اجعلي طفلك متفائلاً....
يقول ونستون تشرشل: «المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة يحوزها، بينما المتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة يواجهها».
لا يختلف اثنان على أن عالمنا المعاصر فيه الكثير من الأحداث التي تجعل الأشخاص يميلون إلى التشاؤم. ومع وجود هذا الكم من الحروب الهمجية، يشعر الأهل بالقلق على مستقبل أبنائهم، وقد يتحوّل قلقهم إلى شعور بالتشاؤم ينتقل إلى الأبناء، وإن بشكل صامت.
ولكن هذا لا يعني أن عليهم الاستسلام، إذ يؤكد اختصاصيو علم النفس أن كل إنسان يمتلك في لا وعيه شعورًا عميقًا بالتفاؤل الذي يجعله يطوّر علاقته بالآخرين، وينظر إلى الحياة ومستقبله بشكل إيجابي.
لذا يشدّد اختصاصيو علم نفس الطفل على ضرورة احتفاظ الأهل بالتفاؤل الفطري عند أبنائهم. فالطفل هو اسفنجة حقيقية تمتص كل مشاعر الأم، الإيجابي منها والسلبي.
لذا من المهم جدًا في الحياة العائلية تعزيز وجهات النظر الإيجابية والمتفائلة إلى المستقبل. وبطبيعة الحال، لا بد من أن يتمتع أحد الأبوين بالتفاؤل والنظرة الإيجابية أكثر من الآخر ليكون بمثابة قوّة مضادة لنظرة الآخر السلبية.
مثلاً عندما يظهر الأب بعض المخاوف أو الأفكار السوداوية حول مستقبل الأبناء الذين مهما كانوا صغارًا يستوعبون ما يقوله الوالد، وبالتالي يشعرون بالقلق مثله، لذا دور الأم أن تعيد التوازن من خلال العبارات المطمئنة. لا يمكن تغيير شخصية الأب، ولكن في الإمكان مساعدته في أن يكون متفائلاً أقلّه من أجل الأبناء.
هل التفاؤل وراثي؟
قد يكون التفاؤل مسألة وراثية، ولكن بناء الشخصية المتفائلة في الغالب مكتسب. لذا من المهم جدًا أن يتبع الأهل أسلوبًا تربويًا يرتكز على النظرة التفاؤلية إلى الأمور، ويستند إلى تعزيز الثقة بالنفس، وجعل الأبناء يشعرون بفائدتهم في هذه الحياة.
فالأهل المتشائمون ينقلون تشاؤمهم إلى أبنائهم، وبالتالي تتعزّز لديهم النظرة السلبية إلى الحياة بصورة عامة، وتجدهم متردّدين، يشعرون بالإحباط عند أقل صعوبة يواجهونها. بينما الأبناء الذين ينشأون في جو من التفاؤل، يتمتعون بشخصية قوية، ولا يخشون المنافسة أو مواجهة الصعاب.
فمثلاً عندما يدفق الطفل كوب الحليب وتنهره والدته بالقول إنه لا يفعل سوى الحماقات، فهي لا تقلل من ثقته بنفسه وحسب بل تضعفها، وتجعل نظرته إلى نفسه سلبية. بينما الأم المتفائلة تبسّط المسألة، بالقول له: «حسن، هكذا نمسك الكوب».
فالتعامل مع الأمور من هذه الزاوية، أي أنها ليست نهاية العالم إذا ما أخطأنا، وأن في الإمكان دائمًا تصحيح الأمور، يجعل نظرة الطفل إلى المستقبل أكثر تفاؤلاً.
أهل متشائمون بطبعهم... هل هذا يعني أبناء متشائمين؟
ليس بالضرورة. لسنوات طويلة كان علماء النفس يستندون إلى نظرية عالم النفس الفرنسي فرانسوا دولتو والتي تشدّد على أهمية توفير مناخ من الحب والعاطفة في العائلة لينشأ الطفل بصحة نفسية متوازنة، ثم كان التركيز على الحاجة إلى إطار السلطة الأبوية. وتبين أن الأهل ذهبوا بعيدا جدًا في بعض الأحيان في المبالغة بعاطفتهم إلى حد الدلال المفرط.
