جميل راتب: هذا الحب هو الأكسجين الذي بعث فيَّ الروح من جديد
يشعر بالرضا عما حققه على مدى 60 عاماً من الفن، لكنه يعترف بأنه ليس بقدر نجومية عمر الشريف ويكشف السبب.
الفنان الكبير جميل راتب يؤكد أن ظروفه الصحية لن تمنعه من التمثيل، ويتكلم عن فاتن حمامة وعادل إمام ومحمد صبحي، والنجوم الشباب الذين يعجبونه، والمعلومات الخاطئة عنه، وزيجته الوحيدة، وحقيقة شعوره اليوم بالوحدة.
- ما شعورك بعدما تم منحك جائزة المسرح التجريبي بعد توقفه لمدة ست سنوات؟
تكريم المسرح التجريبي ليس مجرد جائزة بالنسبة إلي، إنما يعكس حباً أفتقده منذ زمن طويل، فبمجرد صعودي إلى خشبة المسرح وقبل أن أتسلّم الجائزة، قوبلت بتصفيق حاد ملأ وجداني، وبالفعل هذا الحب هو الأكسجين الذي بعث فيَّ الروح من جديد.
كذلك تشرفت بتكريمي في مهرجان المسرح التجريبي، خاصة بعد توقفه لمدة ست سنوات متتالية، وأشكر كثيراً القائمين على هذا المهرجان.
- لماذا أهديت جائزتك للسيدة سميحة أيوب والفنان محمد صبحي والفنانة محسنة توفيق؟
أنا إنسان أعترف دائماً بفضل زملائي عليّ، وهؤلاء ساندوني كثيراً في مسيرتي الفنية، وبالتحديد في ما يتعلق بالمسرح، فالفنانة العظيمة سميحة أيوب عميدة المسرح العربي هي من قدمتني كمخرج للمرة الأولى على المسرح القومي، وأتاحت لي الفرصة لكي أُثبت قدراتي الإخراجية بعيداً عن التمثيل.
أما الفنانة محسنة توفيق فكنت قد شكلت معها دويتو متميزاً في المسرح، وحققت أعمالنا المسرحية نجاحاً كبيراً أثناء عرضها، في حين كان الفنان محمد صبحي من أكثر الفنانين الذين ساندوني في مسيرتي الفنية والمسرحية، إذ وقف الى جانبي وشجّعني وقدمني في معظم أعماله الفنية.
- كيف يعود للمسرح المصري رونقه؟
بالحب والبذل والعطاء، وأن نسخّر كل ما لدينا من طاقة إبداعية لخدمة المسرح.
- لماذا كانت مساهماتك الإبداعية المسرحية المصرية قليلة في حين أنك برزت على المسرح الفرنسي في أعمال لشكسبير وراسين وسارتر؟
هذا الأمر كان خارجاً عن إرادتي لأن ثقافتي فرنسية، حيث تعلمت المسرح في فرنسا وعملت فيه أيضاً، لكنني كنت أحرص على عرض مسرحياتي بين مصر وفرنسا، وذلك إيماناً مني بأهمية تبادل الثقافات بين الدول، ولا أنكر أنني كنت ارفض عروضاً مسرحية مصرية كثيرة، لأن المسرح المصري كان فقيراً جداً، والمسرح التجاري لا علاقة له بالفن، على عكس مثيله الفرنسي، لكنه مفعم بالذوق والإبداع والموهبة، سواء التمثيلية أو الإخراجية، والمسرح بالنسبة إليّ قيمة تحرك العقل والوجدان، وتؤثر في ثقافة المجتمع، ولذلك كنت أرفض أدواراً مسرحية كثيرة في مصر تفتقر الى تلك القيمة التي أبحث عنها.
- لماذا توقفت عن الإخراج المسرحي طوال السنوات الماضية؟
عشقي للتمثيل هو الذي أبعدني عن الإخراج المسرحي، لأن للتمثيل سحراً خاصاً يخرج ما في داخل الفنان من طاقة، لكن الإخراج ما زال يجري في عروقي، حيث أقوم حالياً بإخراج فيلم بعنوان «عصفور الشوارع»، وهو إنتاج فرنسي- مصري مشترك.
