طفلي يرفض السباحة... هل هو خوف أم فوبيا الماء AquaPhobia؟
يشكّل الذهاب إلى شاطئ البحر نشاطًا صيفيًا رائعًا، بالنسبة إلى معظم الأطفال الذي ينتظرون الإجازة الصيفية بفارغ الصبر ليمضوها على الشاطئ، يقفزون في البحر، يتبارون في السباحة، ولكن في الوقت نفسه يبدي بعضهم خوفًا من الماء وكل ما يتعلق بالسباحة فيفضلون الجلوس على الشاطئ يبنون قصور الرمال.
إنهم يخافون البحر وأمواجه، وكذلك حوض السباحة رغم أن لا تيارات جارفة فيه.
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل أن الخوف من الماء له أشكال عدة. يخاف الطفل من الماء بصورة عامة، فالاستحمام بالنسبة إليه كابوس، ويلاحظ تسمّره بالقرب من حوض السباحة ولا يجرؤ على السباحة، أما على الشاطئ فيكتفي باللعب بالرمال. وإذا سئل الطفل ممَّ يخاف فيجيب من الغرق، من أسماك القرش، ومن الأعماق لأنه لا يرى ما تحتويه...
ما هي أسباب خوف الطفل من الماء؟
من المعلوم أن كل الأطفال في السنة الأولى من حياتهم يخافون من الماء، وهذا الخوف يزول أو يزيد تبعًا للطريقة التي يتبعها الأهل في تعريف الطفل إلى عنصر الماء. فالخوف قد يكون سببه حادثة ما أثرّت في الطفل سلبًا، أحيانًا يتذكرّها، وأخرى تكون موجودة في لا وعيه.
فمثلاً قد يكون رأى حادثة غرق، أو أنه في إحدى المرّات أثناء اللعب مع أترابه دفعه أحدهم إلى الماء بغتة... . وقد يكون الخوف من الماء ناتجًا من المحيط العائلي كأن ينقل أحد الوالدين شعوره بالخوف من الماء إلى الطفل. فمثلاً عندما تحذّره الأم من السباحة في المنطقة العميقة من حوض السباحة «لا تسبح في القسم العميق لأنك ستغرق»، وأحيانًا الخوف يأتي من حادثة بسيطة جدًا كأن ينزلق في حوض الحمام، او يرشه أحدهم بالماء بشكل عنيف مما جعله يشعر بالاختناق...
ويمكن حصر الأسباب التي تجعل الطفل يخاف من الماء بالآتي :
- ذكرى سيئة : قد يكون خوف الطفل سببه تجربة سيئة مع الماء من دون أن يدرك ذلك، فهو يختزنها في ذاكرته وكل مرة يكون على اتصال بالماء تعود هذه الذكرى السيئة إلى وعيه وتثير خوفه. فمثلاً قد يكون في أحد الأيام تعرّض لرشة ماء ساخن أثناء الاستحمام، أو غمر رأسه بالماء مما سبب له ألمًا قويًا في الأذن.
- تجربة سيئة في النادي الرياضي : قد يكون الخوف من الماء سببه تجربة سيئة حدثت معه أثناء التدرب على السباحة في المدرسة، فربما دفعه أحد الأطفال بقوة إلى الماء، أو ربما أُجبر على القفز في الماء، أو غمر رأسه في حوض السباحة، أو ربما كان موضوع سخرية من أحد أقرانه.
- الماء في كابوس : خلال نمو الطفل، خصوصًا بعد السنتين، يمكن أن يخاف الماء، وبالتحديد من قدرته على ابتلاعه. فهو ضحية مخيلته، ومن الصعب عليه أن يميز بين الحقيقة والخيال.
- الخوف من الماء عند أحد والديه : هناك الكثير من الراشدين يخافون الماء. لذا من الممكن وعن غير قصد أن ينتقل شعور الخوف من الوالدين إلى الطفل.
- رهاب حاد من الماء : هناك بعض الأطفال يخافون من الماء مثل الذين يخافون من الحشرات أو الزواحف التي لم يروها حتى. فهذا رهاب حقيقي، أي خوف غير منطقي، يمكن أن يكون مستقلاً عن ذكرى سيئة مع الماء.
ما هو رهاب الماء؟
رهاب الماء أحد أشكال الرهاب، فالشخص الذي يعانيه تنتابه ومضات من الكرب والقلق أو الذعر، ويصبح غير قادر على التمتع بالترفيه الذي توفره السباحة في البحر أو حمام السباحة أو نهر أو بحيرة. ولا علاقة للإرادة بهذه الحالة لأن الشخص يشعر بأنه عاجز، ولا يستطيع التخلص من خوفه وإن كانت لديه الرغبة في السباحة.
