الهوس بها يضرب العالم «البوكيمون» ترفيه وتشويق وحركة رغم مخاطرها
شخصية كرتونية ظهرت في تسعينيات القرن الماضي على شاشة التلفاز، عادت إلى الظهور مرة أخرى في الآونة الأخيرة، لكن هذه المرة على شكل لعبة من ألعاب الهواتف المحمولة، انتشر صداها في العالم بشكل سريع ومريب، ووصلت إلى عالمنا العربي لتثير هوس الكثيرين أيضاً. إنها لعبة «البوكيمون»، التي تواجه الآن اتهامات بالتجسس وانتهاك خصوصية الفرد والمجتمع، منهم من يرى أنها مسلية ومشوقة وتعتمد على الحركة، الأمر الذي لا نجده في غيرها من الألعاب وغيرهم يدينها بأنها تسببت في وقوع حوادث عدة مختلفة، حتى أن وصل الأمر ببعضهم وصفها بأنها لعبة الموت على الطريق.
البداية كانت مع أحد المختصين، ليلقي الضوء أكثر على اللعبة، التي ما زال الكثيرون لا يعرفون عنها شيئاً، ويقتلهم الفضول لكشف تفاصيلها.
محمد منصور ، مدير إدارة الإعلام في إحدى شركات الاتصالات المصرية، قال: «عندما تشغّل اللعبة، عليك اختيار وتصميم شخصيتك واسمك الحركي، و تظهر هذه الشخصية الافتراضية ضمن خريطة ترشدك إلى الأماكن من حولك، ومن هنا تبدأ جولة البحث عن «البوكيمون»، وهناك أنواع وأشكال عدة للبوكيمون، منها المائي أمام البحيرات وأنواع أخرى في أماكن معينة، لذلك تتطلب الكثير من السير والاكتشاف، ويتم الاصطياد في الواقع من خلال استخدام كاميرا الهاتف للإمساك بأي بوكيمون، بعد العثور عليه، ما عليك إلا قذفه بالكرة التي من المفترض أنها بين يديك، والتي ستجدها على شاشة هاتفك، لكن المشكلة الأساسية لهذه اللعبة هي السماح بالدخول إلى الصور والكاميرا الخاصة بالمستخدم، ومن هنا يُنتهك مبدأ الخصوصية».
ويرى منصور أن لعبة البوكيمون هذه ستأخذ وقتها من الضجة والهوس وتنتهي مثل غيرها من الألعاب التي تسير على النهج نفسه.
اختراق الخصوصية
أما المهندس طلعت عمر، نائب رئيس الجمعية العمومية لمهندسي الاتصالات، فأكد أن لأي محتوى تكنولوجي جانبين، أحدهما ظاهر أمام المستخدم، والآخر خفي، تتحكم فيه أطراف أخرى، من بينها الشركات المصمِّمة لهذه البرامج، وربما تطّلع عليها أجهزة مخابرات أو جهات سيادية، لما توفره هذه الألعاب أو البرامج أو التطبيقات من معلومات عن مستخدميها... وأضاف: «الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تحصّن نفسها ومواطنيها من مخاطر الاشتراك في مثل هذه التطبيقات، وأوجدت لمجتمعها محتوى بديلاً يحمل ألعاباً ومواقع مقاربة تحمي أمنها القومي».
وأشار طلعت عمر إلى ضرورة أن يعي المجتمع خطورة اختراق خصوصيته، ووجود جهة تراقب مثل هذه البرامج وتعمل على توعية المستخدمين، ونبّه إلى أن أي محتوى رقمي على أجهزة المحمول من السهل اختراقه، لا سيما عند الاشتراك أو التسجيل في المواقع والتطبيقات المجانية.
نظراً الى ما تردد عن إمكانية استخدام لعبة البوكيمون في عمليات تجسس أو تهريب أو إجرام، استطلعنا رأي اللواء الدكتور ممدوح عطية، خبير الأمن القومي المصري، الذي قال إن الهدف من وراء لعبة البوكيمون ليس الترفيه على الإطلاق، وإنما اختراق خصوصية الأفراد، وجمع أكبر مقدار من المعلومات، وهناك جهات متخصصة في تحليل البيانات، تستطيع الإفادة من هذه المعلومات بطريقتها الخاصة.