- هل تحزن حين يُشار إليك بأنك لست مصرياً؟
هذا أمر غير صحيح بالمرّة. المعلومات المنشورة عني في مواقع التواصل الاجتماعي مغلوطة، فالبعض يقول إنني من أب مصري وأم فرنسية، وهو غير صحيح، فأمي رحمها الله صعيدية من المنيا، وهي ابنة شقيق السيدة العظيمة هدى شعراوي قائدة الحركة النسائية في مصر، ويعتقد آخرون أنني أجنبي نظراً لأنني عشت معظم حياتي خارج مصر، وبالتحديد في فرنسا، حيث سافرت للدراسة.
- ما المميزات التي حصلت عليها بحصولك على الجنسية الفرنسية؟
الآدمية في التعامل معي لكوني أحمل الجنسية الفرنسية، وأقل هذه المميزات أنني أملك تأميناً صحياً من الدرجة الأولى، كما أن حقوقي الأدبية والفكرية كفنان محفوظة، ولا يستطيع أحد التعدي عليها لكوني فناناً فرنسياً، فمثلاً هناك عائد مادي أحصل عليه لدى عرض أي فيلم أو عمل قدمته، وفي الوقت نفسه أشعر بالحزن والكآبة حين أرى هذه الحقوق تُسرق في بلدي مصر.
- هل تضررت من عدم عرض أفلامك العالمية في مصر مثلما حدث مع عمر الشريف؟
بالطبع، كنت أتمنى أن تعرض هذه الأعمال على التلفزيون المصري، حتى يرى أبناؤنا ماذا كان يفعل المصريون في الخارج.
- ولماذا لم تحقق العالمية مثل عمر الشريف؟
كانت لدى عمر كاريزما العالمية منذ أول فيلم ظهر فيه، كما أنه قدم أدواره التمثيلية في أميركا، وهناك لو قدمت عملين جيدين ستصبح نجماً عالمياً، لأن السينما الأميركية هي الأكثر انتشاراً في العالم، أما أنا فاشتركت في أعمال عالمية ولم أكن بطلها.
- ما هي الأعمال التي تعتز بها؟
كل أعمالي قريبة الى قلبي، لكن أكثرها «Trapeze» و«Lawrence of Arabia» و«Turk s Head» و«Checkmate» وهو يمثل ما يحدث اليوم، و«Adieu Bonaparte» و«عفاريت الإسفلت» ومسلسل «ونيس»، كما حصلت على وسام الاستحقاق في تونس وفرنسا، وهو الوسام الأعلى مرتبة، بالإضافه إلى تكريمي في دبي ومصر.
- لماذا قررت التمثيل في مصر في حين أنك كنت ممثلاً ناجحاً في فرنسا؟
للعلم، أنا تعلمت أسلوب السينما هنا في مصر لكوني تعاونت مع فنانين ومخرجين كبار، أمثال كمال الشيخ ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف، ولكل منهم منهجه الذي يدرَّس، لكنني أحزن كثيراً عندما أجد فارقاً كبيراً بين البلاتوه الفرنسي والمصري، حيث إن الممثل الكبير يحترم الممثل الصغير، بالإضافة إلى الاحترام المتبادل والالتزام بالمواعيد، على عكس ما يحدث في مصر والوطن العربي.
- ما حقيقة إعلانك قرار اعتزالك التمثيل بسبب حالتك الصحية؟
لم يحدث ذلك إطلاقاً، فقد صوّرت أخيراً دوري في فيلم مغربي بعنوان «أمس»، يقوم ببطولته فنان مجري الجنسية، وأقدم دور طبيب متقاعد، وهو دور مساحته ليست كبيرة، لكنني وافقت عليه بسبب شغفي الكبير للعمل في المغرب.
- من هم الفنانون المقربون إليك وعلى تواصل دائم معك؟
هاني التهامي من أقرب الأشخاص إليّ، وهو مدير أعمالي وأعتبره ابني الذي أفخر بحبه لي، ويرافقني داخل مصر وخارجها. أما على مستوى الفن، فهناك الفنانة سلوى خطاب، فهي إنسانة أصيلة، وكذلك محسنة توفيق وسلوى محمد علي.
- ومن هم الذين تحب أن تتابع أعمالهم في السينما الحالية؟
هناك عدد كبير من الفنانين والفنانات المصريين على مستوى عالٍ، أمثال كريم عبدالعزيز وأحمد حلمي وأحمد السقا ومنى زكي وياسمين عبدالعزيز، فهؤلاء كثيراً ما أحب مشاهدة أعمالهم، لأنهم يمتلكون الموهبة، ودائماً أحمسهم وأقول لهم إنهم يحملون الفن المصري على أكتافهم.
