تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

اكتشفي فيلنيوس... عاصمة ليتوانيا

كثيرة هي مدن أوروبا الشرقية التي استفاقت من كبوتها الشيوعية وعصر الإسمنت التقشفي، وكشفت تاريخها الطويل، وما يحضنه من روائع معمارية متماهية مع الطبيعة الخلابة التي تحضنها.
وفيلنيوس عاصمة ليتوانيا هي إحدى هذه المدن التي تأخذك إلى العصر الباروكي بكل تفاصيله المترفة بالتاريخ والطبيعة والفن الإنساني، لتجدي نفسك وسط قصور باروكية، وشوارع مرصوفة بالحجارة، وبيوت معتمرة القرميد الأحمر مستريحة على ضفتي نهر نيريس، إلى درجة تخالين فيها أنك تجولين وسط متحف حدوده الفضاء الأزرق. 


زيارة العاصمة الليتوانية مع بداية فصل الشتاء تُدخلك في تفاصيل جميلة، تتشكل في ذاكرتك لوحة تجتمع فيها كل عناصر الجمال. نُدف الثلج تتساقط بهدوء على القرميد الأحمر، فيما تتكوّن طبقة رقيقة من الجليد كما البلور تحافظ على خرير مياه نهر نيريس، والمدينة تحتفل به بسفاري الشتاء في المتنزه الوطني.
هل تخيلت يومًا أن تجولي في غابة وسط المدينة! فقد تركت فيلنيوس للطبيعة مساحات رحبة من المتنزهات الخضراء لتكون فردوسًا يلجأ إليه كل من يريد التسلل إلى ساعات من الاسترخاء.

يمكن القول عن فيلنيوس إنها مدينة يجتمع فيها كل أنواع الترفيه التي ترغبينها حيث يمكن أن تمضي إجازة انتقالية بين الخريف والشتاء.
فهنا تنبثق الحياة العصرية بصخبها وسرعتها من الروح القديمة للمعالم الأثرية... تجاور الهندسة المعمارية التي تختصر العصر الحالي بأبراجه الشاهقة، ومجمّعاته التجارية الكبيرة، وشوارعه العريضة، الفن الباروكي.

تعتبر فيلنيوس العتيقة واحدة من أجمل مدن أوروبا الشرقية وأكبرها. فرغم اختلاف هندستها المعمارية، فإنها منسجمة مع بعضها وكأنها تعكس التنافس بين أمزجة فنانيها وتبدّل أسياد الزمان والمكان.

أما رمز المدينة فهو برج جيديميناس الذي بُني تكريمًا للدوق جيديميناس الكبير، وهو يقع عند أقدام الهضبة، وتُسمى الساحة القريبة منه ساحة جيديميناس.
وقد رُمم  قصر السيادة الموجود قربه الذي يعود إلى القرن السادس عشر، وانتهت الأشغال منه  عام 2009، العام الذي شكّل ذكرى مرور ألف سنة على دخول اسم ليتوانيا صفحات التاريخ المكتوب.

وفي وسط المدينة العتيقة تمتد ساحة كوتوزوف، حيث يوجد البلاط الذي توالى الحكّام على السكن فيه بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويتميز القصر بأعمدته الفريدة. وفي التاريخ أن نابليون سكن هذا القصر أسابيع عدة، وبعد انسحاب القوات الفرنسية استعاد المارشال كوتوزوف القصر وسمّيت الساحة باسمه.

واللافت في فيلنيوس أنها كرّمت عظماء الأدب الأوروبيين، من دون أن تفكر في تاريخ ملوكهم وأطماعهم. فتخيّل أن لألكسندر بوشكين الشاعر الروسي ساحة باسمه يتوسطها مجسم له، ويجاورها شارع سفيركا الأديبة الليتوانية التي دافعت عن الأدب الليتواني حتى رمقها الأخير. 

التسوّق في المدينة  العتيقة 
عند شرقي ساحة جيديميناس تنطلق شرايين المدينة المركزية، حيث تأخذك الأوردة إلى المعالم الفريدة التي تعكس تشبث سكان فيلنيوس بتاريخهم المجيد، رغم أسلوب الحياة العصرية الشابة.
إذ تتجاور في الشوارع العتيقة البوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء، ومطاعم الرصيف والمقاهي التي تغص بالرواد، خصوصًا طلبة الجامعات ورجال الأعمال والفنانين الذين أتوا من جميع أصقاع العالم، وتراهم هنا يتناولون طعامهم، أو يتسكعون بين أروقة مدينة لا تعرف إلا أن تكون عالمية.
إن التسوّق في أطراف المدينة العتيقة يتيح لك رؤية الكثير، فعلى طول الطريق، سترين الكثير من المعالم الأثرية المثيرة للدهشة بهندستها المعمارية، وسحر العصور الوسطى التي استطاعت فيلنيوس الحفاظ عليها من دون أن تخدش جمالها التاريخي.

