تلمّسي سقف الكون... إنها الهملايا الهندية
هل فكرت يومًا في إجازة صيفية في الهند ... صحيح أن الفكرة تبدو غريبة، فالهند والصيف لا يجتمعان في إجازة منعشة ... وإنما هذا الاعتقاد قد يقتصر على المدن السياحية “ الكليشيه ” ، ففي الهند التي هي أشبه بقارة تعدك أطرافها الجغرافية، وارتفاعاتها بإجازة فريدة في عالم هندي مضمّخ بنسائم قمم الهملايا المنعشة، وعذرية طبيعة الشمال الشرقي، أمكنة تدخلك في عوالم الهند بألوانها الصاخبة وعطورها الحرّيفة وموسيقاها الملحمية الإيقاعية التي تحفل بكل تنوّعات الهند العرقية والدينية والجغرافية . إذًا، تنتظرك الهند هذا الصيف في أحد مسارحها الطبيعية لتشاركيها في ألوانها وتتقمصي أدوارًا فريدة في احتفالاتها الملحمية، وتمارسي “ دارشانا ” اليوغا الهندية فتمتلئ روحك، بعد أن تنقّيها من رواسب المادة، فتعودين إلى عالمك العصري بنظرة مفعمة بالسلام.
كشمير
كما القماش الدقيق الألياف، والمتداخل الألوان، والناعم الملمس، والذي يمنح شعورًا بالدفء شتاءً والانتعاش صيفًا، والمسمّى على اسمها، فإن كشمير المستريحة شمال الهند، تدعوك إلى عالمها الذي يحضن البحيرات الهادئة في الوديان، تهمس نسائمها بالسلام الساكن منذ آلاف السنين، تصعد بك نحو عالم روح الطبيعة الأسمى لتغوصي في الأزرق والفيروز والزمرد السابحة في بحيرة لاداك المزنّرة بقمم الهملايا القريبة من سقف السماء، الخاطفة للأنفاس. ومن الحدائق المغولية التي يقال إنها نموذج الفردوس الموعود في شارباغ، تتدحرجين نحو باهالغام حيث تنعم الوديان الخلابة بالسكون المهيب. وسط هذا العالم المتنوع في عناصره، الموحد في روائعه، تعيشين مغامرة هندية، تغوصين لا إراديًا في تفاصيل يوغا «دارشانا» حين تنقّين عقلك وروحك من شوائب العصر وماديته.
وإذا كنت تعشقين المغامرة، فإن منطقة غولمارغ تنتظرك لممارسة التزلج في هذا الجزء من العالم، فيما الصيف يكون قد حلّ في الشرق الأوسط. تخيّلي أنك تعرضين صورك على «إنستغرام» أو «فايسبوك» وأنت تتزلجين في آب/أغسطس، وصديقاتك في بلدك الأم يتذمرن من حرارة الصيف، يتجسسن على صورك، فلا بد من أن يشعرن ببعض الانتعاش! والمغامرة لا تنتهي عند حدود التزلج، بل إن ملاعب الغولف تنتظرك، لمَ لا تبدئين انطلاقتك مع هذه الرياضة التي تبدو في الظاهر سهلة، فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً. أما الإبحار في الغندول فمن قال إنه فقط للبندقية الإيطالية، بل في غولمارغ أيضًا. وإذا كنت ترغبين في الهدوء والعزلة، فهناك وادي بيتاب Betaab وقرية أرو في باهالجام، حيث تحضن 20 بحيرة تستمتعين بالمناظر الخلابة لجبال الهملايا أو تقتنصين فرصة صيد الأسماك في نهر يدر. فيما في قرية سونامارغ يستريح بصرك عند مروجها الخضراء، ويزيد منسوب الأدرينالين في الغابات الألبية، ليس الأوروبية وإنما الهندية، تعبرين أروقتها وتستمعين إلى خرير تيارات المياه المتسربة بينها.
أمّا إذا رغبت في تحدي النسر الذي يحلّق في قمم الهملايا، فإنّ الطيران الشراعي ينتظرك في ناثاتوب Nathatop وساناسار Sanasar. ولإعادة منسوب الأدرينالين بعد مغامرة الطيران، يمكنك زيارة مزار بابا امارناث، ومعبد Shankaracharaya ومسجد حضرة بال.