- ما رأيك في أعمال الفنان الكبير عادل إمام؟
فنان قدير، له تاريخ كُتب باسمه في الفن المصري والعربي، ويملك موهبة لا تقدّر بثمن.
- هل تؤيد المقارنة بين مسرحي عادل إمام ومحمد صبحي؟
هناك فارق كبير بين مسرح عادل إمام ومسرح محمد صبحي، فالناس يذهبون إلى مسرح عادل إمام لكي يشاهدوا عادل إمام، لأنه نجم وكل من يقف أمامه لا يمتلك طلّته الفنية، رغم أنهم جميعاً نجوم صف أول، في حين يقصد الناس مسرح محمد صبحي للاستفادة من القضايا التي يناقشها.
- وأكثر الفنانات اللواتي رغبت في الوقوف أمامهن؟
بالتأكيد فاتن حمامة، فهي أم كلثوم التمثيل، وهناك فنانات عظيمات ظهرن في ذلك الحين أمثال مريم فخر الدين وشادية، لكنهن لم يكنَّ أبداً في نجومية فاتن حمامة وعبقريتها، فرغم أنها حصرت نفسها في تجسيد أدوار معينة، ولم تقدم كل الأدوار مثل الشر، لكنَّ أداءها كان عظيماً، ودائماً ما أفتخر بالأعمال التي قدمتها معها، مثل «حكاية وراء كل باب»، «لا عزاء للسيدات»، «ضمير أبلة حكمت»، وأخيراً «وجه القمر».
- لماذا أصبح البعض يعيّب على السينما المصرية؟
لأن هناك دخلاء على السينما، فخلال السنوات الماضية ظهر عدد من المنتجين الذين لا علاقة لهم بالسينما، ويعملون فيها من أجل التجارة والربح، وليس حبّاً بالفن.
- ظهرت أخيراً في مسلسل «الكيف»، ما رأيك في تحويل الأفلام القديمة الناجحة إلى أعمال درامية تلفزيونية؟
كنت ضد هذا الأمر تماماً، وأعتبره إفلاساً أدبياً، وكنت أرفض المشاركة فيه، إلى أن عُرض عليّ سيناريو مسلسل «الكيف»، وقرأته وأعجبني للغاية، ووجدت أن هناك تطوراً كبيراً في الشخصيات المقدّمة من حيث ربطها بأحوال البلد وظروفه، ولذلك وافقت على تقديمه.
- هل تشعر اليوم بالوحدة؟
إطلاقاً، لأنني أعرف جيداً كيف أستفيد من وقتي.
- ما أكثر الأشياء التي تسعدك... وتزعجك؟
أسعد كثيراً عندما ألتقي الناس في الشارع ويلتفون حولي ونتبادل الأحاديث، خصوصاً الأطفال، فأنا أعشقهم كثيراً، أما أكثر ما يثير غضبي فعندما يسألني شخص عن ديانتي، فأجيبه على الفور بأنني مصري.
- هل لديك حلم لم يتحقق بعد؟
على المستوى الفني لم أعد أحلم بشيء، وأستطيع أن أقول بعد أكثر من 60 عاماً إنني حققت كل ما كنت أتمناه، لكن لديَّ حلم إنساني أتمنى أن يتحقق، وهو أن يراعي الأثرياء الفقراء في كل أنحاء العالم، ولو حدث هذا فسنقضي على الفقر والمرض.
- لماذا لم تكرر تجربة الزواج؟
تزوجت مرة واحدة من السيدة مونيكا مونتيفير، وهي كانت تعمل مديرة مسرح الشانزليزيه، كما أنها كانت ممثلة ومنتجة مسرحية، ولها نشاطات إنسانية كثيرة، لكننا لم نُرزق بأبناء، وبعدها لم أفكر في الزواج وعشت من أجل الفن. ولست نادماً.
الأوسكار
ألم يراودك حلم الأوسكار في يوم من الأيام؟
لقد شاركت بالفعل في أفلام عالمية كثيرة. بالطبع حلم الحصول على الأوسكار ما زال يراودني، وكنت أتمنى أن يتحقق في يوم من الأيام، لأنها جائزة تُمنح للمبدعين والمتميزين، وهي تقيس درجة حرارة التجربة في أطر الثقافة والأدب والفن، وقيمتها في ربوع العالم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024