماذا عن تجربتك السينمائية الثانية في «يلا عقبلكون»؟
عملت أفلاماً سينمائية في كندا وفي لبنان ولكنها ليست لبنانية، لكن في «يلا عقبلكون» شاركت في الفيلم وصورت خلال سبعة أيام. على الرغم من أن الدور صغير ولكنني كنت أرغب في أن أكون جزءاً من هذا المشروع، فالعمل هو مجموعة تسير على خط معين، كان لدي بعض الملاحظات وتناقشنا في بعض الأمور، ولم يكن لدي مشكلة في دور بطولة أو غيره. وشاركت في فيلم Nuts لشركة Laser Film في مشهد واحد فقط.
- عندما تقبل تقديم مشهد واحد في الفيلم، فما الذي أقنعك بهذا المشهد ويستطيع أن يضيف إليك؟
وجدت أنني راغب في تأدية هذا الدور الغريب وأن أكون جزءاً من نجاح هذا المشروع وتجربته.
- ماذا عن دورك في Nuts ؟
يدور الموضوع حول ملهى ليلي، ويتناول قصة حياة شخص والمشاكل التي يواجهها، وأؤدي فيه دور شخص مشلول.
- هل المسرح أقرب الى الواقع من الدراما في لبنان؟
على الرغم من أن المسرح ليس شيئاً واقعياً إطلاقاً، فإنه يستطيع أن يلامس الناس أكثر.
- كممثل... تفضل المسرح أكثر؟
بالطبع، ولكن كل ميدان له حرفيته.
- ما هي مساحة الحرية التي يتمتع بها المسرح ولا تتمتع بها الدراما؟
الحرية ليست في العرض، بل بالبروفات قبل العرض، هذه الحرية هي أن نجرب كل شيء وأن نختبر أنفسنا في كل شيء، وربما نتدرب أسبوعاً كاملاً ويتضح أنه غير صالح للعرض، لذلك من خلال المسرح يبقى الممثل في حالة بحث عن الذات، ويصطحب البروفا معه إلى البيت. هي ليست نصاً للحفظ، إذ إن من أصعب الأشياء أن يكون الممثل حقيقياً على المسرح.
- ثمة حنين في صوتك الى المسرح؟
لدي حنين دائم الى المسرح، وأتمنى أن أعمل في المسرح على مدى 365 يوماً في السنة. كما أنني أستمتع بالبروفات أكثر من العرض، علماً أن للعرض رونقه أيضاً بعد مشاهدة الناس للعمل وتهنئتهم، ولكن الأمتع هو البروفا.
- ماذا عن التجربة مع المخرج جاك مارون؟
يتمتع جاك بشخصية حيوية، وخططه واضحة المعالم ويعرف ما الذي يريده، كما أنه لا يفكر بالمسرح كمسرحية بل كمُحترَف ممثلين، وتَجَمُع مسرحي وجو مسرحي عام، وكأن في رأسه خطة غير مكتوبة للسنوات العشر المقبلة. وساعدته دراسته وخبرته في الخارج، وثمة ما استفاد منه في لبنان. جاك يفكر بالمسرح كمؤسسة لها استمرارية لا كعرض مسرحي.
- لماذا تركت كندا في هذا الظرف الذي نعيشه لتنتقل انت وعائلتك إلى لبنان؟
أُسأل هذا السؤال يومياً ولكن لا اجابة واضحة لدي وربما لا أسباب منطقية، ولكنني أرغب بالعودة.
- هل ثمة ممثلون غير محترفين في المسرح، كما هو الحال في الدراما؟
في المسرح هناك تقنية في التمرينات لا يستطيع أي شخص أن يقوم بها، على الأقل عليه أن يكون قد التحق بالمحترفات، أو سيأخذ وقتاً طويلاً لتجهيزه كممثل، بعد أن يقرأ ويتابع... هي مسيرة طويلة.
- لماذا ثمة ممثلون ينجحون في المسرح ولا ينجحون في الدراما؟
لأن التمثيل بين التلفزيون والمسرح، حرفة. بالتأكيد ممثل المسرح الذي لم ينجح في التلفزيون لم يلتقط الحرفة، الوقوف أمام الكاميرا وتكرار المشهد حرفة تعتادين عليها، وهناك بالتأكيد من ينجح أكثر من الآخرين، ولكنها في النهاية حرفة.
