اضطهاد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي...
المرأة مضطهدة على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا ما يؤكده الواقع، والدليل أن رواد هذه المواقع لا يتقبلون بسهولة أن يكون للمرأة رأي أو تعليق مختلف في أمر ما، ويمارسون ضدها تمييزاً قد يبدأ بالسخرية منها وصولاً الى التطاول عليها. «لها» تكشف عن أشكال التمييز ضد المرأة في الـ«سوشيال ميديا»، وتبحث في أسبابه وكيفية التخلص منه.
تمييز أكثر فجاجة من الواقع
السيناريست غادة عبدالعال، أحد نماذج التمرد على قولبة الفكر الاجتماعي للمرأة بشكل خاص وللإنسانية بشكل عام، تقول: «هناك تمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فجاجة من الواقع الذي نعيشه، والسبب يرجع في الأساس إلى نظرة المجتمع الدونية الى المرأة، حيث يعتبرها «إمّعة» بلا رأي، وعندما تُعارض توقعاته وتظهر على مواقع التواصل الاجتماعي برأي مخالف لمعتقداته، تُمارس عليها كل أشكال التمييز والتعنيف والتي تصل أحياناً إلى السب والقذف».
وتتابع: «طوال الوقت أجد معارضين لرأيي الخاص ومعتقداتي الاجتماعية، لكن أكثر ما يزعجني الشتائم وعبارات السب والقذف التي تنهال على منشوراتي، والسبب كوني امرأة في المقام الأول، فكم من رجل يعبّر عن آرائه المختلفة ولا تجرؤ أي امرأة على الحط من شأنه أو إهانته!
وتلفت غادة إلى أن مساحة تعبيرها عن رأيها الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، تتمثل في استخدام الـ«فايسبوك»، وتقول: «منشوراتي مختلفة وتعبّر عن رأيي في شتى المجالات، لكن أكثر مرة اندهشت فيها من ثقافة التمييز ضد المرأة، عندما كتبت في منشور أن فيلماً ما لم يعجبني، وكانت النتيجة أن شتمني أحد المتابعين بأمي».
وتؤكد غادة أن ثقافة التمييز على مواقع التواصل الاجتماعي لن تختفي، إلا إذا تغيرت نظرة المجتمع الى المرأة، حيث يراها إنسانة غبية وسطحية وليس من حقها التعبير عن رأيها، وإذا خالفت نظرته وأعربت عن رأيها مصحوباً بأمثلة تلقى كل أشكال التعنيف المعنوي واللفظي على مواقع التواصل.
«سكرين شوت»
رامي محمد، موظف موارد بشرية، يرى أن المرأة تتمتع بحرية أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول: «السكرين شوت» أحد الأسلحة التي تحارب بها المرأة التجاوزات والتمييز على مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد أن تلتقط «سكرين شوت» لأحد الرجال المتجاوزين في تعليق أو رسالة، وتنشره على حائط منشوراتها، يأخذ التفاعل من أصدقائها مجراه ضد ذلك المتجاوز، مما يدفعه للفرار بعيداً».
ويتابع: «لذا أرى أن للمرأة حرية أكبر في التعبير عن آرائها ومعتقداتها، خاصةً أنها تستتر خلف جهاز إلكتروني، إما بحسابها الشخصي أو بحساب وهمي».
تجنب التواصل
أما فريدة حسن، وهي طالبة في كلية إدارة الأعمال، فتؤكد أنها تتجنب التعبير عن رأيها في ما يخص القضايا العامة أو الحقوق النسوية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتوضح: «أقول رأيي بكل حرية في الواقع خلال مناقشاتي مع الأهل والأصدقاء، لكنني أرى أن لا مجال للنساء للتعبير عن آرائهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب التمييز ضدهن والذي غالباً ما ينتهي بتوجيه الشتائم إليهن».
وتتابع: «على أرض الواقع لا أرى تمييزاً بين الرجل والمرأة، فلكلا الجنسين حقوق وواجبات، وفي الوسط الثقافي والاجتماعي الذي أنتمي إليه لا أجد فارقاً بينهما، لكن على مواقع التواصل يظهر التمييز جلياً ضد المرأة، لذا أحتفظ برأيي بعيداً عن تلك المواقع».
سب وقذف
من جهتها، ترى حبيبة أنيس، موظفة في القطاع السياحي، أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تمثل عالماً افتراضياً، بل انعكاساً للمجتمع المحيط بكل آرائه وخلفياته الثقافية والتاريخية والدينية، وبناء عليه فإن التمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي أمر طبيعي، بسبب ترسيخ المجتمع لثقافة التمييز ضدها بشكل عام.
وتضيف: «نظراً لكون موقع «فايسبوك» هو الأكثر انتشاراً وتداولاً بين المصريين، فإنه يشهد التمييز الأكبر ضد المرأة، والسبب تهافت كل أطياف المجتمع عليه، باختلاف ثقافاتهم الفكرية ومستوياتهم الاجتماعية، فالمجال مفتوح للجميع للتعبير عن آرائهم وأفكارهم، لكن الطامة الكبرى تكمن في رفض المجتمع لفكرة تقبل الرأي الآخر، إذ يعتبرون الاختلاف خلافاً فيرفضونه كلياً، ومن هنا تأتي آراء النساء بالنسبة إليهم لتؤخذ على محمل شخصي، وبالتالي تكثر المنازعات والتمييز ضدهن، ولا مانع من التعنيف اللفظي أيضاً».
