الخائفون من الارتباط: بين مرارة التجارب السابقة والواقع والأوهام
يحلم كثيرون باليوم الذي يرتبطون فيه بشريك العمر. لكن هناك من ينتابه الخوف من هذا الارتباط، ويبرِّر خوفه بأسباب متعدّدة أبرزها الحرص على الحرية الشخصية، أو الخشية من فشل الزواج، أو الهرب من تحمُّل المسؤولية. والبعض يتردَّدون إزاء تجربة الارتباط الأول، وآخرون يتهيّبون من ذلك بعد مرورهم بتجربة سابقة.
موضوع الخوف من الارتباط لدى الرجل والمرأة، نعالجه في هذا التحقيق، الذي يستعرض شهادات وآراء من مصر والسعودية وسورية ولبنان، ومواقف علماء النفس والاجتماع من هذا الخوف، وكيفية علاجه .
محسن بلال: أنا مريض بالشك وامتنعت عن الارتباط تجنباً للمشكلات
في البداية، يوضح محسن بلال، الباحث الأكاديمي في إحدى الجامعات الخاصة، أسباب عدم ارتباطه الى اليوم رغم أنه شارف على الأربعين عاماً، قائلاً: «لم أرتبط بعد لأنني مصاب بالشك المرضي، وقد زرت الكثير من الأطباء لتلقي العلاج، لكنني فشلت في الوصول إلى نتيجة لكثرة قراءاتي للقصص والروايات منذ الصغر، مع تركيزي على الخيانة الزوجية، والتي تكون المرأة طرفاً فيها، ولهذا أصبت بعقدة».
ويشير محسن إلى أن فكرة عدم إقامة علاقات عاطفية أو الارتباط من أجل الزواج تلازمه باستمرار، وقد ضاعفت عقدته النفسية من الجنس الناعم، ولهذا كان قراره الغريب بعدم الارتباط، لأنه سيشكك في شريكة حياته، مما يحيل الحياة الزوجية جحيماً، فكان الامتناع عن الارتباط العاطفي هو المخرج الآمن من أي مشكلات مستقبلية.
محمود مصطفى: لن أرتبط إلا بعد الاستمتاع التام بحياة العزوبية
يكشف محمود مصطفى، مسؤول العلاقات العامة في إحدى الشركات الخاصة، سراً خطيراً في حياته كان وراء امتناعه عن الارتباط العاطفي، فيقول: «منذ سنوات تعرفت إلى مجموعة من الأصدقاء الذين يؤمنون مثلي بضرورة الاستمتاع بحياة العزوبية أطول فترة ممكنة، واتفقنا على الاشتراك في نادٍ للعزوبية على الإنترنت، نتبادل فيه الآراء والتجارب ونلتقي كل فترة ونستمتع بالحياة»... موضحاً أنه قد يرتبط مستقبلاً من أجل الإنجاب فقط، لكن بعد الاستمتاع التام بحياة العزوبية.
لبيبة الجنيدي: أرفض تكرار تجربة زواجي الفاشلة
تبيّن الدكتورة لبيبة الجنيدي أسباب عدم ارتباطها بالقول: «مررت بتجربة زواج فاشلة رغم إنجابي، ولهذا قررت العيش بحرية ولم أخجل من لقب «مطلقة»، لأن هذا حق شرعي أباحه لنا الإسلام، ولهذا لا بد من تغيير نظرة المجتمع السلبية الى المطلقة كأنها «مفترية دائماً»، مع العلم أنه قد يحدث عدم وفاق بين الزوجين رغم كونهما في قمة الاحترام، وهذا ما حصل معي بالفعل، فانفصلت بهدوء وبلا مشكلات حفاظاً على مستقبل أولادي، وللعلم أنا وزوجي حالياً صديقان ونرعى شؤون أولادنا معاً، ولم ننسَ أنه كانت بيننا عِشرة عمر طويلة، وكذلك أولاد».
وتوضح الدكتورة لبيبة أنها لا تفكر حالياً في الارتباط، لأنها مستمتعة بنجاحها في عملها كطبيبة، ولديها مركز طبي، كما صقلت موهبتها كأديبة من خلال حضور المنتديات الثقافية، والتعرف على كل ما هو جديد في عالم الطب والأدب.
وتختتم الدكتورة لبيبة كلامها، مؤكدة أن هذه تجربتها الشخصية، وهي ليست من أنصار تعميم التجارب، فربما تكون سرعة الارتباط العاطفي لدى البعض أفضل من الانتظار، وقد يكون العكس صحيحاً لدى آخرين، فلكل إنسان تجربته وقناعاته الشخصية، ولهذا فليس صحيحاً التصديق بالقول المأثور الذي يردده الناس: «الشريك المخالف أفضل من الوحدة».
عصام أحمد: فشلت في خمس تجارب خطوبة
فوبيا الخوف من الفشل المتكرر هو السر وراء قرار عصام أحمد، مدرس، عدم الارتباط لعشر سنوات مقبلة على الأقل، فيقول: «كنت مثل أي شاب، حلم حياته الزواج والإنجاب والعيش برومانسية كالتي نراها في الأفلام، إلا أنني فوجئت بأن الواقع مختلف تماماً عن الأفلام، بدليل أنني فشلت في خمس تجارب خطوبة حتى الآن، لدرجة أصبحت معها أعاني فوبيا الخوف من الارتباط العاطفي، لكوني على يقين بأنني سأفشل، ولن أجد الإنسانة التي أحلم بها».
ويؤكد عصام أنه لم يكن ظالماً في كل تجارب الخطوبة التي عاشها، بل فوجئ بمطالب تعجيزية تفوق إمكاناته من أهل كل عروس تقدم لخطبتها، وفشلت كل محاولات التوفيق...
وينهي عصام أحمد كلامه موضحاً أنه قرر تأجيل الارتباط إلى أجل غير مسمّى حتى يتغلب على الشعور بالفشل المستمر الذي وصم مشاريع الخطوبة السابقة، وكل شيء قسمة ونصيب.
سحر محيي: رومانسيتي هي السبب
البحث عن الرومانسية كان السبب في امتناع سحر محيي عن الارتباط، وتشرح قائلة: «لا أخشى شبح العنوسة، وأعرف أن الزواج قسمة ونصيب، لكنني أبحث عن شاب رومانسي، فكل من تقدم لخطبتي لم أجد فيه فارس الأحلام الرومانسي الذي أكوّن معه علاقة عاطفية تؤدي الى زواج ناجح».
