تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

نساء الجيش المغربي... مسيرة تاريخية رائدة وتقدم مستمر

بوّأ التصنيف الأخير لموقع «غلوبال فاير باور» المتخصص في الإحصائيات العسكرية على مستوى العالم، الجيش المغربي المركز الخامس أفريقياً و الـ39 عالمياً في قائمة أقوى الجيوش العالمية والأفريقية. وتعمل النساء في مجالات مختلفة تتعلق بالجيش، خصوصاً الصحة والأعمال الاجتماعية، من دون إرسالهن إلى الحدود. وكانت المدرسة البحرية قد فتحت منذ سنتين، باب الترشيح في وجه العنصر النسائي بعدما كان حكراً على الطلبة فقط،  حيث أصبح في إمكان الطالبات، دخول  المدرسة المذكورة للتدريب كضابطات في سلاح البحرية الملكية في سابقة هي الأولى من نوعها.

المرأة المغربية في السلك العسكري منذ ستينيات القرن الماضي

ظلت صورة أفراد القوات المسلحة الملكية، وهم يشاركون في الاستعراض العسكري في 14 تموز/ يوليو 1999 في جادة الإيليزيه في باريس، حيث كان على رأس الكتيبة المغربية امرأة (الطبيبة - القبطان ليلى سفيندلة)، راسخة في الذاكرة، وأعطت الدليل على أن الجيش المغربي أقدم على خطوة مميزة وشرّع أبوابه أمام الكفاءات النسائية.

ففي عام 1963، سجلت المرأة أول خرق للأعراف وانخرطت في صفوف الجيش المغربي، الأمر الذي كان مقتصراً على الرجال، بحيث بدأت المرأة، منذ ذلك التاريخ، تلتحق بسلك الجندية، إما كطبيبة أو ممرضة أو مساعدة اجتماعية أو إدارية أو تقنية في القوات الجوية أو في الاتصال اللاسلكي.

وسرعان ما أعطى تعيين الراحل الملك الحسن الثاني الأميرة للامريم، رئيسةً للمصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، زخماً جديداً لدور المرأة في هذه القوات، حيث أصبحت تتدرج في رتب عسكرية عليا مكنتها من رتبة مايجور كولونيل.

هكذا، تلاشت الصورة المعتادة للعسكري باعتباره ذلك المحارب المدجج بالسلاح، وظهرت مكانها صورة جنود من الرجال والنساء وهم في خدمة الأمّة، ليس فقط من خلال حمل السلاح ولكن أيضاً من خلال مهمات عدة يمكن أن يقوم بها الرجال كما النساء، ذلك أن التحكم في التكنولوجيا فرض نفسه ضرورةً ملحّة داخل الجيش، لا يقلّ أهميّة عن القوة الجسمانية، مما فتح آفاقاً واعدة أمام الجنس الذي يوصف بأنه جنس «ضعيف» أو «لطيف».

والواقع وفق المهتمّين، أنّ التحاق العنصر النسوي بصفوف القوات المسلحة الملكية، التي احتفل المواطنون هذه السنة  بالذكرى الـ 60 لتأسيسها، يعتبر، من جهة، ثمرة عمل دؤوب ومتواصل لملكية عصرية جعلت وضعية المرأة في صلب انشغالاتها، ومن جهة أخرى، نتيجة الأخذ في الاعتبار التطور الذي عرفه المجتمع والاعتراف بالدور المهم الذي باتت تضطلع به المرأة في هذا المجتمع، لا سيما أنها اقتحمت مجالات وميادين كانت، إلى الأمس القريب، مقتصرة مهنياً بل عرفياً على الرجال.

كذلك استطاعت المرأة أن تثبت ذاتها وتقدّم قيمة مضافة داخل القوات المسلحة الملكية، فضلاً عن أن مشاركتها النشيطة والفعالة في العمليات الخارجية الدولية، وخاصة منها العمليات الإنسانية، ما فتئت تزداد يوماً بعد يوم.

