زينة مكي: المسلسلات تستخفّ بعقولنا واشتهيت أن أسكن في حي فقير!
نمت موهبتها بهدوء، اعتمدت لتحقيق الصدقية والإمساك باللحظة الشعورية على ذاكرتها الانفعالية، واستفادت من تجربتها الشخصية مع المرض فنقلتها إلى الشاشة السينمائية. كلما كان التحدي كبيراً، تكبر متعتها بأداء الشخصية، وهي تسعى لأن تكون أعمالها محمّلة برسائل ذات أبعاد إنسانية. إنها المخرجة والكاتبة والممثلة اللبنانية الشابة زينة مكي...
- قدّمتِ أعمالاً تمثيلية لها قيمة فنية، لكنكِ بالنسبة إلى البعض ما زلت في بداية المشوار، ماذا تخبرين هؤلاء الذين لا يعرفون عنكِ الكثير؟
أنا انتقائية في أدواري، لا أحب أن أتواجد أينما كان، ألتفت إلى النوعية ولم أكن مغرمة بكل الأعمال التمثيلية التي قدّمتها. ثمة أعمال أحببتها، وأعمال اختبرت نفسي فيها. أسير خلف الدراما رغم أنها ليست ما أبحث عنه... ذلك أنها الأكثر انتشاراً في عالمنا العربي.
أفضّل السينما مع أن معظم الأعمال السينمائية المقدّمة ليست جيدة في رأيي، فلهذا الفن خصوصيته، وهو أمر «مقدّس» بالنسبة إليّ. قدّمت أربعة أعمال درامية، أحدها كان من بطولتي، من بينها مسلسل «درب الياسمين» الذي خضت فيه دور البطولة إلى جانب الممثل باسم مغنية، والذي عُرض في رمضان 2015، وكان موجّهاً الى شريحة معينة من الناس.
أنا مغرمة بهذا الدور، فجّرت فيه طاقاتي، وكان من أكثر الأعمال التي أشعرتني بأنني أمتلك مساحة لأن أخرِج ما في داخلي وأملأ مكاني.
- كيف تصفين لنا المشاركة في «مدرسة الحب» مع الممثل المصري أحمد زاهر؟
جسّدتُ دور امرأة «ميتة»، كنت زوجة أحمد زاهر وكان طيفي يرافقه في المسلسل، من دون أن أتكلم... كان دور التحدي بالنسبة إليَّ، إذ إنه كان يضج بالمشاعر، وقد ترجمته بتعابير وجهي وحركة جسدي فقط.
ولا بد من الحديث عن أحمد زاهر، فقد اندمج في دوره قبل تصويره وكان حقيقياً، وهو ما نفتقده في الممثلين اللبنانيين، فقلائل هم الذين يمتلكون هذه الميزة.
لقد أخبرتني زوجته ومديرة أعماله أنه تأثّر نفسياً بالدور وقد رافقته الحالة إلى منزله. كما أن وجود القيصر كاظم الساهر بحدّ ذاته كان إضافة للعمل. لقد لمست في «مدرسة الحب» إثباتَ وجودٍ و«فشة خلق»، فإن لم يشعرني العمل بالاكتفاء الذاتي، لا أشارك فيه.
- جسّدتِ في فيلم وثائقي قصير معاناتك مع مرض انحناء العمود الفقري، هل تسعين لأن تكون أعمالكِ محمّلة بالرسائل ذات الأبعاد الإنسانية؟
عانيت في سن الثانية عشرة من مشكلة في ظهري، أحدثت اعوجاجاً في عمودي الفقري، والمعروف علمياً بـ «سكوليوسيس»، وأبرز المعرّضين للإصابة بهذا المرض، هم أصحاب العظم الطري، وكنت من بينهم، إذ إنني كنت أرقص الباليه في صغري.
وضعت «المشدّ» البلاستيكي لمدة سنتين على مدى 23 ساعة في اليوم، على أن تكون الساعة المتبقية للراحة، أستحمّ فيها ثم أضع «المشدّ» من جديد. إلى أن قرّرت إجراء العملية رغم خطورتها، وكان أهم وأخطر خيار اتّخذته في حياتي حينها. قدمت إلى لبنان وأجريت الجراحة، وما زلت أعاني آثارها الجانبية حتى اليوم، إذ إن الحديد لا يزال في ظهري، وهو ما يمنحه المظهر المستقيم.