- أيهما أصعب، الانتقال من الدراما إلى المسرح أم من المسرح إلى الدراما؟
من الدراما إلى المسرح، ليس من السهل الانتقال إلى المسرح. الممثل المسرحي قبل أن يكون ممثلاً تقنياً فهو يمتلك وجهة نظر، يتعلم كيف يفكر قبل أن ينفذ، لذلك في المسرح كثيرون من يفكرون بطريقة صحيحة ولكن قدراتهم التمثيلية لا تسعفهم في تقديم المطلوب، لذلك فالتلفزيون أسهل بالنسبة إليهم. الممثل الناجح في المسرح، عندما يرتجل شيئاً نسأل أنفسنا، كيف خطرت في باله هذه العبارة، وهذه هي وجهة النظر التي أتحدث عنها.
إذا طُلب من الممثل أن يُبكي الجمهور يستطيع، وفي إمكانه أن يجعلهم يضحكون أيضاً، ولكن لن يخطر في بالهم أن يجدوا من يخبرهم شيئاً يضحكهم ويبكيهم في الوقت نفسه وهذا الأمر صعب.
- لم تؤدّ الكوميديا...
عملت أكثر في الدراما، ومن غير المعروف عني أنني أؤدي الكوميديا، بالإضافة إلى أنني أخاف من الكوميديا، لأن لها حرفتها أيضاً.
- أحد الممثلين قال ان «الممثلة الفلانية» أعادت الدراما إلى عزّها، علماً انها ليست ممثلة محترفة، ما هي وجهة نظرك؟
أولاً الدراما لم تعد إلى عزها. الذي يعيد الدراما إلى عزها هو مشروع طويل يعمل عليه الجميع.
- أخيراً نشهد مشاركة فنانين في الأعمال الدرامية، هل نجاح الفنان في الفيديو كليب كفيل بأن يبرزه ممثلاً ناجحاً أم لا؟
بالتأكيد لا، الفيديو كليب مهنة بحد ذاتها، وثمة ممثلون يمتهنون التمثيل في الفيديو كليب، وهو مادة للعرض، مثلاً إذا أردت أن أمثل فيديو كليب فلن أنجح، لأنها ليست مهنتي.
ولكن في إمكان الممثل أن يغني وأن يكون محترفاً ولكن عليه أن يكون حذراً. من السهل أن يصبح الفرد نجماً ويقدم بطولات وغيرها، إلا أن النجم مختلف عن الممثل.
- هل يضايقك هذا الأمر؟
يضايقني ولكنني لست شخصاً براغماتياً ويهمني أن ينجح العمل، لأنه نجاح للجميع.
- من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تعرفنا الى شخصية لم نكن نعرفها عنك، وتبدو أنك قريب من الناس وربما «ثورجي» إلى حد ما، فهناك أفكار سياسية من الممكن أن تقرب منك الجمهور ولكن ألا تعتقد أن بعض الأفكار ممكن أن تبعد الجمهور عنك؟
من حسنات مواقع التواصل الاجتماعي أننا نستطيع أن نتابع الناس ونتعرف إليهم جيداً. أنا رافض للواقع. باختصار هذا أنا، ورأيي بكل ما هو موجود، أنا ممثل فمن يود أن يحاسبني على أعمالي فليتفضل ومن يرغب بأن يناقشني بأفكاري ورأيي أناقشه.
كان أستاذي في الجامعة يقول لنا عندما بدأنا نظهر على الشاشة ونشتهر، «انتبهوا لئلا تكبر شهرتكم أكثر من ثقافتكم، لأنكم بذلك ستنتهون»، وتحول ذلك إلى هاجس لدينا أنا وباسم مغنية وذهبنا لشراء الكتب... الممثل إذا لم يكن لديه شيء يقوله من خلال التمثيل والحياة سيتحول إلى مادة للعرض، هذا ليس خطأً وثمة أشخاص هذه مهنتهم وهي مهنة محترمة ولكن ليس الممثل. هناك ممثلون لا يرغبون في التحدث بالأمور السياسية والاجتماعية بينما بالنسبة إليّ أشعر بأنني مسؤول عن أن أقول رأيي بكل شيء، لم يحاكمني أحد على رأيي لأنه مختلف عن رأيه، لأن طريقة طرحي لا تصور بأنني أود أن أختلف مع أحد ولكنني أطرح للنقاش والتحسين.
- متى بدأت علاقتك بالشعر؟
منذ فترة طويلة، كتبت في إحدى المرات موضوع إنشاء في المدرسة وحصلت على نتيجة 2/20، لأنه كان سيئاً جداً. طلب الأستاذ من والدي الحضور إلى المدرسة وأطلعه على النتيجة، حينها أحضر والدي كتاباتي التي أكتبها في البيت وأراها للأستاذ، وقال له هذا ما كتبه في البيت وهذا ما كتبه عندك، أي أن المشكلة ليست منه بل منك.
