تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

مع سمية بعلبكي وجوزيف عطية ورنين الشعار وزياد الأحمدية: بيت الدين تُغني زكي ناصيف في مئويته

لم تمرّ مئوية الفنان زكي ناصيف (1916 - 2004) مرور الكرام في بلدٍ أعطاه الراحل كلّ حياته وموهبته. فجاءت أمسية بيت الدين (ضمن برنامج مهرجاناتها) بعنوانها الرومنطيقي «يا عاشقة الورد»، تيمناً بواحدة من أشهر أغنيات ناصيف، لتعيد إلى هذا الفنان الأصيل شيئاً من كثير قدّمه إلى لبنان. ولا نقول هنا ما قدّمه للفن، لأنّ الفن عند زكي ناصيف لم ينفصل يوماً عن لبنان/ الأرض. فالحبيبة هي زهرة في حدائق وطنه، وشعرها سنابل قمحٍ في سهوله، والورد هو لغة العاشقين فيه، والدبكة رقصتهم والأغنية بسمتهم. هكذا جاءت أغنياته مرآة الحياة اللبنانية القروية بجمالها وبساطتها وعفويتها. مفرداته دائماً مستقاة من حقل الطبيعة، وجمله الموسيقية قصيرة، قوية، انتقالية كأنها خطوات فلاّح يتجوّل في حقله. لذا، فإنّ الأغنية الناصيفية - وإن كانت لا تبدو في مجملها عبقرية -  نراها تحمل روحاً لا يُخطئها السمع، فتدخل القلب، على بساطتها، وتستقرّ فيه طويلاً.

وحين اندلعت الحرب الأهلية لتقضي على لبنان، الحلم المزهر دوماً في مخيلة ناصيف وكثيرين غيره من اللبنانيين، رفض أن يستسلم لواقعٍ رآه غيمة عابرة في سماء لبنان الصافية، فغنّى من بين الركام والجثث «راجع راجع يتعمّر راجع لبنان، راجع متحلّي وأخضر أكتر ما كان»، فاستحالت كلماته ضوءاً وأغنيته نشيداً يُغنيه اللبنانيون في كلّ محنة وفي كلّ ضيق. ومع هذه الأغنية اختُتمت الأمسية، وقد اشترك في غنائها نجوم الحفلة الأربعة (سمية بعلبكي، جوزيف عطية، رنين الشعار، وزياد الأحمدية) وجمهور بيت الدين وأهل المنطقة الذين ردّدوا من على شرفاتهم أغنية واجهوا فيها حرباً عبثية طاولت قراهم الجبلية البديعة.
تناوب الفنانون الأربعة، سمية بعلبكي وجوزيف عطية ورنين الشعار وزياد الأحمدية، على أداء أغنيات الحفلة التي أشرف عليها الموسيقي غي مانوكيان بالتعاون مع «برنامج زكي ناصيف للموسيقى» في الجامعة الأميركية في بيروت، بمرافقة موسيقية حية بقيادة إيلي العليا.
افتتح كورال الجامعة الأميركية الحفلة بأغنية «طلّوا حبابنا طلّوا»، قبل أن تدخل سمية بعلبكي بشعرها الذهبي الطويل وفستانها الأحمر كأميرة من زمنٍ لا يُشبه هذا الزمن، لتغني واحدة من أجمل أغنيات صباح بتوقيع زكي ناصيف «أهلا بهالطلة أهلا، أهلا بهالعين الكحلة، ضحكتلك وردات الدار وقالتلك أهلا وسهلا». تبعها جوزف عطية بأغنية «اشتقنا كتير يا حبايب»، لتدخل رنين الشعار بأغنية فيروزية «أهواك بلا أمل»، أبدعت فيها بصوتها العذب، ثم العوّاد والفنان زيا الأحمدية بأغنية «نقيلك أحلى زهرة». وحافظ الفنانون على هذا الترتيب في مرورهم ليؤدوا تباعاً أغنيات من «ريبرتوار» زكي ناصيف، لحناً وغناءً، كان أروعها أغنية «يا عاشقة الورد» التي أدتها بعلبكي بصوت حلّق في فضاء بيت الدين... وأغنية «يا جار الرضا» بصوت جوزف عطية، المعروف بأداء هذا النوع من الأغنيات الجبلية.
وبين الفقرات الغنائية، كان زكي ناصيف يطلّ بوجهه الحاضر في أذهاننا وصوته الذي يحمل في طياته نسائم الضيعة وأصالة الأرض، عبر فيديوات من أرشيف زكي ناصيف في المؤسسة اللبنانية للإرسال.
بعد أمسيات سنوية يُقدّمها المهرجان تحيات إلى عمالقة الغناء اللبناني والعربي مثل أم كلثوم (أدتها آمال ماهر) وعبدالحليم (عبده شريف) وأسمهان (كريمة الصقلي)، أتت تحية زكي ناصيف بصوت أربعة من الفنانين اللبنانيين لتؤكّد مرّة أخرى أنّ الفنان الحقيقي يبقى حيّاً في وجدان الناس مهما مضى على غيابه، وأنّ الفنّ يبقى من الأشياء القليلة التي توحّد بين الناس، مهما تعمّقت اختلافاتهم. وهذا ما حاول أن يقوله غي مانوكيان خلال الحفلة التي بدت كحلمٍ تحقّق، وأبى أن ينتهي قبل أن يأخذ «سيلفي» مع الجمهور الذي ملأ المدرّجات عن آخرها.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078