مرة جديدة: الإضاءة تحت الأضواء
لعل من أصعب الأعمال توصيف دور الإضاءة في الديكور، وبمعنى آخر يمكن القول إن تحديد أهمية الإضاءة في المشهد الزخرفي، تكاد تكون مهمة شبه مستحيلة ... ولا نقصد الإضاءة هنا من زاوية الديزاين فقط، ولكن من منظور ماهية الدور الذي تضطلع به في رسم المشهد وما تضيفه الى المساحات والفضاءات من حيوية جمالية ووظيفية لا يمكن الاستغناء عنها ... كما ينبغي أن نلفت الاهتمام الى أن حديثنا لا يتعلق بالإضاءة الطبيعية، ودورها بالتأكيد لا يمكن تجاهله، وهو حيوي ومطلوب قبل أي شيء آخر .
ولكن الحديث هنا يتصل بالابتكار والمهارة، وبالطبع القواعد والشروط الخاصة باستخداماتنا لمصادر الضوء وأدواته ووسائطه .
ولكي تتحدد معالم الصورة أكثر، لا بد من القول بأن انعدام الإضاءة يعني انعدام الديكور... ومن هذا المنطلق المبدئي يمكننا أن نحدد الأسس التي تشكل جوهر العملية الزخرفية، وتقود الى اختيار عناصرها، وبالطبع قواعدها.
فالإضاءة هي التي تسمح، بداية، بترتيب التفاصيل ورسم معالمها وتوزيع قيمها الجمالية والوظيفية. وبناء على هذا سنجد أنفسنا نقول بلا تردد إن الدور الأول للإضاءة هو منح الفرصة للاتصال البصري بالمشهد الزخرفي، وبالتالي الاستفادة من الخدمات والمنافع التي يوفرها المشهد، ومن ثم تحقيق العوائد المنتظرة.
قد يبدو هذا الأمر بديهياً، ولكن مما لا شك فيه أن الإضاءة الناجحة تزيد من فرص الربحية وترفع أسهم الاستثمار، سواء أكان الأمر على مستوى خاص أم على مستوى العمل. ولذلك نلاحظ الجهود الكبيرة التي تُبذل في مجالات الديزاين والتصميم والتصنيع من أجل ابتكار عناصر إضاءة كفية وقادرة على الانسجام الكامل مع بيئات العمل المتعددة المستويات، كما أنها تتمتع بكل المواصفات والمقاييس، ومطابقة للقوانين والأنظمة ذات العلاقة، وفي النهاية هي صديقة للبيئة نظراً الى صلتها بالطاقة وما يدور حولها من نقاشات وحوارات من أجل إيجاد حلول للمشاكل الناجمة عنها.
إن الخطوة الأولى في مجال الإضاءة داخل المنزل، هي أن نسقط من أذهاننا أحادية دور الإضاءة. ذلك أن التفكير بأن للإضاءة في المنزل وظيفة عملية واحدة، سيدفعنا للتفكير بأبسط السبل التقليدية، وهي أن نضع الإضاءة من الأعلى الى الأسفل، وهذا سوف يغيّب عنا أموراً كثيرة ويحرمنا من التمتع بالمزايا العديدة التي توفرها الإضاءة وتمنحها للمكان وفضائه.
ولكي نفهم طبيعة الإضاءة في الداخل، ينبغي أن نساير القاعدة الثلاثية الأولية والتي ترتكز عليها وتنطلق منها كل الخيارات: أولاً: النشاط. ثانياً: الهندسة. ثالثاً: الجو.
إن النشاط الذي نتطلع لشغل المكان به، يحدد الشروط التي ينبغي أن نراعيها في خياراتنا لإضاءته. فإضاءة غرفة مخصصة للنوم – مثلاً - تختلف عن إضاءة غرفة الطعام، وإضاءة الصالون تختلف بالتأكيد عن إضاءة المطبخ.
أما في ما يخص الهندسة، فإن شكل الغرفة أو مساحتها وحجمها وأبعادها تملي علينا مراعاتها عند تحديد خياراتنا للإضاءة. فالغرفة الكبيرة بنوافذ صغيرة تختلف إضاءتها عن غرفة صغيرة بنوافذ كبيرة.
وغرفة يصل ارتفاع سقفها الى 4-6 أمتار، إضاءتها تختلف عن إضاءة غرفة لا يعلو سقفها أكثر من 2.5 متر، وهو يتخطى الارتفاع المعياري في الهندسة الحديثة، وبالتأكيد لن يغيب عن ذهننا الدور الذي يمكن أن تلعبه الإضاءة في إخفاء بعض العيوب الهندسية. وهكذا نرى أن الهندسة تلعب دوراً في خياراتنا الخاصة بالإضاءة.
