نساء السلك العسكري في لبنان: اندفاع لخدمة الوطن
بدأ الحضور النسائي يتسلل إلى السلك العسكري في لبنان شيئاً فشيئاً ويغير نظرة المجتمع الى المرأة. البداية كانت في الجيش، ثم الأمن العام وبعده قوى الأمن الداخلي. ففي السبعينيات، حققت حوالى 80 فتاة إنجازاً في الأمن العام، والتحقت بعدها بسنوات دفعة اخرى من السيدات بقوى الامن الداخلي حتى بلغ العدد الاجمالي 1015، أي ما نسبته 3,6 بالمئة في قوى الأمن الداخلي، فيما بلغ عدد الإناث في الأمن العام 217 فتاة، أي ما نسبته 4,7 في المئة من العدد الاجمالي... لكن لماذا تختار المرأة السلك العسكري؟ وما هي أبرز مهماتها فيه؟ وكيف توفق بين حياتها العسكرية والعائلية؟
«لها» التقت الرائد ديالا المهتار، والملازم أول ألسي الحاج في مديرية قوى الامن الداخلي، والرائد المتقاعد زينات حليق من مديرية الأمن العام، وتحدثت معهن عن تجاربهن العسكرية.
الرائد ديالا المهتار: من أوائل النساء في قوى الأمن
تفيد الرائد ديالا المهتار رئيسة فرع الدراسات في شعبة المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي بأن الشعور بالفخر والاندفاع في خدمة الوطن قد دفعها للانخراط في السلك العسكري، وهي من أوائل السيدات اللواتي دخلن إلى مديرية قوى الأمن الداخلي. وعن كيفية دخولها هذا السلك تقول: «في العام 2000 تم الاعلان عن دورة تطوع لحمَلة الاختصاص بدون تحديد جنس المطلوبين للخدمة، ولم تُكتب عبارة «للذكور فقط» كالعادة، وهذا ما دفعني للمشاركة، ومن حسن حظي أنني اجتزت وزميلة لي فقط كل المراحل بنجاح، من الاختبار النفسي إلى الصحي والرياضة واللياقة البدنية... ولما وصلنا إلى الاختبار الخطي وحققنا نتائج لافتة وتبوأنا المراكز الأولى في دورتنا، اتخذ مجلس القيادة قراراً بتعييننا، وكنا الفتاتين الأوليين اللتين تدخلان قوى الأمن الداخلي».
دخول سيدتين إلى قوى الأمن في تلك الفترة أحدث ضجة إعلامية كبيرة، إذ تم الاحتفاء بنا ونُشر الخبر في مختلف الوسائل، وكانت أبرز العناوين التي تم تداولها «المرأة للمرة الأولى في قوى الأمن». تقول المهتار: «كنت فرحةً بهذا الإنجاز وبهذه التجربة الجميلة. ورغم ذلك، لم تكن مهمتي عادية، فدخول سيدة إلى مؤسسة عسكرية خالية من الإناث، والتعاطي مع شبان غير معتادين على العمل مع نساء، لم يكن بالأمر السهل، خصوصاً أن الحياة العسكرية تختلف عن الحياة المدنية من حيث النظام والالتزام والثواب والعقاب... حتى التدريبات التي خضعت لها للمرة الأولى تأقلمت معها رغم قساوتها».
وترى المهتار أن الحياة العسكرية والتدريبات التي تخضع لها الفتاة خلال الدورة تساهم في صقل شخصيتها وتعلمها الجرأة والجدية والحزم، وتؤهلها لتصبح ذات شخصية قوية وصاحبة قرار، خصوصاً إذا كانت برتبة ضابط. وتفيد بأنها وزميلتها قد خضعتا لكل التدريبات العسكرية التي خضع لها الشبان في الدورة، من دراسة مواد علمية وقانونية ورماية وتنشئة... وأن الصعوبات موجودة في كل الأعمال والمراكز، ولكن ما من شيء مستحيل أمام إرادة الانسان وطموحه، وتوضح: «يمكننا الوصول الى كل شيء في الحياة من خلال الارادة القوية، وعلينا ألا نستصعب الأمور فنراها تعجيزية. ونحن السيدات مؤهلات للقيام بكل المهمات، جسدياً وعقلياً، ويمكننا تخطي كل الصعوبات مهما كانت قاسية، ولذلك تدربنا كالشبان وأثبتنا قدرتنا ووجودنا، وما زلنا نحقق النجاح تلو الآخر حتى اليوم».