وتوضح سحر أنها ترفض فكرة الارتباط لمجرد الزواج والإنجاب، وتحلم في المقابل بزواج مثالي يجعلها تعيش في سعادة دائمة، حتى وإن انتظرت طويلاً، فهذا أفضل ألف مرة من الاختيار الخاطئ الذي تكون نتيجته مشكلات دائمة تؤدي الى طلاق تصبح المرأة هي الضحية الأولى فيه، وتزيد مأساتها إذا كان لديها أولاد، فلماذا التسرع في قرار مصيري كالارتباط!
وتنهي سحر محيي كلامها مؤكدة ثقتها بأن الله سيحقق لها طموحها وأملها في زوج رومانسي، خصوصاً أنها تؤمن بأن الاختيار الصحيح من البداية يؤدي إلى زواج سعيد، ومشكلة غالبية الفتيات أنهن يتسرعّن في الزواج، لدرجة أنهن يوافقن على أول عريس يتقدم لهن، وتكون النتيجة مأسوية، فإن لم يكن بالطلاق، يكون بالمشكلات الأسرية الدائمة.
جنان شاكر: أخشى على مستقبل ابنتي
أما جنان شاكر، موظفة، فلها أسبابها الخاصة لرفض الارتباط، وتقول: «توفي زوجي بعدما كنا نعيش قصة حب فريدة من نوعها، ويتفانى كل منا في إسعاد الآخر، لكن شاءت الأقدار أن يتوفى ويترك لي ابنة وحيدة هي «جيسكا»، 16 سنة، نذرت حياتي لها حتى تفوقت في دراستها واستطاعت الحصول على لقب «فيثاغورس العرب»، بعد توصلها إلى خمس نظريات رياضية جديدة، تم الاعتراف بها عالمياً، وحصلت على تكريم محلي ودولي كبير، ولهذا أخشى من أي ارتباط جديد قد يؤثر في نجاح ابنتي الوحيدة ووصولها إلى العالمية، حيث اختبرتها جامعات دولية في هذه النظريات وتم الاعتراف بها وتسجيلها باسمها، ولا يزال لديها المزيد من النبوغ والتفوق في مجال الرياضيات، حتى أنها تحلم بتأسيس مدينة جامعية باسمها، ومثلها الأعلى الدكتور أحمد زويل». وتؤكد جنان وفاءها لزوجها، وتشعر بأنها تسعده من خلال نجاحها في تربية ابنتهما الوحيدة، وستبقى وفية له حتى آخر يوم في عمرها، فالسعادة ليست في الزواج فقط، بل تتجلّى في أشكال أخرى، أهمها الاهتمام بتربية الأولاد، والوفاء للزوج بعد مماته.
سماح الشريف: انفصال والديّ خوّفني من الارتباط
تؤكد الأديبة الشابة سماح الشريف، أنها تخاف من الارتباط بسبب تجربة شخصية مرت بها منذ الصغر، حيث انفصل والداها بعد معاناة طويلة في المحاكم وتبادل المكائد بينهما، دفعت ثمنها هي وشقيقاتها، حتى أن إحدى شقيقاتها توفيت في سن الثلاثين تأثراً بالخلافات الأسرية التي استمرت الى ما بعد الطلاق. وتشير سماح إلى أنها أُصيبت بما يشبه «العقدة النفسية» من الزواج، لأنها لا تريد مجرد زوج فقط، بل تحلم برجل يعوضها عن الأبوّة التي فقدتها منذ صغرها، ومن الصعب أن تحظى بزوج يقوم بوظيفة مزدوجة «زوج وأب» في الوقت نفسه، كما ارتأت أن يكون اختيارها عقلياً فقط إذا قررت الزواج مستقبلاً، والمشاعر تأتي في مرحلة لاحقة. وتكشف سماح أنها قد أنهت دراستها الجامعية وتشغل نفسها عن التفكير في الزواج من خلال الدراسات العليا وكذلك الكتابة الأدبية، وقد كتبت مأساتها منذ الصغر في قصة عنوانها «بأمر القضاء»، شرحت فيها ما شهدته في طفولتها في ساحات المحاكم بين والديها، ولهذا فإن خوفاً دائماً يعتريها من الارتباط، وشبح تكرار مأساة والديها يطاردها ليل نهار.
يوسف شاكر: لا زواج قبل الأربعين
«العزوبية تاج على رؤوس العازبين والذكي لا يفرط فيها بسهولة»، بهذه الكلمات بدأ يوسف شاكر، 30 سنة، كلامه حيث أكد أنه مستمتع بحياته وحريته بدون هموم أو مشكلات مرتبطة بالزواج، خاصة أن مطالب بنات اليوم لا تنتهي، سواء قبل الزواج أو بعده، من دون أدنى رحمة بظروف الشبان الذين يعانون الكثير للحصول على عمل دائم أو مستقر، وإذا وجدوه فإنه عادة ما يكون بمرتب بسيط، يكفي بالكاد لسد احتياجاتهم، فكيف الحال إذا قرروا فتح بيت وتكوين أسرة!
ويؤكد يوسف أنه اتخذ قراراً لا رجعة فيه، وهو أن لا زواج قبل الأربعين، خاصة أنه يتخوف كثيراً من الارتباط العاطفي، لكثرة ما سمعه وشاهده عن قرب من تجارب خطوبة وزواج فاشلة، بعضها تم فيه الزواج بعد قصة حب من «ألف ليلة وليلة»، وكانت النهاية الانفصال وساحات المحاكم وتشرد الأولاد والتنازع عليهم، وتصوير المطلق لشريك حياته السابق بأنه «شيطان»، وأنه المسؤول عن فشل الزواج، من دون أن يحمّل نفسه أي مسؤولية عن الفشل.
الدكتور ياسر حمودة: علينا الاقتداء بالتجارب الناجحة
يؤكد الدكتور ياسر حمودة، أن الإنسان السوي – سواء كان رجلاً أو امرأة – يسعى الى الارتباط وتكوين أسرة، لإشباع الغريزة والعيش في سعادة نفسية وتكامل الأدوار، ومن يخاف من الارتباط العاطفي أو يعرض عنه أو يرفضه بدون مبرر مقنع يمثل استثناء من القاعدة البشرية العامة، التي تهدف الى الاستقرار النفسي بالزواج.
ويوضح الدكتور ياسر أن هناك أسباباً نفسية وظروفاً اجتماعية تمنع الإنسان من الارتباط، سواء أكان الخوف من عدم القدرة على تحمل تبعات هذا الارتباط، من خطوبة وزواج وإنجاب، أم الخوف من الفشل نتيجة معايشته لتجارب الآخرين، وخاصة المقربين منه كالأب والأم والإخوة والأخوات والأصدقاء والأقارب، ومعرفته كل تفاصيل حياتهم، مما يترك تأثيراً سلبياً في نفسه، ويزرع لديه هاجس الفشل المسبق، فيكون الحل الوحيد هو الخوف من الارتباط.