والمرتكز الثالث لهذه القاعدة يتعلق بالأجواء التي نريدها في الغرفة أو المساحة المعنية، فعلى أساس اختيارنا للجو، يمكننا تحديد خياراتنا للإضاءة، فالجو الرومانسي تختلف إضاءته عن الجو العملي، وجو اللقاءات الموسعة تختلف إضاءته عن جو اللقاءات الخاصة أو الحميمة.
وبالطبع يمكننا اختيار إضاءة للجو المناسب تبعاً لأمزجتنا وميولنا ورغباتنا، وبالتأكيد للميزانية المخصصة لذلك.
على أن المسألة لا تقف عند هذا الحد، لأن ذلك يدفعنا أيضاً لاختيار طبيعة الإضاءة، فهل تكون إضاءة عامة، بمعنى أنها لا تراعي جزئيات أو تفاصيل العناصر داخل المساحة، أم نريدها إضاءة مباشرة تراعي كل عنصر على حدة، فهي مباشرة لإظهار القطع الكبيرة من الأثاث، ومباشرة لإظهار الأكسسوارات، ومباشرة لتوفير الوضوح في كل ركن... أم نريدها غير مباشرة، تضيء الأشياء والزوايا والعناصر التي نرغب التركيز عليها من دون أن يظهر مصدر الإضاءة... أم نريدها منضبطة، دقيقة في توجيهها نحو المراد إضاءته دون غيره!
كما أننا لا ننسى مسألة الألوان حين نفكر في إضاءة الداخل، حيث تلعب الألوان دوراً أساسياً في تحديد خياراتنا. ونقصد بالألوان هنا، تلك التي تم اختيارها للغرف والمساحات وما تستوجب من خيارات لعناصر الإضاءة، أو ألوان هذه العناصر نفسها وألوان الضوء المنبعث منها. إن معرفتنا بهذه الأمور تضمن لنا السير بخطوات صحيحة لتحقيق إضاءة ناجحة ومتوازنة وصحية وآمنة في الوقت نفسه.
ولعل المسألة الأكثر أهمية في مجال الإضاءة الداخلية هي أن نحدد خياراتنا لكل المنزل بكل غرفه وأركانه وزواياه، قبل أن نبدأ العمل، وذلك من أجل إنجاز التمديدات اللازمة منذ البداية، لأن الخيارات المتأخرة ستكون مكلفة.
وحين نقول كل المنزل، فإن هذا يعني التفكير بالصالون وغرفة الطعام وغرف النوم والمطبخ والحمام والمدخل والممرات والسلالم وركن التلفزيون والمكتب، وكذلك الطابق تحت الأرضي.
كما لا ينبغي أن نهمل الخارج... الحديقة أو الترّاسات في حال وجودها. فالتفكير في المنزل كله يمنحنا فرصة الحصول على إضاءة مناسبة ومنسجمة وكفية للمنزل كله كوحدة متماسكة.
وبالطبع، فإن لكل خيار من هذه الخيارات مميزاته وجمالياته ووظائفه. وبقليل من الجهد يمكننا الحصول على ما نريد بالتحديد. إن استشارة بائع أدوات وعناصر الإضاءة، هنا، تبدو عملية ضرورية، ليس فقط من أجل توفير الوقت، او الحد من المفاجآت غير السارة، ولكن أيضاً من أجل التأكد من سلامة خياراتنا للعناصر التي تتوافق مع شروط المنزل، الشروط التقنية والمواصفات بشكل عام. وأيضاً من أجل سماع مقترحات العاملين والمختصين في مجال الإضاءة.
وكما في كل عناصر الديكور، فإن عناصر الإضاءة متوافرة بكثرة في الأسواق، وهي تراعي كل الطرز والأساليب والتيارات، وبالتالي تؤمّن الأشكال والألوان والمواد المختلفة والتي تنسجم مع كل الأفكار والتصورات والتصاميم، وتلائم كل الميول والرغبات.
وبما أن استخدام عناصر الإضاءة هو – بشكل عام – لا يتعدى الساعات المعدودة في اليوم، فإن تغليب الجماليات في الشكل يصبح مسألة ضرورية، وهو ما لم يغفل عنه الناشطون والمهتمون، حيث تراعي تصاميمهم ومبتكراتهم كل هذه المسائل، فنجد بعض عناصر الإضاءة أقرب الى المنحوتات والأعمال الفنية منها الى أي وظيفة أخرى. ومن هنا يمكن إدراجها في لائحة الكماليات الضرورية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024