تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

وليد ناصيف: لم أهبط إلى عالم الإخراج بالمظلّة

يؤكد أنه لم يهبط إلى مجال الإخراج بالمظلة، بل أتى من خلفية أكاديمية وبذل جهداً شخصياً ليبني اسماً صعباً في مجال الفيديو كليب ويدخل من خلاله إلى مجال الدراما.
يتقبل المخرج اللبناني وليد ناصيف النقد من أهل المعرفة ولكن ليس ممن يجرّحون، فـ«أولئك الأفضل لهم أن يسكتوا»، كما يقول. عن تجربته الأولى في مجال الدراما العربية والإخراج من منظاره العلمي، والانتقادات التي طاولت «جريمة شغف» يتحدث وليد ناصيف، في هذا الحوار.

- ما كان تعليقك الأول بعد اطلاعك على نص «جريمة شغف» مسلسلك الدرامي الأول؟
الممثل السوري قصي خولي والمنتج مفيد الرفاعي صديقان لي، جمعنا عمل في السابق، وهما أطلعاني على فكرة «جريمة شغف» في الفترة التي كان يُكتب فيها والذي سيكون من بطولة قصي خولي، وكانت شركتي قد أنتجت دراما كنوع من القصص الصغيرة وستعرض هذه الأعمال قريباً.
يتميز نص «جريمة شغف» بتركيبة جميلة، وقد طرأت في تلك الفترة بعض التعديلات عليه وكنا نجريها وكأننا في ورشة عمل. مع بدء التصوير ما عاد في إمكاني أن أتابع التعديلات التي أُدخلت على النص كالسابق، وخرجنا بالنتيجة التي شاهدها الجمهور، كما عدّلنا في أدوار بعض الشخصيات بزيادة المساحة الدرامية الخاصة بهم، لأن المسلسل يضم عدداً كبيراً من نجوم الدراما على صعيد الوطن العربي.

- لك تاريخ حافل في إخراج الفيديو كليب، إلى أي مدى حمّلك العمل الدرامي الأول مسؤولية؟
عندما يلمع اسم مخرج في عالم الموسيقى والفيديو كليب يظهر بطريقة أسرع لأنه مُنتَج تجاري ويُعرض على أكثر من شاشة على مدار السنة تقريباً.
أنا لا أعمل فقط في مجال الفيديو كليب، وثمة من لا يعرفون أنني أعمل في البرامج والإعلانات والأفلام الوثائقية. تخرجت في الجامعة وتابعت دراساتي العليا ودرّست في الجامعة لأربع سنوات، وكل هذا حمّلني مسؤولية، إلى جانب أن اسمي معروف في عالم الفيديو كليب.
بعيداً عن عالم الدراما في ذهنية العالم العربي ومشاكل الدراما العربية غير المعلنة، قررت أن أعمل بتجربتي واسمي الذي سأحافظ عليه اليوم وغداً، لأنه مثل الذهب وسيبقى كذلك.
أنا لم أهبط بالمظلة على هذا المجال، بل درست وتعبت وسيرتي الذاتية حافلة، كما أنني من أكثر من عانوا وواجهوا صعوبات ليبنوا اسمهم. والفنان أو شركة الإنتاج عندما يوليانك ثقتهما، فهما بذلك يحملانك مسؤولية، إن كان العمل درامياً أو كليباً أو إعلاناً... يضعون ميزانية مالية ضخمة بين يديك، ذلك بسبب الثقة ونظافة الاسم المبنية من خلال مسيرة مهنية طويلة.

- تعرّض «جريمة شغف» لانتقادات كثيرة، كيف تقبلت النقد؟ وأين هي الهفوات التي وجدت أنك وقعت فيها وكان عليك تداركها؟
أنا أكثر شخص يتقبل نقد، أراه يُحفّز على النجاح. ثمة من ينتقد بشفافية وهناك أشخاص ينتقدون ليجرّحوا فقط وذلك يظهر من طريقة انتقادهم، هذا النوع من الانتقاد لا أرى صاحبه أصلاً، كل شخص ينتقد ويصلني نقده البنّاء، آخذ به.
لا يستطيع أحد أن يقول إن هناك عملاً سيئاً بأكمله، فالصورة هي عوامل ركبت مع بعضها البعض، ونضع علامة على كل عامل، وكلما اكتملت هذه العوامل ازدادت نسبة النجاح، أتيت من خلفية أكاديمية ولا أقبل أن يوجه لي أحد انتقاداً من دون خلفية علمية، وهؤلاء الذين لا يفهمون الدراما من الأفضل لهم أن يسكتوا، لذلك عندما يقول أحدهم إن فيلماً لم يعجبه، علينا أن نسأله ما الذي لم يعجبه بالتحديد؟ عندها سيحدد النص أو أداء أحد الممثلين وهكذا... ثمة أشخاص وضعوا «بلوك» على أنفسهم وقرروا ألا يتعلموا.

