تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

حقوق المرأة الضائعة في الميراث... من يعيدها إليها؟

الدكتورة مايا مرسي

الدكتورة مايا مرسي

نهاد أبو القمصان

نهاد أبو القمصان

الدكتورة مهجة غالب

الدكتورة مهجة غالب

د. آمنة نصير

د. آمنة نصير

د. عبدالله النجار

د. عبدالله النجار

 يشهد مجلس النواب المصري، خلال دورته الحالية، تعديل قانون الميراث ليكون أكثر إنصافاً للمرأة والفئات المستضعفة، ليتم سن عقوبات رادعة من السجن والغرامة لمواجهة التقاليد الجاهلية بضياع ميراث الأخوات لمصلحة إخوتهن من الذكور، وهذا ما قابلته غالبية الأوساط الدينية بالترحاب، مع وجود بعض التحفظات الشرعية والاجتماعية، واعتبرته المنظمات النسائية والحقوقية انتصاراً جديداً في مسيرة إنصاف المرأة من ظلم تعرضت له قروناً طويلة، باسم الدين أحياناً، وبحجة المحافظة على ميراث العائلة من الغرباء أحياناً أخرى. «لها» تكشف كواليس هذه التعديلات ومضمونها وردود فعل علماء الدين والحقوقيين والمؤسسات النسوية عليها. 


بدأت القضية عندما أعدّت غالبية المنظمات النسائية، وعلى رأسها المجلس القومي للمرأة، بالتعاون مع العديد من مؤسسات المجتمع المدني، والتواصل مع المؤسسة الدينية في مصر، تعديلات على بعض أحكام القانون الرقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، مع مراجعة الجزء الخاص بالعقوبة بما لا يتعارض مع القوانين الدولية، وضرورة تدخل المشرع لتجريم الامتناع العمدي عن تسليم محل الميراث أو ريعه، أو حجب سندات استحقاق الميراث للوارث أياً كان نوعه، بهدف كبح جماح تلك الأفعال التي أدت إلى ضياع الحقوق الثابتة شرعاً وإحداث خلل اجتماعي واقتصادي.
تشير الدكتورة مايا مرسي، الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، إلى وجود محاولات جدية لرفع الظلم عن المرأة والفئات المستضعفة، مثل الأشقاء الصغار السن الذين يتم استغلالهم وضياع حقوقهم من جانب الأشقاء الأكبر سناً، من خلال عمليات تسويف ومماطلة تؤدي إلى ضياع الميراث كلياً، أو بخس الشقيقات والأشقاء حقوقهم من جانب أشقائهم الذين ما زالوا يعيشون في فكر عصور الجاهلية، حيث كانت المرأة لا ترث بل تورث مثل بقية الأمتعة إلى الرجال في قبيلتها، إلى أن جاء الإسلام وأنصفها وحدد لها مواريث وفق حالتها.
وتوضح الدكتورة مايا أن الجهود لتعديل قانون الميراث بدأت قبل انتخاب مجلس النواب الحالي وتشكيله، وتم الحصول على موافقة رئيس الجمهورية على مشروع قانون، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، بحيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز الـ 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، كما تكون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تتجاوز المئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من كانت أعيان التركة أو بعضها تحت يده باتفاق الورثة، وامتنع بغير حق عن تسليم كل وارث نصيبه في ريعها، كذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز الـ 50 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حجب سنداً يؤكد نصيباً للوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين، وفي حالة العودة الى أي من الأفعال السابقة، تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة.

 وتنهي الدكتورة مايا كلامها، مؤكدة أن موافقة رئيس الجمهورية على مشروع القانون تم تحويلها إلى مجلس الوزراء، وبالفعل وافقت الحكومة وأحالت التعديلات إلى مجلس النواب الحالي، الذي ننتظر منه الموافقة على هذه التعديلات المنصفة.

