تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

النشاطات اللاصفية... ضرورة وليست رفاهية

تتردّد أم هاني في تسجيل ابنها في نشاطات ما بعد المدرسة، ظنًا منها أنها ستشغله عن الدرس ولا سيما أنه انتقل إلى المرحلة المتوسطة، وبالتالي فهاني لديه الكثير من الفروض والواجبات وعليه التركيز والإنجاز.
ولكن هل يجوز أن تحرمه من النشاطات اللاصفية التي تنظمها المدرسة؟ وهل صحيح أن هذه النشاطات تلهي التلميذ؟


يرى اختصاصيو التربية أن للنشاطات اللاصفية التي تنظمها المدرسة مثل الفنون على أنواعها والرياضة أهمية كبرى ، وعلى العكس مما يظن الكثيرون فإن تلميذ اليوم في حاجة إليها أكثر مما مضى. فمعظم التلامذة وجدوا في الألعاب الرقمية الموجودة في الأيباد أو التابليت، وسيلة ترفيهية وفي متناول أيديهم أينما ذهبوا.
فضلاً عن أنها لا تحتاج إلى بذل مجهود جسدي، فالتلميذ قد يجلس لساعة أو أكثر إلى لعبة «ماين كرافت» مثلاً من دون أي حركة جسدية. وهذا بالطبع ما يحذر منه اختصاصيو التغذية وأطباء الأطفال، نظرًا إلى أن كل الأبحاث تؤكد أن الجلوس إلى الألعاب الرقمية، من الأسباب الرئيسة لظاهرة السُمنة عند الأطفال والمراهقين.

وفي مقابل الأثر الجسدي للألعاب الرقمية، أكّدت الأبحاث النفسية أنها تزيد منسوب التوتر عند المراهقين والأطفال، فضلاً عن أنها تؤثر في أدائهم المدرسي، ذلك أنها في كثير من الأحيان توهن ملكة التركيز لديهم، مما يؤثر في قدرتهم على الفهم، وبالتالي يتراجع أداؤهم الأكاديمي. 
ومن المعلوم أن كثرًا من التلامذة يصابون بالتوتر والقلق خلال العام الدراسي، خصوصًا أؤلئك الذين يسعون إلى التفوّق، لذا فإنهم يحتاجون إلى إفراغ توترتهم وقلقهم، كي يمضوا قدمًا في تحقيق هدفهم المنشود. 
إنطلاقًا مما تقدم، تكمن أهمية وجود مواد الفنون أو الرياضة في البرنامج الدراسي في أنها تسمح للتلميذ بأخذ قسط من الراحة النفسية والجسدية معًا.

فمن المعلوم أن دوام اليوم المدرسي طويل مدته 6 أو 7 ساعات يأخذ خلالها التلميذ فرصة استراحة حوالى نصف ساعة يمضيها في تناول وجبة خفيفة والدخول إلى الحمام وبالكاد يلعب، وهذا ليس كافيًا ليشحن طاقته من جديد، ويستعيد قدرته على التركيز، ويكمل يومه المدرسي بنشاط. فقدرة التلميذ على التركيز والانتباه ضعيفة، خصوصًا في المراحل الدراسية الأولى، أي في سن الـ 6و7و8و9 سنوات، مما يعني أن التلميذ في هذه المراحل لا يستطيع التركيز لفترة طويلة، فهذا متعِب بالنسبة إلى الكبير فكيف بالصغير! لذا فهو في حاجة إلى مساحات راحة تمكّنه من تفريغ مكبوتاته، وعندما يكون لديه في النهار ساعة تلوين أو رسم، فإنها  توفر له راحة  لأنها لا تحتاج إلى مجهود ذهني  كبير.

أمّا الرياضة فتساعده على تفريغ التوتر الناتج من بقائه طويلاً في غرفة الصف من دون حركة، لذا يلاحظ أن التلميذ بعد ساعة الرياضة يكون أكثر هدوءًا وأكثر قدرة على التركيز، مما يعني أن من الضروري أن يتضمن برنامج المدرسة ساعتي رياضة في الأسبوع، إضافة إلى ساعات الموسيقى والفنون، أي ما يعادل خمس ساعات في الأسبوع.

ويشير الاختصاصيون إلى أن طريقة العيش في المجتمع المعاصر صعبة ومتعبة. فالوالدان يعملان، وأصبح نمط الحياة سريعًا، وليس لدى الأهل الوقت أو المال الكافي لاصطحاب أبنائهم إلى أماكن الترفيه التي يستطيعون من خلالها تفريغ طاقاتهم.
مثلاً إذا كان التلميذ موهوبًا في الموسيقى، لا يكون لديه الوقت الكافي لبلورة هذه الموهبة، إذا لم يكن هذا النشاط من ضمن البرنامج المدرسي، وبالتالي لن يلاحظ الأهل هذه الموهبة. بينما إذا وجدت ساعات موسيقى في المدرسة، فإن الأهل سيعرفون ذلك من خلال أستاذ الموسيقى.