وراهنًا، يبدو أن الحب والسلطة ليسا كافيين. إذ يلتقي اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق في عياداتهم الكثير من الأطفال والمراهقين، يكونون ضحايا الشعور بالعجز، كما يلتقون أهالي يعيشون هاجس مستقبل أبنائهم. في هذا الجو من الكآبة، وجد الاختصاصيون ضرورة الاحتفاظ بمتعة الحياة، والرغبة في النمو، وتعزيز الأمل في المستقبل.
وهذا لا يتعلق بتغذية الشعور بالتفاؤل عند الأبناء وحسب، وإنما يمتد الى تحفيز قدراتهم الداخلية الخاصة بهم، حتى يتمكنوا من التعرف إلى إمكاناتهم والتعامل مع الصعوبات التي يواجهونها بوضوح وطاقة ورغبة في تذليلها. فالتفاؤل هو نقطة البداية لتربية تعزّز احترام الذات.
واستناداً إلى أحدث الأبحاث في علم النفس الإيجابي، تأكد أنه حتى إذا كان أحد الوالدين متشائمًا في طبعه، فإن في الإمكان تربية أبناء متفائلين شريطة أن يقدّر الوالد المتشائم إلى أي حد يمنعه تشاؤمه من الإقدام، ويكون حريصًا على إبعاد طفله من العوائق الخاصة به. كما وجدت هذه الأبحاث أنه يمكن مساعدة الطفل القلق والضعيف الشخصية في إيجاد تفاؤله الفطري.
ولتعزيز التفاؤل عند الطفل يكفي اتباع هذه النصائح الخمس
تغذية فضوله
في الطفولة المبكرة يظهر الطفل تعطّشًا للاكتشاف. فلا يتردّد في لمس وتذوّق وشم كل ما تقع عليه يداه. وتركه يختبر شعور الامتلاء بقدرته على الوصول إلى كل ما يرغب فيه مسألة ضرورية، شرط أن يكون تحت رقابة الأم. وخلاف ذلك، فإن جعله يواجه وحده ألغازًا أو صعوبات لا يمكنه حلّها يفقده الاهتمام والشك في ذكائه.
لذا من المهم أن يشارك الأهل أطفالهم في شرح الأمور والإجابة عن الأسئلة، وتوفير كتب يقرأونها، وزيارة المتاحف، ومشاركتهم النشاطات، سواء كانت رياضية أو فنية، والسفر معًا... كلها أمور ترسّخ لدى الأبناء أن الحياة تخبئ لهم الكثير من المتع الجميلة، مما ينعكس لديهم شعورًا بالشوق لمعرفة ما يخبئه لهم المستقبل من أمور إيجابية.
عدم تحويل الوقوع في الخطأ إلى دراما
يختبر الطفل خلال محاولته الاستكشافية حدوده الخاصة. وبالتالي يجدر بالأم تعزيز قدرته على التغلب على فشله في إنجاز ما كان يقوم به كي لا يستحوذ عليه الشعور بالعجز، ويستسلم عند أدنى صعوبة يواجهها. مثلاً عندما يفشل الطفل في تركيب لعبة الليغو، بدل أن تزيد الأم إحباطه «لم تعرف أن تكملها مع أنها سهلة»، عليها أن تجعله يرى القسم الملآن من الكوب، كأن تقول له «برافو أنجزت قسمًا كبيرًا منها، لذا يمكن أن تكملها». أي أن تجعله يصرّ على مواجهة الصعوبة.
من المهم تحفيز الطفل، والتأكيد له أن هناك دائمًا فرصة ثانية، والوقوع في أي خطأ درس نتعلّم منه كي لا نقع فيه مرة ثانية. فتعزيز ثقة الطفل بنفسه، بأن يكون الأهل إلى جانبه لا أن يحلّوا مكانه، السماح له بأن يقع في بعض الحيرة كي يجد اليقين، مدحه على نجاحه وتقييمه، وتشجيعه على المحاولة مرة أخرى... كل هذا ينمّي لديه روح التحدّي، والأمل في النجاح في ما بدأ القيام به.