تأخرت كثيراً
تشير الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إلى أن هذه التعديلات في قانون المواريث قد تأخرت كثيراً، ومع هذا فإنها تعد انتصاراً للمتضررين ممن استحلّوا واستباحوا ميراث الغير من النساء والفئات المستضعفة، باسم التقاليد حيناً وباسم الدين أحياناً، رغم أن الإسلام يرفض الظلم بكل صوره، خاصة للنساء والأيتام، وهم أكثر الفئات التي تتعرض لضياع الحقوق في الميراث، تارة باسم المحافظة على ثروة العائلة وعدم تفتيتها وخروجها الى زوج البنت وأبنائها منه، خاصةً إذا كانت متزوجة من خارج العائلة ويطلقون عليه تسمية «غريب»، رغم أنه صهرهم، وكذلك ميراث الأيتام الذي يتم الاستيلاء عليه كلياً أو جزئياً باسم الشفقة والرحمة بالصغار ورعايتهم، لأنهم لا يستطيعون إدارة شؤون ميراثهم.  وتوضح نهاد أبو القمصان أن المرأة عبر التاريخ، خاصة في المناطق التي تسودها العصبية مثل صعيد مصر والمناطق الصحراوية التي يقطنها البدو، غالباً ما يتم فيها ضياع ميراث البنت بشكل كامل أو جزئي، وفي أحسن الأحوال يتم بخسها وإعطاؤها تعويضاً مادياً، غالباً ما يكون أقل بكثير من حقها الشرعي في الميراث ويسمّونها «ترضية».  وتلفت أبو القمصان إلى أن من المؤسف أن ظلم الشقيقات في الميراث غالباً ما يتم بمباركة الآباء والأمهات في حياتهم، حيث يتم توزيع الثروة وتسجيلها في حياة الآباء والأمهات وتحويلها إلى عملية بيع أو شراء، وهذه عملية تحايل قانوني ظالم لفرض سياسة الأمر الواقع وقطع الطريق على البنت أو أبنائها من بعدها للتظلم القانوني، ولهذا فإن هذه التعديلات تعد إنصافاً للمرأة وستتبعها خطوات أخرى حيث تم حصر كل القضايا التي فيها ظلم للمرأة، ونستغل وجود أكبر تمثيل للمرأة في تاريخ مجلس النواب المصري، حيث يبلغ عددهن 88 عضواً، وهو يمثل كتلة تصويت كبيرة.

أؤيدها بشدة
يؤيد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، هذه التعديلات، مؤكداً أن العقوبات للظالمين أمر شرعي للردع، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقد سنّت العقوبات لحماية الحقوق، خاصة لمن يستطيع أن يحمي نفسه بسبب تقاليد بالية، ويحاول البعض جعلها ترتدي عباءة الدين وهو منها براء، ومنها ما يتعلق بالميراث.
ويوضح الدكتور شوقي علام أن المواريث في الإسلام تعد نوعاً من الأحكام التي حددها الله بنفسه في آيات قرآنية إلى يوم القيامة، لمنع التلاعب فيها أو تغييرها، خاصة بالنسبة الى النساء والأيتام، ولهذا تم النص عليها بالتفصيل في سورة «النساء»، حيث قال الله تعالى: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا. وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (الآيات 7-11) سورة «النساء».
ويشير الدكتور شوقي علام إلى أن الإسلام يدعو إلى إقامة العدل وإنصاف المستضعفين من ظلم الظالمين، وأمر أولي الأمر بتنفيذ تلك الأحكام فقال الله سبحانه وتعالي: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَيٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (الآيتان 58-59) سورة «النساء».

منع الظلم
تؤكد الدكتورة مهجة غالب، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، وعضو مجلس النواب المصري، أنها ستدعم بكل قوة التعديلات المقترحة في قانون المواريث، لأنها تمثل منع الظلم والتصدي للظالمين الذين يأكلون أموال اليتامى وأمثالهم من الفئات المستضعفة ظلماً، وقد وصفهم القرآن بأنهم يأكلون ناراً، فقال الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» (آية 10) سورة «النساء».
وتوضح الدكتورة مهجة أن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) قد أوصى بالمرأة واليتيم فقال: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة»، والمعنى الشرعي لكلمة «أحرج»، أي أشدد على الناس في عدم تضييع حقهما، وأشهد الله تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم، وأنا بريء ممن يرتكب هذا الإثم، ولهذا أحذر من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجر عنه زجراً أكيداً.
وتنهي الدكتورة مهجة كلامها، مؤكدة أن التصدي للظلم باسم الدين واجب شرعي على كل مستطيع، خاصة من علماء الدين ورجال القانون، ولهذا فإن هذه التعديلات في قانون المواريث يجب أن تتبعها خطوات أخرى لتصحيح أوضاع خاطئة ومخالفة للشرع في قانون العقوبات، المتأثر بالقانون الفرنسي في عقوبة من يرتكبون الخطيئة، سواء من المتزوجين أو غير المتزوجين.