قدرة على اتخاذ القرارات المصيرية
بعد مضي 16 عاماً في الخدمة، ترى المهتار أن العمل العسكري بالنسبة الى السيدة تفوق إيجابياته سلبياته، إذ إنها اكتسبت خلال هذه السنوات خبرة طويلة أفادتها في حياتها العسكرية وانعكست بالتالي على حياتها المدنية، فباتت جريئة وقادرة على اتخاذ القرارات المصيرية وتدرك كيف تنظم حياتها العائلية من خلال توزيع الأدوار ومتابعة كل الأمور بدقة. لا تطبق المهتار النظام العسكري في منزلها، ولكن تستفيد منه في تنظيم حياتها، كما تنقل إيجابيات حياتها العائلية والمدنية الى وظيفتها العسكرية، مؤكدةً أن المرأة بطبيعتها تُحسن التعاطي مع الأمور.
أما بالنسبة الى السلبيات فتقول: «الحياة العسكرية تأخذ المرأة من حياتها العائلية بسبب كثرة الالتزامات الوظيفية التي تتطلب وجودها في الخدمة خارج دوام العمل الرسمي، مما يضطرها الى الغياب عن أولادها وعائلتها لفترات طويلة، وخصوصاً في حالات الطوارئ، وهذا يشعرني بالإرباك أحياناً وأتأثر لبعدي عن العائلة وعدم تمكني من متابعة شؤونها مباشرة. في العادة، يعيش الانسان في تحدٍ دائم مع نفسه لكي يحقق نجاحه، وأنا أخوض هذا التحدي لأثبت نفسي وأكون ناجحة في وظيفتي ومع عائلتي. لا صعوبات عندي، ولا شيء يحد من طموحي وإرادتي، ولكن مما لا شك فيه أن ذلك يأتي على حساب راحتي الشخصية».
الأولاد فخورون بأمهم
تؤكد المهتار انها سعيدة اليوم بالمراحل التي اجتازتها والمكانة التي وصلت اليها، وهذا ينعكس على حياتها الاجتماعية والعائلية، فأولادها فخورون بها لكونها رائداً، وغيابها عن المنزل يقوّي شخصيتهم ويعزز استقلالهم، ويعود الفضل في ذلك الى مجهودها المضاعف الذي تبذله، والى زوجها المقدم في الجيش نضال ضو الذي يدعمها كثيراً ويقف إلى جانبها من خلال تعاونه معها وتفهمه لطبيعة عملها، خصوصاً عندما يكون لديها مهمات صعبة، إذ يهتم بالأسرة والبيت أثناء غيابها، ولو لم يكن كذلك لكانت واجهت صعوبات جمّة. أما بالنسبة الى مكانتها وحضورها في العمل والمجتمع، وفيما إذا كان يهابها البعض، فتوضح: «يجب ألا نبث الخوف في نفوس الآخرين، بل علينا أن نُحسن التعاطي معهم، وعلى الجندي أن يدرك متى عليه أن يكون قوياً وحازماً، أو ليناً ومتعاوناً، وأنا أشبّه حياتنا العسكرية بالحياة المنزلية، فهي أسرتنا الكبيرة، ومنزلنا أسرتنا الصغيرة، والأسلوب الذي نتعامل من خلاله مع أولادنا لكي ننظم أمورهم، هو نفسه الذي نتبعه في التعاطي مع من حولنا في السلك العسكري، وهو يقوم على مبدأ الاحترام بعيداً من الخوف لنكسب ثقتهم ويكونوا قادرين على العطاء والتضحية في سبيل الصالح العام». وتضيف: «لا شك في أن لحضور المرأة- الجندية في مكان عام وقعه الخاص، وهذا يختلف باختلاف شخصية كل فرد وكيفية تعاطيه مع الناس. بالنسبة إليّ، أرى أن الانسان لا يمكنه الخروج من حياته الاجتماعية، أو الانسحاب منها لأنه ضابط، بل على العكس عليه التواصل مع الآخرين وكسب ثقتهم لأنه يوماً ما سيتقاعد ويعود فرداً في مجتمعه».
ترى المهتار أن العمل العسكري لا ينتقص من أنوثة المرأة، بل على العكس يزيدها هيبة ووقاراً ويعزز شخصيتها وحضورها. وكامرأة في السلك العسكري، تطمح المهتار للوصول إلى أعلى المراتب، وترى أن الإناث نجحن وأثبتن وجودهن في هذا المجال، مما شجع القائمين على المؤسسة العسكرية على طلب المزيد من الإناث للانخراط في هذا السلك. وتختتم المهتار حديثها مؤكدةً: «لا حدود لطموحي، ولا شيء يصعب على الانسان، خصوصاً إذا كان قوي الإرادة ويطمح الى تحقيق هدف واضح في حياته. وأشجع جميع الفتيات الراغبات في الانخراط بالسلك العسكري على الإقدام على هذه الخطوة، لأن هذه المهنة تقوّي عزيمة المرأة وتدعم شخصيتها... وقد أثبتت المرأة جدارتها في كل القطاعات».
