تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

باسم يوسف في بيت الدين: مرارة الخوف أم مرارة الاحترام؟

باسم يوسف في بيت الدين: مرارة الخوف أم مرارة الاحترام؟

خيّب المصري باسم يوسف المعروف بنباهته وذكائه وسخريته الحادة التي كادت تدخله السجن لولا حملة تضامن جماهيرية ونقابية معه في مصر، آمال الجمهور اللبناني الذي راهن على أن تكون حفلته في مهرجانات بيت الدين العريقة استثنائية تشمل استعراضاً مبهراً وضحكاً وسخرية وجرأة تفوق ما قدّمه على مدى سنوات في «باسم يوسف شو» (على يوتيوب) و«البرنامج» (على قنوات «أون تي في» و«سي بي سي» و«أم بي سي مصر»)... لكن الرياح جرت بما لا يشتهي الجمهور الذي اعتاد أن تكون حفلات مهرجانات بيت الدين فريدة والتي تشترط إدارتها ذلك في أي حفلة تقدمها، وبما لا يشتهي متابعو الطبيب الجراح الذي شكّل ظاهرة فريدة في تاريخ التلفزيون المصري، إذ كانت حلقاته مساء كل جمعة بمثابة علاج مبهج لكآبة المصريين في وقت دخلت البلاد نفقاً مظلماً، علاج بالضحك على كل ما هو مؤلم وحزين ومخيف ومرير في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

في بيت الدين، أتت الضحكات صفراء أو معزّية على قدر الخيبة، في غالبية الأحيان. وقليلة الضحكات القوية النابضة التي سمعناها في الباحة الداخلية الصغيرة لقصر بيت الدين، تفاعلاً مع سخرية باسم يوسف التي أتت «نايصة». وذلك وفق الضاحك ونسبة متابعته لما يحصل في مصر، ولحلقات باسم يوسف التلفزيونية التي حفظها البعض عن ظهر قلب، حتى في لبنان الذي فيه جمهور كبير متابع للسياسة المصرية وتطوراتها خصوصاً بعد ثورة «25 يناير». تلك الحلقات التي تابعها كثير من اللبنانيين بشغف وحفظوا اسكتشات منها أو تعليقات، كما حصل مع مسرحيات زياد الرحباني في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، ربما كانت أملاً بغد أفضل أو فسحة للضحك على أيامنا المريرة التي تمضي بسواد يفوق السواد حيث ينهشنا التخلف والفساد، أو ربما للانتقام من السلطة الفاسدة أي سلطة، خصوصاً أن لبنان لم ينجح في تحقيق أي ثورة... «على من ستثورون»، قال باسم يوسف ساخراً خلال الحفلة، «أنتم ليس لديكم رئيس للجمهورية أصلاً! يعني قد تكون هذه الخطوة أهم خطوة في سياسة العالم العربي كلها أن يكون هذا المنصب خالياً!»...

ردّد باسم يوسف أكثر من مرّة خلال الحفلة، عبارة «دا مش خوف دا احترام»، كأنه حاول أن يغمز الى خوف حقيقي لديه، ولكن لا نعرف إن كان خوفاً من جهة لبنانية مثلاً شنّت ضده حرباً إعلامية قبل أيام من الحفلة بحجّة إهانة «رمز من رموز مصر» وهو الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مطالبة بإلغاء حفلته، أو من تهديد ما. فذاك الرجل الذي اختارته مجلة «تايم» الأميركية العام 2013 ضمن قائمة أفضل 100 شخصية مؤثرة في العالم، والذي اختار الولايات المتحدة «منفى» له، لم يقدّم أي جديد في حفلته، بل اكتفى بعرض مسيرته منذ انطلاقها في حلقات كانت تبث على موقع «يوتيوب» وحققت ملايين المشاهدات خلال أشهر، قبل أن يصبح برنامجه التلفزيوني «البرنامج» الأكثر مشاهدة في مصر. وتخلّل هذا العرض البعيد من الإبداع، الذي شاهدناه عبر شاشة كبيرة احتلت المسرح، مقتطفات من حلقات باسم يوسف «المبدعة» خلال خمس سنوات مضت من التعامل الإعلامي الرسمي مع الاحتجاجات الشعبية والتطورات السياسية والاجتماعية، ناسياً أو متناسياً الحديث عن أي تطوّر مصري سياسي جديد أو آني. لكنه لوّن الحفلة بغمزات لبنانية لطيفة، «لاطشاً» النائب وليد جنبلاط الذي كان حاضراً في الصفوف الأمامية وحيّا باسم يوسف واقفاً ومتفاعلاً مع نكاته اللبنانية، بعدما قال له «إنت سياسي لبناني مش عايز يموت»...