وينهي الدكتور ياسر كلامه، مؤكداً احترامه لأسباب كل واحد يخاف من الارتباط العاطفي، إلا أنه ينصحه بمراجعة نفسه – سواء كان رجلاً أو امرأة – قبل فوات الأوان، لأن تأخير الارتباط قد يكون ميزة لفترة معينة، بعدها يصبح عيباً لدى الآخرين، ولهذا فإن الحل يكون باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وعدم العيش في جلباب الآخرين الخائفين من الارتباط، بل عليه النظر إلى تجارب الناجحين في زواجهم، مما يولد أثراً نفسياً إيجابياً.
الدكتورة نبيلة تاجر: خوف على الحرية الشخصية أم تهرب من المسؤولية
أما الدكتورة نبيلة تاجر ، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس فتقول: «الارتباط العاطفي بين الجنسين فطرة إنسانية خلق الله البشر عليها، حتى يكمل بعضهم بعضاً، ويقوم الزوجان بإنشاء أسرة قوية فيها توافق نفسي ومادي واجتماعي، لكن المشكلة أن البعض يدقق كثيراً في اختيار شريك الحياة، فيضع اشتراطات معينة ويرفض التنازل عنها مهما كان، وشيئاً فشيئاً تقل لديه أو لديها الرغبة في الارتباط، بعد أن يكون قطار الشباب قد مضى».
وتضيف الدكتورة نبيلة، أن هناك حالات أخرى من عدم الارتباط يكون سببها الخوف من مفهوم «العيب» في العرف الاجتماعي، خاصة أنه مرتبط أكثر بالسيدات الأرامل، حيث يرى المجتمع أن زواجهن – خاصة إذا كان لديهن أولاد – نوع من عدم الوفاء لأزواجهن، مع العلم أنه لا يُطبّق المعيار نفسه على الرجل، بل يتم التماس العذر له.
وتشير الدكتورة نبيلة تاجر إلى أن هناك أسباباً نفسية وظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة تجعل عدم الارتباط إجبارياً وليس اختيارياً، وقد يرفض البعض الارتباط خوفاً على الحرية الشخصية وتهرّباً من تحمل المسؤولية، لأن الزواج – خاصة في ظل الظروف الحالية الصعبة – يمثل قراراً مصيرياً صعباً، ولهذا نجد البعض يفضل «راحة البال» على المغامرة بالارتباط، الذي يراه البعض مقدمة لسجن الرجل في مسؤوليات هو في غنى عنها، ويمكنه تأجيلها إلى وقت متأخر.
الشكّ في نجاح الزواج وراء تردُّد شباب سعوديين
يرى شبان وفتيات سعوديون أنّ الفشل في علاقات سابقة سبب رئيس يدفع الكثيرين إلى الخوف من الارتباط، ويضيفون: «هنالك أسباب أخرى تدفعهم إلى عدم التفكير بجدية في مسألة الارتباط، منها الخوف نتيجة معاناة عايشوها في مرحلة الطفولة كانفصال الأبوين، أو الاستماع إلى مشكلات وتجارب فاشلة في الزواج لأقرباء وأصدقاء، أو عدم رغبتهم في تحمّل المسؤولية والخوف منها».
الإعلامية شهد حمدان: قد لا يكون الخوف من الارتباط شعوراً حقيقياً
تقول الإعلامية السعودية شهد الحمدان: «لا نستطيع الجزم بأنّ الخوف من الارتباط شعور حقيقي أم أنّه حجة للتهرّب، إذ إن الأمر يختلف من شخص إلى آخر ومن تجربة الى أخرى، فقد يكون بالنسبة إلى أفراد خوفاً حقيقياً ناجماً عن عقَد تكوّنت في مرحلة الطفولة كأن يكون والدا أحدهم قد انفصلا وهو طفل، وعاش معاناتهما أو معاناة أحدهما بيومياتها وتفاصيلها، فحفر ذلك الشعور بالخوف من الارتباط في عقله ووجدانه».
وتضيف: «وقد يكون الخوف من الارتباط نتيجة علاقات فاشلة سابقة، كما قد تجد أشخاصاً يعتقدون أنهم يخافون من الارتباط بحيث يتّضح أنّ الأمر مجرّد وهْم لا وجود له في الحقيقة، وما هو إلّا ذريعة للبقاء على وضعهم الحالي، لأنهم مرتاحون لوضعهم أو أنهم لا يستطيعون تحمّل المسؤوليات الزوجية فيتذرّعون بالخوف من الزواج».
مها الشيخ: القصص الفاشلة من أهم اسباب الخوف من الزواج
أمّا مستشارة العلاقات العامة مها الشيخ فتقول: «الخوف من الارتباط حالة شائعة لدى الكثير من الفتيات والشبان، وتختلف الأسباب باختلاف الجنس والعمر والبيئة والحالة الاجتماعية. ويبقى أحد أهم أسباب الخوف من الارتباط هو رؤية أو سماع قصص فشل ارتباط الآخرين، وخصوصاً بعد الاستماع الى مشاكل القريبات والأقرباء والصديقات اللواتي تعرضن لتجارب عانين بسببها الكثير، ومنها حالات الطلاق المبكر التي تأتي بعد فترة وجيزة من الزواج، ولذلك يولد الخوف من الارتباط لتجنب الفشل والانفصال، خصوصاً أن المجتمع السعودي لا يقبل «المطلّقة»، بل ينبذها».
وتستدرك بالقول: «الخوف من الارتباط له مسببات كثيرة وهو حقيقة قائمة في مجتمعنا، ولعلّ أحد أسبابه هو الخوف من تغيير نمط الحياة، والتساؤلات الكثيرة التي تخطر في بال الفتاة مثل هل هذا الشخص يناسبني؟ وهل يتوافق تفكيره مع تفكيري؟ وغيرها الكثير من التساؤلات التي تجعلها تفكر ملياً قبل الارتباط. كما أن الارتباط يمكن أن يؤدي إلى تقييد حرّيتها أو التأثير سلباً في مستقبلها أو حياتها، وهذا ينطبق إلى حد أقل ربما، على الشاب». و«هنا أودّ أن أشير»، تتابع المستشارة الشيخ، «إلى انعدام التوعية الأسرية حول معنى الارتباط الأسري وإظهاره وكأنه تحكّم طرف بالآخر في العلاقة الزوجية. ويمكن أن نضيف أسباباً أخرى تؤخّر الارتباط وتعيقه كارتفاع المهور وعدم تحمل المسؤولية والاستهتار المتفشي بين الشباب».
