الدكتورة سماح عزب أستاذة التفسير في جامعة الأزهر في حوار رمضاني: الظلم يضيّع ثواب الصيام حتى لو كان المظلوم فاجراً
تُعد الدكتورة سماح عزب، أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، من العالمات الواعدات من خلال انتشارها الإعلامي وعلمها الغزير، الذي جعل كثراً من المسلمين يسألونها عبر وسائل الإعلام، أو مباشرةً، لأنها تتحلّى بالحكمة والجمع بين «الترغيب والترهيب» في الفتاوى التي تصدرها، فضلاً عن أنها من أنصار مدرسة «التيسير بلا تفريط»... من هنا تأتي أهمية الحوار معها حول مختلف القضايا الرمضانية، فطرحنا عليها أسئلتنا، وكانت هذه إجاباتها الصريحة عنها.
- أساء البعض فهم قول الله تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة «ق»: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» فأسرف في استخدام الوسائل الإلكترونية كالمحمول والدخول منه إلى «الإنترنت» وكتابة ما يشاء خلال الصيام، حتى ولو كتب ألفاظاً خادشة للحياء ومنافية للآداب أو تهدف الى الغيبة والنميمة، وادّعى أنه لم ينطق بشيء وبالتالي لن يتأثر صيامه؟
هذا تفكير شيطاني لتزيين المعصية حتى خلال رمضان، وكأن الله لا يراه، والملائكة الحفظة الموكلون به لا يكتبون سوى الكلام فقط، مع أن المعنى أنهم مع الإنسان في كل مكان ويكتبون كل أفعاله، وليس أقواله فقط كما يظن هؤلاء الجهال بأحكام الدين والمتحايلون عليه، وتناسوا قول الله تعالى: «الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ. وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (الآيات 17-19) سورة «غافر».
رب قلوب
- «ربنا رب قلوب» مقولة يرددها المستهترون بأحكام العبادات عامة والصلاة والصيام خاصة، فماذا تقولين لمن يرددون هذه المقولة؟
هي مقولة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأن الله رب قلوب فعلاً، ولكن القلوب التقية النقية لها علامات وأمارات في سلوك الناس وأخلاقهم، فلا يمكن أن يكون القلب طيباً تقياً والأعمال والأقوال شيطانية، ولهذا أنصح هؤلاء وأقول لهم «توبوا لله توبة نصوحاً واستغفروا يغفر لكم»، وتذكروا قول الله تعالى الذي يحمل الترغيب والترهيب: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ» (الآيات 53-56) سورة «الزمر».
مشقة على النساء
- هناك من المتعصبين من يشق على بنت حواء ويفتي بأنه لن يقبل الله صيامها إذا لم تقض ما عليها من أيام أفطرتها في رمضان الماضي، فهل هذا صحيح شرعاً؟
لهذه القضية أكثر من جانب، أولها أن الإسراع في القضاء لا شك في أنه الأفضل متى استطاعت المرأة ذلك، لأن ديْن الله أحق بالقضاء بسرعة، فالمرأة لا تضمن عمرها يطول أم يقصر. الأمر الثاني أن الحكم الشرعي يختلف إذا كان تأخيرها القضاء حتى جاء رمضان التالي، فإذا كان التأخير بغير عذر، مثل التكاسل، فعليها أن تقضي ما فاتها من أيام رمضان الماضي مع إطعام مسكين عن كل يوم أخّرته، أما إذا كان التأخير لعذر شرعي فتكتفي بالقضاء فقط.
حكمة الإخفاء
- لماذا أخفى الله عنا ليلة القدر التي فيها ثواب أكثر من ثمانين عاماً بلا معاصٍ؟
اقتضت حكمة الله أن يُخفي ليلة القدر في رمضان ليجتهد الصائم في طلبها، وخاصة في العشر الأواخر منه، ويوقظ أهله كما كان يفعل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، أملاً في الفوز بثواب ليلة القدر، التي قال الله تعالى فيها: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» (الآيات 3-5) سورة «القدر».
الثواب العظيم
- ماذا نفعل حتى ننال الثواب العظيم في هذه الليلة المباركة؟
علينا مضاعفة العمل في رمضان كله ليلاً ونهاراً، لأن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) كان يجتهد فيه، وخاصة طلب ليلة القدر في العشر الأواخر منه، فيجب الحرص على قيام الليل لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وعلينا أن نُكثر من الذكر والتسبيح لله وقراءة القرآن وفعل الخيرات بكل أنواعها، سواء بالأقوال أو الأفعال.
