تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

صديق ابني سارق!

فرح تميم

فرح تميم

شعر سامي (13 عامًا) بالحزن عندما أدرك أن صديق الطفولة والذي يعتبره أخًا له قد سرق نقوده أثناء وجودهما في بيته. لماذا سرقه؟ هل يكرهه؟ حاول أن يجد له المبرّرات، بأنه ربما يحتاج إلى النقود، أو أنه لم يقصد أن يؤذيه... ولكنه في النهاية سرقه، وهذا الصديق يدرك عواقب السرقة.
أخبر سامي والدته، فنصحته بأن يسأله بطريقة غير مباشرة، لكن الصديق أنكر بكل برودة أعصاب.

لماذا يسرق بعض الأطفال والمراهقين؟ وماذا يجدر بالأهل أن يفعلوا؟ وهل يكفي التوبيخ؟
عن هذه الأسئلة وغيرها، تجيب الاختصاصية في علم نفس الطفل فرح تميم.

لماذا يسرق بعض الأطفال؟
بداية، الطفل الصغير دون الخمس سنوات، لا يعرف معنى السرقة، ولا يدرك مفهوم الملكية الخاصة، وبالتالي، فإنه يستولي على لعبة أحد أصدقائه ويأخذها لأنه يرغب فيها، وهذا يحدث في صفوف مرحلة الحضانة. فهو قد يعجب بقلم صديقه الذي لا قيمة له فيأخذه. في هذ الحالات ندعو الأم إلى أن تتحقق من حقيبة طفلها بشكل دائم، وعليها أن تسأله بشكل لطيف عن القلم الذي لا يملكه، مثلاً «أريني ماذا لديك، أوه هذا ليس ملكك، عليك إعادته». وحين أقول إعادته، لا أقصد إعادة القلم سرًا، بل عليه أن يذهب إلى المعلمة، ويقول لها «أنا أخذت هذه اللعبة أو هذا القلم، وها أنا أعيده إلى الصف».
وهذا لكي يعرف أن هناك مسؤولاً في الصف، وعليه إعادة ما أُخذ إليه. وفي المقابل، على المعلمة أن تكون لطيفة، وتتفهم الطفل، وتشجّعه على ذلك بشكل إيجابي، كأن تقول «شكرًا أنت لطيف، إذا كانت تعجبك هذه اللعبة، يمكن أن تلعب بها في الصف، وإذا أردت أخذها إلى البيت، عليك أن تطلب الإذن مني».
وكذلك الأمر بالنسبة إلى صديقه. المهم أن يعرف الطفل أن الأشياء التي نأخذها بدافع الرغبة فيها، هي ملك أشخاص آخرين لا يجوز أن نأخذها من دون إذنهم. هكذا نعلّم الطفل حسّ المسؤولية، وأن هناك قوانين يجب الالتزام بها.

في المرحلة الابتدائية يدرك الطفل معنى السرقة، فلماذا يقدم عليها؟
لأنه طفل لا يستطيع أن يسيطر على نفسه، وأحيانًا بسبب الدلال المفرط. لذا على الأهل إيجاد سبل يستطيع من خلالها الطفل الحصول على ما يريده بطريقة سليمة، أي ألا يبالغوا في إغداق الهدايا أو الألعاب عليه، بل عليهم تعويده أن ليس كل ما يرغب فيه، يجب الحصول عليه.
فالإفراط في تدليل الطفل وتلبية كل رغباته يجعلانه يفكّر في أن الأمر له، وإن رغب في شيء يجب الحصول عليه مهما كلّف. لذا أشدّد على ضرورة أن تتحقق الأم من حقيبة ابنها المدرسية، أوّلاً لتقرأ الأجندة وما عليه من فروض، وما إذا كان هناك رسالة من المدرسة، مثلاً اجتماع أهالٍ أو عطلة مدرسية أو تنظيم نشاط، وكذلك لتتأكد من أنه أحضر لوازمه الخاصة، وما إذا كان هناك شيء لا يخصّه، وتسأله عن مصدره.
من المهم جدًا أن تتابع الأم هذه التفاصيل، شرط أن يكون رد فعلها منطقيًا. مثلاً إذا وجدت معه قلمًا لا يخصّه، عليها أن تسأله بلطف وتطلب منه إعادته.