غير أن كون المرأة المغربية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجيش المغربي لم يُنسها دورها كزوجة وربّة بيت، وهما مسؤوليتان وجوديتان، فأثبتت وجودها بجدارة جندية الأسرة كما في الجيش.

لذا، فإن فتح أبواب الجندية أمام المرأة يعتبر أمراً منطقياً، لا سيما أنها لطالما شاركت الرجل، على الدوام، في مختلف المعارك العسكرية والمجتمعية في بناء تاريخ المغرب.

 

آفاق واسعة

وإذا كانت مساهمة المرأة في الجيش تبقى محصورة في المهمات التنفيذية، باستثناء المصالح المتخصصة حيث تعتبر مساهمة المرأة مهمة، مثل عملها في المصالح الطبية أو الاجتماعية، حيث احتلت أعلى المراتب، فإن التغييرات التي طرأت على القوات المسلحة الملكية، المنفتحة أكثر فأكثر على الخارج، والتي تتيح آفاقاً واسعة للنساء الراغبات في ولوج عالم غالبيته من الرجال، تقدم لهن فرصة لإثبات الذات ولعب دور مميز في مختلف المصالح التابعة للقوات المسلحة الملكية.

وقد صارت نساء القوات المسلحة الملكية المغربية، رسمياً، على أجندة التحالف والشراكة والتعاون العسكري، مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ لم تكتف «ديبورا لي جيمس»، الكاتبة العامة لسلاح الجو الأميركي، في زيارتها الأخيرة إلى المغرب، بلقاء قادة الجيش لتداول الوضع في اليمن والعراق وليبيا، بل طلبت أيضاً، اللقاء بعدد من النساء القياديات في القوات المسلحة الملكية.

وأكدت الوزيرة في سلاح الجو الأميركي، الذي ينفّذ غارات على مواقع لداعش منذ نهاية 2014، في تصريحات عقب زيارتها إلى المغرب، أنها جاءت من أجل «لقاء النساء العاملات في الجيش المغربي».

وإذ لم تكشف المسؤولة العسكرية الأميركية المزيد من التفاصيل عن موضوع لقائها بنساء الجيش المغربي، أسهبت في الحديث عن تجربتها كامرأة اخترقت مجالاً احتكره الرجال لعقود، فأكدت أنها على مدى 30 سنة من خدمتها في  الميدان العسكري، رصدت «تغيراً تدريجياً في النظرة الى النساء»، كما تبين لها أن «في إمكان المرأة أن تقوم بالعمل العسكري نفسه الذي يقوم به الرجل».

تعزيز دور المرأة في الجيش

وفي ضوء ندرة التصريحات الرسمية، يبدو أن التعاون بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية، على الصعيد العسكري والتدريبات، سيشمل، في الفترة المقبلة،  الجهود المشتركة لتعزيز دور المرأة العاملة في الجيش المغربي، بإنشاء مركز تكوين أطر المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية ــ إناث في مدينة تمارة.

وأُحدث المركز، وفق بيان صحافي للناطق الرسمي باسم الحكومة، أخيراً، بناءً على مرسوم صادق عليه المجلس الحكومي، وجاء من أجل إرساء أسس قانونية وتنظيمية لمركز التدريب للمصالح الاجتماعية كباقي مؤسسات تكوين ضباط القوات المسلحة الملكية، أحدث سلك الإجازة في العمل الاجتماعي والعسكري.

وقبل ذلك بادر برلمانيون، بدورهم، وللمرة الأولى إلى الاستفسار عن «وضعية الجنس اللطيف» في القوات المسلحة، خلال اجتماع مع الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف إدارة الدفاع الوطني، فأكد وجودهن ومشاركتهن في أداء مهمات في مختلف المجالات، والاستثناء الوحيد هو عدم إرسالهن إلى الحدود، مبشّراً بترقية امرأة في الجيش برتبة مايجور كولونيل، لتكون أول امرأة برتبة جنرال في تاريخ الجيش المغربي.