أما العقيد حاتم صابر، الخبير بمكافحة الإرهاب الدولي، فيقول: «في علم المخابرات مادة تدرّس حول كيفية الحصول على المعلومة، وهذا يتطلب دراسة المدينة والتجول في المناطق الشعبية لمعرفة السمة الغالبة على المنطقة، الطبيعة الجغرافية للمكان، سمات أهل المنطقة وصفاتهم، اهتماماتهم، ملبسهم، هوياتهم، وذلك يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، في حين أن مثل هذه الألعاب توفر دراسة ميدانية جاهزة وسهلة الاستخدام، كما أنها تنقل صورة واقعية لما ترصده الأقمار الاصطناعية».
عامل الجذب
ولخطورة اللعبة على المجتمع، رأينا أن نتعرف على رأي الدكتور سيد عفيفي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الفيوم، الذي قال: «البوكيمون ليست اللعبة الوحيدة التي تخترق الخصوصية، وهناك الكثير من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي يتم نشرها للمدونين بمنتهى السهولة من دون الاهتمام بخصوصيتهم على الإطلاق، ولا شك في أن التشويق والإثارة عاملا جذب كبيران، لكن يجب الحرص، لأن كثيراً من أفراد الجاسوسية الحديثة يستخدمون مثل هذه الأمور، وعندما تحدث مشاكل وصراعات بين الدول يتم استغلال هذه المعلومات، فالألعاب ما هي إلا سمٌّ مغلف بالعسل، تعمل على استدراج الشباب، وتتيح مسحاً اجتماعياً لفئة من البشر في طبقات متباينة ومختلفة».
الشيخ عباس شومان وكيل الأزهر: تجعل من يلعبها في حالة من عدم الاتزان
وعن رأي الأزهر الشريف في القضية، انتقد الشيخ عباس شومان، وكيل الأزهر، اللعبة بشدة، وقال في بيان للصحف: «هي حالة من الجنون أصابت المجتمع، وتجعل من يلعبها في حالة من عدم الاتزان للبحث عن البوكيمون في جميع مرافق الدولة وأرجاء المنازل، بل وصل الأمر إلى دور العبادة، حتى أن هناك حوادث تقع بسببها على الطرقات وقد تصل الى الوفاة، وانتقد بشدة رغبة الناس في نشر خصوصياتهم بهذه السهولة، وتعريض حياتهم للخطر».
آراء الشباب
وفي جولة ميدانية في شوارع القاهرة لمعرفة آراء الشباب في لعبة «البوكيمون»، تباينت آراؤهم بين الرفض والقبول، ويقول مصطفى ياسر، طالب في كلية الفنون الجميلة: «هي لعبة لا تستأهل كل هذه الضجة، بل على العكس هناك ألعاب أفضل منها وتنمّي الذكاء، ومخاطرها التجسسية كبيرة».
ويشاركة الرأي عمرو يسري، إذ يقول: «دائماً نبحث عن التقليد الأعمى من دون المعرفة الحقيقية لأهداف اللعبة، فهي تساعد الشعب في التجسس على بعضه بعضاً».
ويلتقط أمين حسين أطراف الحديث مُبيناً: «فكرة اللعبة في كاميرا الهاتف فقط، ولا علاقة لها بالواقع على الإطلاق». أما محمد جمال فيقول إن مخاطرها كبيرة وقد تحصل حوادث كثيرة على الطرق بسببها.
