تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

أحدث خلافات الزواج في مصر: زواج بدون شبكة!

نجلاء عادل

نجلاء عادل

ندى مدحت

ندى مدحت

أحمد عبد الفتاح

أحمد عبد الفتاح

سما حسن

سما حسن

دينا عمر

دينا عمر

سلمى طارق

سلمى طارق

ريم خالد

ريم خالد

الدكتورة سامية خضر

الدكتورة سامية خضر

الدكتور شوقي علام

الدكتور شوقي علام

مع ارتفاع أسعار الذهب، ظهرت حملات إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بإلغاء «الشبكة» تيسيراً للزواج، الأمر الذي قابلته بعض الفتيات بالموافقة، واتخذت أخريات موقف المعارضة، مما تسبب في خلافات على أرض الواقع ومشاجرات إلكترونية بين الجنسين، فهل تتنازل الفتاة بسهولة عن الشبكة؟ وماذا عن موقف الأهل؟ وهل يكون التنازل عن الشبكة حلاً لعقبات الزواج؟


حملات إلغاء الشبكة لاقت صدى واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى انتقلت إلى أرض الواقع، وكانت البداية من صعيد مصر، حيث تعهدت العائلات بإلغاء هذا التقليد، الذي ظل راسخاً تتوارثه الأجيال، بل ذهبوا إلى إلغاء الكماليات من أثاث المنزل، والاهتمام بالقطع الأساسية فقط.
وأعلنت عائلات قرية «نجع الجديدة» (في محافظة قنا جنوبي البلاد)، تفعيل الخطوة بإلغاء «الشبكة» من مراسم الزواج، وذلك في اجتماع حاشد للأهالي في أحد مساجد القرية الرئيسية، تبعتها في ذلك قريتان في المحافظة نفسها.
ورغم استجابة بعض الأهالي، كان هناك فريق كبير معارض، منهم نجلاء عادل، أم لثلاث بنات، تعرب عن رفضها لإلغاء الشبكة، قائلة: «التنازل عن الشبكة يبخس العروس قيمتها، ولن أقبل بعريس لإحدى بناتي لن يقدم إليها شبكة».
وتتابع: «أنتقد بشدة أيضاً دعوات استبدال الشبكة الذهب بالفضة، فلدينا مثل شعبي يقول «الغالي ثمنه فيه»، وأرى أن الفضة إهانة لكلا الطرفين، العروس والعريس، فهذه أول هدية يقدمها للفتاة، فكيف تكون فضة! وكيف لرجل لا يقوى على تقديم شبكة أن يتحمل مسؤوليات الزواج؟ لو وافقت على تلك المهزلة، أكون قد رميت بابنتي في التهلكة مع رجل لا يستطيع تحمل مسؤوليتها ولا التكفل بأعباء المنزل».
وتضيف نجلاء: «يتمتع العريس الجيد بمواصفات، أهمها أن يكون من عائلة محترمة، أخلاق أفرادها حميدة، وبالتالي يكون لديه القدرة المادية على تحمل مسؤوليات ما بعد الزواج. في هذه الحالة من الممكن أن أتساهل معه، ولا أشترط عليه مبلغاً كبيراً للشبكة، وأخبره بأن هدية العريس يقدمها ذهباً بما يتناسب مع أوضاعه المادية، ولن أشترط عليه الألماس».

تحرر من التقاليد
توافقها الرأي ندى مدحت، بكالوريوس تجارة، 24 عاماً، وتقول: «أزمة الزواج في مصر تنحصر في المقام الأول في مشكلة العادات والتقاليد القائمة على التباهي بحجم الشبكة ومساحة الشقة، وما إذا كانت ملكاً أو إيجاراً، ويأتي في المقام الثاني حجم المقارنات، مثلاً عند البعض لا يصح أن تتزوج العروس بشبكة أقل ثمناً من شبكة من ابنة خالها، أو لا بد لها من شبكة ألماس مثل ابنة عمّتها، فضلاً عن إجبار العريس على شراء شقة تكون مساحتها كبيرة وتعادل شقة عريس ابنة عمّها، وهكذا توضع الشروط التعجيزية على أساس المقارنات والأعراف العائلية من دون الالتفات إلى إمكانات العريس المادية، فنقع في براثن العنوسة رجالاً ونساء».
وتتابع: «المشكلة أن غالبية مؤيدات الشبكة الفضة على مواقع التواصل الاجتماعي يجدن أنها موضة «أونلاين»، وعند الدخول في الجد لا يقبلن بها، وأعتقد أن هذا أحد مساوئ مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج للموضة الاجتماعية».
ندى ليست مرتبطة، وتؤكد أنها لن تشترط شبكة باهظة الثمن، وتراها هدية تتوافق مع أحوال العريس المادية، وتوضح أنها ستدعم تغيير التقاليد بطريقتها العملية في عدم التباهي وعقد المقارنات.