أين تتسوّقين؟
جيديميناس بروسبكت أحد أفضل أمكنة التسوق في المدينة العتيقة، ولا سيما إذا كنت ترغبين في تسوق مترف. فهنا في هذه المنطقة تصطف بوتيكات دور الأزياء الراقية، ومحلات بيع التذكارات والمكتبات والمطاعم، إضافة إلى بوتيكات السلسلة العالمية... مثل زارا، مانغو، ويونايتد كولورز أوف بينيتون. 
فيما شارع بيليس واحد من أفضل الشوارع لشراء الهدايا، بما في ذلك الحِرف الخشبية، ومجوهرات العنبر التي تشتهر بها ليتوانيا، والكتان، والسيراميك. يمكنك أيضًا تصفّح  العديد من الأكشاك المنتشرة على طول بيليس، حيث تجدين  قطع العنبر الخام وأكسسوارت اليد المحبوكة والجوارب الصوفية، واللوحات.
شارع «وول الكبير،» وهو شارع التسوق الرئيس، يجذب بوتيكات المصممين الأثرياء، فهنا المصنوعات الجلدية وملابس دور الأزياء الراقية المعروضة في واجهات المتاجر العريقة.
سيري بعدها نحو شارع «بوابة الفجر» حيث تجدين مزيدًا من المتاجر والهدايا التذكارية المصنوعة يدويًا، يتم ترتيبها على الرفوف في عرض مثير للاهتمام. على طول هذا الشارع  المركزي تتجاور المطاعم والمقاهي والحانات، مما يتيح لك فرصة  للاسترخاء. وإذا كنت من هواة الفنون وثقافة ليتوانيا الشعبية فهنا تجدين العديد من المعارض الفنية والمتاحف.
شارع تراكي، وهو شارع  مثير للاهتمام هنا، سوف تجدين  متاجر الجوارب، والقفازات، والملابس الداخلية للسيدات، ومحلات التصميم الداخلي، ومتاجر التجزئة التي تبيع أنواعاً مختلفة من الشاي والزيوت، ومحلات المجوهرات. كما يوجد في الشارع اثنان من المتاجر الأكثر شعبية، هما «هيومانا» المعروف بالتخفيضات، أي ما يُعرف بـ«الأوتليت» Outlet، ومتجر «أوتليت» للأحذية، الذي تُباع فيه ماركات الأحذية  العالمية بأسعار مخفّضة.
يزدحم في كلا المتجرين المتسوقون الذين يحصلون على صفقة جيدة في تسوق أهم الماركات العالمية الأصلية بأسعار منخفضة جدًا.

زيارة مدينة تراكي ... المنافس التاريخي للعاصمة
من فيلنيوس انطلقي بالحافلة نحو بلدة تراكي، التي يستغرق الوصول إليها 36 دقيقة. أمّا لماذا! فلكي تكتشفي العاصمة القديمة لليتوانيا الساكنة بين التلال والغابات والبحيرات، وتجولي في مهد الدولة الليتوانية، وهو قصر تراكي العائم على بحيرة وسط جمال طبيعي خاطف للأنفاس، وتتعرّفي إلى المكان الذي صورت فيه مجموعة أفلام مثل Dungeons and Dragons: وHighlander:The source.
وحكاية هذه البلدة أنه عندما أصبحت فيلنيوس عام 1323 العاصمة، بقيت تراكي مقر إقامة دوقات ليتوانيا حتى منتصف القرن الخامس عشر. سوف يبهرك الجمال الساكن في هذه البلدة  بأبراجها العالية، والقلاع من القرون الوسطى المبنية من الطوب والخشب في آن.

قلعة تراكي
غالباً ما يشار إليها باسم ليتل مارينبورغ، وتقع هذه القلعة وسط بحيرة غالف. تزنّرها المياه من كل الجهات لضمان أمن سكّانها.
شيّدت عام 1410 واستُخدمت لأهداف مختلفة إذ صُممت في البداية لتكون حصنًا للدفاع عن البلدة، ثم تم تحويلها إلى مسكن دوقات ليتوانيا... وفي وقت لاحق تحولت إلى سجن. أُهملت القلعة في العهد الشيوعي حتى عام 1962 عندما قررت الحكومة الليتوانية إعادة ترميمها، ولكن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف، رفض.
عندما تقتربين من القلعة  سوف تدهشين بالبحيرة التي تحضنها والممرين اللذين يوصلانك إليها، وقد تلتقين أثناء عبورك أحد موسيقيي الشارع يعزف على الاوكورديون، لا ينتظر منك أن ترمي بنقودك بل أن تستمعي وتتعرفي إلى جذور بلاده.
كل شيء جميل هنا... مشهد القلعة الخارجي يعانق الشمس في يوم خريفي صافي الزرقة، وفي خلفيتها تلال خضراء، تتمرأى على وجه مياه البحيرة التي تراقص القوارب الشراعية وقوارب الكاياك.... جاءت القلعة على النمط القوطي. فعند ولوجك إلى فناء القلعة الداخلي، قد تشعرين بأنك إحدى دوقات القرون الوسطى، وأنك في منزلك... عليك بالتأكيد التقاط صورة هنا.
وكلما ولجت في القلعة سوف تخوضين تجربة الملوك وتتعرّفين أكثر إلى ما تخبئه من كنوز تاريخية وروائع فنية، مثل القفص الذهبي الموجود في أحد أجنحتها. ولا تكتمل زيارتك للقلعة من دون جولة في المتحف الذي يعرفك  إلى أسلوب الحياة الذي كان بين جدران القلعة في العصور الوسطى، ولا سيما  نمط الحياة التقليدية الليتوانية. 
كثيرة هي البلدان المتشبثة بتاريخها، بيد أن قليلاً منها يعرف كيف يأخذك إلى عالمه ويجعله حاضراً في وجدانك. وفيلنيوس وتراكي الجميلتان تدخلانك في عوالم ليتواينا، وما عليك إلا أن تحزمي حقيبتك وتسافري إليهما لتنهلي من صفحات التاريخ قصص مدن تختصر السحر بين سطورها.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079