معتصم النهار: لقب «الجغل» يعبّر عن رأي الناس
سحر الفن جذبه، مما دفعه إلى الانتساب الى المعهد العالي للفنون المسرحية رغم دراسته الحقوق في الجامعة السورية . تخرج في المعهد والجامعة معاً، ليشق طريقه في معراج التمثيل، فلعب أدواراً مهمة على صعيدي السينما والتلفزيون، وقدم العديد من الشخصيات التي سعى من خلالها إلى التنويع وعدم التقوقع في نوع معين من الأدوار .
عرفه الجمهور فناناً مميزاً يحمل في داخله لواعجه الإنسانية ورؤاه الإبداعية التي تُعتبر حجر الزاوية في انتقائه لأدواره، فحفر لنفسه مكاناً متقدماً بين الفنانين، وجمع رصيداً ثرياً من محبة الجمهور له ... هو النجم معتصم النهار، ومعه كان هذا اللقاء .
البيئة الشامية
- تنال عادة مسلسلات البيئة الشامية الجزء الأكبر من الانتقادات، فبأي عين تراها أنت؟
مما لا شك فيه أن هناك أعمالاً شامية كانت بمثابة رسالة مقدّمة من الدراما السورية إلى كل الوطن العربي. حالياً أعمال البيئة الشامية مطلوبة كثيراً، وباتت كأنها فولكلور أو طقس من طقوس شهر رمضان المبارك على الأقنية التي تلقى متابعة شديدة، ولكن تختلف الآراء حول مشاركة الممثلين فيها، فإن لم تتوافر لأعمال البيئة الشامية الظروف الجيدة لإنجازها من نص وإخراج وإنتاج فلن تقدمك كممثل بالصيغة المنشودة مهما تعبت فيها. لذلك كنت أفكر في عدم المشاركة فيها، رغم شعوري حين العمل فيها بمتعة جميلة، لأنها بالنسبة إليّ بمثابة اختبار يمكّنني من اكتشاف أدواتي كممثل.
في الأعمال المعاصرة، يُطلب منك أن تقدم نفسك بعفوية خاصة، أما في البيئة الشامية فعليك أن تتجاوز نفسك لتقدم شخصية لا تشبهك، ومن هذا المنطلق هي تحقق لي المتعة.
- أين تكمن خصوصية شخصيتك في مسلسل « خاتون » ؟
المسلسل من إخراج تامر اسحاق وأقدم فيه شخصية عمر الذي يلقبونه بـ «الزيبق» لاستحالة الإمساك به، فهو شاب مُطارد من جانب الفرنسيين ولكنهم لا يستطيعون إلقاء القبض عليه، فبعد أن يستهدوا الى مكانه يختفي فجأة منه.
يمتاز «الزيبق» بالفتوّة والشهامة والشجاعة، هو ليس «عكيد الحارة» ولكنه فعلاً «عكيدها»، فليس همّه الوصول الى هذا المنصب وإنما محاربة المحتل الفرنسي.
جرعة من الرومانسية
- شاركت أخيراً في ثلاثيات « مدرسة الحب » ، ماذا عن جرعة الرومانسية التي ميّزت العمل؟
يناقش العمل قضية جديدة ومختلفة عما سبق وقُدم من أعمال، وهو مسلسل استثنائي يعتمد على الدراما والغناء، ولكل ثلاثية فيه حكايتها وأغنيتها التي يقدمها أحد المطربين النجوم مثل القيصر كاظم الساهر وآدم وغيرهما... ومن الثلاثيات التي شاركت فيها، ثلاثية «وجع الماضي»، وفيها أديت دور حسام وسلّطنا الضوء على رابط المحبة بينه وبين والدته.
أما في ثلاثية «اختطاف» فلعبت دور نورس الشاب الانتهازي الذي يسعى الى الكسب بأي طريقة.
