تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

د.طوني تنوري: لا مفر من الحل الجراحي أحياناً لمعالجة أمراض القرص التنكسي «الديسك»

د. طوني تنوري

د. طوني تنوري

صارت مشاكل الظهر والآلام الناتجة منها أكثر شيوعاً في أيامنا هذه، واللافت ازدياد الحالات بين الشباب. قد يكون السبب جينياً أو مرتبطاً بنمط الحياة. أياً كانت الأسباب تبقى معظم الحالات قابلة للمعالجة من دون الحاجة إلى تدخل جراحي.
لكن ماذا بالنسبة إلى تلك التي لا مفر من اللجوء فيها إلى الجراحة مع كل ما يرافق الجراحة الكلاسيكية من مضاعفات وآلام وطول مدة العودة إلى الحياة الطبيعية؟ من المؤسف أن الحالات التي تشكو من «عدم نجاح العملية» أو من آثارها الجانبية أو من نتائج عدة لها على نمط الحياة، كثيرة ولا يمكن الاستهانة بها.
ذاك كان التحدي الاكبر الذي واجه رئيس قسم العمود الفقري في جامعة بوسطن الطبيب اللبناني طوني تنوري، إلى أن تمكن من تسهيل حياة المرضى مع جراحة المناظير عبر الاسلاك الرقيقة MIS المتعارف عليها عالمياً والتي لا تستدعي إلا جرحاً بسيطاً مع نزف أقل وخطر لا يذكر وإمكان عودة المريض إلى حياته الطبيعية بأسرع وقت.
عن مسببات أمراض القرص التنكسي المرتبطة بنمط حياتنا أحياناً إلى عوامل أخرى لا يمكن التدخل فيها وسبل الحد منها وكل الحقائق المرتبطة بهذه الحالة، وعن الجراحة التي بدلت حياة الكثيرين من المرضى، يتحدث د. تنوري مشيراً إلى أهمية وعي المريض أولاً وتثقيف نفسه حول الجراحة قبل الدخول إلى غرفة العمليات.

ما الذي يُقصد به عند التحدث عن الإصابة بـ«الديسك»؟
«الديسك» هو فعلاً من أمراض القرص التنكسي، وهو حالة يمكن أن تشبّه بالشيب. فمع التقدم في السن، كما يشيب شعر الإنسان، تحصل خشونة في الديسك ونشاف مع نقص معدل الماء فيه، ومع جفافه أكثر فأكثر تزيد الحالة سوءاً.

على الرغم من ذلك، نلاحظ في أيامنا هذه اكثر فأكثر ظهور إصابات"ديسك" بين الشباب. ما أسباب هذا الانتشار في سن مبكرة إذا كانت الحالة مرتبطة بالتقدم في السن؟
لا يزال سبب ظهور هذه الإصابات العديدة بين الشباب غير واضح حتى الآن، لكن يمكن أن تلعب عوامل عدة دوراً في ظهور هذه الحالات أكثر اليوم. قد تكون المشكلة في نمط الحياة والتعب الزائد إلى جانب زيادة الوعي والحرص على استشارة الطبيب مباشرةً عند ظهور أي مشكلة، فيما كانت تهمل في السابق. ظروف حياتنا اليوم تفرض علينا المزيد من الحرص وتمنعنا من التهاون في كل ما يتعلق بصحتنا الجسدية، لأن هذا يؤثر سلباً في نمط حياتنا وعملنا.
في السابق كانوا يتخاذلون عند الشعور بالألم، وكانت الأمور تبسّط عند الشعور بألم في الظهر، أما في أيامنا هذه فلا يحول الإحساس بالوجع دون معالجة السبب.
ومما لا شك فيه أن نمط حياتنا الذي يغلب عليه الركود له أثر سلبي أيضاً. فأي شخص اليوم يجلس على كرسي مكتب لساعات طويلة، يتوجه في المساء إلى النادي الرياضي لممارسة رياضة قاسية ورفع الأوزان الثقيلة فيما تنقصه اللياقة البدنية التي تتطلبها هذه التمارين.
لم يعد الجسم حاضراً لكل هذا ونقسو عليه فجأة. من الواضح أنه تنقص أي إنسان اليوم اللياقة البدنية التي كانوا يتمتعون بها سابقاً إذ كانوا في تمرين مستمر وحركة دائمة. وهذا ينطبق حتى على ربة المنزل التي كانت أعمالها مختلفة سابقاً ويغلب على نمط حياتها المزيد من النشاطات والأعمال المنزلية.

ما العوامل الأساسية التي يمكن أن تسبب إصابة «الديسك» إلى جانب السن؟
يبقى السن هو العامل الأكثر أهمية، وتزيد المشكلة سوءاً مع وجود العامل الجيني كأن تكون الام مصابة مثلاً أو الأب فيصبح الأطفال أكثر عرضة.
لذلك قد يكون عادياً إصابة امرأة في سن متقدمة، أما في حال إصابة شابة فلا بد من البحث عن عامل جيني محتمل. إضافةً إلى ذلك، ثمة مهن يكون العاملون فيها أكثر عرضة لإصابات "الديسك" كسائقي الشاحنات مثلاً والممرضات اللواتي تفرض عليهن ظروف عملهن الوقوف الدائم ورفع المرضى. وبشكل عام، للحركة الدائمة العشوائية وغير المدروسة تأثير سلبي في العمود الفقري عامةً، لأن الجسم لا يكون مستعداً للقيام بحركات معينة قد تكون مفاجئة وتسبب إصابات.

