تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

لا زواج بدون استماع المأذون لموافقة الزوجة

قرار وزير العدل السعودي الشيخ وليد الصمعاني، بضرورة قيام المحاكم والمأذونين بسماع موافقة الزوجة قبل إبرام عقد الزواج، وعدم الاعتماد فقط على نقل ولي الأمر لموافقتها، يأتي ليغلق الباب في وجه حالات كثيرة كان يتم فيها التلاعب بآراء الفتيات لتزويجهن رغماً عنهن. «لها» ترصد تفاصيل القرار الجريء وآراء علماء الدين حوله.


أعلن الوزير الصمعاني، أنه استند في قراره إلى المادة الرابعة عشرة من لائحة مأذوني عقود الأنكِحة، القاضية بأن على المأذون قبل إجراء عقد النكاح التحقق من توافر الأركان والشروط في العقد، وإلى المادة الـ23 منها، القاضية بأن يدوّن المأذون جميع البيانات في دفتر الضبط، مع أخذ توقيع طرفي العقد.
وشدد الوزير السعودي، على الالتزام بسماع موافقة المرأة لفظياً، قبل ضبط العقد، وعلى المأذون قبل إجراء أي عقد استئمار المرأة الثيب واستئذان البكر، ولو كان الولي هو الأب، وذلك حفظاً للحقوق، وتحقيقاً للمقصد الشرعي الذي اشترط رضا المرأة وموافقتها عند عقد النكاح، وذلك بحسب الأنظمة.

صحة الزواج
عن شروط صحة الزواج، وهل هناك علاقة بينه وبين استماع المأذون للموافقة المباشرة من المرأة المقبلة على الزواج بنفسه، قالت الدكتورة سماح عزب، أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية، إن هناك خمسة شروط للزواج الصحيح، أولها تعيين الزوجين، فلا يصح للولي أن يقول: زوّجتك ابنتي وله بنات غيرها، بل لا بد من تمييز كل من الزوج والزوجة باسمه أو صفته التي لا يشاركه فيها غيره من إخوانه، كقوله: الكبرى أو الصغرى. وثانيها رضا الزوجين. وثالثها وجود الولي، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «لا نكاح إلا بولي»، وقوله كذلك: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. فنكاحها باطل. فنكاحها باطل». وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها ثم جدّها ثم ابنها، فالأخ الشقيق فالأخ لأب، ثم الأقرب فالأقرب، ورابعها الشهادة عليه، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل». وخامسها خلو الزوجين من موانع النكاح، بألا يكون في الزوجين، أو في أحدهما ما يمنع من التزويج، من نسب أو سبب كرضاع ومصاهرة أو اختلاف دين، ويستثنى من الاختلاف في الدين جواز زواج المسلم بالكتابية بشرط أن تكون عفيفة.
وأوضحت الدكتورة سماح، أن قرار وزير العدل السعودي فيه إنصاف كبير للمرأة، خاصة الفتيات اللواتي يكثر في بعض المجتمعات تزويجهن رغماً عنهن، حيث يخبر والدهن أو ولي أمرهن المأذون بموافقتهن كذباً من أجل إتمام الزواج رغماً عن البنات، وهذا سلوك مرفوض شرعاً، ويرى بعض الفقهاء أن عقد الزواج الذي يتم بغير رضا البنت أو موافقتها، يجوز لها فسخه برفع أمرها الى القاضي العادل المنصف.
وأشارت الدكتورة سماح، إلى أن إجبار البنت على الزواج، بكتمان شهادتها أو ادعاء والدها أو ولي أمرها للمأذون بغير حقيقة رأيها، إثم شرعي ويحق لها الطعن في ذلك، وعلى القاضي إنصافها بفسخ عقد زواجها، لأن مهمته نصرة المظلوم وإنصافه والتصدي للظالم، ولو كان ولي أمر الفتاة، لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (الآية 58) سورة «النساء».

الصدق نجاة
«الصراحة راحة، والحق أحق أن يتبع»، بهذه الكلمات بدأت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، كلامها مؤكدة أن قرار المسؤول السعودي هو «عين الحق» حيث يقطع الطريق على المتلاعبين برأي البنات المُقبلات على الزواج في قضية مصيرية هي الزواج، حيث لا يجوز فيها المخاطرة بتجاهل رأي البنات بشكل مباشر، أو النظر إلى البنت على أنها سلعة تُباع وتشرى، من دون النظر إلى رأيها، ويكون وليها هو صاحبها يفعل فيها ما يشاء، وهذا أمر مرفوض شرعاً، حيث اشترط الشرع موافقة المرأة ورضاها في اختيار شريك حياتها.
وطالبت الدكتورة آمنة، مسؤولي وزارات العدل في الدول العربية والإسلامية بأن يحذوا حذو وزير العدل السعودي، الذي يجعل «الصدق نجاة» ويرد كيد الكاذبين على بناتهم أو من يتولون الولاية عنهن، ممن يرون أنه لا يحق للمرأة أن تعبّر عن رأيها في المقبل على الزواج بها، ولهذا أوضح الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) جزاء الصادقين والكاذبين، فقال: «عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا». وأنهت الدكتورة آمنة كلامها، موضحة أن ولي الأمر الذي يكذب على المأذون برأي ابنته أو الموكل منها بالولاية، هو في عداد المنافقين، الذين أوضح النّبي (صلّى الله عليه وسلّم) صفاتهم حين قال: «أربعٌ مَن كنَّ فيه، كان منافقاً، أو كانت فيه خصلة مِن أربعة، كانت فيه خصلة مِن النِّفاق، حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، ولهذا من حق من زوّجها والدها أو ولي أمرها بدون موافقتها أن تشكوه إلى القاضي، وليس في هذا عقوق، بل إن ولي الأمر هو الظالم، والابنة هي المظلومة والضحية، فلا نعيب عليها إذا أرادت رد الظلم عن نفسها بالقانون.

