تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

رشا شربتجي: ابتعدت كي لا أظهر هزيلة أمام الوجع الكبير

بعد غياب عن الدراما السورية دام أربع سنوات، عادت المخرجة رشا شربتجي من جديد الى حارات دمشق، لتصور مسلسل «شوق»، الذي أعادها إلى مدينة الياسمين، وهو يتناول بكثير من الشفافية حكاية حب في زمن الحرب، في محاولة لرصد هذا التضاد بين وجهي القبح والجمال...
وقد أجرينا اللقاء مع المخرجة رشا قبل أيام قليلة من حادث السير الذي تعرضت له في بيروت، مما أدى إلى تأجيل العمل الذي كان من المفترض البدء به في أواخر شهر أيلول...
المخرجة التي قدمت أعمالاً كانت سبّاقة في إحداث انزياح رقابي لدى الفضائيات العربية، وأثارت جدلاً كما في «غزلان في غابة الذئاب»، وغاصت في المسكوت عنه مُنجزة العديد من المسلسلات الهامة... قدمت أعمالاً في مصر ولبنان والخليج، ووقف أمام كاميرتها كبار النجوم العرب، كما أنجزت في السنوات الأخيرة عدداً من المسلسلات العربية المشتركة... رشا شربتجي تعود الى الدراما السورية اليوم، وتخوض مغامرة درامية جديدة تحاول من خلالها تلمّس الوجع السوري.


معادلة الحب والحرب

- ما هي دلالات عنوان مسلسلك الجديد «شوق»؟
المسلسل يضم نخبة من النجوم السوريين: سوزان نجم الدين، نسرين طافش، باسم ياخور، صباح الجزائري، منى واصف، سمر سامي...، وسيتم تصوير بعض أحداثه في لبنان، وهو يمثّل الشوق لكل ما هو جميل فقدناه في حياتنا، فعندما تفقد الأمان أو شيئاً أو شخصاً ما تشعر بأهميته، هذا من جهة.
أما من جهة أخرى، فالمسلسل يتناول قصتي حب، وللمناسبة، أقول للكاتب حازم سليمان وللمرة الأولى «شكراً»، لأنه كتب عن المرأة، وكأن من كتب النص امرأة، من خلال اهتمامه بها وبتفاصيل حياتها ووجعها، وبالتالي اهتم بها وبالشخصيات الذكورية، فلم تكن البطولة حكراً على الرجال، بل كانت جماعية.

- كثيرة هي المسلسلات التي تناولت موضوع الحب والحرب... فما الذي يميز «شوق» وما الجديد فيه؟
طالما أننا نصور العمل في (2016 - 2017) في دمشق فإننا سنرى أنفسنا. وهذا يتعلق بمدى قدرتي على تقديم ذلك، وسبق أن قلت إنني ابتعدت لأنني لا أريد الظهور هزيلة أمام الوجع الكبير، وأمام الجرحى والأمهات الثكالى الشهداء الذين ضحّوا بدمائهم، وبالتالي عندما نقدم العمل يجب أن يكون هناك تشويق، لأن التشويق هو الشرط الأول في الدراما والحكاية، يلي ذلك إلى أي مدى يمكن أن أكون أمينة في تقديم قصة حب في زمن الحرب!

- هل سنرى الحرب بكل ما فيها من أوجاع وقذائف ومآسٍ؟
الحرب ليست قذائف فقط، فلا أحد يموت قبل أوانه، ولكنها  تمثّل أطفالنا ووجعنا اليومي وكرامتنا، وتعكس الآثار الاجتماعية الاقتصادية، والفسيفساء التي يحاولون تفكيكها.

- ثمة شخصية في المسلسل يبرز من خلالها تأثير الفكر الآخر وكيف يمكن أن نكون شخصاً لا يشبهنا، فإلى أين وصلتم بهذا الخط وكيف تمت مناقشته؟
تعبّر الشخصية عن فئة من الناس كانوا يستغرقون في حلم جميل ولكنهم فقدوا الأمل والأحلام والطموحات. هو خط من الخطوط الدرامية، والفكرة هنا بسيطة، وهي إلى أي مدى أنت قادر على الاعتراف بخطئك وقراءة التاريخ، وهل تستمر في الخطأ أم تقلع عنه؟ ذلك كله موجود في المسلسل، ولكن بشكل غير مباشر، لأنني لا أهوى المباشرة في الطروحات.


الرقابة الذاتية

- في كل عمل قمت بإخراجه ظهر وكأن خط الرقابة كان يُزاح قليلاً، فماذا عن «الشوق»؟
عندما يُحكى عن الرقابة، أستغرب كثيراً، لأن الرقابة اليوم باتت رقابة ذاتية.