- إلى أي مدى تختلف إدارة الممثل عن إدارة الفنان؟
كل من يقف أمام الكاميرا تقع إدارته على عاتق المخرج. باختصار، الذي يختلف أننا نتعامل مع فنان غير محترف تمثيلياً، بينما الممثل احترف التمثيل (ان كان دخل بالصدفة إلى مجال التمثيل أو احترفه أي أكاديمياً أو الذي يمتلك موهبة)، فلغة إدارة الممثل تختلف عن لغة إدارة الفنان لأن الأخير لم يدرس التمثيل ولم يحترفه.

- هل مقدار الصعوبة أكبر مع الفنان؟
بالتأكيد، لكن بالنسبة إليّ الصعوبة واحدة لأن المخرج في النهاية هو المسؤول عن هذه الصورة. من الجميل جداً عندما يفهم الفنان لغة التمثيل خلال تصوير الفيديو كليب، كثر من الفنانين يدركون هذه اللغة، كما أن بعض الفنانين المشهورين هم جزء لا يتجزأ من الموهبة التي يمتلكونها أمام الكاميرا وهو ما نطلق عليه الكاريزما وهي التي تلغي حاجز الكاميرا بين الفنان وجمهوره ونشعر بصدقيته لأن تمثيله حقيقي في الكليب.

- هل من يرسم السيناريو في الفيديو كليب هو المخرج؟
في الوطن العربي المخرج هو الذي يطرح الفكرة، ولكن في العالم نجد تعاوناً بين شخص نطلق عليه اسم Creative Director تجمعه علاقة شخصية بالفنان، يضع له استراتيجية على عدة سنوات، مع عدد الأغنيات التي يجب أن تصدر وعدد الكليبات التي ستُصور، لا أود أن أجزم ولكن ربما تكون موجودة بنسبة ضئيلة جداً في لبنان.
منذ فترة أصدر أحد الفنانين 13 أغنية في يوم واحد، هناك استراتيجية معينة بغض النظر إن نجحت أو فشلت، وفي الوطن العربي إجمالاً هناك 99.9 في المئة لا يستعينون بمدير إبداعي، وربما واحد في المئة هم من يستعينون به ليقدم فكرة، فيرفض بعض المخرجين تنفيذها لأنهم يودون أن يبتكروا فكرتهم.

- ذكرت في إحدى المقابلات أنك أعدت تصوير عدد من المشاهد في «جريمة شغف» أكثر من مرة لتختار الأفضل بينها.
لم أقل هذا الكلام، وبالتأكيد لم أصور أي مشهد أكثر من مرة، وحتى هذا المنطق ليس موجوداً في الدراما، ففي الدراما خطة ونص وورق. كان هناك تعديلات في النص خلال التصوير ولكنها لا تتعلق بإعادة تصوير المشهد، والتعديلات أضيفت الى العمل. وهذه المشكلة ليست محصورة بـ«جريمة شغف» بل بذهنية الدراما العربية. ولكي لا أجزم ليس في الأعمال كلّها.

- المسلسل الوحيد الذي لم يُنتقد في رمضان هو «غراند أوتيل»...
تابعت بعض حلقاته، المسلسل جميل، المشاهدة شيء والتقييم شيء آخر، و«غراند أوتيل» من أقوى المسلسلات التي عُرضت في رمضان، بقدر ما استطعت أن أتابع لأنني كنت أقوم بعملية المونتاج، ولكن إذا أردنا أن نقيّم العمل، سنخرج بوجهات نظر مختلفة.

- كيف نصنّف «جريمة شغف»، أهو عمل لبناني أم مشترك؟
عمل مشترك لأنه يضم ممثلين من لبنان وسوريا ومصر.