قرار جريء
يؤيد الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، قرار الوزير السعودي، واصفاً إياه بالقرار الجريء المنصف لمحاصرة بعض التقاليد الظالمة للمرأة باسم الإسلام، وهو من هذه الأعراف الظالمة براء، خاصة أنها تمثل وأداً عصرياً للبنات لا يقل خطورة عن سلوكيات الجاهلية مع بنات حواء منذ مجيئهن الى الدنيا، وقد صور لنا القرآن الكريم هذا في صورة رائعة، حين قال لنا الله تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (الآيتان 58-59) سورة «النحل».
وأشار الدكتور واصل، إلى أنه يجب تحضير المجتمعات لتنفيذ مثل هذا القرار المنصف بلا مشكلات، خاصة في المجتمعات التي يغلب عليها الطابع البدوي أو القبلي، حيث يكون العرف فيها «سيد الموقف»، بعد أن يتم إلباسه عباءة الدين، وتزداد المأساة عندما يتم هذا الخلط بين الدين والعرف في الأمور المتعلقة بالمرأة، خاصة في قضية الزواج، حيث يتم إعطاء الأب أو ولي الأمر حق تزويج البنت بمن يريد هو، لا بمن تريده هي، فتعيش في تعاسة طوال حياتها ولسان حالها يدعو عليه، لأنه حرمها حقها في اختيار شريك حياتها.
وأنهى الدكتور فريد واصل كلامه، داعياً الآباء وأولياء أمور البنات إلى أن يتقوا الله في بناتهم، اللواتي جعلهن الله أمانة في أعناقهم، ولا بد من مشاورتهن في أمر زواجهن، وهذا أمر شرعي أمر به الله تعالى رسوله (صلّى الله عليه وسلّم) وأمّته من بعده بالطبع بتنفيذه، فقال الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آية 159 سورة آل عمران, وتأكيد القرآن نفس الأمر في قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (آية 38) سورة «الشورى».

الوصية النبوية
أما الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر، فيحذر من مخالفة القوانين المنصفة للمرأة، والتي تسنّها الدولة أو يصدرها المسؤولون فيها، لأن مخالفة ذلك تعد مخالفة للشرع، طالما أنها لا تصطدم بشكل مباشر مع تشريعات الإسلام، ولهذا فإن التزام المأذون وأهل العروس بما جاء في قرار الاستماع إلى رأي البنت مباشرة من دون وسيط، واجب شرعاً، لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (آية 59) سورة «النساء».
وطالب الدكتور الهدهد، البنت المقبلة على الزواج بالتمسك بهذا الحق في إبداء رأيها للمأذون من دون وسيط، والعمل على إقناع ولي أمرها بأهمية ذلك، وأنه ليس انتقاصاً من تقديرها له حين أعطته الولاية، وإنما حق أصيل لها وفقاً لأحكام الشرع، وقد فعل ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فقد جاءت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام تقول: «يا رسول الله إن أبي يريد أن يزوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، (فهو أدنى منها حالاً ومكاناً)، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الأمر إليها، فقالت: أجزت ما فعل أبي، لكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء».
واختتم الدكتور الهدهد كلامه، مؤكداً ضرورة إنصاف النساء، خاصة البنات منهن، تنفيذاً للوصية النبوية التي ظل النبي (صلّى الله عليه وسلّم) يرددها، فقال في حجة الوداع: «ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن»، ورغم أن هذه الوصية خاصة بالزوجات، إلا أن بدايتها التوصية بكل النساء، ومنهن بلا شك الابنة، أو من يكون الرجل ولياً عنها في الزواج.

جريمة
طالبت الداعية الإسلامية هدى الكاشف، بنشر الثقافة الأسرية المستنيرة، وضرورة مشاركة المرأة في اختيار شريك حياتها، وأن يكون هذا الاختيار قائماً على الدين أولاً، ثم بقية ما ترغبه المرأة في زوجها، لقول رسول (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
وأشارت الكاشف إلى أهمية تغليب التفاهم والعقلانية بين البنت وولي أمرها – سواء كان الأب أو غيره –، وأكدت أن استماع المأذون لرأيها بشكل مباشر هو حق شرعي لها، لأن الإسلام لا يفرّق بين الرجال والنساء في ما يتعلق بالرأي في أمور حياتهم الدنيا وحسابهم في الآخرة، ولهذا قال الله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» (آية 195) سورة «آل عمران».
وأنهت الداعية هدى كلامها، مطالبةً أولياء أمور البنات بأن ينفذوا قرار الوزير ويجعلوا بناتهم- أو من يتولون أمرهن- يبدين آراءهن بالموافقة بحرية، وألا يكرهوهن على الزواج بمن لا يرغبن، فهذه جريمة مرفوضة شرعاً، لأن الله سبحانه وتعالى وهو خالق البشر لم يجبرهم على عبادته، ورفض إكراههم على الدخول في الإسلام بدون قناعة تامة، فقال الله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» الآية 256 سورة البقرة. وأكد القرآن نفس المعنى في قول الله تعالى: «وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا» (الآية 29) سورة «الكهف».{

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079