تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

طفلك وفن التواصل

منذ اللحظات الأولى لولادته إلى دخوله المدرسة، يتعلّم الطفل فن التواصل، وهو مهارة تتطلب من الأم، الاستماع، المراقبة، تحديد الأولويات، الفهم، والمحادثة. خمس كلمات هي مفتاح لبناء تواصل حقيقي مع الطفل الصغير وتعليمه كيف يعبّر عن نفسه.
فجميع اختصاصيي علم نفس الطفل أجمعوا على أن اكتساب فن التواصل مسألة أساسية لنمو الطفل النفسي والاجتماعي. وهي مهارة أساسية سوف يستخدمها على مدار حياته، فالطفل الصغير يحتاج، وبموازاة تلبية حاجته البيولوجية، إلى الشعور بالأمان، والحماية، وبأنه محبوب وهناك من يسمعه ويكترث لوجوده. وتظهر هذه الحاجة منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل، فالرضيع يتفاعل مع والدته ويتحدّث إليها بالإشارات الغريزية، مثل المناغاة والبكاء وأحيانًا الصراخ.
ويتطوّر التواصل مع والدته مع تقدم سنّه حين يبدأ المشي والكلام، ثم مع الآخرين خارج إطار العائلة، ويعود إلى الأهل في تطوير ملكة التواصل لديه من خلال اعتماد خمسة أمور هي المفتاح في تعليم الطفل فن التواصل معهم ومع الآخرين.


المراقبة
منذ ولادة الطفل، يتعلم معظم الأهل تدريجًا معاني الإشارات التي يطلقها الرضيع: البكاء، الصراخ، المناغاة، والالتفافات. فصراخ الطفل وبكاؤه يساعدانه في التعبير عن حاجاته الأولية، وطريقة فك الأهل شفرتها والاستجابة لطلبه هما أول الحوارات مع الطفل.
فهم حين يراقبونه يفهمون ما يشعر به، وفي الوقت نفسه يتعرّفون إلى هذا الكائن الصغير الذي أنجبوه. وفي المقابل، يحتاج هذا الرضيع إلى الشعور بأن من حوله يفهمونه حتى قبل أن يصبح تواصله إراديًا، أي قبل أن يصبح في مقدوره الكلام والمشي.
وهكذا يُبنى الحوار في شكل سريع، لأنه بدءًا من أسبوعه السادس يعرف الطفل كيف يجزي والدته بابتسامة عندما تلبي حاجته، عندما تفهم ماذا يريد من وراء صراخه القوي.
يكبر الرضيع وتستمر الأم في مراقبته، تداعب وجهه عندما يناغي، أو يتحدث إليها كي تتمكن في فك شفرة تعابيره، ونظراته وتصرفاته.
لذا فمراقبة الطفل، والنظر إليه وهو يلعب، يتحرّك ويتفاعل مع الآخرين في المواقف اليومية، تسمح للأم بالتعرف إليه أكثر ومتابعة مراحل نموه عن كثب، وبالتالي تفهم ما يريد قوله لها في وقت لاحق. وهو في الوقت نفسه يجيد غريزيًا كيفية التواصل معها ويدرك أنها تعرف ماذا يريد، فأمه من الإشارة تفهمه.

الاستماع
الإصغاء هو أساس التواصل، والطفل الصغير في حاجة إلى انتباه خاص. فهو لا يعرف بعد كل الكلمات، أو تحديد مشاعره ووصفها، أو رواية قصة كاملة، بل هو في حاجة إلى الوقت والإصغاء الجيد.
وهذه بعض الإرشادات الأساسية التي على الأم اعتمادها في الاستماع إلى طفلها:

  • تخصيص الوقت الكافي للاستماع إلى الطفل، فهذا يشعره بأنه مهم بالنسبة إلى والديه، وفي المقابل تتمكن الأم من فك شفرة تعابيره وكلماته.
  • عدم مقاطعة حديث الطفل، بل على الأم مقاومة محاولة مقاطعة كلامه لأجل تصحيح مفرداته، أو محاولة إنهاء جملته بدلاً منه مفترضةً أنها فهمت طلبه، بل عليها أن تتركه ينهي حديثه وإن طال.
  • النظر إليه أثناء التحدث، مراقبة إيماءاته، نبرة صوته، ونظرته، فهناك الكثير من الإشارات التي يمكن أن تساعد الأم على فهم أعمق لما يحاول الطفل أن يعبّر عنه.

                                                        

جعل الطفل من الأولويات
بطبيعة الحال، وفي سياق الروتين اليومي، ليس من السهل على الأم التوقف عن إنجاز عمل تقوم به، والاستماع إلى طفلها، أو حتى التحدث إليه، ومع ذلك من الممكن إيجاد مناخ من التواصل والاستمتاع في يومياتها. لذا يمكن الأم الاستناد إلى هذه النصائح:

  • تحديد أوقات خاصة في الأسبوع لأجل متعة واحدة وهي أن تكون الأم وطفلها معًا... ويستمتعان باللعب الحر المسلي، وتنسى الألعاب التربوية خلال هذه اللحظات، فالضحك والإغاظة هي لحظات مناسبة لإعطاء مساحة، وتمضية وقت نوعي مع الطفل، مما يساهم في تعزيز مهارة التواصل بشكل أفضل.
  • خلال الأسبوع وأثناء العودة إلى المنزل، على الأم أن تخصص وقتًا أقل لتحضير العشاء، وتمضي وقتًا أطول مع الطفل.
  • إقفال الهاتف الجوال والكمبيوتر والتلفزيون عندما تكون مع طفلها.
  • تأسيس روتين ولحظات حميمة مع كل طفل من أطفالها أثناء الذهاب إلى الفراش، فخلال هذا الوقت تبدأ الثرثرة الجميلة بين الأم وطفلها، وهي لحظات بوح الأسرار.