- بعض الممثلين لا يعتبرون أن هذه المسلسلات مشتركة لأنها تستعين بالممثل بعيداً عن بيئته، إذ لا يصطحب الممثل السوري بعضاً من بيئة بلده وكذلك الأمر ينطبق على اللبناني والمصري، وكل ما يتغير هو اللهجة فقط.
مجرد أن يشارك ممثلون في عمل يتكلمون فيه بلغة أو لهجة مختلفة ومن جنسيات مختلفة فالعمل بات مشتركاً وهذه ليست فلسفتي ولكن فلسفة الواقع وفلسفة بيع المسلسلات.
ولكن إذا أردنا أن نقول إنه ينقل واقعه فذلك يتعلق بالنص إذا كان يسمح بذلك أم لا، لذلك يجب أن يكون هناك معالجة تحترم الخطوط الواقعية الدرامية للشخصيات الموجودة في العمل والمختلفة جنسياتها.

- من يتحمل مسؤولية الهفوات أو الأخطاء في العمل، الكاتب أم المخرج؟
الناس تنتقد هفوات المخرج، لا شك في أن هناك العديد من المشاكل لن أعددها جميعها، مثل النص والممثل المعتاد على نمط معين من التمثيل إذا حاول المخرج إرشاده، ربما سيرى أنه غير قادر على تنفيذ هذه اللغة على الأرض، بالإضافة إلى العملية الإنتاجية، إلا أن المُشاهد يحكم من خلال المشاهدة. لكن إذا كان يتابع وينتقد سيعرف نوعية المشكلة. لا شك في أن البعض شاهد «جريمة شغف» من زاوية تعتبر جديدة.

- العديد من المخرجين اللبنانيين أمثال سعيد الماروق وكميل طانيوس، هنأوك على العمل وهي حالة نادرة لا نراها كثيراً بين الممثلين.
بالفعل، وناصر فقيه وعادل سرحان، بالإضافة إلى ممثلين مهمين، وهذا هو الدعم الحقيقي بالنسبة إليّ لأنهم استطاعوا أن يقيّموني من الزاوية الصحيحة للعمل، أعرف أين تقع المشكلة الحقيقية، وفخور بأنني استطعت أن أضع صورة تنفيذية كمخرج لبناني وفي دراما رمضان على مدى ثلاثين حلقة مع منافسة الوطن العربي في مكان جديد، بمعزل عن النقد الذي هو للنقد فقط. إذ ان مخرجاً لبنانياً خاض مجال الدراما للمرة الأولى في رمضان حيث يلعب كل اللاعبين الذين يعتبرون أنفسهم «كابتن»، فلم أدخل كلاعب بل ككابتن. ربما شهدنا هفوات في بعض الحلقات، ولكن لماذا حصد «جريمة شغف» الصدارة في حلقاته الأولى؟

- هل ثمة دخلاء على عالم الإخراج؟
هم كُثر، ثمة من يطلقون على أنفسهم مخرجين وهم ليسوا مخرجين، فليزيدوا قدراً من العلم إلى معرفتهم لكي نقول إنهم مخرجون يقدمون أعمالاً جيدة، وأنا أول من يصفق لعمل جيد.

- هل يزعجك توجه بعض الفنانين اللبنانيين إلى مخرجين غربيين عالميين؟
على العكس، ولكن هناك سلبيات وإيجابيات لهذا الأمر. يقدم المخرج العالمي فكرة أو طرحاً عالمياً جديداً لأننا نتحدث عن ثقافة مختلفة، ولكن ما يستطيع أن يقدمه المخرج اللبناني أفضل من الأجنبي هو إدراكه للبيئة التي يعيشها الفنان، وامتلاكه لثقافته كما أنه يفهم الفنان والصورة التي يود أن يظهر فيها، ويطلع على أعمال الفنان ليقدم له كليباً جديداً يضيف إلى أعماله.
عملت لفترة في أوروبا مع شركة إنتاج، وتابعت أحد المخرجين الأوروبيين الذين كانوا يحضرون كليباً لفنان لبناني، حينها كان يتم ترجمة كلمات الأغنية للمخرج وبهذه الحالة تلغى نسبة 30 في المئة من إحساس الفنان، كما أنه لم يجرِ بحثاً عن أعمال الفنان للاطلاع على نوعية أعماله ليعرف ما الجديد الذي سيقدمه له، بالإضافة إلى أنه لا يدرك ثقافة وبيئة المجتمع الذي نعيش فيه وإن كانت المشاهد مناسبة لعرضها هنا أم لا.
هذه عوامل باستطاعتها أن تؤذي الفنان، ولكن باستطاعة المخرج الغربي أن يعطي الفنان صورة جديدة لأنه بنى سيرته على خلفية أكاديمية ويقدم له فكرة قوية وجميلة.