أدعية مبتدعة
- نرى بعض الناس يرددون أدعية طويلة جداً مكتوبة في صفحات، ويؤكدون أنها الأدعية المستجابة في ليلة القدر مما يشق على النساء والرجال، فهل لهذه الأدعية الطويلة أصل شرعي؟
هذا نوع من البدع التي تم إلباسها لباس الدين، لأنه لم ترد أدعية طويلة خاصة بليلة القدر كما يزعم هؤلاء المبتدعون، والدعاء الوحيد المأثور مرتبط بهذه الليلة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». أقول لهؤلاء المتنطعين: اتقوا الله ويسّروا الدين ولا تعسّروه وتنفّروا الناس منه، فهذا الدعاء القصير جداً الذي يستطيع الجميع قوله بلا مشقة هو الوارد في ليلة القدر، ولا مانع من أن يدعو الإنسان بما شاء لنفسه ولغيره ممن أحب، ويسأل الله القبول والإجابة.
الضرّة والحماة
- هل يجوز للمرأة الدعاء على ضرّتها أو حماتها في هذه الليلة التي يستجاب فيها الدعاء إذا كانتا قد ظلمتاها؟
أنا شخصياً لا أحب الدعاء بالشر أو الانتقام حتى ممن ظلمني، بل أدعو له بالهداية، فهذا ثوابه عظيم. أما من كان ظلمهن ظلماً بيّناً من الضرائر والحموات ويرفضن النصح بالحسنى ولا يتقين الله، فمن حق الزوجة المظلومة أن تدعو عليهن بعد استنفاد كل وسائل إصلاح ذات البين، وقد وعد الله بإجابة دعاء المظلوم إن عاجلاً أو آجلاً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده». وفي رواية أخرى: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السموات، ويقول الرب: لأنصرنك ولو بعد حين».
فهم خاطئ
- لكن الضرة أو الحماة قد تتجبر بأن المظلومة تدعو ولا يستجاب لها، مما يعني أن المتجبرات على حق، فماذا تقولين لهن؟
أحذّر هؤلاء الظالمات، بل وكل الظالمين، من الاستهانة بعقاب الله في الدنيا والآخرة، لأن هذا يجعلهم من القساة قلوبهم، الذين سيطر عليهم الشيطان، وجعلهم لا يخافون الله، وأذكّر الظالمين بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» (الآية 102) سورة «هود». وحذرنا الرسول في حديث آخر من الاستهانة بدعوة المظلوم بقوله: «اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار».
ظلم الأبرياء
- يبرر البعض لنفسه ظلم غير الملتزمين دينياً من النساء والرجال، سواء في رمضان أو غير رمضان، فهل هذا يقلل من ثواب الصيام؟
الظلم ظلمات يوم القيامة، ولا شك في أنه حرام طوال العام، وحرمته في رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار أوجب، والظلم يقلل ثواب الصائم إن لم يضيعه، فلا يكون للظالم من صومه إلا الجوع والعطش، ولهذا لا يجوز الظلم حتى لو كان المظلوم فاجراً، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه».
تفكير تكفيري
- يزعم المتطرفون التكفيريون أن ظلم غيرهم حلال شرعاً، سواء في رمضان أو غيره، لأن كل البشر باستثنائهم كفار، فما ردكم على هذا الزعم؟
أجزم بأن هؤلاء التكفيريين هم من ارتد إليهم الكفر، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما». وزاد مسلم في رواية: «إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه». وفي لفظ آخر عند مسلم: «إذا كفّر الرجل أخاه، فقد باء بها أحدهما». وقد نهى الإسلام عن ظلم أي إنسان أياً كانت ديانته، وحتى لو كان ملحداً لا دين له طالما لم يعتدِ على المسلم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كان كَافِراً فإنه ليس دُونَهَا حِجَابٌ».