أوتارانشال
استكشاف جبال الهملايا التي تكاد تلامس الأفق الأزرق لا يخلو من الرهبة، ولا سيما لحظة الوقوف عند أسفل أقدامها، تنظرين إليها تتأملين في الصمت الجميل الذي يغلفها، يداعب صفوه همس الريح التي تبعث بنسمات رقيقة تخترق المساحات الفارغة في عظام وجهك تمنحك شعورًا بالنقاء والصفاء الروحيين. هنا في أوتارانشال على الحدود مع التيبت، التي تسيطر عليها الصين في الشمال الشرقي، يجاورها جنوب شرق نيبال، تبدئين رحلة لبعض من أكثر الأماكن البكر في جبال الهملايا الهندية، تدخلين في عوالمها تسرحين في المساحات اللامتناهية للسهول الخصبة، والوديان المتموجة تتآمر بشكل لذيذ، على وعيك لإنعاش عقلك وجسدك وروحك التي تنفلت من الزمن الأرضي لتسمو في طبقات عالم اليوغا في آشرام وفي ريشيكيش التي جذبت في شباط/ فبراير عام 1968، فريق البيتلز لحضور دورة تدريبية متقدمة في التأمل التصاعدي، وكانت زيارتهم واحدة من الفترات الأكثر إنتاجًا. ولا تنتهي حدود المغامرة في ريشيكيش عند التأمل، بل تعود ترميك في عالم المغامرات والنشاطات التي ترغبين فيها مثل المشي لمسافات طويلة، والتخييم، والرافتينغ في المياه البيضاء، والطيران الشراعي، وقفز البانجي Bungee Jumping. وإذا أردت الاصطياف على طريقة سكان مدن الهند، فبلدات أوتارانشال الريفية المستريحة عند روابيها، مثل موسوري وناينيتال، تعدك بإجازة تحفل بعطر هملايا الهندية.
ناينيتال
انعشي حواسك مع الجمال الطبيعي لناينيتال، المعروفة أيضاً باسم منطقة بحيرة الهند. وناينيتال وجهة مثالية إذا كنت ترغبين في استعادة حواسك التي تخدّر بعض منها في غمرة انشغالك بزحمة العالم العصري، فعليك الانطلاق إليها لتنعمي بصفاء الروح والفكر وسط الجمال الطبيعي.
وناينيتال هضبة مشهورة في ولاية أوتارانشال، وتقع على سفح جبال الهملايا كوماون على ارتفاع 2084 متراً عن مستوى سطح البحر، في وادٍ يحضن بحيرة على شكل كمثرى/ إجاصة، محيط دائرتها حوالى ثلاثة كيلومترات، تزنّرها الجبال الشاهقة، أعلاها جبل ناينا، ويبلغ ارتفاعه 2615 مترًا، وجبل ديوباثا Deopatha 4382 متراً، وأيارباثا Ayarpatha 2278 مترًا. عند ذروة أعلى قمة يستريح سهل ينافس السماء في رحابتها وألوانها، التجوال فيه يمنحك مناظر خلابة حابسة للأنفاس، فيما المشاركة في رياضة المشي الجبلي في كتلة التلال المتشابكة والمستلقية شمالاً، تدهشك بالغلاف الثلجي العظيم الذي يشكل المحور الرئيس لجبال الهملايا.
استمتعي بمشهد غروب الشمس الخلاب على ارتفاع 2118 مترًا. فيما تبهرك الوديان والتلال الخضراء التي تحيط بهذه التلة الجميلة. أمام هذه المناظر الخلابة، لا بد من أن تجدي روحك تسبّح الخالق في ما أبدع. في ناينيتال سوف تتفتح براعم حاسة الذوق عندما تتناولين الأطباق المحلية.
