«معرض قلنديا الدولي» «هذا البحر لي... بحر من الحكايات»
البحر الذي شتّت اللاجئين وأبعد الفلسطينيين عن أرضهم وغدر بالسوريين عندما هربوا من الموت المحتّم ليجدوه بين أمواجه بعدما وعدتهم بالوصول إلى بر آمن، هو نفسه شعار «العودة» في الدورة الثالثة لـ«معرض قلنديا الدولي» الذي يُنظم وللمرة الأولى خارج فلسطين. إذ يتم تنظيم «معرض قلنديا الدولي» كل سنتين في فلسطين، ولكن في دورته الثالثة تم تنظيم هذا المعرض في كل من حيفا، بيروت، غزّة، عمّان، لندن، القدس، رام الله وبيت لحم، لأن الدورة تحمل شعار «العودة» لفلسطينيي الشتات.
في لبنان، نظمت «دار النمر للثقافة والفن» والتي أُنشئت حديثاً، معرضاً حمل شعار «هذا البحر لي» ضمن فعاليات معرض «قلنديا الدولي». في صالة الدار تستقبلك شاشة تعرض فيلماً بالأبيض والأسود، هو فيلم «استعادة» للمخرج الفلسطيني كمال الجعفري، ويتناول فيه مدينته يافا التي أعادها مجدداً إلى الجذور الفلسطينية بإلغاء الممثلين الإسرائيليين الذين صوروا هذه الأفلام في المدينة قبل هدمها. يشير الجعفري إلى أنه قام بتجميع كل الأفلام الإسرائيلية الروائية التي صُورت في مدينة يافا حيث وُلد، وهي المادة الوحيدة التي وثّقت تاريخ المدينة قبل تدميرها، ثم أخفى الممثلين الإسرائيليين من واجهة الصورة، وبنى فيلماً جديداً بخلفيات هذه الأفلام. ويلفت الجعفري إلى أن تاريخ هذه الأفلام يعود إلى ما بين عامي 1960 و1980، وهي الفترة التي تم تدمير المدينة فيها بطريقة ممنهجة... ويضيف: «استعادة» هو عمل أرشيفي لمدينة تعرضت للهدم، أسلّط فيه الضوء على المكان وعلى الفلسطينيين الذين ظهروا في خلفية الصورة عندما كانوا جزءاً من الأفلام الروائية الاسرائيلية».
أما «الموجة» للفنان الفلسطيني عبدالرحمن قطناني فكانت بمثابة الحدود، إذ حاول عبدالرحمن من خلال عمله أن يصور البحر بكل جماليته، ويقول: «نعتبر البحر هروباً من الواقع إذ نحاول أن نرمي همومنا فيه، ولكن الآن لم يعد في استطاعتنا أن «نفضفض» للبحر، لأنه بات يمثل لنا الخوف من الموت، خصوصاً بعد ما حدث مع اللاجئين السوريين، وما يحصل مع الفلسطينيين في غزة، فهو أصبح بمثابة حدود خطيرة جداً، ولذلك صنعت موجتي من الأسلاك الشائكة». ومن الناحية الفنية، يقول عبدالرحمن: «حاولت أن أجمع من خلالها مياه البحر والحديد، إذ إن انسياب المياه يوحي لنا بحركة جميلة، ولكن الحديد أو السلك الشائك يضعنا في حيرة مع أنفسنا، هل سنحب هذه الموجة أم أنها سترهبنا؟». ويضيف: «أكثر ما يعني لي هو التفاعلات الداخلية لكل شخص مع العمل الفني، وقد استعنت بحوالى 1500 متر من الأسلاك، كما استغرق إنجاز الموجة شهراً كاملاً، وساعدني في حياكتها صديقان».