وتقول مها أسامة، طالبة في كلية التربية في جامعة عين شمس: «بين ليلة وضحاها لم يعد للبلد كلها من حديث سوى لعبة «البوكيمون» ومخاطرها، ولا أعلم سبب ذلك، هي لعبة مثل كل الألعاب، بل على العكس تتطلب الكثير من الوقت والجهد والمال، لأنها تضخ أموالاً خيالية للشركة التي أسست اللعبة، وتخترق الخصوصية». وفي المقابل، هناك بعض الشباب ممن يجدونها لعبة جيدة ومسلية وتخرج عن النمط التقليدي لجميع الألعاب، ويؤكد ذلك أحمد وائل، الطالب في الصف الثانوي، قائلاً: «قرأت عنها في الإنترنت، وعلمت بوجود لعبة جديدة تدعى «البوكيمون غو» والتي قلبت العالم بأسره، وهذا الأمر جعلني متشوقاً ومتلهفاً لمعرفة تفاصيل اللعبة والجديد فيها، فقمت بتحميلها من على «غوغل» ووجدتها مسلية جداً، لما تتضمنه من تشويق وحركة. وبالفعل وجدت البوكيمون مرة في غرفة نومي ومرة في الشارع ومرة أخرى في مسجد الحسين أثناء زيارتي له مع أصدقائي».
وتشاركه الرأي أسماء إبراهيم، موضحةً: «لعبة مختلفة تماماً عن الألعاب المعتادة، لما تتضمنه من تشويق، والأهم فكرة التحرك من المكان، وبالفعل قمت بتنزيلها، لكن العقبة الوحيدة تكمن في الوصول الى أماكن قد تكون محظورة عليَّ كفتاة، مثل أقسام الشرطة وغيرها».
من المعلومات التي وجدناها على شبكة الإنترنت حول لعبة البوكيمون، أو «البوكيمون غو»، أن مالكي الهواتف الذكية يستخدمون اللعبة لمدة 43 دقيقة في اليوم، وهي متاحة للتحميل في متجري «أندرويد»: «غوغل بلاي» و«ios»، واللعبة من نمط الواقع المعزز Augmented Reality، ومن تطوير شركة Niantic، وهي إحدى الشركات التابعة لـ«ألفابيت» وتم طرحها في عدد محدود من دول العالم، منها الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وقريباً في اليابان، وهي متاحة بالمجان، لكنها تعرض أيضاً عمليات شراء ضمن التطبيق لزيادة الطاقة أو الحصول على إضافات. وأصل «البوكيمون» هو مسلسل كرتون اشتهر في فترة التسعينيات، وكان له صدى واسع وقتها وتم تصنيع ألعاب منه، وبعد مرور 20 عاماً عادت شركة «نينتندو» اليابانية لألعاب الفيديو بقوة لتطلق منه لعبة، وتعتمد على ملاحقة وحوش الكرتون في الشوارع الحقيقية المحيطة بالمستخدم من خلال استخدام خرائط غوغل.
وبما أن «بوكيمون غو» تتطلب من اللاعبين التنقل والسير لاصطياد «بوكيمون» سيحرق مستخدم اللعبة لمدة 7 أيام 1795 سعرة حرارية، بينما ستحرق المرأة العادية 1503 سعرات.
أكثر «البوكيمونات» ندرة تتطلب مسيرة لا يقل طولها عن 10 كيلومترات، بينما لا يتطلب تفقيس بيوض «البوكيمون» الأقل ندرة إلا مسيرة 5 كيلومترات أو كيلومترين.
وعلى الرغم من التسلية الكبيرة التي تحققها اللعبة، إلا أنها تسببت في الوقت نفسه في العديد من الحوادث حول العالم بسبب مطاردة اللاعبين لشخصيات البوكيمون المختلفة في أنحاء مدينتهم.
رصدنا عدداً من الحوادث التي وقعت بسبب لعبة «البوكيمون» وأهمها:
✽ وفقاً لموقع cartelpress الأميركي، تم اتهام شاب، 26 عاماً، بالتسبب في واحدة من أسوأ حوادث الطرق، بعد التوقف في منتصف الطريق السريع للقبض على «بيكاتشو»، إحدى شخصيات البوكيمون، واعترف الشاب بأنه توقف من أجل اللعب بسبب تعلقه الشديد باللعبة، ورغبته في الإمساك بكل الشخصيات التي تظهر له أثناء اللعب.
✽ ومع أول الأيام التي تم فيها إطلاق لعبة «بوكيمون غو»، عثرت فتاة على جثة أثناء البحث عن شخصيات اللعبة في حديقة بالقرب من نهر، وهو الحادث الغريب من نوعه الذي تداولته وسائل الإعلام المختلفة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024