وصف
تبدو لنا أحياناً أمور حياتنا معقّدة في شكل مجنون. كأن جدراناً تحاصرنا وكأننا فقدنا القدرة على الرؤية بوضوح. وفي أحيان أخرى تتفكك العقد ويهدأ الجنون. فإذا سُنحت لنا فرصة التنفس بهدوء والتفكير في ما عشناه وما نعيشه نسعى إلى ردّ الأمور إلى حجمها الطبيعي. يحدث هذا عندما نتعلّق بأمر ما بحيث يصبح إحدى ركائز حياتنا. تتحوّل علاقتنا به إلى علاقة حب وكراهية. هذا الشغف مطلوب لكنه لا يكون من دون ثمن. كأن نضيّع أهدافنا أو نسعى إلى العيش في عزلة هرباً من المزيد من الأوجاع. صديقتي الكاتبة تفقد كلمات كانت تنهال عليها بسهولة. تدعي أن المرارة تخفي الكلمات. تهرب من تفاصيل الحروب وقصص الموت والظلم والنفايات إلى عزلة تسمّيها عزلة فكرية. تقول إنها تعلّمت محو الأسئلة التي يحرّكها فضولها وإنها قررت الاستسلام للسخافة. تبحث عن أفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية تافهة وعن قراءات تدمّر بدل أن تبني. وهذه، الأفلام والبرامج والقراءات، تفرض نفسها على المجتمعات الموجوعة. تبدع صديقتي في مديح ما سمّته فلسفة اعتناق الجهل من أجل راحة البال. وتضيف أن هذا التفكير ينطلق من ذروة الأنانية، من العجز عن مواجهة مواقف صادمة يجاهر بها الوقحون. ولأننا نعرف مواقف الوقحين السابقة وخلفياتهم السياسية والفكرية والثقافية نستسلم لاستسلامنا ويدفعنا القرف إلى إهمال النقاش والمواجهة والرد. نهمل الموضوع كلّه ولا نطالب بتصحيح الموقف أو استنكاره. هذه هي فلسفة التخلّي عن واقع تخلّى عنا. هكذا تدافع صديقتي عن العزلة لأجل الحفاظ على الصحة النفسية. وهكذا ينتصر منطق المافيات وورثة الميليشيات. ليس ردّ فعل الصديقة نموذجياً بطولياً يُقتدى به، لكنه يمثّل حالة واقعية موجودة تستحق الوصف.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024