وبطلب من أستاذي في الجامعة، تناول فيلمي الوثائقي «انحنى دون أن ينكسر» Bent not Broken حالتي الصحية، وقد صوّرناه على مدى أربعة أشهر، واستعدت كل ذكريات المرض فيه.
تقنياً، كان الفيلم «صفراً»، ونفّذته تلبيةً لطلب الأستاذ، وقد قلت له: «شاهِده وضعْ لي العلامة ولا تسمح لأحد بأن يشاهده». إلاّ أنه عرضه أمام عميد الجامعة في مهرجان NDU، وصودف أن كان من بين أعضاء اللجنة، عضو في لجنة مهرجان «موناكو» السينمائي، وهو من أرسله إلى المهرجان وكان أول فيلم وثائقي يشارك في مهرجان موناكو ويفوز بجائزة أفضل فيلم، ونلت على أثره علامة A+ في الجامعة وهي ليست بالعلامة السهلة.
لقد قدّروا القصة وتغاضوا عن التقنيات، وسأسعى دوماً لتقديم مثل تلك الأعمال الانسانية الحقيقية التي تمسّنا.
- سن الـ 18 مفترق طرق في حياة الانسان، كيف تصفين هذا السن بالنسبة اليك؟
في سن الـ 18 تركت الكويت حيث ولدت وترعرعت، وجئت إلى لبنان. لقد كانت نقطة تحوّل في حياتي، إذ إنني استقلّيت عن أهلي وانتقلت للعيش بمفردي والتحقت بالجامعة لدراسة الإخراج السينمائي. درست ما أنا مغرمة به، علماً أن علاماتي كانت تؤهلني لدخول كليتَي الطب والهندسة، وكنت سأدرس الهندسة المعمارية، إلى أن حُرت بين الاختصاصين، ثم قرّرت دراسة السينما.
- من ألهمك؟
في سن الثالثة، تعرّفت إلى سيد الفانتازيا المخرج والكاتب والمنتج السينمائي الأميركي تيم برتون في فيلمه Nightmare before Christmas الذي صدر عام 1993. شاهدت كل أفلامه، وفي سن الـ 22 بقيتْ آثار أعماله وقصصه الخيالية في بالي، وكتبت قصة مستوحاة من أعماله، وترجمتها في فيلم التخرّج الذي حمل عنوان «حكاية العطور» Once Upon a scent.
- كنتِ الفتاة الجدية في فيلم BINGO الكوميدي، لم تختلف شخصيتك عن شخصية زينة الحقيقية، هل تمتلكين ملامح النجمة الكوميدية؟
أقلقتني المشاركة في BINGO لكونه عملاً كوميدياً، إلاّ أنه تضمّن جانباً من الجدية، الأمر الذي جاء في مصلحتي. عندما قرأت النص، لفتني في «نغم» أنها شخصية جدية، ستكسر الكوميديا في الفيلم، علماً أنني اندمجت في الأجواء الكوميدية مع فؤاد يمين ووسام سعد الشهير بدور «أبو طلال»، وأظهرتُ نغم «مهضومة» من خلال «قفشات» معينة، وخرجت مني أشياء غير متوقعة وغير مفتعلة.
وقد حرص مخرج العمل إيلي حبيب على أن يُظهر هذا الجانب من شخصيتي، فمن يعرفني عن قرب يدرك أنني لست جدية إلى هذا الحدّ.
- أدرتِ بعض الممثلين في تجربتك الاخراجية، كيف كانت التجربة؟
كان فيلم «وينن» الذي قدّمْته بعد «حبة لولو» وحصد نجاحاً كبيراً وحاز جوائز عالمية عدة. وما يميّز هذا العمل هو اشتراك 7 مخرجين، متخرّجين حديثاً، في تصوير العمل.
هذا الفيلم كان بمثابة فرصة لي ولهؤلاء الشباب لإثبات أنفسنا كمخرجين في هذا المجال، فتعاملت مع الممثلة تقلا شمعون، ووجّهتها كمخرجة وتقبّلت مني الأمر برحابة صدر على الرغم من صغر سنّي. أرى أنني أجيد إدارة الممثل، ربما لأنني درست الإخراج وأمثّل أيضاً، علماً أنني لم أدرس التمثيل.
- هل تفتقدين لهذا الأمر - إدارة الممثل - في أعمالك؟
لا يجيد معظم المخرجين إدارة الممثل، فذلك ليس بالأمر السهل، والكيمياء بين المخرج والممثل أحد أهم عناصر نجاح هذه الإدارة.