ولكن أحيانًا يأخذ الطفل شيئًا لا قيمة له، بل أحيانًا تكون قيمته أقل مما في حوزته؟
صحيح، لذا أنصح الأهل بأن يختار التلميذ قرطاسيته، كي لا تكون لديه ذريعة، وعندما تجد الأم أنه أخذ قلم صديقه لأنه أجمل، عليها أن تذكّره بأنه هو من اختار قرطاسيته، وبالتالي لا يجوز أن يأخذ أشياء الآخرين عنوة، وعليه أن يضع نفسه مكان هذا الزميل الذي أخذ له قلمه، ألن يشعر بالحزن! أما إذا ادّعى أن صديقه أعطاه إياه، فهنا عليها أن تسأله هل أهله على علم بذلك! فربما لا، وبالتالي سينال عقابًا.
ما أريد توضيحه أن على الأهل أن يعلّموا الطفل أن هناك قواعد وضوابط لا يجوز تخطيها، من بينها أخذ أشياء الآخرين من دون إذنهم.
على الأهل أن يدركوا أن السرقة هي من الأخطاء التي يرتكبها معظم الأطفال، فهم لا ينوون السرقة بقدر ما يريدون حيازة ما لدى الآخرين. ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الرغبة في الحصول على أشياء الآخرين، تساهم في شكل كبير في حلّ المشكلة بسرعة وسهولة.

متى يتحوّل أخذ أشياء الآخرين سرقةً موصوفة؟ وهل أسباب السرقة عند الطفل والمراهق هي نفسها؟
عندما يتكرّر الأمر بشكل دائم، فإن السرقة تتحول سلوكًا، ويمكن القول إذا لم يتدارك الأهل الأمر منذ الطفولة ويردعوا ابنهم عن أخذ أشياء الآخرين، فإنه قد يتحوّل إلى سارق من حيث لا يدرون. وعمومًا، يمكن القول إن الأسباب هي نفسها التي تدفع الطفل والمراهق إلى السرقة.

مشكلات عائلية... الحاجة إلى لفت الانتباه
يعتبر الشعور بالنقص العاطفي عند الطفل والمراهق من الأسباب الرئيسة التي تدفعه الى السرقة. فالطفل الذي لا يلقى الاهتمام الكافي يشعر بأنه غير محبوب، أو أنّ أهله لا يهتمون به، وربما يكون شعوره صائبًا أو لا يكون.
فالطريقة التي يلقى بها الطفل اهتمام أهله أكثر أهمية من الكمية التي يتلقاها، ونعني هنا الفارق بين اهتمام الأم باحتياجات الطفل الأساسية، أي الأكل والشرب... واهتمامها العاطفي، أي منحه الحنان، والاستماع إلى مشكلاته والتحاور معه.
أما المراهق فهو يسعى للفت انتباه أهله، خصوصًا في حال الانفصال أو الطلاق، فيجد في السرقة طريقة للفت الانتباه إلى وجوده، ليقول أنا موجود. لذا فالأطفال والمراهقون الذين يعانون نقصًا عاطفيًا يترجمون احتياجاتهم العاطفية وشعورهم بالقهر برغبات مادية. وبالتالي فالسرقة تسمح لهم بالتعبير عن شعورهم بالانزعاج والبحث عن الاكتفاء. فهم يشعرون بالفراغ العاطفي، وتكون السرقة بالنسبة إليهم وسيلة لملء هذا الفراغ.

ضغط شلّة الأصدقاء
يحاول بعض المراهقين تقليد أصدقائهم، فإذا كان المراهق عضوًا في شلّة أصدقاء يرى أفرادها أن السرقة أمر مثير، قد يندفع إلى السرقة ليثبت انتماءه إلى الشلّة، فيسرق ليبرهن لأصدقاء الشلّة أنه شجاع وفي إمكانه اختراق القوانين.
وإذا كان الحال كذلك، على الأهل أن يتخذوا التدابير اللازمة لحل المشكلة، وأهمها التحاور معه وتذكيره بأن لاختراق القوانين عواقب كثيرة، من بينها السجن، فالمراهق يعاقب في إحداثية. لذا من الضروري أن يعرف الأهل أصدقاء ابنهم.