- هل يدخل المسلسل إلى هذه المساحات؟
يدخل إليها بنعومة وسلاسة ضمن الحكاية، ولكن دعني أقول هنا إن ما حدث أكبر من مجرد رقيب ورقابة، ففي الكوارث الكبيرة تصبح كل هذه القصص هامشية.
تبنيت منذ أربع سنوات موقفاً واضحاً، وهو أنني أرفض أن أقدم شيئاً في هذه المرحلة فيه لَبس او قد يُساء فهمه، ولكن يمكنني القول إنني أروي حكاية جميلة تتضمن الوجع السوري، وهي مشوّقة وفيها أفكار جديدة نريد توصيلها للناس.


جرعة تنشّط الروح

- هل تقدمون عبر المسلسل مفاتيح أم حلولاً؟ علماً أن الفن لا يقدم في العادة حلولاً...
الحلول ليست آنية، لا في مسلسل ولا في فيلم. الحلول بعيدة وتحتاج إلى جيل، والحلول الآنية ما هي إلا مسكنات.

- سبق وقلت أثناء إنجاز مسلسل «علاقات خاصة» إنه لم يعد هناك ما يصدم الجمهور، ومن الأفضل في هذه المرحلة تسليته وإمتاعه ولو بقصة كلاسيكية...
بالفعل، إنه الهروب إلى المسكنات، فليس هناك حل آخر، وفي الدراما مسكنات يمكن أن تُريح من خلالها شخصاً يعيش أزمة اقتصادية ومعنوية كبيرة... علماً أننا شعب جبّار، ويحب الحياة، ولكن هذا لا يمنع من أن أقدم جرعة من الحب ولو لنصف ساعة لتنشيط الروح، ويمكنني أن أشبّه ذلك بمن يدخن سيجارة ليتخلص من وجع رأسه، فحكواتي الأمس هو تلفزيون اليوم.


الابتعاد والعودة

- ابتعدت عن الدراما السورية أربع سنوات وعدت اليها اليوم... فما السبب؟
السبب الأول أنني لم أجد النص الذي يشوّقني للحلقة التالية ومعرفة ما سيحدث فيها، والسبب الثاني أن الوضع كان صعباً وقاسياً جداً لدرجة أنني لم أستطع التحدّث عنه، فليس هناك ما هو واضح لتحكيه، أما السبب الثالث فهو عندما تأتيك فرصة عمل خارج سورية، لا يمكنك التقيد بعملين، لأن السفر يقتل الموسم، فكل من العملين سيُصوّر في بلد، وبالتالي من الصعب أن تنجز عملين معاً. ورغم ذلك لم أترك سورية أبداً، حتى أن إجازاتي كلها كنت أمضيها في بلدي.

- لكن ماذا عن مشروع مسلسل «رق الحبيب»؟
هو مشروع كنا سننجزه مع إحدى الشركات السورية الهامة، وقد حاولت مع الدكتورة رانيا الجبان التعديل في أحداثه لتناسب المرحلة الحالية، لأنه يتناول مرحلة ما قبل الحرب وكيف كانت سورية، واليوم أرى أنه يمكن إنجازه بعد سنوات وسنوات من الآن.

- هل يمكن القول إنه لم يعد مشروعك؟
أتوقع تأجيله.


جدلية الأعمال العربية المشتركة

- بعد إنجازك العديد من الأعمال العربية المشتركة، بأي عين ترينها؟
أؤيد هذه النوعية من الأعمال حتى قبل اندلاع الحرب، فسريان دم جديد في المسلسل السوري أو المصري يثير شغف الجمهور لمتابعته، وهذا يهمني كثيراً، لأنه كلما زادت المشاهدة، انتعشت الصناعة، وشخصياً لا أنجز العمل كي أضعه على الرف في الشركة وتراه محطة او اثنتان، وإنما ليحقق ربحاً مادياً ونسب مشاهدة عالية.
وقد جاءت الأعمال العربية المشتركة في وقتها وكأنها دواء للدراما السورية، يحفّز العاملين فيها على الاستمرار بعيداً من التهميش ومحاربة التسويق.

