تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ابنتي تخلّت عنها شلّة صديقاتها...

قبل أيام عادت نهى إلى المنزل بعد نزهة مع صديقاتها على شاطئ البحر، ذهبت الى غرفتها من دون إلقاء التحية على والديها. جلست وحدها في الغرفة لساعات، مما أقلق والدتها، التي قرعت باب غرفتها، ونهى لم تجب فورًا، ولكنها في نهاية المطاف فتحت باب غرفتها وعيناها مغرورقتان بالدمع، وقالت لوالدتها «صديقاتي لم يعدن يرغبن في أن أكون في شلّتهن».
فهل يستحق الاستبعاد من الشلة كل هذا البكاء والغضب؟ وما الذي يجعل المراهق عمومًا يصاب بالإحباط إذا ما تخلت عنه الشلة التي ينتمي إليها؟


يمرّ المراهق (ذكرًا كان أو أنثى) عند بداية مرحلة المراهقة، في حالات نفسية متقلبة. فهذه المرحلة هي تكملة لمرحلة الطفولة، حين يكون المحيط العائلي بالنسبة إليه العلاقة الوحيدة التي تربطه بالعالم الخارجي، وليس العلاقات خارج إطار العائلة.
وفي مرحلة المراهقة يبدأ المراهق في البحث عن ذاته وتكوين هوية خاصة به واعتناق أفكار شبه فلسفية، لذا نجده يفضل الوحدة، وهذا أمر طبيعي.
ويذهب بعض المراهقين إلى تكوين صداقات خارج إطار العائلة، شرط أن تكون شلة الأصدقاء تتفق مع تطلعاته ونظرته إلى الحياة.
في حين يجد بعضهم الآخر صعوبة في تكوين علاقات صداقة مع أقران لهم. ومنهم من تنقصه الثقة بالنفس فلا يجرؤ على القيام بمبادرة الاتصال بالآخرين، وآخر يكوّن صداقات لكنها لا تدوم طويلاً، ما يسبب  له ألمًا وشعورًا بالدونية وبأنه مرفوض من الآخرين.
ومن الملاحظ أيضًا في هذه المرحلة بحث المراهق عن مثال جديد يقلده، فيتعلق بأستاذه أو بصديق حميم له قد يختلف عنه في سلوكه، وقد يحاول تقليد ممثلي السينما أو التلفزيون أو زعماء السياسة، وأحيانًا يصل هذا التقليد إلى درجة متطرفة. ويبدو أن محاولة التماثل لا تستقر على نموذج ثابت، ما يعرّضه لتقلبات مزاجية وعاطفية مختلفة.
ودور الأهل في هذه الفترة هو المراقبة، خصوصًا أن التمثل بنموذج جديد له دور في بناء شخصية المراهق وتطورها. لذا، يجدر بالأهل أن يكونوا أصدقاء لأولادهم لا رجال شرطة، وأن يتعاملوا مع هذه المرحلة بمرونة كي تمر بسلام.
فالمنع والقمع يؤديان إلى تعنت المراهق وتمسكه بكل ما يعتقد به وإن لم يكن واثقًا من صحته، وقد ينتج من ذلك انحرافه وضياعه.

ولكن يبقى السؤال لماذا يصاب المراهق بالحزن الشديد إذا ما تخلت عنه شلة أصدقائه؟
تشكّل دائرة الأصدقاء، أو الشلة بالنسبة إلى المراهق العائلة الثانية، وهي أساسية في حياته. ليس فقط لأن المراهق ينسج علاقات وثيقة جدًا مع أصدقائه ويطوّرها، وإنما لأنها تساعد على هيكلة هويته، وتحديد موقعه في هذا الكون الاجتماعي. وهي تساهم أيضًا في أن يضع مسافة عاطفية بينه وبين والديه وبناء استقلاليته.
وفي المقابل، عندما يُستبعد المراهق من هذه الشلة، يشعر بأنه في منتصف الطريق بين شرنقة الأهل، واكتساب الفردية، وبالتالي يشعر بأنه عاجز. وربما سوف يشعر وللمرة الأولى، بالوحدة. هذا يعتمد بالطبع على شخصية المراهق.
إذا كان بالفعل قد وصل إلى قدر كبير من الاستقلالية، والإحساس بقيمته الذاتية فإنه لن يتأثر بشكل قاس إذا ما تخلت عنه الشلة. ومع ذلك، فإن المراهق الحساس جدًا، يكون قاسيًا عليه تخلي الشلة عنه.