وتُجمّل الشيخ القول: «التخوّف من الارتباط مردّه إلى الخوف من الفشل ومن عدم كون الطرف الآخر هو الشريك الصحيح، بالإضافة إلى الخوف من عدم القدرة على استكمال حياة الفرد مع شريكه، ومن كثرة سماع أخبار التجارب الفاشلة التي يشهدها المجتمع من حولنا والتي تُشعر الكثير من الشباب بالإحباط».
نور سلمان: السبب انعدام الثقة
وتؤكد الطالبة الجامعية نور سلمان: «أصبح الارتباط يشكّل مصدر رعب لدى غالبية الشبان والفتيات في المجتمع السعودي، وذلك لكثرة المعاكسات التي تتعرض لها الفتاة السعودية، بالإضافة إلى انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين. والأهمّ، ما نسمعه ونراه من حولنا في ما يخص المتزوجين وما يعيشونه من خذلان وخيانات، وحالات التشتت الأسري وضياع الأطفال».
عبد الخالق بن رافعة: حالة عرضيَّة
وفي السياق ذاته، يقول الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي عبدالخالق بن رافعة: «من الممكن أن يكون الخوف من الارتباط مجرّد حاجز سببه علاقة شخصية فاشلة قديمة أو قصص ناس من حولنا»... ويشير إلى أنّها حالة عرضية لا تستمر لفترات طويلة، موضحاً: «من المؤكد مجيء اليوم الذي سيضحك فيه أحدنا من هذه المشاعر بعد تخطّيها والارتباط بشخص ما».
مشعل بن رشيد: الخوف من مواجهة تحديات الحياة
من جانبه، يقول مشعل بن رشيد: «غالبية الشباب من الجنسين يطمحون إلى الارتباط عند توافر البيئة المناسبة كالمسكن والوظيفة ذات الدخل المناسب لسد احتياجات الزواج. إلّا أن هناك بعض الذين يحاذرون الزواج، وهم أولئك الذين لا يستطيعون مواجهة الحياة وتحدياتها. أما البعض الآخر من الذين يلجأون إلى تأخير الزواج فثمة ظروف خاصة تمنعهم، أو قد يعتريهم الخوف من تحمل المسؤولية».
ويلاحظ مشعل أنّ الشاب السعودي لا يهرب من الزواج ولا يخاف منه، ويقول: «كثير من الشباب السعودي يملك الإمكانات التي تساعده على بناء أسرة، ومن لا تتوافر لديه جميع المتطلبات، وهم النسبة الكبرى في مجتمعنا، يتقدّم بطلب قرض لتوفير المسكن والسيارة، والأهم: مهر الفتاة».
الشريف فيصل العبدل: الظروف المعيشية لا تسمح بتأسيس أسرة
أما الشريف فيصل العبدلي، فيُرجع سبب الخوف من الارتباط إلى «الظروف المعيشية التي تحكم الشاب السعودي، وأهمها تدنّي الرواتب التي لا تكفي لتأسيس أسرة أو تحمّل تكاليف الزواج». ويشير إلى أنّ غالبية الشباب السعودي يعتقدون أنّ السن المناسبة للزواج هي الـ 30، منوّهاً إلى أنّ «الشهادة الجامعية أصبحت مقياساً وحكماً للمُقْدم على الزواج، وهذه عقبة تواجه الكثير من الشباب».
الارتباط بشريك الحياة في ميزان علم النفس
الدكتورة فاطمة كعكي: الخوف من الزواج أمر طبيعي وبالإمكان تجاوزه
استشارية الطب النفسي وطب علاج الإدمان ورئيسة القسم النسائي واليافعين في مستشفى الأمل في جدّة، الدكتورة فاطمه كعكي تقول: «الخوف من الزواج أمر طبيعي، ولعله الشعور الذي يشترك فيه جميع البشر في لحظة من لحظات حياتهم. فمن أسبابه ودوافعه كثيراً ما يكون الدافع الرئيسي الذي يقف وراء الخوف من الزواج هو ما يتبعه من مسؤوليات مادية تتطلّب الالتزام على المدى البعيد، فهو ليس مشروعاً محدداً بمدة ولا خطة خُمسية أو سُبعية مصيرها معروف ومحدد، إنما هو عقد لمدى الحياة يتطلب كماً كبيراً من القوة والانضباط والعقلانية».
وتضيف: «يشعر الكثير من المقبلين على الزواج بالرهبة العاطفية التي قد تتطور لتصل الى حدود الخوف، بسبب وجود الكثير من الضوابط الأخلاقية والاجتماعية والعاطفية التي يفرضها هذا الارتباط، فلا مجال للتلاعب والتراخي في المشاعر، ولا فرص متاحة أمام العلاقات العابرة مهما كان شكلها، فالإخلاص هو سيّد الموقف، وغير ذلك يعني انهيار هذه المؤسسة المجتمعية أو تحولها من علاقة زوجية عاطفية تعاونية إلى علاقة تأخذ شكل الزوجية ليس إلا».
وتؤكد كعكي: «التخوف من الارتباط الجسدي، ولعل هذا الخوف يسود بين الفتيات أكثر من الشبان، سببه عوامل عدة يعد أبرزها ضعف الثقافة والتربية الجنسية في مجتمعاتنا، والحصار العاطفي الذي يُفرض على بناتنا ليحول بينهن وبين التعبير عن مشاعرهن بصراحة وأريحية، والصورة النمطية التي زُرعت عن العلاقة مع الرجل على أساس أنها شيء مرعب، ظناً من جدّاتنا أن تخويف الفتاة من الرجل يمنعها من ارتكاب الرذيلة، غير أنّ هذا لا يمتّ الى الحقيقة بصلة، فالحوار العلمي الثقافي الديني المتحضر هو السبيل لحماية الأعراض، لا التخويف والتهويل والمبالغات»... مشيرة إلى أنّ أحد أسباب الخوف من الزواج هو الشعور بالضعف أمام الانفصال عن العائلة والاستقلالية، وعادة ما يكون هذا الشعور عند الفتيات، لأنهن يحظين قبل الزواج بدرجة تواصل ورعاية وعناية كبيرة من جانب أهاليهن. وتقول: «أن يكون الارتباط بين شخصين من بيئتين مختلفتين وخلفيتين ثقافيتين متفاوتتين سبب أساسي لرُهاب الزواج، لأن كلا الطرفين يخشى من لحظة الارتباط الواقعي والتواصل المباشر مع بيئة الطرف الآخر وعاداته وتقاليده، فيقع في حيرة من أمره، فيما إذا كان يملك القدرة على التعامل معها والتنازل عن بعض أفكاره ومبادئه، أم أنه سيضطر للدخول في حرب سجال ليفرض ما اعتاد عليه».
