عندما يغيّر غسل الكلى حياة المريض... بانتظار تحقيق الأمل
عندما تصل الأمور إلى طريق مسدودة ويبلغ الفشل الكلوي المزمن حداً معيناً، يبدو غسل الكلى أمراً لا بد منه ويجب تقبّله بحلوه ومرّه. لكن في الواقع، من الواضح، وبشهادات مرضى يعيشون التجربة، أن غسل الكلى استطاع أن يغيّر حياتهم نحو الأفضل مقارنةً بالمرحلة السابقة التي عانوا فيها مضاعفات الفشل الكلوي وما ينجم عنه من أعراض ونتائج تصعب معالجتها إلا بوسائل موقتة.
لكن في الوقت نفسه، يبقى الأمل كبيراً بانتظار توافر كلية تتيح فرصة الخضوع إلى عملية زرع لتعود الحياة الى طبيعتها، فالظروف التي يعيشها المريض ليست سهلة، خصوصاً من الناحية النفسية.
الطبيبة اللبنانية الاختصاصية بأمراض الكلى والضغط شاديا بعيني توضح كل التفاصيل المتعلقة بغسل الكلى مع بلوغ الفشل الكلوي حداً معيناً، مشيرةً إلى شروط الوهب الصعبة في لبنان والتي تتطلب الكثير من الصبر والتحمّل من المريض حتى يتحقق أمله.
ما هي الحالات التي يمكن أن تؤدي إلى الفشل الكلوي وتستدعي اللجوء إلى غسل الكلى؟
يعتبر ارتفاع ضغط الدم والسكري من أبرز المشاكل التي يمكن ان تؤدي إلى الفشل الكلوي، ومن ثم غسل الكلى في مرحلة من المراحل. وقد ينجم ذلك أيضاً عن المشاكل في مصافي الكلى، والحصى غير المعالجة، والمشاكل الوراثية في الكلى التي تتطلب أحياناً غسل الكلى في سن العشرين، أو حتى لدى الأطفال من دون سبب معروف.
ما الأعراض التي قد تنذر بوجود مشاكل في الكليتين تؤدي إلى الفشل الكلوي؟
تكمن المشكلة الاساسية في أن أعراض الفشل الكلوي لا تظهر إلا في مراحل متقدمة من المرض، وأبرزها الضعف والإرهاق والنوم المتواصل والحكاك وتغيّر روتين التبوّل والتشنجات العضلية وقلة القابلية على الأكل والغثيان وامتلاء مواضع معينة في الجسم بالماء... ولهذا فإن كل من يعاني ارتفاعاً في ضغط الدم او السكري أو مشاكل صحية عائلية معينة، يمكن أن يصبح عرضة للفشل الكلوي، ومن الضروري أن يجري فحوصاً روتينية للدم والبول.
متى يُتخذ قرار اللجوء إلى غسل الكلى لمريض يعاني فشلاً كلوياً؟
في المراحل المتقدمة، عندما تعمل الكليتان بنسبة دون الـ15 في المئة، تصبح المتابعة الدقيقة ضرورية من خلال مراقبة المريض شهرياً وإجرائه فحوصاً للدم للتأكد من عدم وجود فقر دم حاد، والتحقق من معدل البوتاسيوم والأسيد في الدم، وما إذا كانت صحة المريض جيدة بعامةً، فلا يعاني إرهاقاً وضيقاً في الصدر وتورماً في الساقين.
إذا كانت حالته جيدة فلا داعي للجوء إلى غسل الكلى مباشرة، بل يمكن الانتظار. إلا أن بعض الاطباء يفضلون البدء بغسل الكلى إذا كانت الكليتان تعملان بنسبة دون الـ15 في المئة، حتى وإن كانت حالة المريض العامة جيدة. علماً أن اللجوء إلى غسل الكلى ضروري إذا كانت الكليتان لا تعملان.
متى يمكن وقف غسل الكلى؟
غسل الكلى يجب أن يكون موقتاً ومرحلياً إلى أن يتم زرع كلية. يمكن تعويض وظيفة الكلية بآلة من خلال غسل الكلى، أو بزرع كلية لمن تسمح له حالته بذلك.
