تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

سافري وعائلتك إلى عوالم الدولتشي فيتا... روما

روما حيث الفن، وفن الحياة وجهان لمدينة واحدة يمكن أن تشكل رحلة رائعة لك ولأبنائك، سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين . فهنا تحتشد المعالم التاريخية في كل زاوية، وفي كل رواق وربما في باطن الأرض، لتبدو متحفًا يتجاور فيه فن الحياة والروائع الفنية بحرّية تاركة العنان لك ولعائلتك تتنعّمون بسحر أمجاد روما عاصمة العالم القديم من دون قيد أو شرط، فتمر أمام أنظاركم كل أنماط الفن الذي حضنته هذه المدينة، لتجدوا أنفسكم وسط مصارعة رومانية صامتة وجميلة تتنافس فيها معالم روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية مع معالم روما العصر الوسيط، وفنون روما عصر النهضة بكل أبهة، وقد تحارون من أين تبدأون، فكل الدروب تؤدي إلى روما، وما عليكم إلا أن تعيشوا معنى الدولتشي فيتا في العاصمة الإيطالية .


غالبًا تكون المتاحف ضمن برامج رحلاتنا نتعرف فيها إلى تفاصيل المدينة التي نزورها، خصوصًا في وجهيها التاريخي والفني، فنقف في خط طويل قد يجعل الأبناء يتذمّرون من طول الانتظار، وفي روما لن تتعرّضوا لهذا الموقف، فهي مدينة متحف مفتوح بكل تفاصيله ومن دون تكلفة. لذا فزيارة الكنائس بدلاً من المتاحف لرؤية الفن التشكيلي في أحجامه الحقيقية سوف تدخل أبناءك في متاهات فنون عصر النهضة بكل أهوائها وأمزجتها.
في سانتا ماريا ديل بوبولو يتعرّفون إلى رائعتين من فن كارافاجيو وأعمال الفسيفساء الحابسة للأنفاس في دقتها وحجمها. ولا تفوّتوا «مايكل أنجلو بييتا» في كنيسة القديس بطرس.

متنزّه فيلا بورغيزي
فيلا بورغيزي من المتنزّهات الرائعة في روما، وقد جاء تصميم حدائقه على النمط الإنكليزي. وهو ثالث أكبر متنزّه عام في روما تبلغ مساحته 80 هكتارًا. يحتوي على عدد من المباني والمتاحف، نسّقت الحدائق فيه لتزنر فيلا بورغيزي التي تقع عند قمة روما صممها المهندس المعماري فلامينيو بونزيو ونفّذها سكيبيون بورغس، وكان ابن أخي البابا بطرس الخامس. كان يستخدم الفيلا للاحتفالات وكمخزن لمجموعته الفنية. تم تحديث حدائق المتنزّه في أوائل القرن التاسع عشر.
توجهي وأبناءك إلى هذه المساحة الشاسعة الخضراء، حيث ينتظركم الكثير من النشاطات، فيمكن استئجار دراجة هوائية أو ركوب الدراجة التاكسي، أو استئجار قارب صغير تبحرون في إحدى بحيراته، أو ركوب قطار بيوباركو اكسبرس الذي يقلّكم إلى حديقة الحيوان التي يضمها المتنزّه. أما إذا كان أبناؤك مهتمين بالفنون، فعليكم زيارة المتاحف الموجودة في المتنزّه، وأجملها متحف فيلا بورغيزي، وغاليريا بورغيزي، وهما الأفضل في روما.

كاتدرائية القديس بطرس والفاتيكان  
أن تزوري روما، يعني أن عليك عدم تفويت زيارة الفاتيكان أصغر دولة في العالم حيث تحتشد كل روائع عصر النهضة، عندما تنافس فنانوه في إبداعاتهم بدفع من بابوات روما. إبدأوا جولتكم في القديس بطرس من طريق المصعد لتنتقلوا إلى الجزء العلوي من القبة وتتمتعوا بمشهد يحبس الأنفاس لروما الجميلة، ولتغوصوا أيضًا في عمق الكاتدرائية الضخمة وتتلمسوا عبقرية الفن. إذا كان أطفالك لا يمانعون القيام بجولة في متحف تستغرق 90 دقيقة، عليك إذًا بمتحف الفاتيكان والذهاب مباشرة إلى أجنحة رافائيل ثم كنيسة سيستين.

حافلة الهوب - أوف
رؤية المعالم السياحية الرئيسة في روما من الطبقة العلوية المكشوفة لحافلة الهوب- أوف، تجربة رائعة، خصوصًا إذا كنت وعائلتك تشعرون بالكسل، وعدم الرغبة في المشي، فالتنزّه على متن الحافلة، يدخلكم في روائع روما تجولون بينها، تتجسسون على أسرارها، التي تكشفها لكم من دون تردد، وتستمعون إلى تفاصيلها عبر السمّاعات المتوافرة في الحافلة.