- هل تحمل قصص المسلسل نوعاً من الجرأة؟
يبتعد المسلسل عن الجرأة ولكنه جديد. والجرأة في «مدرسة الحب» لا تتخطى العلاقات الغرامية لكونه يحاول تسليط الضوء على نقاط حساسة في القضايا التي يناقشها.
الأزمة وجدلية نقل الواقع
- قدمت عملاً رومانسياً عن الحب، وآخر شامياً تدور أحداثه في عشرينيات القرن الماضي، ولكن أين هي تداعيات الأزمة ووجع الناس اليوم مما تُجسد على الشاشة؟
الأزمة التي نعيشها يتم توثيقها بصورة أهم وأفضل من الدراما، فهي تُصوَّر عبر الهواتف الخليوية وتُعرض على «اليوتيوب»... ولكن الدراما قد تكون وسيلة لتوضيح الصورة، خاصة أن الجميع باتوا يدركون الوجع، والمشاهد تعب من نقل معاناته اليومية على الشاشة، وأرى أن وظيفة الدراما اليوم لا تكمن في نقل وجع الناس ومعاناتهم من انقطاع الكهرباء، والغلاء الفاحش... فالحل لا يكون بأن تقدم للناس مأساتهم على الشاشة.
وإن كانت هناك أعمال كوميدية تُقدّم، لكننا بحاجة الى دراما حقيقية ترتقي بنا وتكون نتاجاً لهذه الأزمة وليست دراسة لها وعرضاً لتفاصيلها ومعاناة الناس خلالها، فالمشكلة ليست في القضية وإنما في طريقة عرضها ومعالجتها.
- ولكن أهمية ما يقدمه الممثل تكمن في مدى ملامسته لهموم الناس وقضاياهم؟
تحفزني الأزمة الحالية على التمثيل، وعندما أعيش معاناتي ومعاناة من حولي فذلك يشحنني بطاقة لأقدم الشخصيات بأسلوب صادق يحترم عقل المشاهد. وبما أن لكل أزمة وجهيها الإيجابي والسلبي، أرى أن من إيجابيات الأزمة مساهمتها في تعزيز الوعي لدى الناس، كما زادت من دقة الملاحظة، وفرضت على الممثل العمل بكل جدّية.
دور المتشدد دينياً
- ازدواج الشخصية في « حارة المشرقة » بين التشدد الديني والعلاقة مع المرأة اللعوب ... ما الذي حرصت على إظهاره من خلال هذه الازدواجية؟
حاولت تقديم الشخصية بطريقة يسهل وصولها الى كل فئات المجتمع، فجاءت مباشرة فجة وتكلمت باللغة الفصحى، وسلّطنا من خلالها الضوء على فكرة أن هناك الكثير من المتشددين في الظاهر ولكنهم يعانون كبتاً في دواخلهم فتثار غرائزهم لدى رؤيتهم أول امرأة يصادفونها، مثلهم مثل أي شخص آخر في هذا المجتمع، فكان التشدد بالنسبة إليهم قناعاً سقط عند أول امتحان لأنه لا يقف على أرض ثابتة، فالهدف من تقديم الشخصية توضيح أننا ندخل أحياناً في نفق لا نعرف مخرجاً له، فثمة من يصبح فجأة متشدداً من دون أن يملك أدنى فكرة عن الدين الحقيقي، فسقطت الأقنعة في مواجهة أول غريزة.
بين التنوع والجرأة
- كيف تتعامل مع الدراما الاجتماعية المعاصرة الجريئة؟
ننتمي الى مجتمع شرقي، وأي شيء يمكن أن يخدش الحياء لا أراه جرأة بل تطاولاً على طبيعة هذا المجتمع وعاداته وتقاليده. وعند تناول موضوع العلاقات الحسيّة وتسليط الضوء عليه بقوة وتناسي أننا محافظون، فهذا لا يعود يُسمّى جرأة وإنما يصبح نوعاً من التسويق.