- برأيكِ، هل يجب أن يكون من يدير الممثل شخصاً منفرداً عن المخرج؟
أؤيّد فكرة إيجاد مدير ممثل في كل عمل، فأحياناً يحتاج الممثل إلى شخص يراقب أداءه ويوجّهه، غير المخرج الذي يوجّهه من حيث التقنيات والكادرات. كما أن القراءة قبل التصوير أساس أيضاً.
- هل تتابعين الأعمال الدرامية؟
لا أشاهد التلفزيون لكنني أتنقل بين المحطات من باب الفضول، وذلك لأرى ما توصلت إليه الدراما اللبنانية. لا أدرك العتب على من، على الجمهور أم المسلسلات التي تستخفّ بعقولنا... هناك أعمال صادمة ومن المعيب تقديمها للمُشاهد. وعلى الرغم من انتقاد هؤلاء الناس لعمل أو لآخر، يتابعونه حتى النهاية لاكتشاف ما سيحصل.
- ألا يقع اللوم على الممثلين؟
بالتأكيد، همّهم «اللوك» أكثر من الدور بحدّ ذاته. يتناسون أن بعض الأدوار تتطلّب منهم بعض الطبيعية، كأن تظهر الممثلة بلا ماكياج، وهو ما حدث معي في فيلم «حبة لولو»، لقد أصررت على أن يظهر «النَمَش» في وجهي ورفضت وضع الماكياج في المشاهد التي تطلّبت مني ذلك. فأنتِ أيتها الممثلة، تحتاجين لأن يصدّقك المشاهد، لا أن يُعجب بمظهرك...
- هل تفكرين في التوجّه إلى الكتابة الدرامية أو السينمائية؟ وما رأيك في الدراما اللبنانية؟
أن أكتب وأخرج الدراما أمر مستبعد. أما السينما، فبدون شك سأشارك فيها. منذ سنة وأنا أكتب فيلمي السينمائي، وأيضاً ستكون لي تجربة إخراجية، رغم أنني أرى أن السينما اللبنانية تحتاج إلى «شدّ»، فالإنتاجات كثيرة والنوعية غير جيدة... درامياً، نفتقد الأشياء الحقيقية التي تشبهنا، فليست كل النصوص المقدّمة تشبهنا، ما زالت بعيدة عن العفوية. هناك إنتاجات وأموال، لكنها تصبّ في المكان الخاطئ...
- ما رأيك بالأعمال السينمائية اللبنانية الراهنة؟ ماذا لفتك منها؟ وهل تؤسس لمستقبل واعد في رأيكِ؟
لفتني «فيلم كتير كبير»، أغرمت به ولم أتوقّف عن التصفيق لدى مشاهدتي له داخل الصالة. إنه حقيقي من كل النواحي، طبيعي، لا مبالغة في ديكوراته ولا إضاءته ولا لباس أبطاله.
على عكس أحد الأفلام الذي صوِّر في حي قيل إنه شعبي، اشتهيت السكن فيه... غريب... هل تاهوا عن أحياء بلدنا الفقيرة؟! أؤكّد لكِ أن صنّاع السينما يدركون نقاط ضعفهم، إلاّ أنهم يبرّرون بأن هذا ما يريده الجمهور.
أستغرب لماذا لم يحقق «فيلم كتير كبير» نسب مشاهدة عالية، رغم أنه نال جوائز في مهرجانات عالمية، ربما لأنه خالٍ من «التزليط» ولم تشارك في بطولته «ديفا»...
- تجيدين التحدّث باللهجة الكويتية، هل يمكن أن تشاركي في الدراما الكويتية؟
الفكرة ليست مستبعدة، وهناك تواصل مع صنّاع الدراما الكويتية، إلا أنني لم أتلقَّ حتى الآن أي عرض تمثيلي جدي.
- ما أكثر شيء أنت محتمّسة له اليوم؟
الفيلم الطويل الذي أكتبه حالياً... أسلّط من خلاله الضوء على قضايا متناقضة في المجتمع، وأعالج فيه موضوعات مستقاة من صلب مجتمعنا اللبناني، وسأركّز على القصة وليس على جمالية الصورة. بالإضافة إلى فيلمي القصير الذي أصبح جاهزاً، وأنا بصدد إرساله للمشاركة في مهرجان «كان» السينمائي. لقد كتبته وأخرجته ومثّلت فيه إلى جانب إيلي متري الذي ظهر معي في «حبة لولو».