الملازم أول ألسي الحاج: شجعتني تجارب الأُخريات
اختارت الملازم أول ألسي الحاج السلك العسكري بعدما وجدت فيه خدمة مباشرة للوطن. وقد شجعها على خوض هذه التجربة، إناث سبقنها في الانتساب الى مديرية قوى الامن الداخلي ونجحن في مجالهن، تقول الحاج: «تجربة فتيات أخريات شجعتني وشكلت لدي تحدياً للانخراط في السلك العسكري، فتقدمت عام 2012 إلى دورة ضباط اختصاص واجتزت كل المراحل بنجاح». وترى الحاج أن لكل مهنة صعوباتها، عسكرية كانت أو مدنية، وصعوبات السلك العسكري تختلف في طبيعتها من ناحية التدريبات الجسدية والنظم القانونية. وبالنسبة الى التدريب الجسدي فهو سهل، وكل إنسان يتمتع بصحة جيدة مؤهل للقيام به، خصوصاً إذا كان يمارس الرياضة سابقاً. شخصياً، لم أواجه أي صعوبات تذكر، وكنا نتمرن معاً، إناثاً ورجالاً، من دون أن نشعر بالفارق بيننا. حتى في الرماية، ثمة نساء حققن أهدافاً جيدة وتفوقن أحياناً على الشبان».
وعن عملها بعد خضوعها للدورة التدريبية ومدى تأقلمها مع طبيعة المهمات الموكلة إليها، تقول ألسي: «كان علي كامرأة التأقلم مع طبيعة العمل وأجوائه، وكان على الذكور تقبّل فكرة وجودي بينهم لأنهم غير معتادين على رؤية امرأة في موقع قيادي. واجهت بعض الصعوبات في البداية، ولكنها لم تصل إلى حد الصدام، وهذا أمر طبيعي، لأن بعض الشبان لم يكونوا معتادين يومها على تلقي الأوامر من سيدة». وترى الحاج أن أسلوب التعاطي مع الآخرين يخفف من حدّة الموقف، إذ لم تكن تتعامل مع أحد بتسلط وكأنها تدير جبهة حرب، وتضيف: «نحن نقوم بعمل إداري، وقد نضطر في بعض الأحيان للخروج في مهمات حفظ أمن، وهذا يجعلنا حازمين في تحركاتنا وتعاطينا مع العناصر، ففي النهاية لا بد من وجود فاصل ما بين الرئيس والمرؤوس، ولكن ليس إلى درجة التسلط. كما أن لكل وظيفة رتبة، وعندما يلتزم الشخص حدوده في العمل، لا يتم النظر إلى جنسه ذكراً كان أم انثى، وأنا أنظر الى نفسي كضابط فقط، وأتصرف وفق قناعاتي الشخصية وليس بحسب جنسي».
سلبيات وإيجابيات
أما بالنسبة الى طبيعة عملها، وما إذا كانت قد تعرضت لبعض المشاكل أو قامت بعمليات اقتحام ومواجهة مع مطلوبين أو خارجين عن القانون فتقول: «لقد تدربنا على كل شيء، ولكننا لم نكن جاهزين لتنفيذ الاقتحامات أو غيرها من المواجهات، لأننا في الأساس ضباط اختصاص، وأنا أعمل حالياً في اختصاصي وهو المعلوماتية». أما عن نظرة المجتمع إلى المرأة- الجندية، وما إذا كان أفراده يخافون منها فتوضح: «أنا ملازم اول، ولا أخوّف أحداً، ولكن للرتبة والزي العسكري هيبتهما في المجتمع، إذ نُقابل بحفاوة ووقار واضحين، وينظر الآخرون بفخر الينا».
وعن سلبيات عمل المرأة في السلك العسكري وإيجابياته، تقول ألسي: «إيجابيات هذه المهنة بالنسبة الى المرأة أكثر من سلبياتها، فهي تمدّها بالخبرة والقوة وتضعها في مكانة مرموقة وتجعل نظرة المجتمع اليها مختلفة... حتى عائلتي وأولادي يفرحون بي عندما يرونني في الزي العسكري ويفخرون بأن والدتهم ضابط. أما بالنسبة الى السلبيات فلا أجدها سلبيات بقدر ما هي صعوبات سبق أن ذكرت بعضها، كالتدريبات، والظروف العائلية إذ نضطر أحياناً للتغيب عن البيت بسبب المهمات الملقاة على عاتقنا، وهذا أمر قد يحدث مع اي أمرأة تعمل في مهنة تحتاج الى السفر أو العمل بدوام طويل. لا أنكر أنني أشعر ببعض التقصير نحو الأولاد بسبب غيابي عنهم، ولكن أحاول تعويضهم هذا النقص بالاهتمام بهم في أوقات أخرى».