ولكي تبيع العمل، تقوم بتسويقه على أنه يتضمن جرأة رفيعة المستوى، لكن هذا التصرف خاطئ لأن الأمر حساس جداً، إذ هناك شعرة تفصل ما بين الانحدار والقمة، وعندما تقدم موضوعاً من هذا النوع، يجب أن تدرسه نفسياً بشكل صحيح، وتضبطه من خلال المضمون والشكل، وتطرحه بطريقة فنية راقية تناسب المجتمع باختلاف شرائحه.
- تنوّعت الشخصيات التي قدمتها، هل جاء ذلك بمحض المصادفة أم كانت خطواتك مدروسة؟
لم يكن ذلك التنوع وليد المصادفة، فقد اعتمدت على عملية الانتقاء، إذ كانت تُعرض عليّ أدوار ونصوص مختلفة خلال الموسم الدرامي، وأختار بينها شخصية جديدة ومميزة لم أقدمها من قبل. كنت أضع نفسي أمام تحدٍ وأغامر في أن أقدم شخصية جديدة وتلقى قبولاً لدى الناس.
وعلى سبيل المثال، عُرضت عليّ في الموسم الدرامي الأخير بطولة ثلاثة أعمال شامية، ولكنني فضلت المشاركة في مسلسل «خاتون» وتقديم شخصية «الزيبق»، علماً أن الأعمال الثلاثة ضخمة ولمخرجين مهمين، ولكنني وجدت أن دور «الزيبق» جديد بالنسبة إليّ ففضلت تأديته.
مشاركة خجولة
- ما سبب ندرة مشاركاتك في الأعمال العربية المشتركة؟
هذا يعود الى أصحاب القرار، وقد شاركت أخيراً في «مدرسة الحب» وهو يندرج في هذا الإطار، ولكنني سأكشف أمراً للمرة الأولى، فكان ينبغي أن أشارك في مسلسل «الإخوة» واتفقنا على ذلك، لكن في اللحظات الأخيرة لم نستطع التنسيق بين عمليات التصوير في سورية وأبو ظبي، إذ كنت أصور حينها دوري في مسلسل «باب الحارة».
- إذاً عدم مشاركتك في هذه الأعمال لا يعود إلى موقف مسبق منها؟
الأعمال العربية المشتركة مهمة لكل ممثل وتتيح له فرصة الانتشار عربياً. وبغض النظر عما إذا كان المسلسل مشتركاً أو سورياً أو عربياً، فكل ما يهمني في النهاية النص الجيد والمتكامل، فإن جمع بين طياته كل المعايير الفنية، أشارك فيه على الفور.
- ما الشخصية التي تدعوك لتقديمها؟
هي الشخصيات التي لم أجسدها حتى الآن، ولم أحتك بعوالمها الداخلية بعد. وثمة الكثير من النماذج التي تستهويني، سواء أكانت خيّرة أم شريرة، ولكن ما يهمني ليس شكل الشخصية وإنما نوعها ومضمونها.
« جغل » الشاشة
- يُلقبك البعض اليوم بـ « الجغل »... فكيف تتعامل معه خاصة أن نجوماً كباراً في الوطن العربي أُطلق عليهم مثل هذه الألقاب ومنهم حسين فهمي؟
«الجغل» لقب يعبّر عن رأي الناس بي، وهو جميل جداً، خاصة عندما تذكر نجوماً كباراً مثل حسين فهمي فعندما أتشبه بهؤلاء النجوم، أتمنى أن أكون على قدر المسؤولية، وتسعفني الظروف لأثبت نفسي في شكل أفضل.
- أصابتك الأزمة بسهامها، فماذا خلّفت من أضرار؟
هذا صحيح، فقد تضرر منزلي وسيارتي. أقطن في حي المزرعة في دمشق، وقد استُهدف «تيراس» منزلي بصاروخ كاتيوشا، وكنت حينها أجلس في الصالون، وكانت زوجتي حاملاً ولم يكن قد مضى عام على زواجنا وقتها. وأحمد الله على أننا لم نُصب بأذى.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024