أمان مادي  
أحمد عبدالفتاح، مخرج مسرحي، 29 عاماً، يرى أن الشبكة الباهظة الثمن أمان مادي ومنطقي للعروس في حالة الزواج التقليدي... ويوضح: «في الزواج التقليدي، أو ما يطلق عليه زواج الصالونات، لا تكون الفتاة على دراية كافية، فقد تكون لدى الرجل علّة يخفيها، أو طباعه صعبة لا يمكن التأقلم معها، وفي حالة الطلاق يكون ذلك الذهب نوعاً من الأمان المادي إذ يغطي احتياجات المرأة لفترة ما».
يؤكد أحمد أن المعايير تختلف في الزواج الناجم عن الحب، ويقول: «زواجي كان ثمرة حب، وقدمت لزوجتي شبكة اتفقنا أن تكون على قدر ميزانيتي، وأبدى أهلها تساهلهم فلم يشترطوا عليّ مبلغاً كبيراً من أجل الشبكة، ولم يقيّدوني بعادات التباهي والمقارنات في الزواج».

تسهيلات  
سما حسن، موظفة استقبال، 26 عاماً، تؤيد حملات إلغاء الشبكة، وتقول: «تكاليف تأثيث المنزل باهظة، وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي، إما أن يقدم العروسان بعض التنازلات وإما نقبل بالعنوسة كفتيات، وأرى أن تنازل العروس عن الشبكة يدخل ضمن إطار تسهيلات الزواج، وعلى الأهل تفهّم ذلك». ترفض سما الشبكة الفضة وتؤكد: «استبدال الشبكة الفضة أو الذهب الصيني بالذهب أراه نوعاً من أنواع التدليس، لأن الناس في الغالب الأعم يقدمونه على أساس أنه ألماس أو ذهب أصلي، وفي هذه الحال تأبى العائلات التخلي عن موروثات التباهي التي تراها ضرورية لإتمام الزيجات».
وتتابع: «أنا شخصياً قادمة على خطوبة خلال الأسابيع المقبلة، لكن بعد حسبة بسيطة لتكاليف الزواج، اقترحت على خطيبي إلغاء الشبكة والاكتفاء بدبلة من الذهب كنوع من الإعلان فقط لا غير، ولا أجد غضاضة في بناء مستقبلنا معاً، فأنا أرى أن جوهر البنت في حد ذاته يعادل الذهب، ولذلك فهي لا تحتاج الى التزيّن بالذهب ليُعلي من شأنها».

خاتم فضة
محمد سيد، مبرمج، 35 عاماً، تزوج منذ أربع سنوات مقدماً شبكة هي عبارة عن خاتم من الفضة، ويروي تجربته قائلاً: «تعرفت إلى زوجتي قبل الزواج بعامين وعشنا قصة حب رائعة، خططنا خلالها للزواج، وكانت خطيبتي مطلعة على إمكاناتي ودخلي المادي، والجميل في الأمر أنها كانت تشاركني في كل التفاصيل لإتمام الزواج».
ويتابع: «استطعنا بناء عش الزوجية وشراء الأثاث وبقيت الشبكة عائقاً أمامنا، حتى فوجئت بزوجتي تقترح عليَّ التقدم إلى أهلها بدون شبكة، لكننا كنا على يقين بأنهم سيرفضونني بسبب ذلك الأمر، ومع مزيد من التفكير في محاولة منا لتدبير ثمن الشبكة، كان الحل الوحيد هو أن ننتظر عاماً آخر حتى أدّخر ثمن الشبكة، لكن زوجتي أكدت أنها لا تريد شبكة، وأن الذهب ليس ضماناً للعيش بسعادة، فاقترحت عليَّ أن تشتري خاتماً من الفضة مرصعاً بفصوص زركون، وهو حجر كريم له لماعية الألماس نفسها، وأن أقدمه كشبكة ألماس، فكان لها ما أرادت وتزوجنا بشبكة فضة وما زال السر سراً بيننا الى اليوم».