تساعد نشاطات مثل الرياضة والرسم والموسيقى، التلميذ في تعزيز ثقته بنفسه ، إذ يوجد في المدرسة تلامذة يكون تحصيلهم العلمي ضعيفًا. ومع مرور السنوات تكثر الثغرات التعلّمية لديهم، فيعيد التلميذ صفّه مرات عدة مما يؤثر فيه سلبًا ويشعر بأنه فاشل، فكل أصحابه قد سبقوه لأنهم بارعون في دروسهم.
لذا فإن وجود نشاطات في البرنامج المدرسي كالرياضة والرسم والموسيقى، وغير ذلك من الفنون، يمنح التلميذ فرصة إبراز قدراته في مكان ما. فبدل القول إن التلميذ كسول، يمكن القول إنه ضعيف في مادة كذا وكذا، لكنه بارع في الفنون.
ومن خلال التجربة، يلاحظ أن التلامذة ينظرون بإعجاب كبير إلى زميلهم البارع في الرياضة رغم أنه ضعيف في المواد الأكاديمية، وهذا الإعجاب يؤثر إيجابًا في نظرته إلى نفسه.

                                

لكل نشاط ترفيهي لا صفي فائدة:

  • الغناء: تساعد التمارين الصوتية أو «الفوكاليز» التلميذ على التنفس، كما تساعد الطفل الذي لديه مشكلة في النطق، فضلاً عن أن التلميذ يحب هذا الأمر.
  • العزف على آلة: يفيد الطفل في المستقبل، ولا سيما في سن المراهقة حيث ستكون لديه وسيلة آمنة للتخلص من التوتر الذي يعيشه في هذه المرحلة، فتعليم العزف على آلة معيّنة استثمار للمراهقة.
  • الأشغال اليدوية: تنمّي العضلات الدقيقة، ولكل سن يُخصص نوع من الأشغال اليدوية. فمثلاً يساعد تشكيل هرم بالعجينة على فهم معنى الأبعاد الذي يدرسه في الرياضيات، ولا سيّما في علم الهندسة، لأنه عندما يشكلها في مجسم يستطيع تخيّل أبعاد الهرم في الرسم.
  • المسرح: يفيد في اللغة وينمّي التواصل مع الآخرين ويسمح للتلميذ، سواء كان طفلاً أو مراهقًا، بتجسيد أدوار قد لا يمكنه تحقيقها في الحياة الواقعية، فيكون منفذًا للتعبير عن مكنوناته. فمثلاً عندما يقوم الطفل الخجول بدور الملك، أو أي أدوار أخرى، فإننا نعطيه الفرصة للتعبير عن نفسه، مما يجعله واثقًا بنفسه، وبالتالي يؤثر إيجابًا في نظرته إلى نفسه. فضلاً عن أن المسرح يقوّي ذاكرته لأنه يحفظ نصًا معينًا. ويُقصد بتقوية قدراته اللغوية أن الطفل الذي يعاني ضعفًا في اللغة، يمكنه من خلال الجمل القصيرة التي يحفظها أثناء تأديته دورًا ما، فهم اللغة أكثر، مما يعطيه الثقة بأن في إمكانه التحدث بها وفهمها أكثر.

ومن الأخطاء التي يرتكبها أهالٍ كثر، ولا سيما أولئك الذين لديهم ابن مراهق في المرحلة المتوسطة، أنهم لا يسجلون أبناءهم في النشاطات الرياضية، خشية أن تشغلهم عن واجباتهم المدرسية، في حين تؤثر أهمية الرياضة بطريقة مباشرة في عمل التلميذ الأكاديمي، فهي تمنحه شعورًا جيدًا على الصعيدين النفسي والجسدي، وتجعل أداءه المدرسي أفضل وتُشعره بالسعادة. وبعيدًا عن وقت الفراغ الجزئي، فهي ضرورية لتكامل شخصية التلميذ.
فممارسة الرياضة مرة واحدة في الأسبوع في نادٍ رياضي، تمكّنه من إطلاق مكبوتاته وتساعده على التخلص من توتره، كما تمدّه بالطاقة والحيوية على الصعيدين الجسدي والفكري، إضافة إلى أنها تجنبه مشكلات الوزن الزائد. والأهم من هذا كله، تساهم الرياضة تلقائيًا في تقليص ساعات الجلوس إلى الألعاب الرقمية، ومن دون مواجهة مع الأهل.
ومن التصرفات الخاطئة التي يقوم بها الأهل، حرمان التلميذ من الرياضة أو الرسم أو الموسيقى... لأنه حاز علامة متدنية في الرياضيات أو اللغة أو العلوم.
فالأهل في هذه الحالة يتصرفون كمن يمنع الطفل من أخذ باقي الفيتامينات الضرورية لجسمه لأنه امتنع عن تناول أحدها، ذلك أنهم يعتبرون النشاطات ترفيهًا أكثر منها حاجة، وهي ليست رفاهية. النشاطات أهميتها مثل باقي المواد المدرسية وهي متكاملة وتؤثر إيجابًا في تحصيل التلميذ العلمي ونمو شخصيته.
لذا عندما يسجل الأهل أبناءهم في المدرسة، عليهم يسألوا الإدارة عن النشاطات اللاصفية المتوافرة فيها، فضلاً عن سؤال الأبناء عن النشاطات التي يفضلونها، أي ألا يفرضوا نشاطًا يجدونه مفيدًا، فالتلميذ المراهق في مقدوره أن يقرر النشاط، سواء كان رياضيًا أو فنيًا، المناسب لشخصيته وميوله.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079