البيئة العائلية تشجّع أحيانًا
وهنا لا نعني أن الأهل يشجعون أبناءهم على السرقة، وإنما سلوكهم وأدبياتهم. فمن المعلوم أن الأهل هم القدوة أو المثال الذي يحتذي به الأبناء.
حين ينظر الأهل إلى الشخص النصّاب بأنه شخص ذكي مثلاً، حين يسمع المراهق وكذلك الطفل «برافو عليه لأن سرق مبلغًا من خزنة الشركة»؟ فهم بطريقة غير مباشرة يبعثون إليه برسالة مفادها أن السرقة أو النصب أمر مشروع.
وكذلك الأهل الذين يعتبرون أن المادة والثروة هما أساس السعادة في الحياة الاجتماعية بغض النظر عن مصدرهما، فمن الطبيعي أن تترسخ لدى الأبناء فكرة أن المال هو الذي يحدّد مرتبة الانسان الاجتماعية، وبالتالي لا ضير في السرقة إذا كانت توفر لي رغد العيش.
وكذلك الحالة المادية للأهل، فإذا لم تكن ميزانيتهم تسمح لهم بتوفير بعض احتياجات الأبناء، وكانوا في الوقت نفسه يبدون غيرتهم ممن هم قادرون ماديًا، فمن الطبيعي أن ينتقل هذا الشعور إلى الأبناء، الذين ربما يجدون في سرقة أقرانهم الأوفر حظًا ماديًا حقًا مكتسبًا لهم. لذا على الأهل قبل أن يعاقبوا أو يلوموا، أن يعيدوا النظر في أسلوبهم التربوي وفي سلوكهم الشخصي.

الحرمان أو الإسراف المبالغ فيه
يظن بعض الأهل أن حرمان الطفل أو المراهق من بعض الكماليات ضروري ليعرف قيمة الأشياء التي يحوزها.
وهذا لا بأس به، ولكن المبالغة في الحرمان قد تدفع بالابن إلى سرقة أصدقائه، وذلك لشعوره بانعدام العدالة. فمثلاً بعض الأهل لا يعطون أبناءهم المراهقين مصروف جيب رغم أنهم قادرون، وفي المقابل يشعر المراهق بالظلم لأن أصدقاءه في إمكانهم شراء ما يحتاجونه في المدرسة، وبالتالي فكثرة الحرمان قد تدفع إلى السرقة. أمّا في حال كان الأهل غير قادرين ماديًا، فعليهم توضيح الأمر له، وعدم قدرتهم المادية لا تعني أن السرقة مبررة، بل هي فعل غير أخلاقي، يعاقب عليه القانون والمجتمع، ولكن عليه قبل كل شيء أن يقتنع بأن سرقة الآخرين تؤذيهم.
وفي المقابل، هناك الأهل الذي يبالغون في توفير كل ما يرغب فيه الابن، ما يجعل هذا الأخير يظن أن عليه الحصول على ما يرغب فيه بأي ثمن كان، وإن كان من طريق السرقة. فهو لا يستطيع السيطرة والتحكم في رغباته. فمثلاً قد يسرق هاتف صديقه لأنه أعجبه رغم أنه يملك ربما هاتفًا أكثر حداثة.

كيف يجب أن يتصرّف أهل سامي... أي المراهق الذي تعرّض للسرقة من أقرب أصدقائه؟
من المؤكد أن سامي صدمته كبيرة، فثقته بصديقه قوبلت بخيانة، ويمكن أن يكون درسًا له، وهو أن ثقته في الآخرين يجب ألا تكون عمياء، وأن يكون حذرًا في صداقاته، وفي المقابل يجدر بأهل سامي عدم التهويل عليه ولومه، فهو لا ذنب له وليس مسؤولاً عن سرقة صديقه الذي وثق فيه، بل عليهم محاورته وتحويل هذه المشكلة إلى درس يتعلّمه.
وإذا كان سامي قد تيقن من أمر سرقة صديقه له، عليه مواجهته، وأن يؤكد له أنه رآه، ويسأله عن السبب وراء السرقة، ويذكّره بأنه صديق طفولته. كما يجب التحدّث إلى أهل التلميذ السارق، وقد يبدو الأمر محرجًا لهم، ولكن لمصلحة السارق يجب أن يعلموا بالأمر، ويعرفوا الأسباب التي دفعته للسرقة، وما إذا كان يسرق أشخاصًا آخرين، وعليهم تذكيره بالقوانين وعواقب مخالفتها... من المهم أن يدرك أن هناك رقابة. كما يجب سؤاله عما إذا كان مرتاحًا لفعلته. من المهم أن يعرف أن السرقة عواقبها وخيمة، ليس في العائلة وإنما في المجتمع أيضًا.