متى يمكن ملاحظة تحوّل الخوف من الماء إلى فوبيا؟
بداية يجب التمييز بين الخوف من السباحة والفوبيا. الخوف من الماء ظاهرة شائعة عند الكثيرين، فهناك واحد من كل خمسة أشخاص لا يشعر بالراحة عندما يكون في الماء ... وثمة كثيرون ممن تطور لديهم الخوف من الماء لأنه لم تُتح لهم فرصة تعلم السباحة، مما سبب لهم خوفًا من الماء تحول مع السنين إلى رهاب.
لذا فقد يكون الطفل يخاف من النزول إلى البحر لأنه لا يعرف السباحة، لذا فهو لا يخشى اللعب على الشاطئ، فيما الطفل الذي يعاني رهاب الماء يخشى الاقتراب من الشاطئ وتظهر عليه أعراض الأرق، وآلام في المعدة أو التقيؤ قبل يوم من الذهاب إلى الشاطئ.
إذا لاحظت الأم أن هذه الأعراض تظهر على ابنها في كل مرة يقرران فيها الذهاب إلى الشاطئ فهذا مؤشر لأنه يعاني رهاب الماء AquaPhobia ، عندها من الأفضل استشارة اختصاصي في الفوبيا لأنه سيعرف الأسباب الكامنة وراء معاناته.
هل يمكن الأطفال المصابين برهاب الماء تعلّم السباحة؟
نعم شرط أن يكون هناك تعاون بين الاختصاصي النفسي والمدرّب، وأن يكون الطفل موافقًا على تعلّم السباحة. وفي المقابل، على مدرب السباحة أن يكون قادرًا على إدارة التمارين بشكل مرن يعزّز ثقة الطفل الخائف بنفسه وبالماء بشكل سلس ... وأن يكون هادئ الطباع ويُشعر الأطفال الذين يتدربون بروعة السباحة وأهميتها.
كيف يمكن مدرّب السباحة مساعدة الأطفال الذين يخافون؟
دور مدرب السباحة هو تعزيز الثقة بينه وبين الأهل من جهة، وبينه وبين الطفل من جهة ثانية . لذا فقبل الشروع في التمارين، يمكن المدرب أن يسأل تلامذته من كانت لديه تجربة سابقة في السباحة، ومن خلال هذه المناقشة مع الصغار سوف يعرف من يخاف من الماء ومن لا يخاف. وكذلك يمكنه ملاحظة ادعاء بعض الأطفال المرض، أو أن الطفل نسي مستلزمات السباحة مثل نظارات السباحة أو المنشفة أو حتى ملابس السباحة، في كل مرة يأتي للتدريب، فهذا مؤشر للخوف من الماء.
فإذا تبين أن الأهل هم أسباب الخوف من الماء، أي مثلاً عندما يبالغون في ملاحظاتهم حول ضرورة الانتباه من الغرق، وعدم القفز في الماء، فهم وعن غير قصد يعززون لدى الطفل الخوف من الماء، رغم أنهم يرسلونه إلى نادٍ لتعلم السباحة.
لهذا فدور مدرب السباحة هو التحدث إلى الأهل وطمأنتهم، فضلاً أن عليه ألا يسمح للأهل بحضور التمارين، خصوصًا إذا كانوا ممن يخافون من الماء، لأنهم سوف يتدخلون بشكل عفوي، مما يثير الخوف عند ابنهم، خصوصًا عندما يأمر المدرب التلامذة بالقفز في الماء.
ماذا على الوالدين القيام به لكي يبدّدوا خوف ابنهم أو ابنتهم من البحر؟
بداية عليهما ألا يعقّدا المشكلة، فبعض الأهل وعن غير قصد يهزأون من خوف طفلهم، خصوصًا إذا كان في سن ما فوق السابعة، ظنًا منهم أنهم يساعدونه في تخطي المشكلة فيما يزيدونها تعقيدًا .
المطلوب من الأهل الصبر واللطف، فالطفل ليس جبانًا، بل على الوالدين التفكير في اللحظات التي يظهر فيها خوفه، مما يسمح لهما بتفهم أسباب هذا التصرف، واتباع سلوك إيجابي لمساعدته في التخلص من خوفه.