أما الأرشيف الفلسطيني الذي تشتت مع اللاجئين فحاول كلٌ من أحمد باركلي وهنا سليمان وبمساعدة عدد من زملائهما تجميع ما يمكن الحصول عليه من الذاكرة الفلسطينية، إذ بدأ مشروعهم كمحاولة لكتابة جزء من تاريخ الوجود الفلسطيني في لبنان خلال سبعينات القرن الماضي، إلا أنهم لم يجدوا الأرشيف، فحاولوا تتبع آثاره ولملمة خيوطه عبر إعادة رسم مسارات جغرافية وسياسية بدأت في بيروت ومرّت بحيفا وقبرص والجزائر وروما، إذ يحمل هذا الأرشيف الذي توزع على أكثر من قاعة من قاعات دار النمر، قصصاً لا تزال بارزة حتى يومنا هذا، وأحداثاً تم تغييبها، فحجز أحمد وهنا قاعتين حملت إحداهما عنوان «نسيان»، فيما الغرفة المقابلة كانت «ذاكرة»... وقد تطلب المشروع حوالى 5 أشهر لإتمامه...
تسلط مجموعة «ديكتفون» الضوء على الواقع الفلسطيني من خلال مقابلات أُجريت مع أربعة أشخاص من سكان مخيم الرشيدية في منطقة صور جنوب لبنان، وهو أقرب مخيم لفلسطين، إذ يختلط في هذه المقابلات الحنين لفلسطين مع المعاناة التي يعيشها أهالي المخيم. وتتحدث الشخصيات عن يومياتها وعن علاقتها بالمخيم والبحر ونظرتهم للعودة. وعلى الرغم من النظرة التشاؤمية التي تعبّر عنها رشا صلاح مديرة «دار النمر للفن والثقافة»، والقيّمة على معرض «بحرٌ من حكايات» في ما يتعلق بموضوع العودة من خلال ما يحويه المعرض كموج البحر المصنوع من الأسلاك الشائكة وتغييب بعض من الأرشيف الفلسطيني، إلا أنها تقول: «نظرتي واقعية ولكنها تفاؤلية أيضاً، من خلال عرض كمال الجعفري فيلم «استعادة»، فخياري له لم يأتِ عبثاً، وما قدمه يعني لي الكثير، إذ هذه هي الرسالة الأخيرة التي يجب أن تُطرح. عندما صور الاسرائيليون في يافا ليقولوا انها بلدتهم القديمة، أزالهم كمال بكل بساطة من العمل فاسترجع الفلسطينيون يافا». وتضيف: «الشخصيات الفلسطينية العابرة في العمل تحولت إلى أبطال وسيبقون أبطالاً لأنهم سكان المدينة الأصليون. وللأسف هناك واقع، لكنه مأسوي، ولا يمكننا أن ننمقه، ولكنْ ثمة نضال من نوع آخر، وذلك نراه من خلال فيلم «استعادة».
يشير مدير «دار النمر للثقافة والفن» رامي النمر إلى أن هدف الدار نشر الثقافة في العالم العربي وفي لبنان بالتحديد، ويعتبر أن للبنان موقعاً رئيسياً في الثقافة. وتسعى الدار الحديثة المنشأ من خلال النشاطات الثقافية والفنية الى المساهمة في توعية الجيل الجديد بالثقافة التي فقدناها، وبالتالي كان توقيت إنشاء الدار مدروساً بعدما رأينا الانهيار الكامل في الفن والثقافة والسياسة والحضارة في المنطقة، إذ ان ثقافة القتل والنهب أصبحت هي الثقافة الرائدة. وفي ما يتعلق بالمعرض، يقول النمر: «اخترنا تنظيم هذا المعرض لأن فلسطين هي محور نشاطاتنا، وتظهر القضية المنسية والشعب المنسي. «معرض قلنديا الدولي 2016» هو أول منتدى رسمي للفنون في فلسطين يأخذ طابعه الدولي، وللمرة الأولى ينتشر في الخارج، عنوان المعرض «البحر لي»، وهو يتناول قصة البحر واللاجئين. فرمزية البحر تعبّر عن اللجوء المؤلم للناس الذين تبتلعهم مياهه، بالإضافة إلى حياة جديدة للإنسان. الأرشيف الفلسطيني بالنسبة إلينا هو ما يربط الشعب بذاكرته وحقوقه وحق العودة، فاخترنا هذا الموضوع ووقع اختيارنا على فنانين مميزين يعرضون مواد صعبة جداً ليخلقوا منها حياة وعرضاً بطريقة حديثة. وبما أن الفن في العالم العربي ناشئ، نحاول أن ندعم الشباب من خلال عرض أعمالهم في الدار، بالإضافة الى تنظيم ندوات ثقافية وسياسية مختلفة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024