هل من مدة معينة يمكن الاستمرار بها في غسل الكلى؟
الاستمرار في غسل الكلى يرتبط بإمكان الزرع مع صعوبة ذلك في لبنان، نظراً لعدم توافر العدد الكافي من واهبي الاعضاء. علماً أن واهب الاعضاء يمكن أن يكون حياً أو ميتاً. فإذا كان الواهب حياً، يجب أن تكون هناك صلة دم، ويخضع الملف لمراقبة دقيقة من لجان مختصة. والأمر ليس سهلاً أبداً، إذ يتم التشديد في الشروط اللازمة لتكون عملية الوهب والزرع مقبولة. أما الواهبين المتوفين فليسوا كثراً.
ما المضاعفات التي يمكن أن تنتج من الخضوع لعملية غسل الكلى؟
ثمة مضاعفات قد تترافق مع جلسة غسل الكلى كهبوط ضغط الدم الذي يمكن أن يكون حاداً أحياناً بحسب الكمية التي يتم سحبها.
كما يمكن أن يعاني المريض تشنجات عضلية في الجلسة وقد يشعر بالتعب. لكن رغم ذلك، فإن حياة المريض تتغير نحو الأفضل عندما يبدأ بغسل الكلى مقارنةً مع وضعه قبل المباشرة بذلك. فكثر يلجأون إلى الغسل وتكون حالتهم سيئة ويعانون تعباً شديداً ومضاعفات عدة وتتغير حياتهم مع الغسل بما أنه يحل محل الكلية إلى حد ما.
كيف تتم عملية غسل الكلى؟
ترتكز عملية غسل الكلى على غسل الدم، فيتم سحب الدم بأنبوب ويُعاد ضخه بعد تنقيته في الآلة. أما التقنية الثانية فتقضي بوصل نوع من جهاز صغير بالشريان يسحب الدم من خلاله ويصفى في الآلة. علماً أن الغسل يبدأ تدريجاً خلال 4 أو 8 أسابيع في البداية.
وخلال جلسة غسل الكلى، ينقّى دم المريض ويتم التخلص من الوزن الزائد لديه والمتمثل بالسموم والسوائل المتراكمة في الجسم، فالفشل الكلوي لا يسمح بالتبوّل الطبيعي، أو قد يتبوّل المريض بكميات صغيرة، مما يسبب له زيادة في الوزن.
وبالتالي، من خلال عملية غسل الكلى التي يكون فيها المريض موصولاً بآلة بواسطة أنابيب، يتم سحب الدم وتنقيته من السموم وإعادته ثانياً الى الجسم.
ما هي الإجراءات المتبعة أثناء الجلسة لمراقبة المريض؟
تتم مراقبة حالة المريض بدقة لجهة مستوى ضغط الدم الذي يكون عرضة للهبوط، وقياس الحرارة والوزن قبل الجلسة وبعد انتهائها.
إلى أي مدى يشعر المريض بالانزعاج أثناء الجلسة؟
لا يشعر المريض بشيء إلا بهبوط في ضغط الدم احياناً مما يسبب له القليل من التعب. مع الإشارة إلى أنه في الساعتين الأوليين من الجلسة، يمكن السماح له بتناول ما يريد من الاطعمة التي هو محروم منها للتعويض، إذا كانت حالته تسمح بذلك.
ما هو برنامج جلسات غسل الكلى؟
يخضع المريض عادةً لـ 3 جلسات في الاسبوع تدوم كل منها حوالى 4 ساعات.
ما طبيعة النظام الغذائي الذي يخضع له المريض الذي يعاني فشلاً كلوياً ويجري جلسات غسل الكلى؟
ثمة ممنوعات كثيرة في هذه الحالة نظراً إلى حالة المريض. إذ يجب أن يكون نظامه الغذائي خالياً من الكالسيوم بما أن الكلية هي المسؤولة عن تصريف الكميات الزائدة منه، فالزيادة قد تؤثر سلباً في وظيفة القلب. كما يجب الامتناع عن تناول الملح لاعتباره يسبب انحباس السوائل في الجسم.
أما البروتينات فهي مسموحة أكثر مما قبل البدء بغسل الكلى. في المقابل، يجب الانتباه إلى معدل الفوسفور. كما يجب عدم شرب الماء بكميات كبيرة تتعدى نصف الليتر إلى الليتر في اليوم الواحد بحسب القدرة على التبوّل.
هل من حالات أو ظروف معينة تمنع الاستمرار بغسل الكلى؟
ثمة مراحل معينة لا يمكن الاستمرار فيها بغسل الكلى كألاّ يكون هناك شريان يمكن استخدامه لإجراء الغسل. في هذه الحالة تتم محاولة الغسل من البطن.