ساحة نافونا
عندما يقال روما، تخطر في بالنا ساحات تتوسطها نوافير مياه تستعرض روائع تصميمها، ومقاهٍ تتحلق حولها، وحشود من الناس وأطفال يركضون خلف اليمام. ولعل ساحة نافونا من الساحات التي يسكن فيها سحر الماضي، حيث تتجاور قصور شيّدت على نمط الفن الباروكي.
تضم الساحة ثلاثة ينابيع تعكس إبداع فناني عصر النهضة، يتوسّطها نبع الأنهر للفنان بيرنين ويضم أربعة مجسّمات تمثل نهر الغانج ونهر النيل ونهر الدانوب ونهر ريو دو لا بلاتا، تعلوها مسلّة مصرية. وتعتبر نافونا نقطة تجمّع سكان روما وزائريها حيث تفوح من مقاهي الرصيف التي تتحلّق حولها رائحة القهوة الإيطالية بكل أنواعها ممتزجة بروائح البيتزا والباستا.
ويثير مشهد الرواد الذين انهمك بعضهم بارتشاف الكابوتشينو، وبعضهم الآخر بالتهام ما لذ وطاب من المطبخ الإيطالي، واكتفى آخرون بتأمل التاريخ الذي يحتضن الميدان، رغبة الجلوس في أحد المقاهي لتعيشي وعائلتك تجربة إيطالية بكل حواسكم، وتذكري أنها إجازة، ولا تتردّدي في التهام البيتزا في موطنها الأصلي.
لن تستغتربي لائحة الطعام الطويلة التي تتضمن في معظمها أطباقًا أسماؤها أليفة بالنسبة إلى من يزور روما، وبالتالي سوف تعرفين مكوّناتها من دون أن تقرئيها. فالمطاعم الإيطالية منتشرة في كل أنحاء العالم. إنها عولمة مطبخ الكرة الأرضية!

نبع تريفي              
بعد ساحة نافونا توجّهوا إلى شارع الرقم 86 حيث يقع مقهى غريكو أقدم مقاهي هذا الشارع الذي نال شهرته بسبب الممثلين مارتشيللو ماستروياني وأنيتا أكبرغ في فيلم «لا دولتشي فيتا» الذي أخرجه فيدريكو فيللليني عام 1960.
لا يمكن أن تمروا  بالقرب من هذا المقهى من دون أن تعيشوا مغامرة إيطالية على الطريقة الهوليوودية، وما عليك سوى الجلوس لتناول القهوة والاستمتاع بمشهد نبع تريفي والمياه تتدفق من التحف الفنية المنحوتة عليه، بينما يشارك أبناؤك السياح الأساطير المحفورة في اللاوعي الإنساني الثقافي ويرمون النقود المعدنية، متمنين العودة إلى هذه المدينة.

الـ « بانتيون »
بين ساحة نافونا ونبع تريفي يقف معبد بانتيون، وهو واحد من أروع المعالم الموجودة في روما. يعود ثبات المعبد على دوام حاله بكل أبهة، إلى الإمبراطور البيزنطي فوكاس الذي أعطاه للبابا بونيفاسي الرابع الذي حوّله كنيسة عام 609 مما أنقذه من الدمار. يتألف معبد بانتيون من سقف يبلغ عرضه 33 مترًا يقوم على ستة عشر عمودًا مرصوصة بالرخام.
نقش على بوابته الرئيسة إهداء إلى آغريبا أحد أباطرة الرومان القدماء. ويمثل بانتيون بقبّته الهائلة نموذج الفن المعماري للفترة اللاحقة من روما القديمة. ويتميّز بسقف من البرونز المذهّب. في داخل المعبد يرتاح رسام عصر النهضة رافاييل، وملك إيطاليا فيكتور إيمانويل الثاني.

الكولوسيوم والفوروم
يعتبر الفوروم مكانًا عظيمًا لتعريف أبنائك إلى روما القديمة، فهذا الميدان الروماني كان مركزها التجاري والسياسي والديني، وكانت تقام فيه التجمّعات الجماهيرية، واجتماعات مجلس الأعيان «السينا». استغرق تشييده 900 سنة، وبعد قيام الإمبراطورية الرومانية، بنى قياصرة روما معالم تعكس عظمتهم. رافق هذا الميدان انحدار العصر الروماني عند بداية القرن الرابع، لتسقط معابده ومعالمه تباعًا وتصبح أطلالاً حوّلتها عصور الظلام إلى مرعى للأبقار، ليأتي عصر النهضة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وينبش في باطن أرضه معيدًا إلى النور أمجاد حضارة اندثرت.
ويقود ممر فيا داي فوري إمبريالي الموجود بين الفوروم وساحة فنيسيا إلى الكوليزيه الذي يُعرف أيضًا باسم مسرح فلافيين. هنا الوقوف عند أحد مدرّجات المسرح يدخلك، وعائلتك في أسطر التاريخ الساكن فيه وتتخيلون جمهورًا غفيرًا يعلو هتافه كلما سقط مصارع روماني في أرض الحلبة، وقام آخر، وقيصر وحاشيته ينظرون إليهما بعيون باردة وهما ينزفان ثمن حريتهما. والخروج من المسرح وخيالاته يعني الانقياد إلى كواليس التاريخ، حيث قوس سبتيموس سفيروس معبد زحل، وقصر فيستال، ومعبد أنطونيو وفوستين وقوس تيتوس تنتظر دورها لتقديم عرض يسحر من يتجوّل بين أروقتها.

معلومة

● الجيلاتي الإيطالي هو من الأمور التي لن ينساها أبناؤك بعد عودتهم من روما. لذا لا تفوّتوا جميعًا تجربة الجيلاتي بعد يوم طويل من التيه في معالم روما الجميلة.  إذ كل ما في روما يقودك إلى بائع جيلاتي.

● إذا كنت تزورين إيطاليا خلال شهر تموز/ يوليو أو آب/  أغسطس، لا تنسي واقي الشمس والقبّعات وزجاجات المياه، ولا تتخلصوا منها إذا ما فرغت، فكل النوافير في روما تتدفق في جزء منها مياه للشرب.  

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078