وبالسؤال عن النظام الذي تفرضه في منزلها، وما إذا كان عسكرياً أيضاً، تجيب الحاج: «للمرأة نظامها الخاص بعيداً من البدلة العسكرية، ولكن هذه البدلة تكرس هذا النظام بما يعود بالنفع على العائلة. بالنسبة إليّ، في البيت أنا أم، وفي العمل ضابط، وثمة فاصل واضح بينهما». أما بالنسبة الى أسلوب الحياة الشخصية، وما اذا كانت الوظيفة تقيّدها أو تحد من حريتها فتؤكد الحاج: «الحياة العسكرية والرتبة تقيّدان المرأة قليلاً ولكن لما فيه خيرها، فأنا كامرأة في السلك العسكري، التزم اللّباس المحتشم وأحافظ كثيراً على صورتي احتراماً للمنصب الذي أشغله».
ولا ترى الحاج أن الوظيفة تقيدها أو تؤثر في حياتها العائلية، فهي دخلت إلى السلك العسكري بتشجيع من زوجها ووالدها، والجميع في العائلة فخورون بها ويحاولون دعمها والوقوف إلى جانبها، وخصوصاً زوجها الذي يساعدها في تربية الاولاد ورعايتهم. وفي الحالات الاستثنائية، تهتم عائلتها بأولادها حين غيابها عن المنزل.
وفي ختام حديثها، تنصح الحاج كل فتاة تطمح الى العمل في السلك العسكري بخوض هذه التجربة، بعيداً عن عقد المقارنة بينها وبين الرجل، أو أي امرأة أخرى، فالإنسان الطموح لا بد له من ان يسعى الى تحقيق أهدافه مهما واجه من صعوبات.
الرائد زينات حليق: من الجامعة إلى الأمن العام
الرائد المتقاعد في الأمن العام زينات حليق هي من أوائل المفتشات اللواتي دخلن الأمن العام عام 1974، وهي متقاعدة منذ فترة لأن العسكري يتقاعد باكراً ويكون تقاعده وفق سنوات الخدمة وليس بحسب سنه. وعن تجربتها هذه وكيفية دخولها السلك العسكري، تقول حليق: «لم أختر هذه المهنة ولم تكن تخطر في بالي، بحيث لم يكن هناك سيدات في السلك العسكري باستثناء عدد قليل جداً من المفوضات. كنت في سنتي الجامعية الأولى يوم تم الاعلان عن طلب مفتشات في الأمن العام، وشجعني والدي رحمه الله على التقدم الى هذه المهنة، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها طلب مفتشات إناث في لبنان وحتى في الوطن العربي ككل، فتقدمت وخضعت لاختبار القبول ونجحت وتلقيت التدريب العسكري، وتخرجت برتبة مفتش ثانٍ. يومها، احتفل بنا الاعلام كثيراً، ولاقت هذه الخطوة صدى كبيراً في البلد. كانت طبيعة عملي في الامن العام إدارية، وخدمت في مراكز حدودية وإقليمية عدة، كما عملت في مكاتب خاصة بالامن العام. في بعض الحالات، كانت علاقاتنا مباشرة مع الناس، وفي حالات أخرى كنا نقوم بدراسة الملفات ونتابع الأمور الادارية، كما خدمت في المطار في قسم الجوازات وغيرها من النقاط الخاصة بالأمن العام. ومع السنين تم ترقيتي بعدما غيرت اختصاصي وحصلت على ماجستير في الحقوق وتقاعدت برتبة رائد».
وترى حليق ان العمل في السلك العسكري كان بالنسبة اليها تجربة جديدة وجميلة، خصوصاً ان الجميع من مدنيين وعسكريين وإعلاميين كانوا مهتمين بهن كإناث يدخلن السلك العسكري للمرة الأولى، وتقول: «في البداية، سبقتنا ست مفوضات اناث من حمَلة الاجازات، وبدورهن أشرفن في ما بعد على تدريبنا، واهتممن كثيراً بتأهيلنا، سواء من الناحية التعليمية في ما يتعلق بالقوانين والأنظمة، أو من ناحية التدريبات العسكرية، أو علاقاتنا العامة وكيفية تقديم انفسنا الى المجتمع بأفضل صورة».