مساعدته على توضيح أفكاره
اهتم أحد اختصاصيي علم النفس الإيجابي بكيف يمكن السماح للطفل بالسيطرة على مشكلة ما بدل الخضوع لها. وبعبارة أخرى، النظر إلى المشكلة إما بتفاؤل أو بتشاؤم. فاكتشف أن هناك صفتين تميزان المتشائم، الأولى يميل فيها إلى الشخصنة «لأنني نكرة تحدث معي هذه الأمور السيئة». أما الصفة الثانية فهي التعميم «كذا هي الحياة كلها سيئات».
لذا عندما يواجه الطفل صعوبة، من الضروري مساعدته في أن يعطي هو تفسيرًا أكثر دقة للمشلكة التي حصلت معه: كأن تسأله والدته: ماذا حدث؟ ما هي المساعدة التي يحتاجها، ما هي المهارة التي تنقصه؟ وبعد ذلك تظهر له الحلول بشكل أكثر دقة، وتجعلها في متناوله في الوقت الذي كانت تبدو مشكلته متعلّقة بحظه المتعثر.
تعزيز مفهوم بذل الجهد
يحتاج الطفل إلى الشعور بالنضال ليكون له مكان، ويقود المشاريع التي تجعله سعيدًا. لهذا يجب أن يشعر في وقت مبكر بأن الطاقة التي يستعملها سوف يكون لها مردودها، وأنها في الواقع سوف تعزّز مهاراته وتحسّن مصيره. لذا على الأهل الامتناع عن انتقاد الطفل على ما ليس قادرًا عليه بعد، أو مقارنته بأقرانه الذين نجحوا في الإنجاز.
وفي مواجهة المهمة التي لا يزال صعبًا عليه انجازها، على الأهل تذكيره بأنه في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد الخاص. مثلاً تعلم المشي، القراءة، وركوب الدراجات... أي مساعدته على المثابرة كي يصل إلى هدفه المنشود.
تعزيز علاقاته الاجتماعية
يميل الطفل المتشائم إلى العزلة، أو يحيط نفسه بأطفال أكثر تشاؤمًا منه. وبالتالي فإن نظرته إلى نفسه والعالم تعتمد إلى حد كبير على نظرة الآخرين، التي تعزّز نظرته أو تستنفدها. لذا فإن قدرة الطفل على بناء علاقات، ونسج صلات مع أقران بشخصيات مختلفة، بعضهم يشعره بالراحة، والبعض الآخر يحفّزه، تمنحه شعورًا عميقًا بالأمان: فهو ليس وحيدًا، وهناك من يمكنه الاعتماد عليه.
ويمكن الأم مساعدة طفلها في استكشاف الأصدقاء المناسبين من خلال الاهتمام بعلاقات الصداقة التي يبنيها، وذلك بمساعدته على توطيد الصداقة مع الأصدقاء الذين يمنحنونه شعورًا بالتفاؤل واستبعاد أولئك الذين يجعلونه محبطًا.
ففي إمكان الأم الطلب من طفلها دعوة أصدقائه، وأثناء وجودهم معًا، عليها ملاحظة حوارهم وطرق التعامل مع بعضهم، مثلاً هل يحبطون ابنها إذا ما خسر في اللعب، هل بينهم من يقاطع حديثه ويسكته، فالطفل المتسلّط يعمد إلى زعزعة ثقة قرينه بنفسه ويحبطه، وبالتالي يتعزز لديه شعور بالعجز والفشل.
من هنا على الأم التعامل مع الوضع بحنكة، فلا تتدخل بشكل مباشر، وإنما تقتنص اللحظة المناسبة. مثلاً أن تفتح حوارًا مع ابنها بعدما يذهب أصدقاؤه، وأن تسأله مثلاً من منهم المفضل لديه ولماذا، وإذا لم يتكلم على الصديق المتسلط، يمكن أن تتحدث عن أهمية الأصدقاء الذين يدعموننا، سواء كنا أقوياء أو ضعفاء، أما أولئك الذين يستهزئون بنا فنبعدهم من حياتنا، ونجعل صداقتنا بهم محدودة جدًا.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024