ما هي مواصفات الشلة التي يتعلّق بها المراهق؟
عمومًا يتعلّق المراهق بشلة الأصدقاء الذين يشاطرونه أحلامه واهتماماته ونظرته إلى الحياة. وكثيرًا ما يكون الأهل غير راضين عن صداقته هذه، فينشأ صدام تنجم عنه مواجهة مستمرة تزيده تشبثًا ووفاء لهذه الشلة.
فيلاحظ الأهل إصراره على الخروج بصحبة رفاقه واتباعه النمط نفسه في الملابس، وغيرها من الأمور التي تهدف إلى توطيد علاقته مع الشلة، محاولاً بذلك التحرّر من علاقة التبعية مع الأهل.
كما يميل إلى الاعتقاد بأن الشلة توفر له المحيط الملائم لهذه الاستقلالية، فعندما يكون مع أصدقائه يعبّر عن آرائه بحرية معتمدًا على مبادئه الخاصة. وفي أغلب الأحيان، يخدم هذا الاتجاه الجديد في العلاقات هدف تحقيق النضج في شخصية المراهق.
إلا أن هذه العلاقات لا تخلو في بعض الأحيان من المساوئ مثل بعض المفاهيم المغلوطة التي قد يتبادلها المراهقون في ما بينهم في شؤون مختلفة.

كيف يمكن الأهل التدخل عندما تتخلى شلة الصديقات عن ابنتهن؟ 
من الطبيعي في الفترة الأولى لتخلي شلة الصديقات عن المراهِقة أن تصاب الأخيرة بالقلق، وفقدان الثقة بالنفس، وتقدير الذات، والاكتئاب. ولمنعها من الوقوع في حالة من الاكتئاب الشديد، على الأهل أولاً إثبات أنهم حاضرون للاستماع إليها، عندما تجد نفسها مستعدّة للتحدّث عما حصل بينها وبين شلة صديقاتها. وإذا طالت فترة عزلتها، يمكن التدخل بشكل واضح كأن تقول لها والدتها: «لا تبدين على طبيعتك في الآونة الأخيرة... هل تريدين التحدث؟»، أو: «لاحظت في الأسبوعين الماضيين أنك تلازمين البيت ولا تخرجين. لماذا؟». فإذا رفضت التحدث، على الأم أن تعبّر عن قلقها، وتؤكد لها محبتها وأنها موجودة ومستعدة لسماعها في جميع الأوقات.

كيف يجدر بالأم التصرّف عندما تبوح ابنتها بمشكلة؟
من المعروف أن فترة الاكتئاب والحزن التي تمر بها المراهِقة بسبب تخلي صديقاتها عنها لا تدوم طويلاً، ولكن يمكن أن تكون تجربة إيجابية ولو كانت محزنة. فهي تعلّمها كيفية ترويض مشاعرها لتصير أكثر قابلية لتخطي الصعوبات التي سوف تواجهها في المستقبل. وتخلّي شلة الصديقات يساعدها على إدراك أهمية توسيع دائرة علاقاتها الاجتماعية.
لذا على الأهل أن يخففوا من وطأة الانفصال، وأن يدعموا ابنتهم نفسيًا ويظهروا لها محاسن العلاقة التي ربطتها بشلة صديقاتها، وألا يحاولوا لوم ابنتهم إذا لم يكونوا راضين أصلاً عن هذه الشلة، فاللوم يشعرها بالذنب لأنها لم تُحسن اختيار صديقاتها.
فمن الخطأ أن تقول الأم لابنتها مثلاً: «عرفتِ الآن لماذا لم أكن راضية عن علاقتك بهؤلاء الفتيات، كم مرة قلت لك إنهن خبيثات!». هذه العبارات تؤذي مشاعر البنت، وتفقدها الثقة بنفسها، رغم حسن نية الأم التي تعمل دائمًا على حماية ابنتها من كل ما يمكن أن يسبب لها حزنًا.
لذا من المهم الاستماع من دون إطلاق الأحكام. وبغض النظر عن السبب، المهم هو تقديم الدعم النفسي للبنت. ويمكن تذكيرها بأننا جميعًا نرتكب الأخطاء، ومن الضروري أن نتعلم منها.
ويمكن الأم أن تخبرها بأنها واجهت وضعاً مماثلاً عندما كانت في سنّها. ثم تقوم بمبادرات جميلة تشعرها بأنها محبوبة، مثلاً دعوة قريباتها المقرّبات منها، وتشجيعها على مواصلة ممارسة الرياضة أو النشاطات الترفيهية التي اعتادت القيام بها.
وينبّه اختصاصيو علم نفس المراهق من محاولة الأم تصوير نفسها من جديد أنها الصديقة الوحيدة الوفية والواجب تصديقها ومصادقتها، في الوقت الذي ينبغي أن تنفصل البنت عنها عاطفيًا.
صحيح أن من الواجب احترام الأهل، إلا أنه في الوقت نفسه من الضروري أن تتعلّم المراهقة كيفية التعاطي مع الآخرين خارج إطار الأهل، لأن الطاعة العمياء أو التبعية المطلقة للأهل تفقد المراهِقة التوازن في شخصيتها، الأمر الذي يؤدي إلى شخصية ضعيفة لن تتمكن من بناء علاقات اجتماعية ناجحة، فمن المعلوم أن تجربة علاقة الصداقة الفاشلة، والانفصال والصدمة كلها أمور ضرورية للمراهق كي يتعلم تجاوز التجارب السلبية. فهو لن يعيش في عالم وردي، والتجارب السيئة ضرورية لنموه النفسي والفكري والعاطفي.