فمن الطبيعي أن يتردد الطفل في الاقتراب من الماء إذا لم يكن يعرف السباحة، بينما غيره من الأطفال يجيدونها. لذا على الأهل ترك ابنهم ومراقبة الأطفال الآخرين من دون إلزامه بتقليدهم ودفعه إلى الماء مما يزيد خوفه، فمن المهم جدًا ألا يرغم الأهل طفلهم على السباحة في الماء، بل عليهم أن يتركوه يلعب على الشاطئ، ويبني قصرًا من الرمل ويضحك عندما تأتي موجة صغيرة وتهدمه، ورويدًا رويدًا سوف يألف البحر ويشعر بفضول تجاهه ويبدأ بتبليل قدميه في مياهه... ومن ثم تتعزز لديه الجرأة على السباحة فيه.
هناك بعض الأطفال يخافون السباحة في البحر ويفضلون حوض السباحة . لماذا؟
ربما هذا الطفل شاهد فيلمًا يروي قصة قرش قتل سبّاحًا، وبالتالي قد يتأثر الطفل، ويتكوّن لديه خوف من البحر لما يحضنه من أسماء مخيفة. وفي بعض الأحيان يخشى الطفل البحر لأنه كبير وأمواجه هدّارة، فينتابه شعور بعدم الأمان وأن البحر سوف يبتعله . لذا فإنه في الغالب يفضل حوض السباحة، لأن مساحته محدودة، فضلاً عن أنه لا يحتوي أسماكًا مخيفة كالقرش.
وهذه نصائح إلى الأهل لتخفيف مشاعر الخوف من الماء عند الطفل :
- لا تذكّروا طفلكم بأنه في حوض السباحة، بل دعوه ينسجم مع هذا النشاط ولا تحاولوا إضافة نشاط آخر. فمثلاً إذا كان يقفز في حوض السباحة، لا تطلبوا منه أن يلعب بمزلاقة الماء.
- تجنبوا النصائح السلبية: «لا تخف من الحوض»، «لا تركض»، «لا تقفز»...
- اتركوه يلعب بالقرب من الحوض إذا لم يكن يرغب في السباحة فور وصوله إلى المسبح.
- لا تحوّلوا اللعب إلى تمارين إذا نزل طفلكم إلى حوض السباحة أو البحر.
- لا تبالغوا في حمايته، فمن غير المجدي حضنه بشكل قوي عند النزول إلى الماء، بل دعوه يتدبر أمره وحده وبحسب إيقاعه.
- لا تنتقدوا سلوكه في الماء كأن تقولوا له مثلاً: «أصبحت في سن يجب أن تكون قد عرفت أصول السباحة»، فلكل طفل إيقاعه، والتخلص من خوفه يحتاج إلى وقت.
- لا تثيروه بالقوة. فمثلاً عندما ينزل إلى الماء، لا تحاولوا غسل رأسه بالقوة أو رشه بالماء. فهو سيقوم بذلك من تلقاء نفسه عندما يشعر بأنه مستعد لهذا النوع من الحركات في الماء.
- ساعدوه إذا ابتلع القليل من الماء، ولكن لا تعلّقوا كثيرًا على ذلك وتجعلوا الأمر يبدو وكأنه كارثة حلّت بالطفل، بل اطلبوا منه أن ينتبه للأمر بهدوء.
- لا تجبروه على النزول إلى الحوض واللعب مع الأطفال الآخرين الذين لا يفهمون خوفه وقد يهزأون منه.
- ابتعدوا عنه خلال دروس السباحة.
- شجعوا تقدّمه وشاركوه سعادته.
نصائح والد ساعد ابنه على التخلص من الخوف من البحر والسباحة فيه:
- حوض سباحة شبه خالٍ: أي لا وجود لكثير من الأطفال الذين يتمرنون، مما يجعل الطفل يشعر بالنقص والخجل من عدم استطاعته السباحة مثلهم.
- إشعار ابني بالطمأنينة: وذلك من خلال التأكيد له أن لدينا الوقت الكافي وأنه هو من يتحكم في الوقت، فإذا أراد فترة راحة أو الرجوع إلى المنزل فله ما يريد. في البداية كان متشبثًا بي وينتابه التوتر الشديد، ولكن مع الحماسة الكبيرة لوجوده في الماء وشعور بالأمان اكتفى بأن يكون بالقرب مني. وكان من الواضح بالنسبة إليه أنني أقف معه وأنا مرتاح وأتحرك وإياه في الماء، وعندما لاحظت أنه كسر حاجز الخوف، قمت ببعض المنعطفات المائية لأشعره بروعة الطفو على الماء.
- بعض أكسسوارت الترفيه الخاصة بالبحر: مثل المسدس المائي، أو دولاب الماء...
- القفز معًا في الماء: وذلك بشبك أيدينا والقفز بوضعية الوقوف في القسم غير العميق من حوض السباحة، وبعد قفزات عدة سألته ما إذا كان مستعدًا للقفز وحده أثناء وجودي في الماء... ففعل بكل جرأة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024