وتتابع حبيبة: «امتنعت أخيراً عن التعبير عن رأيي في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إنها ساحة كبيرة للنقاش، ونظراً لانعدام ثقافة تقبل الرأي الآخر وانتشار ثقافة التشهير والتمييز والسب والقذف ضد النساء، قررت الاحتفاظ برأيي في القضايا العامة والحقوقية والسياسية لنفسي، وعدم الدخول في أي نقاش إلا مع أصدقائي المقربين في لقاءاتنا الخاصة، فنتبادل وجهات النظر بمنتهى الديموقراطية والأريحية».
تحرّش
أما مريان زكي، موظفة تسويق، فترى أن التمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي انعكاس للواقع الاجتماعي، وتقول: «إن الفتاة التي لا تستطيع مواجهة التحرش في الشارع، أو يتم إلقاء القبض على المتحرش بها بادعاء أن ملابسها هي السبب، أو تُمنع من تحرير بلاغ ضده في محضر الشرطة خوفاً على سمعتها... هي نفسها لا يمكنها انتقاد سلوك التحرش والمتحرشين على مواقع التواصل الاجتماعي، خوفاً من أن تُواجه بموجة من الانتقادات والاتهامات الباطلة لسلوكها وملابسها، لذلك أرى أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تختلف كثيراً عن الواقع، لأنها تضم حسابات لأشخاص من صميم ذلك الواقع، بل يمكنهم التحرر أكثر في النقد اللاذع الذي يصل إلى السب في معظم الأحيان، لأنهم يستترون خلف أجهزة إلكترونية».
وتضيف مريان: «ما يساعد على انتشار النظرة الدونية الى المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر تصريحات لبعض المسؤولين والسياسيين ضد المرأة، وأرى أن هذه التصريحات بمثابة دعوات رسمية للتمييز ضد المرأة في العالم الافتراضي والمجتمع على حد سواء».
حسن اختيار الأصدقاء
حبيبة خالد، طالبة في كلية إدارة الأعمال، لها وجهة نظر مختلفة في تعرض النساء للتمييز على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول: «تلك النظرة الدونية للمرأة تعتمد في المقام الأول على الخلفية الثقافية لأصدقائها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهل أحسنت اختيارهم أم لا؟ وهل تربطها بهم صلة حقيقية أم أنهم مجرد أصدقاء افتراضيين في العالم الافتراضي؟»
وتوضح حبيبة: «لم أتعرض شخصياً إلى أي تمييز على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يحجر شخص على رأيي ولا على حريتي في التعبير، والسبب أنني أنتقي أصدقاء العالم الافتراضي، وجميعهم إما أصدقائي في الواقع أو أهلي، وبالتالي لا أعاني أبداً من ضيق مساحة الحرية على مواقع التواصل الاجتماعي».
امتداد للعنف
من الناحية النفسية، يفسر الدكتور محمد فكري، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، سبب التمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: «التمييز ضد المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي هو امتداد للعنف الممارس ضدها على أرض الواقع، وانعكاس لصورة المرأة في المجتمع الذي لا يزال يراها مكسورة الجناح ولا تصلح لأن تكون سياسية أو كاتبة أو ذات منصب كبير، ومن هنا تواجه المرأة انتقادات لاذعة مصحوبة بسب وقذف من دون نقاش فكري جاد».
ويتابع: «التمييز ضد المرأة وقمعها إلكترونياً يشغلان حيزاً أكبر من الواقع، بسبب أن المعارض لآرائها يستتر خلف شاشة كمبيوتر أو هاتف خليوي، وغالباً ما يكون الحساب الإلكتروني باسم مختلف لا يشتمل على أي معلومات حقيقية عن الشخص، والسبب أنه جبان يخشى المواجهة بشخصيته الحقيقية، ومن هذا المنطلق ظهرت اللجان الإلكترونية في مصر، والتي تعاني منها الشخصيات العامة للنساء والسياسية والحقوقية».
ويضيف أستاذ الطب النفسي: «بعض النساء الواقعات تحت العنف الإلكتروني يعانين أعراض العنف النفسي الحقيقي، الذي يبدأ من التوتر ويصل حد الاكتئاب».
مجتمع مريض
أما خالد محمد عبده، كاتب، فيرى أن المرأة تعاني على مواقع التواصل الاجتماعي ما تعانيه في الواقع، ويوضح: «تعاني المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي، واقع المجتمع المريض الذي لا يراها إلا بنظرة دونية أو شهوانية، وهذا ما يكشف سر التمييز ضد المرأة لو نشرت صورة جريئة لها، كأن تركب دراجة كنوع من الترفيه أو التريّض، فتتجلى النظرة الدونية وتلاحقها التحرشات في التعليقات، وهذا ما يحدث تماماً في الواقع».
ويلفت خالد إلى أن معاناة المرأة تكون أكبر على وسائل التواصل الاجتماعي، لأن البعض يستترون خلف حسابات وهمية، وبالتالي يكونون أكثر جرأة في انتقاداتهم اللاذعة للنساء، والتي تصل إلى حد السب والقذف لمجرد الاختلاف في وجهات النظر، ليبقى الـBlock هو سلاح المرأة الأهم على مواقع التواصل.
قوة المرأة
تؤكد الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن مع تطور المرأة عملياً وعلمياً، وتقلّدها مناصب مهمة، أصبحت أكثر قوة وتأثيراً من الرجل، لذلك فإن التمييز ضدها، سواء على أرض الواقع أو على مواقع التواصل الاجتماعي بدأ يتراجع.
وتضيف أستاذة علم الاجتماع: «ما تتعرض له المرأة من هجوم على مواقع التواصل، يدل على عمق تأثيرها في المجتمع، وأنها باتت محط اهتمام الآخرين إذ يقرأون لها ويستمعون الى آرائها وينتقدونها، فالمرأة تتعرض للنقد لأنها أصبحت الآن موازية للرجل في كل شيء».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024