ويقدّر مجموع النساء العاملات في الجيش المغربي، وفقاً لما ذكره مسؤول إداري في الجيش لبرلمانيين في اجتماع مناقشة الميزانيات الفرعية لقانون المالية، بما يقارب ستة آلاف امرأة، أربع منهن برتبة «مايجور كولونيل»، و18 برتبة «كولونيل»، والباقيات تتوزع رتبهن بين «ضابط» و«ليوتنان كولونيل» و«كومندان»، ويعملن أساساً في المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية، مع وجود امرأة «ربان لمقاتلة حربية» في القوات الجوية، وأخرى «ربان لطائرة حمل للعتاد والفيالق».

مغربيات في جيوش أجنبية

استعان الجيش الإيطالي بالشابة أحلام بوفساس، إيطالية الجنسية، التي أبصرت النور في ليبيا منتصف الثمانينيات من القرن الماضي من أبوين مغربيين، كي تشارك برفقة زميلين لها، الأول من أصل تونسي، والثاني من أصل إريتري في عملية «شوارع آمنة» في جزيرة «لامبيدوزا» في الجنوب الإيطالي.

ويعتمد الجيش الإيطالي على أحلام بوفساس، التي وصلت جزيرة «لامبيدوزا» لتعزز جهود الشرطة الإيطالية من أجل تحقيق تواصل فاعل وفعال مع المهاجرين غير القانونيين من أصول عربية، الوافدين إلى الجزيرة عبر تونس وليبيا.

أحلام بوفساس المنتمية الى الفوج العسكري الثالث «الألبي ببينيرول» الآتي من ضاحية تورينو، واحدة من المجندين العسكريين المتحدرين من بلدان المغرب العربي وأفريقيا، الذين اختار الجيش الإيطالي أن يستفيد من قدراتهم اللغوية ومهاراتهم التواصلية من أجل تحقيق وساطة بين السلطات المحلية والوافدين من المهاجرين من أجل تشخيص حقيقي للوضع وتجاوز المعوقات وإيجاد الحلول لمشاكلهم وفك العزلة عنهم.

ناريمان راينكه الجندية الألمانية من أصل مغربي، التي تواجه النقاش الدائر في ألمانيا، والذي يربط بين اللاجئين العرب وأحداث التحرش التي وقعت في احتفالات رأس السنة الميلادية في مدينة كولونيا.

وتؤكد الرقيب أول في الجيش الألماني حالياً في كتيبة الحرب الإلكترونية في مدينة داون غربي ألمانيا، أن الأخلاق الإسلامية، والمغربية على سبيل المثال لا تسمح بما حدث في كولونيا ولا تبرره بقولها: «أتضايق عندما أسمع أن بعض المجرمين الذين كانوا في كولونيا من المغرب، ولكن ليس هناك تبرير أو تفسير مغربي أو إسلامي لذلك... الاغتصاب إجرام وحرام، محذّرة من الخلط بين قضية الجريمة واللاجئين.

اقتحام الشرطة

من جهة أخرى، كان للنساء في السنوات الأولى للمعهد الملكي للشرطة في مدينة القنيطرة، وفي إدارات الأمن المغربي، دور يقتصر على السكرتارية والتنظيف أو وظائف نسائية صرفة، بحيث كان قانون الإدارة العامة للأمن الوطني المغربي لا يسمح بانتساب المرأة الشرطية إليه، وقد طرأ على هذا القانون تعديل بسيط عام 1975، لكن دخولها إلى هذا الميدان الحساس ظل منعدماً، إذ لم يسمح للمرأة بارتداء لباس الشرطة.

وكان أكبر تعديل عرفه قانون الانتساب إلى معهد الشرطة عام 2001، إذ أصبح في إمكانهن ارتداء اللباس الخاص بالشرطة في المغرب، خلال ذلك العام دخل أول فوج إلى المعهد الملكي للشرطة، وقد فتح المعهد للمرة الأولى في وجه النساء، وكان الأمر يتعلق بعشرين متدربة. منذ ذلك التاريخ أصبح عدد النساء في كل مسالك الشرطة 1057 شرطية، ومع هذه التغيرات لجأت المرأة إلى كل الميادين، منها الشرطة والقضاء، وكان تخرج أول فوج من النساء في الشرطة في العام 2004.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079