لقد خضعت المفتشات في السبعينات لتدريبات عسكرية مكثفة، وتم تدريبهن، وفق حليق، على الرماية والنظام المرصوص والرياضة، وكان برنامجهن خاصاً بهن كمفتشات إناث بشكل منفرد. لم تكن التدريبات قاسية بما لا يحتمل، ولم تكن في المقابل سهلة، وعن ذلك تقول حليق: «حياة الجندية لا بد من أن تكون جدية وقاسية وملؤها الالتزام. لا اعني القسوة بمعنى القسوة الشديدة، ولكن من لم تعتد على هذا النوع من التدريب قد لا تتحمله... فهذا يتعلق بشخصية كل فتاة ومدى تقييمها للأمور» .
تشير حليق الى ان لبنان كان في أوجّ مجده في فترة السبعينيات، وبما لا يمكن فصله عن العالم المتقدم، ولكن الحرب غيّرت كل شيء وأثرت بالتالي في أداء السيدات- الجنديات وحضورهن في المجتمع، وباتت حياتهن أصعب مع انتشار الميليشيات وأعمال القصف والدمار... ورغم ذلك، استطعن إثبات وجودهن ونجحن على كل المستويات، لأنهن كن تابعات لمؤسسة عسكرية تسهر على تقدمهن وتطورهن رغم كل الصعوبات.
الحياة العسكرية والحياة العائلية
وعن تمكنها من التوفيق بين مهنتها ومتطلبات عائلتها رغم الظروف الصعبة التي مرت بها، تؤكد حليق: «قبل الزواج تكون الحياة العسكرية التزاماً، يشعر معها الجندي بأن لمهنته الأولوية في حياته، والشعور نفسه يخالج أي جندية عازبة، ولكن بعد الزواج يحتدم التنافس بين المهمتين بحيث يصبح عملها وعلمها شيئاً خاصاً، والاهتمام ببيتها وعائلتها واجباً عليها، فتدخل في صراع ما بين تقيّدها بعملها، والقيام بواجبات عائلتها التي تستقطع الكثير من وقتها، وهنا يكمن التحدي، إذ يصبح على المرأة المفاضلة ما بين الحياة العسكرية والحياة العائلية، فتحاول الفصل بين الواجبين بذكائها وقدرتها على التنسيق بينهما... ومع الوقت تتأقلم وتنجح في مسعاها».
وتلفت حليق الى أن إيجابيات المهنة العسكرية تنعكس على العائلة بشكل عام، وعلى الاولاد بشكل خاص فيصبحون فخورين بوالدتهم، ويزدادون فخراً عندما يكون والدهم أيضاً ضابطاً، فأنا تزوجت من المقدم وهّاب حيدر، وتعاونّا في تربية أولادنا على القيم والنظام والتحلّي بالاخلاق واحترام الآخرين، وحاولنا قدر المستطاع إبعادهم عن الغرور والاستغلال لكوننا عسكريين، وقد نجحنا بالفعل في ذلك.
وبالسؤال عن رأيها بسنيّ الخدمة في السلك العسكري وتقييمها لها، تجيب حليق: «خدمت في السلك العسكري ما يقارب الـ25 سنة، بحلوها ومرّها، سواء على الصعيد الامني او الاقتصادي أو الاجتماعي، ولكنها في المجمل كانت أياماً جميلة استفدت منها كثيراً، من حيث اكتساب الخبرة وقوة الشخصية وتنظيم الأمور وحياة الانضباط والتعاطي مع الناس والموظفين والرؤساء»... وعن مدى قدرتها على تحقيق حلمها في هذه المهنة، تقول: «لا أحلام في الحياة العسكرية، بل واقع وعمل، وقد أنجزت مهمتي وأنا مرتاحة الضمير، فالخدمة العسكرية رسالة، وقد أديت رسالتي بكل صدق وأمانة. بعد تقاعدي، شعرت بفراغ كبير وبأنني بعيدة عن العالم الذي كان جزءاً من حياتي. لقد عدت إلى حياتي المدنية، وأحاول التفرغ لعائلتي وتعويضها عن تقصيري نحوها خلال وجودي في المهنة».
تنصح حليق السيدات اللواتي تساعدهن شخصياتهن بأن ينتسبن الى المؤسسة العسكرية، لما تتطلبه من الجدية والالتزام والنزاهة والضمير الحر، وتؤكد لهن أن العمل في السلك العسكري رسالة هدفها خدمة الوطن والمواطن، ولا يقتصر على البدلة والمظهر.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024