في أحدث كتبه يوضح الشاعر مسعود شومان لماذا يبكّر شعراء العامية في الرحيل؟
هو باحث من طراز رفيع، يمتلك أدواته البحثية، لا سيما في مجال التراث الشعبي، فضلاً عن كونه أحد أبرز شعراء العامية المصرية في الوقت الراهن، وقد استفاد الشاعر مسعود شومان من هذه الإمكانيات ليقدم لنا كتاباً مهماً بعنوان «المؤتلف والمختلف... قراءات في شعر العامية المصرية»، راصداً فيه مجموعة من القضايا المرتبطة بهذا النوع، الذي يلامس قلوب القراء.
- هل من الممكن أن يُعتبر هذا الكتاب سجلاً لكل شعراء العامية المصرية؟
في الحقيقة لا يهدف هذا الكتاب الى استقصاء كل أسماء شعراء العامية المصرية، أو إعداد مسح شامل يطل على المبدعين في هذا المجال، لكنني توقفت فيه عند مجموعة من الشعراء المؤسسين، خاصة في علاقتهم بالمصادر الشعبية، وركزت بالتالي على دواوين شعراء العامية في الفترة من 1980 إلى 2015.
- من هم أبرز الشعراء الذين توقفت عندهم؟
الشاعر الكبير فؤاد حداد، الذي تعد تجربته واحدة من أكثر التجارب اشتباكاً مع الواقع ومع الموروث الشعبي، ثم صلاح جاهين الذي تربّى في أحضان عادات الجماعة الشعبية وتقاليدها وأشعارها، خاصة أنه تشرب الأغاني الشعبية والمواويل، وقد استفاد من ارتحالاته مع والده، نظراً الى طبيعة عمل الأخير التي تجبره على التنقل من مكان لآخر، وتمكن من أن يختزن في ذهنه مشاهد متعددة للبيئات التي عاش فيها، وكذلك لأساليب العيش، وظهر هذا التنوع في كتاباته، إذ كتب شعر العامية، الزجل، الأغنية، الأشعار المسرحية، والسينمائية والأوبريت، فضلاً عن مسرح العرائس والفوازير، كما توقفت عند الضلع الثالث في مربع العامية المصرية، وأقصد فؤاد قاعود صاحب العديد من الدواوين المؤثرة في مسيرة هذا النوع الشعري، مثل دواوينه: «الاعتراض»، «المواويل»، «الخروج من الظل»، «الصدمة»، «ضمير المتكلم»، و«شرح الجرح».
- هل الذين ذكرتهم هم فقط الشعراء الذين توقفت عندهم في هذا الكتاب؟
لا، هناك العديد من الشعراء الذين رصدت ملامح تجربتهم الإبداعية، مثل عبدالرحمن الأبنودي، سمير عبدالباقي، حامد البلاسي، محمد كشيك، يسري حسان وآخرين.
- هل جاء هذا الجهد لكي يعوض غياباً نقدياً رصيناً عن متابعة حال شعر العامية؟
بالفعل، لقد كفّ النقد طويلاً عن ملاحقة شعر العامية ودراسته بما يليق بمنجزه، وأرى أن هذا سكوت مريب، فما زال النقد، ورغم مرور خمسين عاماً على حركة شعر العامية، يتحفظ عن متابعته وتقديم شعرائه.
- خصصت فصلاً في الكتاب للإجابة عن سؤال طرحته بعنوان: «لماذا يرحل شعراء العامية باكراً؟» هل وجدت إجابة عن هذا السؤال؟
من خلال رصدي لأعمار شعراء العامية، وجدت أن عدداً كبيراً منهم توفى صغيراً، وهنا طرحت مجموعة من الأسئلة الفرعية المرتبطة بالسؤال الأساسي، مثل: هل لموت الشعراء علاقة بنوع الكتابة، أم بانحصار أماكن النشر، مما يصيبهم بإحباطات، لا سيما أن هناك – حتى الآن - تعمداً في النظر الى هذا النوع من الإبداع على أنه درجة ثانية، والإجابة عن هذا السؤال بدقة شديدة تحتاج إلى دراسات اجتماعية وصحية وغير ذلك، لكنني قدمت إحصاءات دقيقة تؤكد وفاة معظم شعراء العامية في سن صغيرة، فعلى سبيل المثال، الشعراء الذين رحلوا في سن مبكرة لجيلي السبعينيات والثمانينيات، وقد عاش أطولهم عمراً 51 عاماً، وأقصرهم عمراً رحل عن 29 عاماً، فكل شعراء العامية الذين رحلوا من جيل الثمانينيات قضوا بعد معاناة مع المرض، عدا الشاعر محمد عبدالمعطي، الذي رحل عن دنيانا إثر حادث أليم. وهذا التنوع قد يؤشر الى الوضع الاجتماعي الذي عاشه هؤلاء الشعراء، بل لا نستطيع أن نتعامل مع رحيلهم في معزل عن هذه الفترة التاريخية التي عاشوا خلالها، وانعكاساتها على المجتمع المصري بعامة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024