المقصرون آثمون
- حوّل الاختلاف حول رؤية الأهلّة بين المسلمين «رمضان» إلى «رمضانات»، وكذلك «عيد الفطر» التالي له إلى «أعياد»، فما هو الحكم الشرعي؟
أرى أن كل من يستطيع المساهمة في توحيد رؤية هلال الشهور الهجرية ويتقاعس عن ذلك يُعد آثماً شرعاً، سواء كان دولاً أو أفراداً، لأن دراسات القمر الإسلامي الموحد لبدايات الشهور الهجرية جاهزة منذ سنوات طويلة، واتفق عليها علماء الفلك والدين، إلا أن هناك تقاعساً غير معروف الأسباب، ولهذا رأينا اختلافاً في مطالع الشهور الهجرية، وكأننا عاهدنا الله على ألا نتفق على شيء، رغم أن الله وصفنا بأننا أمة واحدة، وخاصة في أمور العبادة ومنها الصيام والأعياد، فقال الله تعالى: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ» (الآيات 92-94) سورة «الأنبياء». ولهذا نحلم أن يحتفل كل المسلمين في العالم بصوم رمضان والأعياد في أيام واحدة، بدلاً من التشرذم الذي لا معنى له، وخاصة أن تكاليف القمر الإسلامي أقل من عشرة ملايين دولار، فهل يعقل ألا تستطيع الأمة كلها جمع هذا المبلغ؟
صدقة مبتدعة
- استغل البعض التيسير الإسلامي في إخراج «صدقة الفطر» منذ بداية رمضان، وإمكانية إخراجها أموالاً وليس حبوباً لمصلحته، فرأينا البعض يخرجها ملابس وفوانيس رمضانية وحلويات، بحجة أن الفقير يحتاج الى هذه الأشياء لأولاده، فما حكم الشرع؟
هذا جهل بالدين ولا يقبل الله مثل هذه الصدقات المبتدعة، لأن الأصل في زكاة الفطر أن تكون حبوباً، لقول الصحابي الجليل عبدالله بن عمر: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين». كما قال الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب، وذلك بصاع النبي (صلّى الله عليه وسلّم)». واجتهد الإمام أبو حنيفة في إخراج قيمة هذه الحبوب مالاً لمصلحة الفقير، ليشتري ما يحتاجه وحتى لا تتكدس عنده الحبوب التي هو ليس في حاجة إليها، فيبيعها بثمن بخس، وبالتالي فإن إخراج زكاة الفطر بغير هاتين الطريقتين غير مقبول شرعاً.
حكمة نبيلة
- ما هي الحكمة من زكاة الفطر أصلاً؟
لصدقة الفطر العديد من الحِكم الشرعية المرتبطة بفوائدها للصائم المتصدِّق، وكذلك المتصدَّق عليه، وبالتالي المجتمع كله، لأن كل أفراده إما أن يكونوا ممن يخرجونها أو يستحقونها، وقد قال الصحابي الجليل عبدالله بن عباس في حكمتها: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ». وقوله «طهرة»، أي تطهيراً لنفس من صام رمضان، وقوله «والرفث»، أي الفحش من كلام، وقوله «وطعمة»، أي الطعام الذي يؤكل.
فهم مغلوط
- يتقاعس البعض عن إخراجها بحجة أنها ليست مفروضة من الله بل من رسوله بدليل الأحاديث السابقة والرسول ليس من حقه أن يفرض، فما ردكم؟
هذا قول حق يراد به باطل، فالرسول (صلّى الله عليه وسلّم) لا يقول أو يفعل شيئاً إلا إذا أوحى الله إليه به، بدليل قول الله تعالى: «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ» (الآيتان 3-4) سورة «النجم»، كما أمرنا الله بطاعة الرسول في كل ما يقول أو يفعل، لأنه بوحي من الله، فقال سبحانه: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الآية 7) سورة «الحشر». ويرى جمهور الفقهاء أن زكاة الفطر هي المقصودة في قول الله تعالى في سورة «الأعلى»: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى»، أي تأدية زكاة الفطر ثم الخروج للصلاة، وفيها تعميم للفرحة في يوم العيد لكل المسلمين، حتى لا يبقى أحد يوم العيد محتاجاً إلى القوت والطعام، ولذلك قال رسول الله: «أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم»، وفي رواية: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم»، كما أنها زكاة للنفوس والأبدان وشكرٌ لله على نعمه.
غير المسلمين
- هل يجوز إخراج زكاة الفطر للفقراء من غير المسلمين؟
هذه قضية خلافية، حيث يرى جمهور الفقهاء عدم جواز إعطاء زكاة الفطر لغير المسلمين، واستندوا في ذلك إلى أن شرط إعطاء الزكاة هو «الفقر والإسلام»، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في الزكاة: «تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم»، وهناك من يرى جواز ذلك لأهل الكتاب ممن يعيشون بيننا في سلام، لقول الله تعالى: «لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (الآية 8) سورة «الممتحنة»، وكذلك قول الله تعالى: «إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (الآية 271) سورة «البقرة»، ورُوي عن بعض التابعين أنهم كانوا يعطون الرهبان من صدقة الفطر، لأنها لفتة إنسانية كريمة تنبئ عن روح الإسلام السمح، حتى تشمل مسرّة العيد كل من يعيش في كنف المسلمين، ولو كانوا من غيرهم، بعد أن يكتفي فقراء المسلمين أولاً، لأنه لا يعقل أن تعطي زكاة الفطر لغير المسلم الفقير وبجانبه مسلم أكثر فقراً واحتياجاً إليها.