- هل هناك فنانون ترفض العمل معهم؟
بالطبع ثمة من أرفض العمل معهم ولكن بطريقة محترمة.

- مَن مِن الفنانين تجده ممثلاً جيداً وتشجعه على خوض تجربة التمثيل؟
نانسي عجرم هي الأولى، وبالتأكيد لا يمكننا أن نقول كارول سماحة لأنها ابنة المسرح ودرست التمثيل كما أن لديها تجربة تمثيلية طويلة والتمثيل في دمها.

- نشهد أخيراً موجة من الكليبات المبتذلة، ما الذي يجبر المخرج على السير بهذا النوع من الأعمال؟
علينا أن نرى في البداية مدى تمسك هذا المخرج بأفكاره وعدم تأثره بفكر الفنان الذي سيعمل معه، لأن ثمة فنانين لا يعرفون ما الذي يريدونه، ويعتقدون أنهم يفكرون بطريقة صحيحة فيؤذون المخرج، وذلك عندما يسير المخرج خلف أفكار الفنان التي لا تكون دائماً صائبة، وهنا على المخرج أن يضيء للفنان على النقاط الصحيحة والمخطئة، كما أن هناك فنانين نشعر بالمتعة بالعمل معهم لأننا نتحدث معاً اللغة الفنية نفسها.
ما نشاهده أخيراً من الكليبات هو نوع من الأعمال الكوميدية التي تضحكنا، وسوق إنتاج الأغنية الفنية ينهار ونحن نسير مع هذا الانهيار (لست معنياً بهذا الانهيار)، وعلاج ذلك معروف ولكنني أعتقد أن التصحيح صعب في هذا الزمن.

- في إحدى المقابلات التلفزيونية في العام 2014، ذكرت أنك تحضر لعمل يحمل رسالة سلام، أين أصبح هذا العمل؟
هذا عمل مهم جداً بالنسبة إلي، ما زلنا في طور الكتابة، ولأنه عمل كبير فهو بحاجة إلى إنتاج ضخم، وعندما يكون هناك عملية تمويلية بأرقام كبيرة فهي تستغرق زمناً طويلاً. كما أن هذا العمل ليس لبنانياً لكن يوقعه مخرج لبناني ويحمل رسالة عالمية، عندما ننتهي من الكتابة سنبدأ بعملية التمويل.

- ما هو نوع العمل؟
هو خليط بين الدراما وبرامج تلفزيون الواقع، هو عمل جديد.

- هل هو عمل عربي؟
العمل يحكي لغات عدة ومن بينها العربية.

- غردت بمقولة الراحل أحمد زويل: «أهل الغرب ليسوا عباقرة ونحن أغبياء، هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل». لماذا اخترت هذه المقولة؟
لأنه محق.

- «الجسد الأنثوي لغة وأكثر، الرجال لم يقروأ في حياتهم كتاباً»... هذه مقولة لنزار قباني ولكن هل تقصدت من هذه التغريدة أن تهاجم الرجل؟
لا لم أقصد مهاجمة الرجل، اذ لا يمكننا أن نجزم بكل شيء بالمطلق، فكل شيء في الحياة نسبي. عندما نتحدث عن مقولة ما، تكون هناك نسبة معنية وأخرى غير معنية. غردت بهذه المقولة لأنني بهذه الطريقة أنظر للمرأة بينما كثر لا يرونها هكذا. وكنت غردت منذ فترة بـwhat you tweet is what you are لأن هذا الحساب يمثل أفكارنا لا أفكار الناس.

- لمن تحضر كليبات حالياً؟
أحضر أكثر من عمل مع أكثر من فنان، صابر الرباعي، سعد رمضان وآمال ماهر.

- ماذا عن الدراما؟           
الفكرة في طور الكتابة ولكن مباشرة التصوير لم تحدد بعد ولا العرض إن كان العمل لرمضان أم لا، لأنني أود أن أنجز كل أعمالي قبل ذلك.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079