في انتظار الخريف
كنا نرسم أوراق الخريف. أمام البيت الذي نلوّن سقفه بلون حجر القرميد، كان المشهد الخريفي أحد موضوعات رسومنا المفضّلة. نرسم أغصان الأشجار العارية وهي تُحدّق إلى أوراقها المتساقطة أرضاً التي نلوّنها بالبرتقالي والأصفر. نرسم الشمس قرصاً في أعلى الصفحة ونلهو بأقلامنا وألوانها. وكنا نعيش الخريف. ننتظره ونخشاه. نحار بين حماسة العودة إلى زملاء الصف والخوف من بداية عام دراسي جديد. نتنشّق رائحة الكتب، نتلمّسها، نجلّدها، ونختار بعناية أقلامنا وكل ما سنحتاج إليه من أدوات. نجهّز ثياب الموسم الجديد ونعترف رسمياً بانتهاء أيام اللعب. ما زلت أحب الخريف. أحب فكرته القديمة، الشعور القديم به، حين يتغيّر فجأة لون السماء وتبدو الطبيعة وكأنها تغيّر أزياءها. لكننا فقدنا الإحساس بالخريف، فقد تغيّرت المواسم وتبدّلت الفصول. تحكّمنا بالطبيعة فتحكّمت بنا. وفي منطقتنا ما عاد الخريف حازماً بل أصبح فكرة، صورة نحييها بالكلمات والصور. منذ عام 1970 تضاعف عدد الأيام الحارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشهد الصيف الحالي تسجيل أعلى درجات الحرارة منذ أكثر من قرن. أيام الحرّ تطول، وتقضم موسمنا المفضّل. كأنّ الطبيعة تعاقب الإنسان على تعامله معها بقسوة. فالتغيّر المناخي يؤثر في بيئة منطقتنا وفي صحة سكانها. أنتظر الخريف في بيروت وأبتسم لمشهد لا يمكن أن أنساه من فيلم بعنوان «ملح الأرض» عن المصوّر البرازيلي سيباستياو سلغادو. سبق أن كتبت عن هذا الفيلم، عن مشاهد الأرض المتصحّرة والتي كانت خضراء خلال طفولة المصوّر، فأصرّ على إعادة الحياة إليها وزرعها من جديد. عادت الطبيعة إلى «طبيعتها» وانتزع المشهد منا أجمل ابتسامة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024