الإعلامية اللبنانية دوللي غانم: جرحي مع قناة LBC قديم
يثير «إنهاء التعاقد» مع قناة «أل بي سي» وفق تسمية المذيعة اللبنانية القديرة دوللي غانم لإخراجها، أسئلة تتخطى انتهاء مسيرة إعلامية بين طرفين امتدت نحو ثلاثين عاماً، وحالة تقارب النوستالجيا في الذاكرة البصرية لدى المشاهد، لتلامس تفاصيل أوسع في المشهد العام من الفوضى الإعلامية السائدة.
تنتقل غانم في مقابلة لـ«الحياة» من كرسي المستضيف إلى موقع الضيف الذي لا تحبّذه، إلا أنها تشعر فيه بحريّة أكبر لتقول ما تريد. تبدأ الدقيقة باختيار مصطلحاتها، برفض إطلاق لقب «إعلامي» على كل من هبّ ودبّ في المهنة قائلةً: «أي شخص أصبح يسمى إعلاميّاً، هذه مشكلة. لا يمكن أن يسمّى رئيس التحرير إعلامياً ومن بدأ حديثاً بالعمل في قناة إعلامياً أيضاً!، يجب أن يُميّز بين وظيفة وأخرى، وتسمية الشخص بالمسمى الوظيفي الصحيح».
وتتحدث غانم عن تغيرات المشهد المرئي سلبياً مقارنة بانطلاقتها على الشاشة الصغيرة كمراسلة عام 1985، لافتةً إلى غياب شروط العمل أو تبدلها. تقول: «كان عندي تجربة إذاعية سابقة قبل أن أبدأ كمراسلة، فكانت لغتي العربية سليمة، ولم أبدأ بالعمل على أساس شكلي لأنه لم يكن معياراً أبداً، كانت المشكلة الوحيدة أن شعري كان طويلاً ويأخذ حجماً على الشاشة، لكن اليوم ساد العكس، أصبحت من شعرها أطول تملك امتيازاً. لا أنتقد أحداً، ولكن هذا مثال على مراعاة أصول التلفزيون وماذا تحب الكاميرا. اليوم لا أحد ينتبه إلى هذه المعايير». كل هذا الوقت تؤكد غانم أن ميزتها هي: «حافظت على شخصيتي وعفويتي دائماً، أحبّ الناس صدقي وعدم تصنعي، واحترامي مهنتي».
وتشير آسفة إلى غلبة الاستعراض على المضمون: «أنا لست ضد الاستعراض في شكل مطلق، في النهاية نعمل في مجال الصورة. ولكن أنا ضد الاستعراض الذي يقوم على التمادي، يجب الحفاظ على مصداقية الخبر من دون أن نحمله أكثر مما يحتمل». وتضيف: «عدد كبير من الإعلاميين أو المراسلين همّهم أن تتحدث الناس عنهم، لا يهمهم الحدث بمقدار ما يريدون أن يكونوا هم الخبر. نحن عملنا أن ننقل الخبر وندع الناس تهتم بمضمون ما نقدمه، وليس العكس». وإلى جانب سلوك بعض المراسلين والمراسلات، تقدم مثالاً مواكبة الإعلام للحراك المدني في لبنان، عندما أُعطي مساحةً وتركيزاً، أضراّ به، لأن بعض الناشطين فرح باهتمام الإعلام وتركيزه وانحرف عن الحراك».
وتمتد ملاحظات غانم إلى الامتعاض من تحويل نشرات الأخبار إلى «منبر شخصي» بين الشاشات اللبنانية، في سبيل تصفية حسابات بعيداً من «الإعلام»، ناصحةً المشاهد اللبناني بألا يقع في فخّ الإثارة. ورداً على سؤال حول مسؤولية الإعلام في وصول الوطن إلى دركه الأسفل بتحوله لدور الذراع الإعلامي للفريق السياسي بالدرجة الأولى، تجيب غانم: «الإعلام قد يساهم في إشعال موضوع سياسي محدد وتسعيره، ولكن الإعلام لا يصنع السياسة أو الخبر السياسي»، من دون أن تنفي سلبية بعض السلوك الإعلامي: «كلمة واحدة قد تشعل فتنة، وليس هذا دور الإعلام». ولكن ماذا عن مسؤولية المستضيف باختيار ضيوفه، بخاصة أن بعض «المهرجين» جلس في مقاعد «الخبراء»، وترتفع أرصدتهم وطلبهم أكثر في الأزمات؟ تقول غانم: «كثير منهم يحضر للاستعراض، فتتهافت عليهم وسائل الإعلام لهذا السبب. أنا كنت حرّة في اختيار من استضيف، لم أتعرض لأي ضغط. لم أكن استضيف هذه النوعية من الأشخاص المختصة في الضرب والشتيمة لحصد نسبة مشاهدة عالية، من المعيب استضافة أشخاص بلا قيمة سياسية أو ثقافية أو ليست خبيرة بما يكفي». وتشدّد على أنها كانت تطلب تحت الهواء من بعض السياسيين أصحاب المفردات الحادة تلطيف لغتهم.
وحول ملف خروجها من «المؤسسة اللبنانية للإرسال» كآخر فرد من جيل المؤسسين على الشاشة، تقول غانم أنها شعرت بالوحدة خلال الفترة الأخيرة من عملها، موضحةً: «أنا آخر مذيعة ومحاورة يعرفها الناس من جيل عام 1985. عندما كان الزملاء يغادرون قبلي كنت أحزن كثيراً، وفي الآونة الأخيرة شعرت بالغربة كثيراً. أدخل إلى المؤسسة وأخرج وأتحدث بشكل قليل مع العاملين هناك». وتعترف بأن «الجرح قديم، عمره خمس سنوات تقريباً واليوم تجدد».
لا تقفل غانم الباب قبل أن تشير إلى معاناة زملاء آخرين، لم تمنحهم الشاشات ترف الشهرة: «كثر من الزملاء الذين لا يظهرون على الشاشة تمّ التعاطي معهم بالطريقة ذاتها وربما أسوأ من دون أن يشعر بهم أحد. عندما أتكلم عن تجربتي، أشعر بأني أحكي عنهم، وبأن تكريمي من خلال رد فعل الناس القوي تجاهي، هو تكريم لهم أيضاً». وأما عن خطوتها المقبلة، فتؤكد غانم وجود عروض عدة، من ضمنها «كلام لا أكثر مع قناة «أم تي في»، لم يصل بعد إلى مرحلة الجدية أو التفاوض»، مشدّدةً على أنها في فترة استراحة وتفكير عميق من أجل خطوة جديدة إلى الأمام.
نقلاً عن الشقيقة "الحياة" (الكاتب أمين حمادة)
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024