نضال الأشقر... بيان امرأة مسرح 2016
باشر مسرح المدينة في بيروت الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيسه (من 14 حتى 26 الشهر الجاري)، وللمناسبة كتبت الفنانة نضال الأشقر، مؤسسة مسرح المدينة ومديرته، هذه الكلمة.
وسطَ هذا كلّه، وسطَ هؤلاء كلهّم، ومع كل ما يجري حولنا من دمار لمدينتنا ولمدننا التاريخية الرائعة، مع دمار لأرضنا، لبحرنا لساحلنا، لمدارسنا ولإنساننا. وسط هذا كله نقاوم ونستمر، ونعود لأن الحياة عودة كما هي انطلاق هي عودة. كما هي أمل ثم خيبة هي انبعاث للأمل من رماد الخيبة. قبلَ الحرب، حلمنا بعالم أفضل من ذلك السلام، وبعد الحرب جئنا نحلم بعالم أفضل من أوهام السلام وأفضل من آلام الحرب. قبل الحرب، كانت بيروت مسرحاً كبيراً لأحلام النخبة من اللبنانيين والعرب. كانت عاصمة الخيال والمغامرة، وفي تلك الأجواء الرائعة خضنا تجربة محترف بيروت للمسرح، التي كانت نواة ثقافية وفنية دينامية رحنا من خلالها نبحث بحثاً نابضاً بالحياة عن شكل ومضمون جديدين للمسرح. عن مسرح حديث يشبهنا يحمل هواجسنا وأمانينا، وحولنا تجمع فنانون وشعراء وكتاب رأوا في تجربتنا محاولة لا للتفتيش عن ذات مسرحية أصلية فحسب، بل عن ذات إنسانية تريد أن تنعتق تريد أن تولد. وساهمنا مع زملائنا الآخرين في المسرح اللبناني وفي الحياة الأدبية والثقافية اللبنانية، في خلق تلك الرعشة الجميلة التي جعلت بيروت الستينات والسبعينات صفحة ذهبية فريدة وخالدة في كتاب تاريخ المنطقة.
ولا مرة، قبل ذلك وخلاله واليوم، فهمت المسرح ﺇلا حياة منافسة للحياة، حياة تستبق الحياة. كنا نريد كل شيء أفضل، لكننا أيضاً حذّرنا وصرخنا عالياً، واتُّهمنا وحُسدنا، وبعضهم يقول أننا لم نخطئ دائماً في رؤيانا. أليس الفنان وكل مبدع توأماً للزمن المتكامل لا ينفصل فيه ماض عن مستقبل؟
بقعة النور التي هي المسرح جزيرة يقدر الإنسان فيها أن يرسم معالم مستقبله للحرية والعدل والفرح والحب.
هكذا فهمتُ المسرح منذ بدأت العمل، وهكذا أواصله في مسرح المدينة الذي سأسعى بالتعاون مع جميع الخيّرين من الخلاقين والموهوبين، حتى يكون نواة جديدة لأحلام ومحاولات جديدة نسعى في إطارها الى إيجاد لغة تُطلقنا مجدداً الى عالم أردنا أن نغّيره فلم ننجح، لكننا سنظل نحاول تغييره.
لقد سعيت وأسعى دائماً بالتعاون مع كل الخيّرين والمبدعين الخلاقين، ليكون مسرح المدينة نواة لأحلام ورؤى جديدة ومشاريع جديدة ونجوم جديدة تنطلق في فضائنا وتمتد الى العشرين سنة المقبلة. وسأستمر بهذه المغامرة المنعشة وسط هذه المدينة التي نحب، بيروت. ولن ندعهم يقضون على أحلامنا حتى ولا على أوهامنا، وسنستمر لأن الحياة استمرار.
ومع العشرين سنة المقبلة، سنقاوم الجهل والرقابة والتسلّط، ونسعى الى العدل بين الناس والحياة المدنية الكريمة.
تلك البقعة من الضوء التي يدخل إليها الناس ليفتحوا حلمهم وخيالهم ورؤاهم، ذلك الوطن ضمن كل وطن، تلك الحرية فوق جميع القيود، ذلك الجمال على رغم كل بشاعة، هكذا نريد مسرحنا أن يكون.
وإذا قيل: لا شيء في المسرح حقيقياً ما دام هو هذا الحلم، نجيب: لذلك هو الحقيقة! ولعله الحقيقة الوحيدة.
وأصلّي أن نكون كثيرين، وأن يزداد دائماً عددنا على ذلك المركب الغارق أبداً الناجي أبداً التائه في خضمّ لا ضوء خارجه ولا سلامة.
عن الشقيقة الحياة
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024