وأضاف: «أنا عارف أنتم اللبنانيين لديكم مشكلة مع السياسيين وأنا معاكم مش لازم نخاف»، ناظراً الى جنبلاط مقاطعاً نفسه: «آه أهلا أستاذ وليد نوّرت دا بيتك»، شارحاً «دا مش خوف دا احترام». ثم غمز الى سلطة جنبلاط كزعيم درزي في الجبل إذ سخِر قائلاً: «لنسمِّ الجبل كله جبل المختارة وايه يعني!»، ثم وصف دخوله الى قصر المختارة والأبواب التي تفتح وتغلق وتفتح وتغلق وكيف ذكّرته بفيلم «God Father»... وعلّق جنبلاط بعد الحفلة على «تويتر»: «صدقت يا باسم يوسف كالعادة، إنك ستبقى تزرع الأمل (...). كل التحية لصوت الرفض والحرية كل التحية لباسم يوسف».

 

نعي للديموقراطية

ومما جاء في المقاطع المصورة المعروضة إبان حكم مرسي، سياسيون وإعلاميون ورجال دين يتهمون المتظاهرين المعارضين لحكم «الإخوان المسلمين» بالكفر والخروج عن الدين.

وعلق باسم يوسف: «الإسلاميون يشيطنون الخصوم بالتكفير، وغيرهم يشيطنون خصومهم بالتخوين». وأضاف: «لتسويغ اتهام الإسلاميين بالجنس كان لا بد من ابتكار فكرة جديدة توفق بين أن يكون المعارضون اسلاميين وأن يكون الجنس هو المحرك لهم، وهنا ابتكرت فكرة جهاد النكاح»، مستعرضاً عدداً كبيراً من المقاطع لإعلاميين وسياسيين، وهم يمطرون مستمعيهم بعبارة «جهاد النكاح». وقال يوسف «أكثر ما نشهّر به على خصومنا هو الجنس، علماً أننا أكثر الشعوب إبالاً على مشاهدة الأفلام الإباحية في العالم».

كما نعى الديموقراطية في منطقة «لا حاجة فيها الى الانتخابات». ثم تابع «في الولايات المتحدة، ينفقون بلايين الدولارات سدى على الحملات الانتخابية الرئاسية... يضيعون وقتهم في انتخابات كل كم سنة، علشان يجيبو واحد زيّ ترامب... طيب نحن نأتي بواحد يطلع بالدبابات ويتربّع رئيساً لثلاثين سنة».

وعرض مقطعاً بثته قناة تلفزيونية مصرية ويروي إعلامي فيه أن «الجيش المصري حاصر في الآونة الأخيرة وحدات عسكرية اميركية بحرية كانت تقترب من مصر، وأن الغطاسين العسكريين المصريين تسللوا الى السفن الحربية الاميركية وأسروا قائدها، ما أجبر الاميركيين على الانسحاب من المياه الاقليمية المصرية خوفاً من أن تنشر مصر وقائع ما جرى للعالم».

وقال أن الجيل الذي نشأ «على بروباغندا الخمسينات والستينات لا أمل فيه»، قبل أن يستطرد مستثنياً من أفلتوا من تأثير تلك المرحلة، لا سيما «الباباوات والماماوات اللي حاضرين معانا». وخلص الى أن التغيير في المنطقة، وإن كان يبدو بعيداً، سيكون على يد الجيل الجديد الذي «لم يعد يصدق ما يقال له، جيل أفلت من تأثير الدعاية السياسية». وختم عرضه صارخاً «لذلك أقول: الثورة مستمرة».

في النهاية لا بدّ من السؤال هل انتهت ظاهرة باسم يوسف؟ هل نضب الإبداع؟ أم أن الطبيب يتكيّف ويتآلف مع الكاميرا والشاشة الصغيرة أكثر من الخشبة؟ أم أن الثورة والثورة المضادة ورموز السلطة، كانت مواد دسمة لبراعته التي خفتت اليوم؟ أم أن الخوف تسلّل الى قلب الرجل اللمّاح وسرق سخريته البراقة، بعدما كان يُداوي الناس من أمراض هذا الخوف نفسه؟

 

رنا نجار

نقلاً عن الشقيقة الحياة

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079