ابني مراهق وليس لديه أصدقاء

  • ابني في السادسة عشرة من عمره وهو ضعيف الإرادة. فهو يريد مني أن أقوم بكل الأمور بدلاً منه، وأشعر بأنه وحيد فليس لديه أصدقاء. أفكّر في عرض الأمر على اختصاصي في علم النفس، لكنني مترددة لأنه يبدو لي متصالحاً مع نفسه ولا يعاني أي صعوبة. هل من نصيحة؟

عندما تصفين ابنك بأنه ضعيف الإرادة فأنت بذلك تقللين من شأن مشكلاته. فقد أوردت في رسالتك التي لم نعرض نصها بالكامل أن ابنك ليس لديه أصدقاء في مثل سنّه، وأنه يفضّل الجلوس مع الراشدين، ولا يقوم بأبسط الأمور وبأنك منفصلة عن والده منذ سنوات، ويريد منك أن تنظّمي له كل شيء، وغيرها من الأمور التي تشير إلى أن ابنك ليس مستقلاً في تصرفاته... وهذه كلها أمور مقلقة يجدر بك التفكير فيها.
وقد استنتجت من رسالتك أن هناك غيابًا للحوار الأبوي بين ابنك وأبيه، بل بدا لي أن الوالد يخضع لكل طلباته من دون أن يسأله أو يضع له حدودًا. وهذه مشكلة، فمن المعلوم أن المراهق في حاجة إلى الحوار مع والده، وإلى سلطته في الوقت نفسه. ورغم أن معظم المراهقين يبدون اعتراضهم على هذه السلطة، فإنهم في لا وعيهم يشعرون بالأمان النفسي عندما يعرفون أن هناك من يضع لهم حدودًا.
إضافة إلى أن ابنك يعيش مع والدك لأنك متزوّجة من رجل آخر، وهذا ما يجعله يرتاح للخروج معك لأنه يصنع أبوين خياليين فيعتبرك الأب والأم معًا. كل ذلك يشعره بالإرباك وبعدم الثقة بالنفس، فيرى في الاتكال عليك الوسيلة المثلى للهروب من واقع لا يجد له فيه مكانًا.
فالجد لا يمكن أن يحل محل الأب، خصوصًا إذا كان حيًا. لذا فإنه يشعر بأن جدّه ليس الشخص المناسب للحوار معه، نظرًا إلى فارق السن الكبير بينهما.
لذا فإنني أنصحك بالمسارعة في مساعدته، وفي الوقت نفسه عليك أن تفسّري له أن من الضروري عرض الأمر على اختصاصي. ومن ثم عليك البحث عن البيئة الاجتماعية الصحية التي تساعده في بناء شخصيته المستقلة، مثلاً: تشجيعه على الانتساب الى نادٍ رياضي يسمح له بلقاء أقران له يتواصل معهم. ولكن أعود وأشدّد على ضرورة استشارة اختصاصي يساعده على تخطّي كل هذه الصعاب.

     

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079