ضرورة الحوار العقلاني
وتؤكد الدكتورة فاطمة أنّ التفاوت في درجة التحصيل العلمي والوعي الثقافي والديني، يجعل المقبلين على الزواج في تردد أمام هذه الخطوة موضحةً: «إن العلاقة العاطفية البعيدة لا تكشف عن حجم الفجوات الفكرية بين الطرفين، وهو ما يبدو واضحاً جداً بعد اليوم الأول للزواج، إذ تبدأ الفروقات بالظهور والتكشّف شيئاً فشيئاً. بالإضافة إلى ذلك، مهما كانت درجة الخوف من الزواج، فإن الحوار العقلاني الصادق بين الشاب والفتاة هو الشيء الوحيد الذي يكفل زوالها ووضع مشاعر الثقة والسعادة مكانها، فلا زواج ناجحاً من دون عقليات متفتحة متعاونة وواعية لما يحيط بها من متغيرات وظروف على جميع الصعد».
وتبيّن كعكي أنّ الزواج أمر طبيعي فيه السكينة والمودّة والرحمة، وهو آية من آيات الله، فهذا الرباط العظيم والمقدّس لا شك في أنه هو الأمر الطبيعي وغيره يعتبر أمراً غير طبيعي». وتقول: «ثمة حاجة الى تغيير المفاهيم، والى التفكير والتأمل بأن الزواج فيه الرحمة والسكينة والراحة، والبعض ربما يكون لديه الخوف من تحمّل المسؤولية الزوجية، فهناك حالات نادرة تعتبر الأمومة مرفوضة بالنسبة الى بعض النساء، وثمة نساء يتخوفن من المعاشرة الزوجية... وهذه الأمور إن كانت موجودة فكلها يمكن أن تعالج».
وتختتم الدكتورة كعكي مؤكدةً «أن التخوفات معظمها قائم على معلومات سماعية من أشخاص لا يقدّرون مشاعر الآخرين أو يكون هنالك نوع من المبالغات، إذ ليس هذا سبباً قوياً ودافعاً للابتعاد عن الزواج، إضافة إلى التخوف من مشاكل الزواج، فمن قال إن الزواج كله مشاكل! بل على العكس، الزواج كله سعادة واستقرار، وهو الحياة بمعناها الحقيقي، لذا فليس من الضروري أن نصفه بهذه الطريقة، وأما الصعوبات فتوجد في كل محيط وفي كل نمط من أنماط الحياة، والزواج وإن كان لا يخلو من مشاكل، فإنّ إيجابياته هي الأكبر وهي الأفضل».
شهادات من سورية: الانشغال بالعمل وتوقُّع الفشل وراء الخوف من الزواج
وهذه شهادات من سورية، تبيّن كيف أن ضغط الحياة العملية، وفشل التجارب السابقة يؤثران في عدم إقدام الشباب على الزواج.
سرقتني الحياة وأنا أعتني بمن حولي... ولست نادمة على عدم الزواج
تقول ملك : لست مع الارتباط على الإطلاق، والسبب في موقفي هذا يعود إلى صغري عندما كنت في المرحلة الثانوية، حيث مرضت أمي ودخلت المستشفى لتلقي العلاج، وبقيت الى جانبها بحكم أنني الفتاة الوحيدة في المنزل. اهتممت برعاية أمي سنوات عدة، وتركت أثناءها المدرسة، لعدم قدرتي على التوفيق ما بين دراستي وواجباتي الأخرى. وعندما قررت العودة إلى المدرسة، أصبحت أشعر بالخجل لكون زملائي سبقوني في الدراسة، فعملت في صيدلية لأنني بحاجة الى العمل من جهة، ومن جهة أخرى كنت أحصل على أدوية أمي بسعر مناسب، عملت هناك لعشر سنوات، مما أكسبني خبرة كافية، وحصلت بعدها على شهادة خبرة من الصيدلية. وبعد وفاة أمي، سافرت إلى دبي حيث يقيم أخي، وعملت هناك في صيدلية أيضاً، لكن ما حدث وللأسف أن زوجة أخي مرضت مرضاً شديداً، وكان لدى أخي ثلاثة أطفال، فتحمّلت مسؤولية تربيتهم لكون مرضها قد أثر في قدرتها على القيام بواجباتها المنزلية، فمنحت أولاد أخي كل وقتي وعلّمتهم التحلّي بالثقة والإرادة والقوة للوصول إلى أعلى درجات النجاح، فدرسوا في أهم الفروع الجامعية. وبعد انتهاء مهمتي في دبي، عدت إلى سورية لألتقي بأصدقائي القدماء، وأسست عملاً جديداً في مجال التجارة، ومرت الأيام ولم أعد أهتم بموضوع الزواج والارتباط، إذ عندما كنت صبية وجاهزة للارتباط كان كل اهتمامي منصباً على أمي ومن ثم على تربية أولاد أخي.
وفي الحقيقة، أنا لست نادمة على ما حدث معي في حياتي، لأن أولاد أخي عوّضوا عليّ الكثير، وأعتبرهم أولادي الحقيقيين، فقد منحوني شعور الأمومة وعاطفتها من دون أن أتزوج، وهو الشعور الذي تبحث عنه كل امرأة، لذا أراني أفتخر بهم وبما حققوه.
مصطفى جمعة: خوفي من الفشل في تحمّل المسؤولية حال دون ارتباطي
كثيراً ما يعتقد الناس أن رفض البعض لفكرة الارتباط يتعلق بالأمور المادية والوضع الاقتصادي السيئ، بينما في الحقيقة تكون الرغبة في الاستقرار والعيش مع امرأة في منزل واحد، أقوى بكثير من أي وضع مادي.
أما بالنسبة إليّ، فرفضي للزواج كان بسبب خوفي من الفشل في تحمّل مسؤولية هذه العلاقة. ومشكلتي بدأت منذ صغري، بحيث حُرمت في عائلتي من حق الاختيار والمناقشة، مما أضعف ثقتي بنفسي بشكل عام، فعشت في عزلة معظم حياتي، مما كان يمنحني شعوراً بعدم القدرة على النجاح في أي شيء، هذا رغم بعض النجاحات التي حققتها في حياتي، وفشلي في بعضها الآخر... كفشلي المادي مثلاً لكرمي الزائد بحيث أفقد السيطرة على نفسي من الناحية المادية.