تحكم العرف  
في الجانب الحقوقي، تؤكد المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مديرة مؤسسة «القاهرة للقانون»، أن العرف السائد بأن الشبكة تحفظ الحقوق الزوجية للمرأة اعتقاد خاطئ، لأن المرأة إذا قررت الانفصال ورفض زوجها ذلك، تلجأ إلى الخلع وترد إليه شبكته، لتتخلص من العيش معه. وتضيف: «قد تُجبر المرأة أيضاً على التنازل عن الشبكة بعد الزواج وبيعها إذا مر الزوج بضائقة مادية، ولا تستطيع الاحتفاظ بها لنفسها». وعن رأيها في حملات إلغاء الشبكة، تقول: «هدف تلك الحملات نبيل، لكننا لا نستطيع خرق التقاليد والأعراف».

حملات مرفوضة
من جانبها، ترفض دينا عمر، طالبة في كلية الفنون التطبيقية، حملات إلغاء الشبكة على مواقع التواصل الاجتماعي... وتؤكد: «تلك الحملات تروّج لفكر إلزامي بالاستغناء عن الشبكة، وهذا غير مقبول، فأنا مثلاً متمسكة بحقي في الحصول على شبكة وأرفض الزواج بدونها، لذا يجب أن تكون كل الحلول مطروحة، وعلى كل فرد اختيار ما يناسبه منها».
تلتقط أطراف الحديث سلمى طارق، وهي أيضاً طالبة في كلية الفنون التطبيقية، 21 عاماً، لتؤكد أنها لن تقبل بعريس يعرض عليها شبكة فضة لأنها هدية العمر.
توافقهما الرأي، ريم خالد، 21 عاماً، طالبة جامعية، وتقول: «بغض النظر عن العادات والتقاليد، هناك عرف اجتماعي اسمه الأصول، وهو ما يسمّونه «فن الإتيكيت» في الغرب، وبناء عليه تندرج الشبكة في بند أصول الخطبة، ولأن الشبكة هدية العريس لعروسه، فغالبية الأهل لا يشترطون قيمة مادية ويتركون تقديرها وفق إمكانياته المادية».

وتتابع: «التكافؤ في المستوى الاجتماعي شرط أساسي لنجاح الزواج، لذا فإن أي عريس يعجز عن تقديم شبكة لي يكون مستواه الاجتماعي والاقتصادي أدنى من مستوى عائلتي، وهذا أول أسباب فشل الزواج».

التباهي
وفي الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد بحري، استشاري الطب النفسي، أن الترويج لفكرة إلغاء الشبكة يدخل في إطار رغبة الشباب في إيجاد أساليب لتسهيل الزواج، لكن هذا يقابله في الأغلب تعنت من الأهل بسبب رغباتهم في التباهي، حيث إن التباهي والمغالاة في تكاليف الزواج موضة سائدة في المجتمع الشرقي فشل الكثيرون في الخروج عنها، بسبب اعتقادهم بأنهم يعيشون حياة أصنام لا تُكسر وغير قابلة للمرونة، لتختلف عن الموروثات السابقة». ويتابع: «حملات إلغاء الشبكة أو استبدالها بفضة إحدى وسائل تسهيل الزواج، والترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي يساعد في ذلك، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنها ليست فرضاً على الجميع، فهناك طبقات اجتماعية تقدم الشبكة ألماساً، وهناك من يقبلون بالذهب، وهناك من يوافقون على الاستغناء عنها، فمن أجل سواد الصحة النفسية في المجتمع، علينا تقبّل كل الحلول، من دون نظرة دونية أو فوقية لأصحاب أحد المذاهب».
ويضيف: «من المهم أن يترك الأهل مساحة لأبنائهم كي يختاروا ما يناسبهم ويخططوا لحياتهم معاً، بدون إجبار أو وصاية».