هل يبدو الرجل أكثر عرضة من المرأة لمشكلات الظهر أم أن العكس صحيح؟
يختلف ذلك باختلاف الحالة، ففي تلك المرتبطة بالهورمونات المسببة، تكون المرأة أكثر عرضة كالانزلاق الفقري. وطبعاً الحالات الناتجة من ترقق العظام وهشاشتها تظهر أكثر لدى المرأة.أما الحالات الناجمة عن ضغط زائد على الظهر والتي لها علاقة بطبيعة العمل فيكون الرجل فيها أكثر عرضة.

هل من عوامل معينة تساهم في زيادة فرص التعرض لأمراض الديسك التنكسي؟
يسرّع التدخين في نشاف "الديسك"، وكذلك بالنسبة إلى ترقق العظام. أيضاً عند حمل اغراض ثقيلة، من الأفضل حملها على مقربة من الجسم للحد من تعرض الظهر للأذى. والأفضل أيضاً النزول أرضاً بدلاً من الانحناء لرفع الغرض. أيضاً من العادات المؤذية، الجلوس لفترات طويلة.

ما الأعراض التي يمكن أن تظهر وتدعو إلى التفكير في احتمال الإصابة بـ"الديسك"؟
تبدأ أعراض "الديسك"عادةً بألم في الظهر، وتحديداً في أسفله. يأتي الألم ويزول في نوبات تتكرر وتتضاعف حدّتها مع الوقت وتصبح أكثر تقارباً من بعضها بعضاً.
فقد تحصل الآلام في البداية مرتين في السنة إلى أن يخرج الديسك من موضعه ويضغط على العصب فتبدأ آلام الساق، وشيئاً فشيئاً تتكرر أكثر في مواعيد متقاربة.

هل من معايير معينة لتحديد الحاجة إلى تدخل جراحي؟
لا بد من التوضيح أولاً أنه يمكن أياً كان أن يعاني آلاماً في الظهر في يوم من الأيام، إلا أنها قد تأتي وتزول وحدها من دون أي تدخل أو علاج، ويحصل هذا في معظم الحالات. وغالباً ما تتحسن حالات "الديسك" الناتجة من تكلّس من دون تدخل جراحي.
لكن في الحالات الباقية لا يمكن أن ننكر أن لا فائدة من العلاج ويكون الألم حاداً أولاً ثم يصبح مزمناً. عندها قد لا يكون هناك مفر من الجراحة بعد اللجوء إلى كل العلاجات المتوافرة من أدوية وعلاج فيزيائي وتغيير نمط الحياة ووصف الراحة للمريض. إذا لم تنفع كل الوسائل العلاجية المتاحة وأصبح الألم مزمناً، لا بد من التدخل الجراحي. يمكن القول إنه في نسبة 75 في المئة من الحالات يتحسن المريض وحده.
وفي الأشهر الثلاثة الأولى يكون الهم الأساسي كسب الوقت من خلال تغيير نمط الحياة واللجوء إلى العلاج الفيزيائي والأدوية، وفي حال عدم التحسن تدرس الحالة لتحديد الحاجة إلى جراحة. ثمة أعراض معينة تدعو إلى عدم التهاون وتتطلب المزيد من السرعة في اتخاذ قرار الجراحة، فعندما يضغط "الديسك" على النخاع الشوكي يسبب خللاً في التوازن وفي حركة اليدين بحيث يصبح المريض عاجزاً عن السيطرة على حركتهما.

هل هذا يعني أن قرار الجراحة يكون سريعاً في بعض الحالات؟
عندما يضغط «الديسك» على النخاع الشوكي، لا بد من اتخاذ قرار الجراحة. وعندها يمتد الألم من العنق إلى وسط الظهر. أما إذا ضغط «الديسك» على العصب فلا تكون الجراحة طارئة، ويمكن اللجوء إلى الحلول الأخرى سعياً للمعالجة. فالأدوية يمكن أن تخفف من الألم وتمكّن المريض من الانتظار حتى تتحسن حالته.

إلى اي مدى يمكن اللجوء إلى مضادات الالتهاب والادوية المسكّنة للحد من آلام الظهر؟
لا يمكن تناول هذه الأدوية عشوائياً، فلمضادات الالتهاب تأثير في الكلى، وثمة أدوية تسبب مشاكل كالقرحة. كما قد يؤدي المورفين إلى الإدمان. لذلك لا يمكن تناول هذه الأدوية إلا بناء على وصفة الطبيب الذي يحدد الحاجة إليها والمدة التي تتطلبها، لأنه لا يمكن الاستمرار في اللجوء إليها في المدى البعيد.