فالخوف هو الذي وقف عائقاً بيني وبين الارتباط الذي يحتاج في رأيي إلى الكثير من الجرأة وقوة الشخصية، ومن لا يملك القوة لا يستطيع أن يتخذ مثل هذا القرار المصيري في حياته.
وعدا عن خوفي من الارتباط، فإن قرار الاستقرار والشعور بالأبوّة غائب من حياتي. وقد تساهم العلاقات الزوجية الناجحة في مجتمعنا الشرقي في التشجيع على الارتباط، لكن بعد الزواج ربما تصبح العلاقة فاشلة، لكوننا ننتمي الى مجتمع لا يلتفت إلى الجانب السلبي، مما يؤدي الى النفور من قرار كهذا.
نايفة قصاب: لهذه الأسباب لم أتزوج... ولا أُعارض فكرة الارتباط
لا علاقة لعدم ارتباطي بموقفي من الزواج، فعلى العكس أنا أؤيد الارتباط والزواج، لأنها خطوة مهمة جداً في حياة كل انسان، لكن ما جعلني أبقى عزباء حتى اليوم هو سبب يخصّني وحدي... فقد كنت مخطوبة لشاب وكنا قد اتفقنا على الزواج، وقبل ثلاثة أشهر من الموعد المحدد لدخول قفص الزوجية، أُصيبت أمي بمرض شديد، ولكوني الفتاة الوحيدة في المنزل اضطررت للاهتمام بها ومنحتها كل وقتي، لذا تركت خطيبي وبقيت مع أمي العاجزة. وبعد وفاة أمي، أُصيب أبي أيضاً بالعجز، وأنا اليوم أقوم بواجبي نحوه... ومع كل هذه الظروف القاسية، أؤيد فكرة الزواج.
فاتن محمود: تجربة فاشلة... أحد أسباب خوفي من الارتباط
ثمة أسباب كثيرة تحول دون الارتباط، أهمها الخوف من خوض تجربة الزواج، وخاصة بالنسبة الى الفتيات. أحياناً يكون هناك ذعر من العلاقة الزوجية وخوف من الحمل والولادة. أما بالنسبة الى الرجل فإن أكثر ما يخيفه من الزواج هو الفقر والوضع المادي.
وفي رأيي فالارتباط ليس ضرورة من ضرورات الحياة، وإن تم فيجب أن يكون مبنياً على الحب والتفاهم وإلا فستكون عواقبه سيئة على الطرفين. عموماً، تفكر المرأة بالارتباط بعد أن تستمتع بفترة شبابها، وتبدأ التفكير بحضن دافئ يضمها، وعندها تحتاج الى الرجل لتكمل حياتها معه. أما أهم أسباب فشل الارتباط، فهو تجربة سابقة خضناها وقدمنا فيها الكثير من التضحيات، مما يولد نوعاً من الخوف من الارتباط، والشعور بالفشل في العلاقات الزوجية.
ابتسام داود: انشغالي حال دون ارتباطي... ولا أخاف من العنوسة
العمل سرق مني كل وقتي، ولست نادمة على ذلك، فأنا انسانة تعشق العمل وطموحي لا حدود له، وأحاول دائماً أن أكون السبّاقة والمميزة في مجال عملي. ورغم أن هذا الانشغال الدائم قد حال دون ارتباطي، إلا أنني تذوقت طعم الارتباط لكوني عشت بين أولاد أخي في منزل واحد، مما أعطاني نوعاً من الحب والحنان والعطف عليهم. ومن الممكن أن تؤثر حال الاستقلالية التي تعيشها الفتاة في كنف عائلتها في عدم جعل فكرة الارتباط أساسية في حياتها. ومن هنا نرى أن الفتاة غير المتعلمة تكون أكثر تعلقاً بالزواج بالمقارنة مع الفتيات المتعلمات والمنخرطات في مجال العمل.
لا أخاف من العنوسة، خصوصاً أنني رفضت كل من جاء يطلبني للزواج، فعدم ارتباطي ليس لسبب محدد، بل يعود الى أسباب عدة مترابطة ببعضها بعضاً.
نزار وفا: ضياع حبي الأول جعلني أخاف من الزواج
بعدما خسرت حبي الأول، لم يعد يهمني الارتباط أبداً، حتى أنه تولد لدي خوف منه، لاعتقادي بأنني سأظلم زوجتي، لأنني لم أعد قادراً على تقديم الحب كالذي قدمته للفتاة التي عرفتها في بداية حياتي، وبالتالي خسرتها... فأنا مقتنع تماماً بمقولة: «وما الحب إلا للحبيب الأول»... كما أخاف من تحمّل المسؤولية والتقيد بزوجة، لكوني سأخسر حياتي الخاصة مع أصدقائي، فالزواج سيربطني بحياة معينة، وأنا لست قادراً حالياً على التأقلم مع هذه الظروف الجديدة التي ستغير نمط حياتي، كما لن أقبل بخسارة أحد من أصدقائي لأفوز بالارتباط الذي لا أثق به أساساً بعد فشل علاقتي الأولى.
أما في المستقبل، فلم أخطط لأي مشروع زواج حقيقي، لأن نموذج الصدق والوفاء في الفتيات لم يعد موجوداً. ولا أنكر أنني أحن الى علاقة حب جميلة تشبه علاقتي الأولى، ولكن هذا النموذج من الحب أصبح نادراً في مجتمعنا، فالكل أصبح يمتهن الكذب والخداع، لذلك أفضّل الإبقاء على وضعي الحالي، على أن أخوض علاقة جديدة لا أثق بنجاحها.
أنس غزال: لا أخاف من فكرة الزواج بل من مستقبل هذا الزواج
الارتباط الحقيقي مفهوم جميل جداً، وخاصة إذا أدى إلى استقرار نهائي، وأنا لا أخاف من فكرة الارتباط، بل من مستقبل هذا الارتباط، فالإنسان بطبعه يكره ما يجهل، والجهل في النهاية يسبب الخوف من الارتباط.