موضوع الإنشاء كان يسبب لي أزمة نفسية على غرار «صديقك مسافر اكتب له رسالة وخبره عن جمال البلد...» وهنا بدأت بالكتابة، وبالتأكيد كانت هناك فتاة جميلة أدس لها أوراقاً في حقيبتها، وتراها وتأتي غاضبة وتسألني كيف تفعل ذلك... (يضحك) وبالتأكيد هي نادمة اليوم.
- في كثير من الأحيان نشعر بأننا معنيون بالذي تكتبه.
لا أدري، ولكنني أكتب لأنني أشعر بأنني بحاجة لأن أكتب، قبل «الفيسبوك» كنت أكتب وأوضب كتاباتي، ولكن والدي أصر على أن أنشرها، إلا أنني لم أكن أفكر بذلك. باتوا الآن ثلاثة كتب: كتابا شعر والثالث عبارة عن قصص قصيرة اسمه «واعتزلت الحياة في الرابعة».
كتاب الشعر الأول كان بعنوان «الرجل الذي رقص»، والآن أطبقه في برنامج «الرقص مع النجوم». وأعتقد أن الشعر بات لغة مخاطبة بين الناس، ثمة أشخاص يكتبون شعراً ولا أعرفهم، ولكن أشعر أننا نتناقش معاً علماً أننا لا نتحدث. فليكتب الجميع الشعر، لأنه حالة تعبير مريحة جداً.
- قال الممثل عماد فغالي في إحدى المقابلات انه يغار منك، أنت ممن تغار؟
عماد شخص عزيز جداً عليّ وأحبه كثيراً. أغار من كثيرين، مثلاً: أغار من مكان ممثل معين في مشهد معين أو عمل ما.
- شاركت في حملة «كفى عنف واستغلال» ضد المرأة، هل المرأة وحدها تُعنف؟
لا أميز بين امرأة ورجل، وأعتقد أن الإنسان معنف، والتعنيف الجسدي سببه تعنيف من نوع آخر، ولكننا حكماً سنعالج التعنيف الجسدي بالدرجة الأولى لأننا نستطيع أن نصل إليه، أما التعنيف الآخر فهو عنف مجتمعي.
ومنذ فترة قرأت أن لبنان أكثر بلد مستهلك للمهدئات، نحن بلد لا يمكن أن يُفهم، ثمة ايجابية في الموضوع، ولكن السلبيات أكثر لأننا بحاجة إلى ضوابط محددة في الحياة اليومية، كالإشارة الحمراء مثلاً...
- حدثني عن تجربتك في الخارج.
عشت 12 سنة في كندا وسنتين في أميركا. سافرت إلى أميركا لأدرس في الجامعة هناك قبل 11 أيلول/سبتمبر 2001 بسبعة أيام، وبعد أحداث 11 أيلول لم أستطع الحصول على المنحة وبقيت هناك. عملت في مطعم وفي سوبر ماركت، ودرست في المعهد ليلاً، درست مواد متعددة لفترة سنتين. ثم انتقلت إلى كندا وعملت في طلاء المنازل، ثم انتسبت إلى نقابة الممثلين وعملت في المسرح.
- هل يمكننا أن نقارن بين العمل المسرحي في كندا ولبنان؟
المسرح في كندا، يقسم إلى قسمين، المسرح التجاري الموسيقي وهو أفضل من هنا بكثير. ومسرح التجارب أو الـIndependent وهو محصور بالمدن الكبيرة وله جمهوره الخاص به، بينما هذا المسرح أسهل في لبنان لأن بلدنا صغير وبإمكان أي جديد أن يلفت الناس ويستقطب الجمهور، حتى انه ليس أفضل منا في الإخراج والتمثيل. ثم المسارح الموجودة خارج المدينة وهي المسارح التي تستقطب جمهوراً جديداً من خارج المدينة، أي الجمهور الذي لا يعرف المسرح.
في المبدأ القوانين الموجودة عندنا متطورة أكثر من كندا ولكنها لا تطبق، مثلاً قانون النقابة الذي أوجده غسان سلامة متطور أكثر من كندا فهي دولة جديدة ولا تزال في طور التجربة ويكتشفون أشياء جديدة مع المهاجرين ولا سيما طريقة تغيير الدولة وغيره. لكن لدينا ثوابت بسيطة ولا تطبق مثل الإعادات في المسلسلات الدرامية، يجب أن يتقاضى كل ممثل نسبة من أصل الراتب الذي حصل عليه مع كل إعادة. في القانون موجودة ولكنها لا تطبق.
- ما هي القوانين التي تطبقها في منزلك؟
أفضّل ألاّ أطبق قوانين. ربما هي تلك القوانين التي تتعلق بالأولاد، في ما يخص الدرس والنوم، وهي روتين معين وليست قوانين.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024