هل هناك إجراءات وقائية معينة مطلوبة من المريض الذي يخضع إلى غسل الكلى؟
لا موانع أو إجراءات وقائية باستثناء النظام الغذائي والحرص عند ممارسة الرياضة وتجنب حمل أغراض ثقيلة في الذراع التي يتم منها الغسل. لا بد من الانتباه إليها جيداً.
هل من مشاكل معينة يكون مريض الفشل الكلوي المزمن اكثر عرضة لها؟
قد يكون المريض أكثر عرضة للإصابة بالسكري وارتفاع الضغط والالتهابات. كما قد تكون مناعته ضعيفة.
ما هي الإجراءات التي يتطلبها زرع الكلية؟
قبل إجراء عملية الزرع، وبعد تأمين الكلية، سواء من طريق واهب ميت أو حي، وإجراء كل الفحوص التي تؤكد التطابق وإمكان الزرع، يجب إخضاع المتلقي لفحوص المناعة وغيرها من الفحوص الدقيقة التي تتطلبها العملية، كفحوص القلب والتخطيط للتأكد مما إذا كان القلب يتحمل العملية، وأن لا مشاكل تحول دون إجرائها. كما يتم التأكد من عدم الإصابة بالسرطان.
هل من سن معينة لإجراء عملية زرع الكلى؟
لا سن محددة لإجراء عملية الزرع، لكن بعد الـ 75 سنة لا بد من التفكير ملياً قبل إجراء الزرع للتأكد مما إذا كانت حالة المريض تسمح بذلك.
فادي غريب ... رحلة طويلة بدأت بأخطاء وانتهت بغسل الكلى
تبدو رحلة المهندس فادي غريب طويلة مع المرض فبدأت بسن مبكرة من دون أن يتمكن من الحؤول دون تفاقم حالته ووصوله إلى مرحلة غسل الكلى. حتى الآن خالفه الحظ وشاءت الظروف أن تفشل كل محاولاته لتأمين واهب على الرغم من كل الجهود والتكاليف المادية الكبرى. عن بداية رحلته يقول السيد غريب: «في عام 1995 عانيت نشافاً في الكليتين . وبدأت المشكلة عندما أخطأ الطبيب الذي لجأت إليه في طريقة معالجة الحالة . كنت أعاني عندها ارتفاعاً في الضغط. في عام 2002 تطور النشاف في الكليتين من 10 إلى 30 في المئة وصارت حالتي تسوء أكثر فأكثر.
صرت عندها أتناول حبوب الكورتيزون وأخضع لعلاجات أخرى لم تناسبني، ورحت أتنقل من طبيب إلى آخر من دون أن أتلقى العلاج الصحيح، وأصبحت حالتي تسوء تدريجاً. لكن عندما لجأت إلى حمية لأخفض وزني تحسنت وظيفة الكليتين إلى حد ما، واستمرت الحالة ثابتة عند هذا الحد ثم تدهورت فجأة ووصل عمل الكليتين إلى 20 في المئة.
حاولت طبيبة السيطرة على الوضع ووصفت لي علاجاً وحرصت على نظامي الغذائي أكثر من سنتين، لكن تراجعت حالتي إلى أن وصلت إلى مرحلة غسل الكلى.
علماً أنني لم أبدأ بالعلاج الصحيح إلا قبل 4 سنوات من البدء بغسل الكلى، لكن الأوان كان قد فات. كل هذا ولا سبب محدداً لإصابتي بهذا الفشل الكلوي».
اليوم يخضع فادي غريب إلى غسل الكلى بمعدل 3 مرات في الأسبوع حيث يمكث في المستشفى حوالى 4 ساعات في كل جلسة . ويصف الآن حالته بالجيدة فهو يعيش حياة طبيعية يستطيع فيها الذهاب إلى العمل بشكل عادي.
وقد تحسنت حالته كثيراً بعدما بدأ بغسل الكلى. أما بالنسبة إلى نظامه الغذائي فيقول: «كان غذائي سابقاً قليل البروتينات والبوتاسيوم والملح. أما اليوم فيمكن ان أتناول البروتينات بمعدل أعلى. لكن من الطبيعي أن أمتنع عن تناول الملح وأن أخفف من شرب الماء السوائل ، لأن الكلية لا تتخلص من السوائل الزائدة فتنحبس في جسمي ويزيد وزني إلى أن أتخلص منها في جلسة الغسل».