التفهم
من الطبيعي أن يكون مزاج الأم بعد يوم طويل في العمل، متقلباً... وكذلك الطفل. فهو أيضًا بعد يوم طويل في الحضانة أو المدرسة ربما تعرض لشجار مع الأصدقاء، أحدهم دلف الماء على رسمه الجميل، أو خضع لعقاب لسوء تصرّف، وكذلك نال الكثير من المرح ومارس الألعاب المثيرة، وحقق النجاح. من المهم جدًا أن تحاول الأم فهم ما يعيشه الطفل، هل هو مضطرب  لأنه يشعر بالملل أو بالوحدة؟ هل حدث أمر استثنائي في يومه؟ ولكي تدرك الأم مشاعر طفلها، يمكنها اتباع هذه الارشادات:

  • الاستعلام عن مسار يومه من خلال معلمة الصف. هل أخذ قيلولته إذا كان يذهب إلى الحضانة، هل حصل عراك بينه وبين طفل آخر، أو حصلت حادثة طريفة أو مؤلمة. فمعرفة الأم ما حدث مع الطفل خلال غيابها، تساعدها في فهم بعض ردود فعله. وفي المقابل، على الأم إعلام  المعلمة ببعض المعلومات عن طفلها. هل نام جيدًا؟ هل كان مريضًا، هل حدث أمر طارئ في البيت؟ فهذه المعلومات تساعد المعلمة على التنبه إلى تصرفاته وفهم أسبابها.
  • تأسيس علاقة جيدة مع الأب والتعاون لأجل معرفة مواطن الخلل التي تؤثر في سلوك الطفل. بداية تبادل الآراء والمعلومات حول الأحداث، والمشكلات الصغيرة التي يواجهها الطفل. فمعرفتها تساعد الوالدين على فهم طفلهما وحل مشكلاته، ويجب أن تكون هناك متابعة مستمرة.
  • يبدو الطفل غاضبًا، حزينًا أو متحمسًا... على الأم جعله  يدرك أنها لاحظت ذلك كأن تقول له «يبدو أن نهارك لم يكن جيدًا، أو تبدو غاضبًا هذا المساء». إذ من غير المفيد طرح الأسئلة بأسلوب الاستجواب،
  • التي لن يعرف أو لا يريد الإجابة عنها على الفور. فالقول له إنها لاحظت حالة مزاجه، فكأنما تقول له إنه مهم جدًا بالنسبة إليها، وأنها تشعر بما يشعر، وأنها تفهم ما يمر به. فبهذه الطريقة تبدّد غضبه أو مزاجه العكر لأنه لم يعد يشعر بأنه وحيد. ومن المهم محادثته في لحظات هدوئه، أو تستعد للاستماع إليه خلال وقت النوم، فسيبوح عندها بما حدث معه وبما شعر به.

التحادث
من المعروف أنه كي يتعلم الطفل الكلام، على الأهل التحدث معه أولاً، وهذا يبدأ منذ لحظة ولادته. والأهل يتحدثون إليه لإعلامه بأنهم يحبونه، للعب معه لجذب انتباهه، لتعليمه كيف يتناول الطعام، والمشي واللعب، وأيضًا لتسمية ما يشعر به، يتحدثون إليه لأجل التأكيد له أنهم يسمعونه ويفهمونه.
أمّا هو فيتعلم خلال اليوم مما يسمعه من أهله حين يسمّون الأشياء المحيطة به، ووصف الحركات التي يقوم بها، أو التي يقومون بها، لذا من الضروري أن يستعمل الأهل الكلمات الصحيحة.
فعندما يصف الأهل ما يشعر به الطفل منذ أن كان في المهد، ويعلمونه تحديد حاجاته ومشاعره، يجعلونه يفهم ذاته وأحاسيسه، مثلاً عندما يبكي لأنه يشعر بجوع، تقول الأم أو الأب «حبيبي تبكي لأنك تشعر بالجوع... أو تبكي لأنك راغب في العناق والمداعبة». وكذلك على الأهل انتهاز كل الفرص اليومية التي تتيح لهم التحدث إلى الطفل والتفاعل معه. مثلاً أثناء تحضير الطعام، التسوق، رد الفعل في الطريق أثناء ازدحام السير.
ومن المهم ايضًا للآباء والأمهات التعبير عن مشاعرهم الخاصة، رواية ذكريات أو قصص خاصة بهم لأولادهم. فجميع الأهل يتمنون أن يتحدث إليهم أطفالهم، عن أفراحهم وأحزانهم، وأحداث يومهم. ولكن في بعض الأحيان يميل الأهل إلى نسيان فعل الشيء نفسه مع أطفالهم، أي التحدث عن يومياتهم، في الوقت الذي يمكنهم فيه التحدث إلى أطفالهم من طريق التكيف مع سنّهم ومستوى تفكيرهم، وهكذا يوجدون مناخًا من الحوار المتبادل.

باختصار
عندما يتحدّث الأهل إلى طفلهم ويعبّرون عما يشعرون به، فإنهم يعلمونه فن الحوار والتواصل، وبفضل إشاعة هذا المناخ من التواصل، والحوار سوف ينمو الطفل، ومن دون شك بشخصية قوية منفتحة، ويتمتع بالثقة بالنفس فيعرف كيف يحاور ويفاوض لأنه اعتاد الحوار منذ نعومة أظفاره.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080