فكرة جيدة
تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أنه حان الوقت لتقبل المجتمع أفكاراً جديدة لحل مشكلاته الاجتماعية.
وتوضح: «تقبّل الواقع جزء أساسي لحل مشاكل المجتمع، التي يكون الزواج جزءاً منها، فعلى العروسين جدولة أولوياتهما بما يتناسب مع احتياجاتهما، و أخلاقياً لا عيب إن قبلت العروس بشقة صغيرة وتزوجت بدون شبكة، فهذه حياة يؤسسها شخصان، والأهم من الماديات أن يكونا على توافق علمي وفكري واجتماعي، حتى تتقلص أرقام الطلاق المبكر».
وترى أستاذة علم الاجتماع أن الحل يكمن في تقبّل الأهالي لظروف الشباب ذوي المستقبل الجيد، من دون الانجرار وراء تقاليد بالية تعتمد على المظاهر في المقام الأول، مؤكدة أن تسهيلات الزواج فكرة جيدة للحد من الانحرافات الأخلاقية والزواج العرفي والعنوسة، كنتائج طبيعية لارتفاع سن الزواج».

رأي الدين
يؤكد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، أنه جرى العرف على أن الشبكة جزء من المهر، لأن الناس يتفقون عليها في الزواج، وهذا يخرجها من دائرة الهدايا ويلحقها بالمهر، وقد جاء في الأثر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «ما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ الله حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ الله سَيِّئٌ».
ويوضح الدكتور علام، أن الشبكة من المهر، حتى أن الشبكة المقدمة من الخاطب لمخطوبته تكون من حق الخاطب إذا عدل أحدهما أو كلاهما عن عقد الزواج، ولا يؤثر في ذلك كون الفسخ من الرجل أو المرأة، لأن الشبكة جزء من المهر، أما إذا خطب شاب فتاة وتوفي في فترة الخطبة، فقد اختلف الفقهاء، بحيث يرى فريق منهم أن الشبكة والهدايا تعتبر من قبيل الهدية التي تأخذ حكم الهبة، ويرى فريق آخر من العلماء أنه لا يجوز لورثة الخاطب استرداد الشبكة أو الهدايا. أما رأي دار الإفتاء المصرية فهو أن قراءة الفاتحة وقبول المهر والشبكة والهدايا من مقدمات الزواج ومن قبيل الوعد به، ما دام عقد الزواج لم يتم بأركانه وشروطه الشرعية.
عن حكم الشرع في الزواج بلا شبكة، يقول الدكتور شوقي علام، إنه إذا تراضى الطرفان على الزواج بلا شبكة، مع استمرار الاتفاق على المهر، فهذا جائز شرعاً، لأن المهر ركن من أركان الزواج وليس شرطاً لصحته، ولهذا يرى جمهور الفقهاء أن مشروعية المهر ثابتة في القرآن والسنّة والإجماع، وهو يرفع من شأن المرأة، ويعلي من قدرها، ولا يعتبر المهر ثمناً للمرأة كما يزعم الحاقدون على الإسلام والناقمون عليه، بل هو عين التكريم للمرأة، أما الشبكة فهي من الأعراف التي ألحقها الفقهاء بالمهر، وليست بديلاً منه، وبالتالي يجوز الزواج شرعاً بلا شبكة.
ويُنهى الدكتور شوقي كلامه، مؤكداً أنه إذا اتفق الطرفان برضاهما التام على كتابة قيمة الشبكة الذهب في قائمة الأثاث، فلا مانع شرعاً، رغم اختلاف الفقهاء حول تلك القضية ما بين مجيز ومحرّم، لكننا نرى الحكم مرتبطاً بالتراضي وضرورة الوفاء بما تم الاتفاق عليه من شروط، لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (آية 1) سورة «المائدة»، وقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078