أسباب اجتماعية ونفسية وتربوية وراء الخوف من الزواج
تقول الدكتورة في علم الاجتماع، ميرنا دلالة: «لقد أصبحنا نعيش في مجتمع يعاني أفراده مشاكل وأزمات أخلاقية، ويتعرضون لمختلف أنواع الضغوط، مما أثّر سلباً حتى في فكرة الزواج الذي يعد التزاماً ورباطاً وثيقاً مدى الحياة، هذا الالتزام الذي يثير الخوف من اتخاذ قرار خاطئ قد نندم عليه طوال حياتنا، لكنْ لهذا الخوف أسباب متعددة، منها الاجتماعي أو النفسي أو التربوي، ويمكن أن نوجزها بما يأتي:
● نقص المهارات في القضايا العاطفية والانفعالية والتي تندرج في إطار ما يسمى علمياً بضعف الذكاء العاطفي والاجتماعي، ويعود ذلك إلى قلّة الخبرة والثقافة وضعف الشخصية من النواحي الاجتماعية والعاطفية، بالإضافة إلى مشكلات الأسرة المتنوعة.
● الاضطرابات الشخصية، وهي تعود الى عوامل وراثية أو تربوية أو اجتماعية، ومن أبرزها اضطرابات الشخصية الهستيرية، وهي شخصية تمتاز بسطحية انفعالاتها، والاهتمام المفرط بالشكل الخارجي والافتقار الى الدقة، والميل إلى الانطباعات العامة والرأي السريع، بالإضافة إلى الاعتقاد الجازم بأن العلاقات التي تقام مع الآخرين توصف بأنها حميمية، وهي في الواقع أقل من ذلك بكثير.
● الشخصية النرجسية، ويمكن اختصارها بالشخصية التي تمتاز بالشعور المضخّم للذات والإنجازات بشكل مبالغ فيه.
● الشخصية الحدودية، وهي تتميز باضطراب العلاقة مع الآخرين، واضطراب الصورة عن الذات، كما لا تعرف من تكون أو ماذا تريد، وتتسم كذلك بعدم الاتزان الانفعالي.
● الجهل العام بالقضايا الجنسية، ويمكن أن يكون سبباً للخوف من الارتباط، وخاصة عند الفتيات الصغيرات، الى جانب الصدمات والتحرش الجنسي، والمثلية...
وفي كثير من الأحيان قد يقرر المرء عدم الارتباط بسبب الخوف من النتائج، وخاصة بعد العدد المتزايد من حالات الطلاق والخيانات الزوجية والمشكلات الزوجية التي تدفع إلى عدم تكرار هذه المآسي.
ومن الأسباب الشائعة أيضاً، الخوف من الانخراط في حياة أسرية جديدة تقوم على الالتزامات والمسؤوليات، وبالتالي تستوجب تغييراً شبه كامل لروتين الحياة السابق، ويتجلّى هذا بوضوح في حال عدم توافر شريك يتوافق مع ميول الآخر وطباعه، وخاصة بعد استقلال الإناث المادي.
ويجب ألا ننسى التزام بعض الأشخاص، ذكوراً وإناثا، بأعباء أسرهم المادية والمعنوية لأسباب عدة، والخوف من فقدان الحرية، والمعاناة من صدمة عاطفية، والانتماء إلى عائلة مضطربة أو منفصلة.
وقد يؤدي تأخر سن الزواج عند الفتيات، لأسباب مختلفة، إلى تخوفهن من الارتباط لاحقاً لتجنب مشاكل عدم القدرة على الإنجاب والتي تكون أحياناً سبباً في الطلاق...
في لبنان: عندما يختار الرجل العزوف عن الزواج
فرضت بعض التغيرات في مجتمعاتنا الحالية واقعاً اجتماعياً جديداً، بحيث أصبح معدّل سنّ الزواج مرتفعاً، خاصة بين الرجال. فبفعل تغيّر التركيبة الديموغرافيّة وغلاء المعيشة والهجرة وتحصيل العلم والبحث عن التطوّر والانفتاح والتحرّر الاجتماعيّ وسواها من العوامل... بات الزواج من «الرفاهيات الاجتماعيّة» أو أنه قد تأجّل عند معظم الشبان، الذين يفضّلون حياة العزوبيّة لسبب أو لآخر!
يشرح الدكتور دوري هاشم ، اختصاصيّ في الأمراض العصبيّة والنفسيّة أسباب التأخر في الزواج عند الرجل، مشدّداً على الخيارات المتاحة في العزوبيّة. وتتطرّق من جهتها الاختصاصيّة في علم الاجتماع ريتا أبو سمرا إلى مفهوم العنوسة التقليديّ في المجتمعات، خاصة بين الرجال.
عزوبيّة مطلقة!
يقول الدكتور هاشم «إنّ فكرة الزواج باتت متعلّقة بعوامل اجتماعيّة واقتصاديّة ونفسيّة وثقافيّة وعقائديّة كثيرة، بفعل التطوّر الحاصل في كل المجتمعات. فانشغال الشباب بالهموم المعيشية الأخرى، يضع الزواج في مرتبة متأخرة، وقد فُرض واقع جديد في معظم البلاد العربية، ألا وهو تأخّر سنّ الزواج عند الجنسين، وخاصة عند الرجل».
يضيف: «لقد أصبح مفهوم الزواج طيّعاً وفضفاضاً بعض الشيء بين جيل الشباب، إذ بات خياراً وليس واجباً». فمع تغيّر الأولويات وتكاثر المسؤوليّات وتبدّل النظرة إلى الحياة، باتت العزوبيّة مطلب الكثيرين، أو على الأقلّ ملاذهم الأمين!
أسباب التأخّر في الزواج
يؤكّد الدكتور هاشم: «تعدّدت الأسباب والنتيجة واحدة: التأخر في الزواج أو حتى العزوف عنه، أقلّه من جهة الرجل!»، فالعوامل المعرقلة تكاد لا تحصى، ولكن يبقى أبرزها:
● شخصيّة الشاب والمسؤوليات الملقاة على عاتقه ونمط حياته.
● تجارب عاطفية فاشلة له أو للمحيطين به مثل الطلاق، الهجر، أو الخيانة.
● الانشغال بالهموم المعيشية والاقتصاديّة.
● ارتفاع أسعار مستلزمات الزواج وغلاء المعيشة وضعف الدخل المادّي.
● ارتفاع نسبة الهجرة لدى الشباب العربيّ.
● تحرّر المجتمع من القيود القديمة.
● استقلاليّة الشاب والفتاة من مختلف النواحي.
● الاكتفاء بالعلاقات المنفتحة والعزوف عن الارتباط الرسميّ.
● الانشغال بالعلم والدراسات العليا.
● تغيير مفهوم الزواج وأهدافه.
● عدم الرغبة أو القدرة على تحمّل مسؤوليّة الأطفال باكراً.
● المعاناة من بعض الأمراض النفسانيّة كالقلق وعدم الأمان وعدم الثقة في الآخر.
● المعاناة من عقدة أوديب مع الأم وعدم إيجاد الشريكة «المثاليّة».