ويشير السيد غريب إلى أن وضعه الآن لا يزعجه أبداً، والجلسة لا تسبب له مشاكل .
إلا أن الزيادة الإضافية في الوزن هي المشكلة الأساسية لاعتبارها تتطلب سحب كميات إضافية مما يؤدي إلى هبوط حاد في الضغط. كما أن الوضع بحسب قوله ليس سهلاً، فنمط الحياة هذا يتطلب إرادة قوية، أما الحل فلا يكون إلا بالاستمرار في الغسل أو بزرع كلية، وهو ما ليس ممكناً بعد نظراً الى تشدد القوانين في لبنان.
«غسل الكلى يتطلب 3 أيام في الأسبوع، ومن الطبيعي أن تتبدل حياتي بعد الزرع، لأن الوضع صعب نفسياً حتى. لكنني أحاول اللجوء إلى الزرع من سنتين، وهو ما ليس ممكناً اليوم، فكل الظروف تعاكسني. كما ان الوهب فشل مع كل الواهبين الأحياء الذين عبّروا عن رغبة في التبرع. فبعدما كنت أجري للواهب كل الفحوص اللازمة وأدفع تكاليف باهظة، يتبين في النهاية أن الزرع ليس ممكناً لسبب أو لآخر . وضعي صعب من الناحية النفسية ويزعجني تأثيره في عائلتي وأولادي، فهم يخشون عليّ من الموت.
لكنهم تقبّلوا وضعي بشكل أفضل الآن فيما أجد نفسي عاجزاً عن اللعب معهم مثلاً كما أحب، خصوصاً أن حالتي الجسدية قد تمنعني أحياناً لأنني متعب. حتى لجهة العمل، أجد أنني لست نشيطاً كالسابق . في النهاية أنا رب عائلة ومسؤول عن زوجة وأطفال، ويجب أن أحميهم وأكون قوياً في نظرهم، وذلك يتطلب مني جهوداً جبارة لأنني إذا ضعفت يضعف كل من حولي.
لا أزال أحاول مع العائلة والأصدقاء لإيجاد متبرع، فيما أعيش حياة شبه طبيعية وأذهب إلى الجلسات بمفردي حتى تتحسن الظروف ويحالفني الحظ.
سامي حلاّق ... أيضاً بانتظار زرع كلية
لم يكن السيد سامي حلاّق يعاني مشكلة صحية إلى ان أظهرت الفحوص ارتفاع معدل الـCreatinine لديه، وبعدما عالجه أحد الأطباء لخفض المعدل وصل به المطاف إلى غسل الكلى من حوالى 8 سنوات بمعدل 3 جلسات في الاسبوع، مدة كل منها 3 ساعات.
عن حالته اليوم، يقول السيد حلاّق: «أشعر الآن بأن حالتي الصحية عادية بعدما بدأت بغسل الكلى الذي يبدو كأنه يؤمّن كلية اصطناعية بدل تلك المتوقفة عن العمل. كما أنني لا أعاني مضاعفات ولم أتأثر بوضعي من الناحية الصحية، لكنني أنتظر واهب كلية. أيضاً أتّبع النظام الغذائي المناسب فأتجنب الأطعمة الغنية بالحديد والفوسفور.
كما أشرب الماء بكميات محدودة لكوني عاجزاً عن التبوّل فأشرب بمعدل نصف ليتر في اليوم. ايضاً ككل من يخضع إلى غسل الكلى، أحرص على سلامة ذراعي التي يتم الغسل من خلالها، وأتجنب حمل أوزان ثقيلة.
بشكل عام، لم تتأثر حياتي وأذهب بمفردي إلى الجلسات وأكتفي بالانتباه إلى نظامي الغذائي. لكنني أنتظر توافر الواهب حتى أُجري عملية زرع كلية».
هل غسل الكلى
هو عملية دائمة لا يمكن وقفها متى تم البدء بها؟
في حال البدء بغسل الكلى لا يمكن وقفه. علماً ان الأمر يختلف باختلاف السبب، فقد يكون الفشل الكلوي ناتجاً من حادث أو من
تناول دواء معين. إذا تم البدء بغسل الكلى بشكل طارئ فقد يكون موقتاً. أما إذا كان مزمناً فيتم غسل الكلى بشكل دائم إلى أن يتم زرع كلية.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024