يتخوّف كثر من اللجوء إلى الجراحة نظراً للصعوبات التي تترافق معها ومضاعفاتها، كيف تختلف جراحة المناظير عبر الاسلاك الرقيقة MIS عن الجراحة الكلاسيكية؟
تجرى الجراحة الكلاسيكية المفتوحة بإحداث شق كبير في الظهر يتم بعدها توسيع العضلات لإظهار الفقرات المريضة وتنظيف ما حول الاعصاب مع إمكان حصول أعطال دائمة. ومن ثم يتم تحرير العصب بحيث يصار الى قص الجلد والعضلات.
هي عملية معقدة للغاية وكنت مقتنعاً بإمكان القيام بجراحة أكثر بساطة تسهّل الأمور من كل النواحي على المرضى وتحد من الألم والمشاكل التي يواجهونها على أثر الخضوع إلى الجراحة الكلاسيكية وما يستتبع ذلك من مضاعفات. شكل الأمر تحدياً كبيراً لي إلى ان عملت على ابتكار تقنية MIS التي لا تتطلب إلا جرحاً صغيراً لتوسيع العضلات ويتم العمل تحتها من دون المس بها بعكس الجراحة التقليدية.
ففي هذه العملية تُمدد العضلات بدلاً من قطعها، فيما يتم العمل من خلال المنظار. الألم يكون أقل حدة بما أن الشق يكون أصغر والمضاعفات أقل، ويمكن أن يعاود المريض الحركة ويرجع إلى حياته الطبيعية بشكل أسرع.

ما سبب أن كثراً يحتاجون إلى تكرار الجراحة الكلاسيكية بعد إجرائها للمرة الأولى؟
قد يحتاج المريض إلى تكرار الجراحة عندما تتمزّق انسجة في الجراحة، حتى أنه يمكن أن يتأذى «ديسك» آخر قرب ذاك المصاب، مما يؤدي إلى عدم توازن في الظهر يستدعي إجراء جراحة جديدة بهدف التصحيح. أيضاً يمكن ألا تجرى الجراحة بالشكل الصحيح فتبقى المشكلة موجودة.

بعد كم من الوقت يمكن أن يخرج المريض من المستشفى في حال اللجوء إلى جراحة MIS ؟
يختلف ذلك باختلاف الحالة وعدد الفقرات المعنية. فإذا كانت العملية محدودة، يمكن المريض الخروج خلال يومين أو أكثر بقليل إذا كان عدد الفقرات أكبر. مع الإشارة إلى أن هذه الجراحة أصبحت معتمدة في العالم في الأماكن التي تم التدرّب عليها.

ومتى يمكنه العودة إلى الحياة الطبيعية؟
يمكن العودة إلى الحياة الطبيعية سريعاً. لكن بالنسبة إلى العمل تختلف المدة بحسب طبيعة العمل، فمن يجلس وراء مكتب، يمكن أن يعود بشكل عادي. لكن من يتطلب عمله حمل أغراض ثقيلة، قد يحتاج إلى أسبوع أو أكثر. وفي ما يتعلّق بالرياضة، يمكن العودة تدريجاً.

هل من أشخاص لا يستفيدون من جراحة MIS ؟
تفيد الجراحة كل الناس، لكنّ لكل عملية حدوداً. قد لا يستفيد قسم من المرضى منها. كما أنها لا تناسب البعض. لكن بالنسبة إلى الأشخاص الذي يعانون مشاكل صحية، كمشاكل في الكلى وارتفاع الضغط، تعتبر جراحة MIS هي الفضلى، لأنها عملية بسيطة ويكون النزف فيها قليلاً.

هل من إجراءات وقائية معينة يجب اتخاذها؟
إجراءات الوقاية العادية مطلوبة من المريض، لكن من المؤكد أنها أقل من تلك التي تُطلب عند إجراء الجراحة الكلاسيكية، لأن الجرح يكون صغيراً. بشكل عام ليس هناك ممنوعات بعدها.

                                             
يصف البعض الراحة والاستلقاء للمريض الذي يعاني آلاماً في الظهر، فيما يقول كثر إن الحركة مناسبة أكثر، ما الأصح فعله؟
لا يفيد المريض النوم بدون حراك، بل على العكس. يمكن الاستلقاء لمدة يوم واحد لا أكثر للراحة، لكن الأفضل اللجوء إلى العلاج الفيزيائي لتقوية العضلات بشكل تدريجي.


رياضة

ما أنواع الرياضة التي ينصح بها مريض يعاني إصابة «الديسك»؟
بشكل عام، لا تحبذ كل أنواع الرياضات التي تتطلب ضغطاً على الارض ككرة السلة مثلاً، لأنها تؤذي العمود الفقري. من الأفضل التركيز على الرياضات الخفيفة على الظهر كالسباحة مثلاً. كما أن رياضة Elliptical  هي أفضل بكثير من المشي على الـTreadmill. كذلك تؤذي الهرولة العمود الفقري بسبب الضغط المبالغ فيه.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078