- ولكن هناك من رأى في هذه الأعمال محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الدراما السورية وتفريغها من مبدعيها واستقطاب النجوم خارج سورية؟
أبداً... لأن شكل هذه الأعمال مختلف ولا يُغني عن العمل السوري. وبالتالي لم تكن هناك منافسة، بل مساعدة للنجوم السوريين ليبقوا موجودين على الساحة، وهم نجوم تركوا البلد لأسباب قد نعذرهم عنها، وهناك الفنيون السوريون أيضاً، خاصة أنه في السنة الأولى من عمر الأزمة لم يكن هناك إنتاج ضخم، وبالتالي لم تكن هذه الأعمال مُنافِسة وإنما مُكمّلة، بدليل أنك لا تستطيع مقارنة مسلسل «سمرا» بمسلسل مثل «الندم»، فالأخير محليّ وأحدث ضجة في سورية، بينما «سمرا» كان له صداه الكبير في مصر، وبالتالي ليس هناك منافسة وإنما حالة تكاملية.
وهنا لا بد من أن نسأل: لماذا يتجه المشاهد إلى المسلسل التركي، سواء قبل الحرب أو بعدها؟ ما الذي يفتقده في درامانا ويبحث عنه في المسلسل التركي المُدبلج؟ أهو تكرار الممثلين أم مواقع التصوير أم حكايات لا تشبهه؟ حسناً، يمكننا فعل الشيء نفسه وبممثلين سوريين مع ممثلين مصريين ولبنانيين... من دون أن نلجأ إلى الدبلجة. وأرى أن هذا طلب الشارع، خاصة في ظل النسبة العالية من مُشاهدة الأعمال التركية المدبلجة، والدليل أن مسلسل «علاقات خاصة» حقق مُشاهدة منقطعة النظير، وبالتالي الجمهور يرغب في رؤية هذه التوليفة.
عندما عاد والدي المخرج هشام شربتجي من ألمانيا إثر حصوله على ماجستير في الإخراج، قال لي إنه يحب الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية وباخ وبيتهوفن، فوقفت على مفترق طرق: إما أن أقدم ما أحبه شخصياً، أو أهتم بما يحبه الناس وأحاول أن أوصل أفكاري اليهم، وهذا هو هدف الأعمال العربية المشتركة، فهي لم تسئ أبداً، خاصة عندما لا تكون مُفبركة. وبالنسبة إلي، أفضّل تقديم مسلسل عربي مشترك على دبلجة عمل تركي، وكلامي هنا يندرج في إطار الصناعة.

- ولكن وصل الحال في هذه الأعمال لدرجة أن الناس باتوا يسخرون منها بالقول إنها تضم الأب السوري والأخ المصري والابن اللبناني والزوج الخليجي!
كنت ضد هذه الظاهرة، ولكن في المقابل هناك أيضاً أعمال سورية نخجل منها، وأعمال أخرى جيدة.


الخلافات الشخصية

- قد تحدث خلافات شخصية تؤثر في عملية الانتقاء وتقف عائقاً أمام اختيار هذا الممثل أو ذاك، فإلى أي مدى أنت معنية بهذا الأمر؟
أنا بعيدة تماماً عن هذا الأمر، لأنني من الناس الذين ينسون خلافاتهم، فأضعها جانباً وأفكر في مصلحة النص والعمل ومصلحتي أيضاً. وأرى أن الخلافات «قلّة عقل»، فالإخوة في المنزل قد يختلفون.

- قدّمت من خلال مسلسلاتك تنوعاً كبيراً وطيفاً واسعاً من الخيارات... أهي المصادفة أم هو اهتمامك بذلك؟
من المؤكد أن الحظ يلعب دوره، ولكن الأمر لا يتوقف على الحظ فقط، فإلى جانب هذه الخيارات ثمة خيارات أخرى مجاورة لها، وأي عمل اخترته كانت تُقابله أعمال عدة منافسة تدعوني لإنجازها، وبالتالي حاولت عبر خياراتي ألا أشبه نفسي في ما أقدم، فكان لدي هاجس أن أعتمد نوعاً أو شكلاً لا يشبه ما قدمته، وهذا ما جعلني كثيرة الأسفار.

- هل ترفضين اليوم إخراج عمل كوميدي؟
أتمنى ذلك، ولكننا نحتاج اليوم إلى نص نضحك معه، لا أن نضحك من خلاله على المُشاهد...


الناس والحرب

الناس الذين يعانون قسوة الحرب اليوم، ألا يزالون يملكون القدرة على مشاهدة أعمال تحمل كماً من الأسى والألم؟
لا أقدم تراجيديا ولا أستجدي البكاء، وإنما أحكي عن واقع وأشخاص حقيقيين، ومهما كان الواقع صادماً، لكنك ستتقبّله في النهاية، وإن ضم النص ما هو قاسٍ، أحاول أن أخفف من القساوة على مستوى المشهدية البصرية، ولكن إن عدت عشر سنوات إلى الوراء وأردت إخراج هذا العمل، ربما أكون قاسية كثيراً، أما اليوم فلا يسعني ذلك.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079