                                         
كيف يجدر بالأهل أن يكون رد فعلهم إذا علموا أن ابنهم يسرق أصدقاءه؟

الهدوء
ليس من السهل على الأهل أن يعرفوا أن ابنهم أو ابنتهم، خصوصًا إذا كانا مراهقين يسرقان. لذا ننصح بعدم المبالغة في رد الفعل عند اكتشاف الأمر، فليس بالضرورة أن يكون سارقًا، أو أنه يميل إلى عالم الجريمة، فالسرقة لا تختلف عن الأخطاء الأخرى التي يرتكبها الطفل والمراهق. فلربما سرق لأنه أراد فقط أن يبرهن عن قدرته في اختراق القانون.
لذا من الضروري معرفة الدافع وراء السرقة، هل سرق ليلفت الانتباه مثلاً. عندما يأخذ المراهق النقود من محفظة أحد والديه، لا يعني هذا أنه يقوم بفعل بريء. فهو في هذه السن يدرك تمامًا أن أخذ النقود بدون إذن من أحد والديه يعني سرقة.
ومن المؤكد أن السرقة هي إشارة إلى وجود أمور غير سوية تدفعه إلى القيام بها. لذا من الضروري التحاور معه، ومعرفة الأسباب التي تدفعه للسرقة. مثلاً يحتاج إلى مصروف جيب أكبر، ولكن قبل زيادة مصروفه، عليه أن يقدّم الأسباب التي تتطلب منه ذلك.

عدم اتهام ابنهم المراهق ومواجهته بشكل عنيف
يصرّ التربويون على هذه النقطة. وإن كان الأهل أكيدين من أنّ ابنهم سرق، فهذا لا يكفي لمواجهته واتهامه لأنه سوف ينكر، وبالتالي يصبحون مرغمين على تصديقه. وإذا قالوا له إنهم لا يصدّقونه، فهم يظهرون عدم ثقتهم به، ولا شيء أكثر تدميرًا للمراهق من أن يشعر بأن أهله لا يثقون به.
أما إذا اعترف فلا يجوز معاقبته، لأنه إذا أعاد الكرّة فسوف يكذب، وبالتالي يتعزّز لديه سلوك الكذب، فلا يعود يعترف بأخطائه، لأنه وجد أن من الأفضل له أن يكذب.
لنضرب مثلاً: اكتشفت الأب أن مبلغًا من المال قد اختفى من محفظته، سأل الوالدة وأكدت له أنها لم تأخذ نقوده، بحثا معًا ووجداها في خزانة ابنهما. في هذه الحالة عليهما السيطرة على غضبهما، وتجنّب مواجهته معًا والقول له أنت سرقت النقود، بل على الوالد أن يسأله لأنها محفظته ونقوده، لذا عليه التصرّف بحكمة.
مثلا يسأل ابنه: هل «أخذت» وليس «سرقت» من محفظتي 50 دولارًا؟ وإذا أنكر وهو متأكد من أنه أخذها، عليه ألا يقول له «أنت كاذب»، وأنه وجدها في خزانته، بل عليه أن يقول له ربما أضعتها، كنت أريد أن أعطيك إياها.
هنا يشعره بالذنب ويدفعه الى التفكير في فعلته. أمّا إذا اعترف، عندها عليه أن يقول له: «كان عليك أن تُعلمني بذلك، أردت شراء شيء وشعرت بالإحراج لأنه لم يكن لدي المبلغ الكافي. في المرة المقبلة أُطلب مني وسوف أعطيك».

إعادة النظر في تعاملهم مع ابنهم
على أهل التلميذ السارق أن يعيدوا النظر في أسلوبهم التربوي، وتعاملهم مع ابنهم، وأن يتحققوا من الأسباب الذي دفعته للسرقة. فإذا كان في حاجة إلى لفت انتباه، فعليهم بذل مجهود لمنحه الاهتمام الكافي.
إذا كان في حاجة إلى الشعور بالتحكم في حياته، يمكن زيادة مصروف جيبه والسماح له بأن يصرفه كما يراه مناسبًا. إذا كان في حاجة إلى بعض الأشياء ليكون جزءًا من شلّة الأصدقاء، يمكن طمأنته الى أنه سيحصل على ما يريد... شرط أن يعرفوا ما يدور بين شلّة الأصدقاء، أي أنهم ليسوا السبب في دفعه إلى السرقة. 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080