تسمية خاطئة
- ثمة من يزعم أن تسمية الأيام البيض للأيام التي نصومها في شوال بعد رمضان خاطئة، فهل هذا صحيح؟
هذا ليس زعماً كما يعتقد العامة، بل حقيقة، لأن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن «الأيام البيض» هي ثلاثة أيام من منتصف كل شهر في السنة الهجرية، نسبة إلى لياليها البيضاء بتكامل الهلال فيها، وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، ويستحب عند المسلمين صيام هذه الأيام الثلاثة.
أجر كبير
- هل لصيام هذه الأيام البيض أجر مختلف عن صيام غيرها من الأيام؟
رغم أنها من الصيام المندوب أو صيام التطوع، إلا أن لها أجراً وأفضلية على غيرها، لأن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) صامها وأوصانا بصيامها وأجرها كصوم الدهر، بتضعيف الأجر، لأن الحسنة بعشر أمثالها من غير حصول المضرَّة أو المفسدة التي في صيام الدهر، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري: «يا أبا ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر». وفي حديث آخر رواه عبدالله بن عمرو العاص، أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قال له: «صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر».
سر التسمية
- يقال إنه سمّيت بالبيض بسبب ليلها وليس نهارها، فهل هذا صحيح؟
نعم سمّيت بيضاً لبياض لياليها بالقمر، لأنه يطلع فيها من أولها إلى آخرها، ولذلك قال ابن بري: الصواب أن يقال: الأيام البيض، لأن البيض من صفة الليالي، أي أيام الليالي البيض.
علاج الاختلاف
- لكنها تختلف من دولة الى أخرى لاختلاف الدول الإسلامية في بدايات بعض الشهور الهجرية، فما البلد الذي نصوم عليه لتجنب هذا الاختلاف؟
الأصل أن يتم تحديد هذه الأيام بمعرفة بداية الشهر الهجري في كل دولة، ووفق رؤية دار الإفتاء فيها لبداية الشهر الذي يثبت برؤية الهلال أو بإكمال الشهر السابق له ثلاثين يوماً، وعن اختلاف البلدان، المسؤولية هنا - في حال وقوع أي خطأ في تحديد بداية الشهر - تقع على المفتي الرسمي للدولة.
بلاد غير إسلامية
- قد يكون الإنسان في دولة غير عربية أو إسلامية، وبالتالي لا يتم فيها تحديد بدايات الشهور العربية، فماذا يفعل المسلم الراغب في الصيام؟
المسلم الموجود في دولة غير إسلامية أمامه خياران، أولهما أن يصوم على رؤية الهلال في أقرب دولة عربية أو إسلامية، وثانيهما أن يصوم على رؤية المملكة العربية السعودية، باعتبارها المكان المتوسط في الكرة الأرضية، فضلاً عن وجود المقدسات فيها، ولا يستطيع المسلمون في العالم مخالفتها في بداية شهر ذي الحجة، لارتباطه بالحج والوقوف في عرفة.
بدعة سيئة
- لكننا رأينا بعض الدول وقد خالفت السعودية في بداية شهر ذي الحجة، وبالتالي كان لديها يوم عرفة والعيد والأيام البيض مختلفة عن العالم الإسلامي كله؟
هذا ينم عن جهل وتعنت، كان بعضه لدوافع سياسية لا أساس لها في الدين، أو لأن القائمين على الإفتاء فيها لا يخشون الله حق خشيته، فيكون عليهم إثم عظيم، لأنه استنَّ سنّة سيئة، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من سنَّ في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً»... وأكد المعنى نفسه في حديث آخر يقول فيه: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً».
النية الثلاثية
- هل يمكن المرأة التي أفطرت في رمضان لعذر شرعي من حيض أو نفاس أن تصوم الأيام البيض وتحسبها مما عليها، أم أنه لا بد من الفصل بينها باعتبار أن هذا تطوع وقضاء؟
بداية، نؤكد أنه لا يُشترط في صيام الستة أيام من شوال التتابع، ولهذا يمكن توزيعها على شهر شوال في الاثنين والخميس أو في الأيام البيض وسط الشهر، فهذا نوع من التيسير. أما إمكانية احتساب صيام الستة من شوال للمرأة لقضاء ما عليها من أيام الإفطار لعذر شرعي فهي قضية خلافية بين العلماء، وقد أفتى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق، بجواز ذلك شرعاً بشرط النية بالقضاء وصيام الستة أيام، بل وصيام الثلاثة أيام البيض في منتصف الشهر ونيل ثواب الثلاثة بصيام واحد من طريق «النية الثلاثية»، ولهذا فإن المرأة مخيرة في اختيار الحكم الفقهي الذي ترتاح اليه نفسياً، لأن لكل منها أدلته الفقهية المعتبرة شرعاً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024