همالاش برادش
كل منطقة في هملايا الهندية تمنحك شعور العتق من أسر قسري تفرضه الحياة العصرية. وهمالاش تعني “أرض في حضن جبال الهملايا” إحدى المناطق الواقعة شمال غرب الهند التي تجعلك طليقة تتواصلين مع الطبيعة البكر، من دون حواجز، تستكشفين محطاتها الخلابة، تتأملين في الشلالات المتدفقة وتنصتين الى سقوطها المدوّي، تسبحين في البحيرات الزمردية وتغوصين في أعماقها، تكتشفين جمال جبال الهملايا المقبّبة بالثلوج، عبر رحلات مشي منظمة. ولمَ لا تجربين نزهات الدراجات النارية أو الهوائية! ومهما اختلفت المغامرة التي اخترتها، لا بد لك من محطات استراحة تراثية تتعرفين فيها إلى تقاليد سكان هذه المنطقة بروائع تفاصيلها وروحانيتها.
شيملا
خططي لرحلتك إلى “ملكة القمم”، شيملا عاصمة همالاش برادش المستريحة على ارتفاع 2205 أمتار. تختلف المدينة عن باقي مناطق الهملايا الهندية، فهي ستأخذك في جولة في عالم الاستعمار البريطاني للهند، وتتعرفين إلى عمارته من مبانيها المشيّدة على النمطين التيودوري البريطاني القروسطي والقوطي، من بين هذه المعالم قاعة المدينة ومكتب البريد. لن تتفاجئي بها إذا عرفت أنها كانت من عام 1864 إلى استقلال البلاد عام 1947، العاصمة الصيفية للحكومة الإمبراطورية البريطانية في الهند، وشكلت في كثير من الأحيان مركز النشاطات والاجتماعات السياسية المهمة. وهي لا تزال مقصد المصطافين الأثرياء الباحثين عن مناخ صحي وسليم ومنعش كالذي تتمتع به هذه الرابية الخضراء.
جولي في طريق “مول” الذي لا يزال ينضح بسحر الحقبة الاستعمارية بكل تفاصيلها المعمارية، أو شاركي في إحدى نزهات المشي إلى التلال القريبة والوديان الغارقة بالأخضر، مثل نالديرا Naldehra، وماشوبرا Mashobra أو تاتابني Tattapani، أو غامري ومارسي رياضة الرافتينغ في المياه المتدفقة للأنهر.
شمال شرق الهند
إذا كنت تبحثين عن سبب لتخطيط عطلتك في شمال شرق الهند، أعطيك سببًا لذلك، وهو رغبتك في رمي همومك في أبعد نقطة في الهند، التي تحجب عن العالم أكبر الغابات المحتفظة بشبابها الدائم وسلاسل الهملايا الهائلة. فولايات شمال شرقي الهند هي آخر معاقل الطبيعة والأنثروبولوجيا العذرية في آسيا. تتقاسم حدودها مع بوتان والتيبت وميانمار (بورما) وبنغلاديش، هذه الحدود النائية هي منطقة للجمال العذري، ومنطقة تقاطع الثقافات القبلية والشعوب وتنا قض المناخ والمناظر الطبيعية. هنا العجائب الطبيعية ملاذ المغامرين الذين لديهم شغف تحدي الأنهار الجليدية في جبال الهملايا تواجهها سهول واسعة في ولاية أسام، فيما يحرّك الإيمان آلاف الحجاج الى تاوانغ.
إذا كنت ترغبين في إجازة محفوفة بالمغامرات، فإن جبال الهملايا البكر، ونهر براهمابوترا والقبائل القديمة، ومحميات الحياة البرية ومزارع الشاي، وتقاليد الشاي الزمردي وعطر التوابل الحريفة، جواهر شمال شرق الهند، تنتظرك حيث تعيشين تفاصيل العالم الهندي، بكل روائعه، من المكان الأكثر رطوبة على كوكب الأرض إلى حدائق الشاي في أسام. من تراث سكة قطار دارجيلنغ هملايا إلى حديقة كازيرانجا الوطنية، ومن مهرجان وهورنبيل في ناجالاند، إلى عالم قبائل اروناتشال في براديش وناجالاند... إنها هملايا الهند، فلمَ لا تمضين إجازتك فيها وتقتربين من سقف السماء.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024