الكاتبة والصحافية البريطانية كريستينا لامب: كتبت عن «ملالا» و«نوجين» لأنهما رفضتا دور «الضحية»
بعد نجاح « أنا ملالا » و « نوجين » ، أضحت الكاتبة والصحافية البريطانية كريستينا لامب (50 عاماً ) واحدة من أشهر مؤلفات البيوغرافيا ( كتب السيرة ) عالمياً . حياتها المتنقلة بين البرازيل وإفريقيا والعراق وأفغانستان وباكستان سمحت لها بأن تكوّن نظرة جديدة عن « الآخر » ، الذي يمكن أن يغدو في يوم ما جزءاً من « الأنا » . والأكيد أنّ عملها ضمن فريق الصحافيين الأجانب في « صنداي تايمز » جعلها على تماس مع ثقافاتٍ أخرى وحضارات متباينة، فاختارت أن تقدم للعالم شهادات مدهشة عن أبطال يعيشون على هامش الحياة .
في زيارةٍ إلى بيروت، وبدعوة من معهد الدراسات النسائية في العالم العربي في الجامعة اللبنانية- الأميركية LAU (مديرته لينا أبي رافع)، قدمت لامب الكتاب الجديد الذي وضعته مع نوجين مصطفى، فتاة سورية مقعدة هربت على كرسيها المتحرك من جحيم الحرب في بلدها. التقينا كريستينا لامب وتعرّفنا إلى بطلاتها وتحدياتها وأعمالها المقبلة في لقاء ضمّ عدداً من المتحمسات لأعمالها. أجابت كريستينا عن أسئلة «لها» وأسئلة الحضور بشفافية غالباً ما نلمسها في كلماتها.
- أنت تقدمين إلى العالم شخصيات نسائية من العالم الثالث على أنهن بطلاتٍ ملهمات. إلى أي مدى تساهم كتاباتك في تغيير النظرة الغربية «النمطية» إلى المرأة العربية والمسلمة؟
أنا لم أكتب عن المرأة في هذه النقطة من العالم ممّا سمعته أو قرأته، إنما جاءت كتاباتي عنها مما عايشته ورأيته بعينيّ. نعم، أوافقك أنّ ثمة نظرة نمطية رسخها الفكر الاستشراقي حيناً والإعلام الغربي أحياناً، لكنني لم أتقصّد أن أغيّر تلك النظرة بمقدار رغبتي في أن أقدّم إلى العالم «مثالا» إنسانياً قبل أن يكون نسائياً. أنا عشتُ في أفغانستان وفي العراق وتعرّفت إلى نساء سوريات في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وأعترف بأنني تعلمت منهن الكثير. إنهنّ ببساطة «قدوتي».
المرأة العربية أو المسلمة هي النموذج الذي أبني عليه كتاباتي، هي بطلتي. تجد فيها صفات المرأة الثورية والمناضلة والمتمردة والصبورة، إنها تتعب وتجتهد من أجل الحصول على حقوق تُعدّ بديهية في دول أخرى.
- بين ملالا الأفغانية ونوجين السورية، أيّ سيرةٍ كانت هي الأكثر تأثيراً في نفسك؟
ملالا ونوجين عاشتا ظروفاً صعبة، على رغم الاختلاف في طبيعة هذه الظروف. لكنّ الاثنتين رفضتا قطعاً أن تكونا منمطتين داخل صورة «الضحية». هما نموذجان مؤثران جداً في كلّ من يعرفهما أو يقرأ عنهما. أعترف بأنني انبهرتُ أمامهما ودهشت بقدرتهما على التحمّل وإصرارهما على مواصلة الحياة في كل الظروف. ملالا هي ملالا.
لا داعي لأن أشرح عنها كثيراً. هي الفتاة التي كادت أن تدفع حياتها ثمناً لتحصيل علمها في مجتمع ذكوري متطرّف لا يعترف بوجود المرأة أصلاُ كي يعترف بحقوقها. أمّا نوجين فهي الفتاة السورية التي لم تُقعدها إعاقتها خانعةً بين جدران غرفتها، بل سافرت ومشت أميالاً على كرسيها المتحرك كي تنجو بنفسها وتكمل الحياة بشغف وأمل. حكايتها أيضاً هزّت العالم وصارت مُلهمة الكثيرين، ومن بينهم ملالا نفسها.
- ما الذي اختلف في التعامل بين ملالا ونوجين أثناء كتابة سيرتهما؟ وهل يمكن القول إنّ كتابك صنع نجومية نوجين في وقت أنّ اسم ملالا صنع نجومية الكتاب؟
خلف ملالا ثمة مؤسسات وإعلام ومسؤولون. هي اليوم النوبلية العالمية ملالا، بينما نوجين تعيش وحدها مع شقيقتها في ألمانيا. ولكن أنا لم أصنع نجومية نوجين، بل إنّ شخصيتها القوية هي التي جعلتها نجمة جذبت إليها الأنظار من كل حدب وصوب. ولولا بطولتها الفردية لما أضحت بطلة كتابي، هي التي تعلمت الإنكليزية من الأفلام ولعبت دور المترجمة في رحلة الهرب بين السوريين والأجانب من شرطة وناس. وأنا كنت سعيدة في التعامل معهما لأنهما فتاتان عظيمتان ومرحتان جداً.
- كيف تعيش نوجين اليوم في ألمانيا؟ هل هي سعيدة بما حققته من شهرة عالمية؟
نوجين سعيدة لأنها الآن أكثر أماناً في ألمانيا، ولأنها تذهب إلى المدرسة للمرة الأولى في حياتها. تعيش هدوءاً واستقراراً، لكنها تحزن حين ترى ما يحصل في بلدها وتشتاق كثيراً إلى والديها وبقية أفراد أسرتها ممن لم يهاجر معها.
- ما الذي يمكن أن يصنع قوة المرأة في مجتمع يعمد دوماً إلى تحطيمها؟
الأهل. ملالا ونوجين ولدتا في ظروف صعبة جداً، لكنّهما حظيتا بدعم محيطهما الصغير. والدا ملالا أغدقاها بحب كبير ورعاية قلّما تلقاها فتاة داخل مجتمع لا يؤمن بوجودها أصلاً. أما عائلة نوجين فاهتمت بابنتها المقعدة ومنحتها الثقة والحب والوسائل التي يُمكن أن تخلق لها فضاء رحباً من خلال التلفزيون والأفلام والموسيقى والكومبيوتر. وفي رحلتها الشاقة، ظلّت نوجين تحت رعاية شقيقتها نسرين التي ساعدتها في الانتقال من برٍّ إلى بحر، ومن قارب إلى قطار وهي على كرسيها المتنقل.
- من هي «امرأة» كريستينا لامب القادمة؟
هنّ الأيزيديات اللواتي تعرّضن للاغتصاب والتهديد والقتل. واجهن تنظيم «داعش» المرعب ثم هربن إلى دول أوروبية أخرى ليقدمن إلى العالم صورة أخرى عن قوة احتمال المرأة وصلابتها وأملها في مواصلة حياة كريمة على رغم الفظائع التي يمكن أن تواجهها.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024