نصر وتمكين
تصف الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية- جامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب المصري، تعديلات قانون الميراث الذي سيناقشه المجلس في دورته الحالية، بأنه نصر للمرأة والضعفاء من الأيتام والأشقاء الصغار على الجبابرة الذين استحلوا أكل أموال الغير بالباطل، رغم التحذير الإلهي الباقي إلى يوم القيامة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ على اللَّهِ يَسِيرًا» (الآيتان 29-30) سورة «النساء».
وتوضح الدكتورة آمنة أن هذه التعديلات في قانون الميراث تعد إجراء عادلاً يساهم في تمكين المرأة، وتأكيداً على أن الدولة جادة في عملية إنصاف المرأة، ولهذا فإننا نطالب المسؤولين في كل الدول العربية باتخاذ خطوات مماثلة يتم من خلالها تنفيذ أحكام الشرع بقوة القانون، ومن يخالف يتعرض للسجن والغرامة الرادعة، ويعطي الفرصة للمظلوم أن يرفع مظلمته إلى القضاء لنيل حقه.
وتختتم الدكتورة آمنة كلامها، موضحة أن التعديلات الجديدة متوافقة تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي تعمل على إنصاف المظلومين والتصدي للظالمين، لأن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، ولا شك في أن منع الظالم عن ظلمه يعد قمة الرحمة به قبل غيره، لأن الشرع أو القانون هنا يحميه من نفسه الأمّارة بالسوء، والتي ذكر القرآن هذه الصفة فيها في قول الله تعالى: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (آية 53) سورة «يوسف».

قمة العدل
يقول الدكتور عبدالله النجار، الأستاذ في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، إن هذه التعديلات متوافقة تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي نصّت على أن للأنثى الحق في الميراث الذي قد يصل في بعض الحالات أضعاف ما للرجل وليس النصف، في كل الحالات كما يفهم البعض من العامة، لأن هذه الحالة مقصورة على الأشقاء والشقيقات فقط، أما بقية الحالات فإن المرأة تكون مساوية للرجل أو أكثر منه.
ويكشف الدكتور عبدالله النجار، أن الحالة ملحّة لإقرار هذه التعديلات المنصفة، بسبب زيادة عدد قضايا النزاع على الميراث بين الأشقاء بشكل كبير، لدرجة أن هناك أكثر من 244 ألف قضية نزاع على الميراث يتم النظر فيها أمام القضاء سنوياً، بالإضافة إلى 4750 قضية حجر لعدم أهلية التصرف في الممتلكات على أحد الوالدين أو كليهما، يقيمها الأبناء أو الأشقاء ضد بعضهم بعضاً، ولهذا فإن هذه التعديلات ستجعل سيف القانون يقطع رقاب الطامعين ذوي القلوب القاسية على شقيقاتهم وأبناء وبنات إخوتهم من الأيتام، بل والآباء والأمهات والأشقاء الصغار، وكل من له حق في ميراث ولا يستطيع الحصول عليه، حتى وصل الأمر إلى أن تؤكد بعض الإحصاءات وقوع 9600 جريمة قتل سنوياً بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الميراث، وهو رقم مفجع يتزايد سنوياً، و223 ألف قضية نزاع على ميراث و9500 قضية حجر على أحد الأبوين أو الأشقاء.
وينهي الدكتور عبدالله النجار كلامه مؤكداً أن هذه التعديلات قمة العدل، وينبغي على الدول العربية والإسلامية إجراء تعديلات قانونية مماثلة إنصافاً لذوي الحقوق من الضعفاء، حتى لا تحل اللعنة على الجميع، لأن الله يلعن أي قوم يضيع الحق بينهم بأن يطبقوا حدود الله وفق أهوائهم الشخصية، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، ومن الكلمات العظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة».

تحذير وتحفظ
تحذر الدكتورة سماح عزب، أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، من استعداء البنات لأشقائهن بعد إقرار هذه التعديلات كنوع من الاستقواء، مما يؤدي إلى الشقاق بين الأشقاء والشقيقات، بل عليهن أن يطلبن حقوقهن بالطرق السلمية أولاً، والاستعانة بالأقارب والأصدقاء، بحيث يكون اللجوء إلى القضاء هو السلاح الأخير إذا فشلت كل الأسلحة السلمية، لأن ثقافتنا الشرقية تكرّس مفهوم «من يشكوني إلى القضاء فهو عدوي»، فما بالنا إذا كان هذا بين الأشقاء والشقيقات!
وتشير الدكتورة سماح إلى أنها تطالب النساء والأيتام والأشقاء الصغار باللجوء إلى القانون في نهاية المطاف، حتى لا يكونوا – بحسن نية – ممن يقطعون أرحامهم برفع سيف القانون والعداء منذ البداية، بل يجب أن يكون العقل سيد الموقف حتى لا يكونوا ممن قال الله فيهم: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» (آية 22) سورة «محمد».
وتختتم الدكتورة سماح كلامها، مؤكدة أن الرفق واللين قبل القانون أمر هام في العلاقة بين الناس عامةً، والأقارب والأشقاء خاصةً، لأن العلاقة بينهم ومن بعدهم أولادهم أزلية، ولهذا يجب أن نتحلى بروح الشرع، حيث قال الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 159) سورة «آل عمران»... وقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف»، وقوله أيضاً: «من أُعطي حظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق، فقد حُرم حظه من الخير».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078