- من هم أبطال فيلمك الطويل؟
أبطاله 3 رجال، أحدهم الممثل فؤاد يمين، وإن نجحت في جمعه بالممثل إيلي متري، فسيكون ذلك أمراً عظيماً.
- شخصيتك هادئة وفاجئتنا في «حبة لولو» و «24 قيراط» بدور فتاة الهوى، هل خشيت أن يرسخ هذا الدور في ذاكرة الجمهور؟
لا أخفيك أنني فكّرت في الأمر... حين صوّرت «حبّة لولو» كنت متخرجة حديثاً في الجامعة، لذا حاولت أن أكون «فتاة الهوى المرتبة» في الوقت الذي أرادتني المخرجة ليال راجحة أن أكون أكثر جرأة. أما في «24 قيراط» فقد حصل العكس!
إذ أردت أن أكون أكثر جرأة ولم أفعل، كما كنت ملتزمة في «درب الياسمين» حيث أجسد دور شخصية حقيقية، وشعرت بالذنب تجاه «ياسمين» أثناء تصوير مشاهدي في «24 قيراط»، ولم أذهب في الدور إلى النهاية... لم أعطِ دور «ميمي» حقّه في «24 قيراط»، ذلك أنني كنت أصوّر «درب الياسمين» في الفترة نفسها.
لست راضية عن مشاركتي في المسلسل، فحتى لو كان الدور صغيراً، كان في إمكاني أن أبرز أكثر... كما أنني دخلت في حالة «ياسمين» النفسية لمدة 4 أشهر، وكنت أقصد موقع تصوير «24 قيراط» وأنا مُمسكة بنص «درب الياسمين».
- هل تبنّيتِ دور «ياسمين»؟
أحببت الدور لأنه مسَّني وقد عشته بكل تفاصيله، فأنا جنوبية ولم أزر الجنوب قط. تنقّلت بين قراه برفقة والدتي لالتقاط اللكنة ولتطوير تفاصيل صغيرة ولكن مهمة في الشخصية، وما إن وصلته حتى تحرّك شيء ما في داخلي. شعرت بالانتماء إلى تلك الأرض وقد ساهمت كل العوامل المحيطة بالعمل في أن أُغرم بهذا الدور أكثر.
- هل أنت إنسانة متهورة؟
متهورة وقراراتي سريعة، فإما أن آخذ وقتي ولا أفعل شيئاً، أو أفعله بسرعة وأندم عليه لاحقاً. في شخصيتي تناقض رهيب. أحب المخاطرة وقد وقعت قبل سبع سنوات عن الخيل، وخُلعت كتفي وفقدت النظر حينها لمدة 10 دقائق. فأصبحت «فوبيا» لديَّ وتوقّفت بعد تلك الحادثة عن ركوب الخيل. كما أنني لست صبورة، وأعتقد أن تقلّبات المزاج هذه تساعدني في حياتي كممثلة، هناك هدوء، وهناك نقيضه...
- ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية؟
أشارك في المسلسل الدرامي اللبناني «الشقيقتان»، وهو من إنتاج «إيغل فيلمز»، والممثلون الذين يشاركونني العمل هم ممثلون بالفعل، ومن بينهم رولا حمادة ونادين الراسي وباسم مغنية. ما من عارضات أزياء في العمل، بل ممثلون... (تقول ممازحة).
- هل يجب أن يضمّ العمل نجماً لكي ينجح جماهيرياً في نظرك؟
لا يهمّني أن يكون فيه نجم، فنحن نريد ممثلاً ولا نريد من يبيع! ولكنني أفرح عندما يكون النجم ممثلاً. فمعظم من يُطلَق عليهم اسم «نجوم» فارغون من الداخل، نراهم في غالبية المسلسلات... وفي لبنان تحديداً، يسوّقون لأشخاص غير موهوبين، ويرسمون هالة أكبر من الموهبة حولهم، ويتحدثون عن صناعة النجم.
في المقابل، نمتلك مواهب وطاقات لا تأخذ حقّها، وأبرزهم الممثل آلان سعادة بطل فيلم «فيلم كتير كبير»، وفؤاد يمين، الذي لولا برنامج «شي أن أن» لما عرفه أحد.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024