فوائد الزواج
ينوّه الدكتور هاشم بأهمية الزواج، مهما اختلفت أعمار المقبلين عليه. «فالزواج فيه استقرار للرجل والمرأة على حدّ سواء. إذ يعتبر الناس أنّ الرجل المتزوج قد اكتمل كيانه وبسط سيادته وأتى بالذرّيّة الصالحة وأكمل شجرة العائلة. فبات مثالاً صالحاً يُحتذى به في المجتمعات، إذ أصبح «مكتملاً اجتماعياً». أمّا من الناحية النفسيّة، فالزواج يعني الاستقرار العاطفيّ والحبّ والشغف والحنان ودعم الشريك، بحيث يتقاسم الصعوبات ويتخطاها بسهولة أكبر، كما يبني عائلته الخاصة ويُقدّر الحياة بطريقة مغايرة تماماً».
عنوسة عند الرجل؟
تقول ريتا أبو سمرا: «لا تعريف محدّداً لعبارة «رجل عانس»، بل إنّ العنوسة إجمالاً وصف لشخص تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره من دون أن يتزوّج أو ينوي القيام بذلك في وقت قريب». وقد ارتفع هذا المؤشّر في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ ليتجاوز الثلاثينات ويشارف على سنّ الأربعين».
وتتابع: «لا يغفل عنّا أنّ بعض المبرّرات التي قد يعطيها شخص «أعزب» عن وضعه قد تكون فعلاً دوافع منعته من الإقدام على خطوة الزواج، كالخوف من الانتقال من وضع أسريّ إلى آخر، أو اختلال قيمة الزواج المبكر، أو عدم الإحساس بأهمّية الزواج. كما أنّ زيادة المُغريات في الحياة اليوميّة بعيداً من قيود الزواج والالتزامات الماديّة والاجتماعيّة والعاطفيّة المتعلّقة به من أبرز العوامل التي تشجّع على البقاء في خانة العزوبية».
وتشير أبو سمرا الى «أنّ الأجوبة تكاد تكون موحّدة عند السؤال عن سبب العزوبيّة الاختياريّة، أو حتى المفروضة. إذ يرى البعض أنّ الزواج يلغي حرّية الرجل ويعوقه عن ممارسة هواياته وأنشطته الرجوليّة، أو أنّه غالباً ما ينتهي بالطلاق، أو أنه انشغال دائم ومسؤوليات بلا راحة، أو أنه مجموعة ضغوطات اجتماعية ومادّية متواصلة».
من ناحية أخرى، قد يكون الأمر ببساطة هو عدم الانسجام مع شريك آخر على مختلف الصعد. وبما أنّ القرار بات الآن عقلانياً أكثر منه عاطفيّاً، فهذه الحجّة كفيلة بإقناع عدد لا بأس به من الناس بصوابيّة العزوبيّة.
نظرة المجتمع
وترى أبو سمرا أنّ «في مجتمعاتنا الذكوريّة، لا تزال وصمة «العنوسة» تطاول الفتاة أكثر من الشاب، إذ تصنّف هذا الأخير بالأعزب وليس بالعانس، لأنّ الخيار يبقى دوماً متاحاً أمام الرجل للزواج، مهما بلغ سنّه! إذ غالباً ما يكون الهدف من الزواج، بالإضافة إلى الاستقرار العاطفيّ، هو الإنجاب. وهذا ما يفرّق الرجل عن المرأة مع اختلاف العمر. كما أنّ المجتمع أكثر تقبّلاً للرجل الأعزب من الفتاة العزباء، لأنّه كائن مستقلّ بحدّ ذاته، فيما الفتاة تابعة دوماً لأب أو زوج أو عائلة».
غالباً ما تلعب «الخطّابة» دوراً بارزاً في تدبير الزيجات لمن عجز عن إيجاد نصفه الآخر، وإن تغيّر دورها في مجتمعاتنا المتحضّرة. إذ تتجلّى هذه الخطّابة الآن بفرد من العائلة أو جارة أو صديقة... تعرّف الشخصين إلى بعضهما بعضاً، بعدما كانت قبلاً امرأة غريبة تمتهن هذه التدبيرات. من هنا، تؤكد أبو سمرا «أنّ المجتمع يحبّذ الزواج ويسعى للمّ الشمل بمختلف الطرق، حتى في عصرنا هذا، وإنما مع تبدّل الضغوطات والوسائل والمفاهيم. فتبقى القيم والتقاليد والعادات سائدة، مع تعديلات طفيفة تناسب الزمن الحالي».
شهادات
ريمون باسيل رجل أعزب في أواخر العقد الرابع من عمره. يقول إنه لا يتحمّس مطلقاً لفكرة الزواج، بسبب ضيق الأحوال الاقتصادية والمعيشية التي تعانيها المنطقة. فهو لا يريد أن يتزوّج فقط لأنّ الأمر واجب عليه، بل يرى أنّ في مقدوره أن يعيش حياته مستوراً ومرتاحاً من دون أعباء إضافية أو مصاريف زائدة أو مسؤولية مضاعفة. ويؤكّد أنّ الزواج خيار وليس واجباً، وهو مرتاح في حياته عموماً، ولا يتوق إلى الاستقرار مطلقاً، بل يحبّ حرّيته ولا يتقيّد بما يُمليه عليه المجتمع، فلا داعي للزواج ما لم يكن مقتنعاً ومهيّأً من مختلف النواحي.
انطون شعيا رجل في العقد الخامس من العمر. وهو لم يُقدم على خطوة الزواج لأنه لم يجد فتاة يقتنع بأنها سوف تكون شريكته في السرّاء والضرّاء. ويؤكّد أنّ العائلة الكبيرة هي ما يهمّه، وليس الزوجة والأولاد فقط، بل يحبّ العيش وسط إخوته ووالدته في جوّ من الإلفة والتفاهم، ويخشى ألاّ تستطيع فتاة غريبة التأقلم مع أسرته. من هذا المنطلق، فضّل العزوبيّة واختارها طوعاً ولم تُفرض عليه فرضاً.
شارك
الأكثر قراءة
إطلالات النجوم
فُتحة فستان ليلى علوي تثير الجدل... والفساتين...
إطلالات النجوم
مَن الأجمل في معرض "مصمّم الأحلام" من Dior:...
أخبار النجوم
يسرا توضح حقيقة خلافاتها مع حسين فهمي
أكسسوارات
تألّقي بحقيبة الملكة رانيا من Chloé... هذا سعرها
إطلالات النجوم
الـ"أوف شولدر" يغلب على فساتين نجمات الـ"غولدن...
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024