رمضان ما بين اليوم والأمس... وتأثير الحرب في سورية
وسط صور الحرب والدمار، هل ما زال شهر رمضان موجوداً في سورية؟ وهل ثمة من يحيي طقوسه؟ وما الذي تغير بين اليوم والأمس في عيش أجواء هذا الشهر الكريم؟ وما الذي حافظ عليه السوريون من مباهج رمضان وتقاليده؟
من خلال هذا الاستطلاع... أجمعت معظم الآراء على تأثير الحرب في بهجة رمضان و«اللمّة» حول موائده.
رياض قطقط: الشاكرية طبقي المفضّل في رمضان
يقول رياض قطقط: «منذ زمن، كانت العادة في رمضان تجري على تبادل العزومات الرمضانية بين الأهل والأقارب، فليس أجمل من اجتماع العائلة في هذا الشهر الفضيل، وأحلى الأيام عندي عندما يجتمع أولادي وأحفادي للإفطار».
ويضيف: «لكن لا يخلو الأمر من بعض الجلسات في المقاهي والمطاعم بعد الإفطار وقبل السحور، حيث ألتقي بالأصدقاء وبعض الأقارب، ويكون جو المرح والمُزاح غالباً على جلساتنا، وفي أغلب الأحيان نتبادل الأحاديث الدينية التي تخص هذا الشهر الكريم الذي ننتظره بفارغ الصبر، ونحاول أن نستغله بالدعاء والصلاة، لأنه شهر لا يعوّض، ولا يمكن أن نعود بالزمن إن لم نستغله بالطاعة والدعاء».
ويلفت رياض الى «أن من أساسيات مائدة رمضان، توافر الأكلات الشعبية الشامية كالفول، التسقية والفتوش، إضافة الى العصائر. أما الأطباق الرئيسة فتحوي بالطبع الكبّة والمحاشي واللبنية، لكن طبقي المميز على مائدة الإفطار هو الشاكرية، وفي السحور أحاول أن أتناول طعاماً خفيفاً كالألبان والأجبان... لقد اختلف رمضان اليوم عنه في الأمس وفقد بهجته أيام زمان، وخفّت الزيارات، ولم نعد نحافظ على التقاليد والعادات الدمشقية الأصيلة، هذا إضافة الى الغلاء الفاحش والنقص في بعض السلع... كل هذه الأمور أثرت في جلسات رمضان وطقوسه وموائده».
أم أحمد: تنقصني «لمّة» أولادي المغتربين
تتحدث أم أحمد عن بهجة رمضان ولقاءات الأهل والأصدقاء والأقارب، فتقول: «كل عام أنتظر قدوم رمضان بفرح، فأحضّر أطباقاً متنوعة، وخصوصاً القليلة الدسم منها، وأحرص على إعداد الأطباق الخفيفة التي تزين مائدة رمضان بشكل يومي، كالحمص، المسبحة، التسقية والفتوش، إضافة الى العصائر المنزلية، فزوجي وأولادي يفضلون الأطعمة المحضّرة في المنزل، ولا يحبذون جلب تلك الجاهزة من المطاعم».
وتضيف: «بعد الإفطار، أقوم بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن، ولأنني مريضة ومقعدة أقضي يومي في المنزل، ولكن تنقصني «لمة» أولادي حول المائدة الرمضانية بعدما هاجروا من البلد طلباً لحياة أفضل لهم ولأولادهم، وأحنّ الى كلماتهم وضحكاتهم التي أشعر بصداها... ومن عادات الدمشقيين القديمة، الإعداد لرمضان قبل اسبوع من قدومه حيث كنا نذهب الى الأسواق ونشتري كل لوازم رمضان من وفواكه وخضار وحلويات... أما الزيارات فقد خفّت اليوم بسبب الحرب وافتراق الكثير من الأهالي والأقارب، لتخفّ معها «الحنية» التي كنا نشعر بها أيام السلم. وفي المقابل، هناك أناس لم يتخلوا عن عادات رمضان وتقاليده متحدّين بذلك قساوة الظروف».
فتحي السهلي: أصبحنا نقضي معظم وقتنا في المنزل
يقول فتحي السهلي: «رمضان اليوم ليس كرمضان أيام زمان، بحيث لم يعد الناس ينتظرون هذا الشهر بفرح وشغف، فالأحداث الأخيرة التي شهدها البلد سلبت شهر الصوم بهجته، وأصبح الناس يعيشون في ظروف نفسية صعبة ومعقدة، إضافة إلى انعدام الأمن، وغلاء الأسعار. كما أن الكثير من الأصدقاء والأقرباء غادروا البلد وتغرّبوا، واقتصرت «عزومات» رمضان على مجموعات محددة من الناس، مما جعلنا نحنّ الى الأيام الخوالي، ونتذكرها بحسرة».
ويضيف: «ولكوننا نعاني وضعاً اقتصادياً متردياً، لم نعد نرتاد المطاعم والمقاهي لإحياء بعض السهرات الرمضانية، وقلّما نخرج من المنزل في هذا الشهر، مفضلّين، بعد صلاة التراويح في الجوامع وقراءة القرآن، مشاهدة البرامج التلفزيونية ومتابعة الأحداث... أما أطباقي المفضلة في رمضان فهي بالطبع الأكلات التقليدية كتسقية الزيت والفول والمقبلات والفتوش، ومن المشروبات أفضّل عصير البرتقال وعرق السوس... ورغم كل ما نمر به، لا تزال سورية بلد الخير والعطاء».
خلوصي أرداغ: أكثر ما يميز رمضان عادة تبادل الأطباق بين الجيران
يحب خلوصي أرداغ شهر رمضان وينتظره بفارغ الصبر، ويذكر: «من أحب الطقوس إلى قلبي، الدعاء الذي يُتلى عند الإفطار والذي يدخل الطمأنينة إلى قلبي، وما يلفت أن من المستحب أكل عدد من حبات التمر على أن يكون العدد مجرداً لأن الله واحد».
ويضيف: «من أهم عادات رمضان في سورية والتي لا تزال متبعة على نطاق ضيق، عادة «السكبات» بين الجيران، حيث يتبادل الجيران في ما بينهم أطباق الطعام لإغناء موائدهم بالأكلات المتنوعة، هذا إضافة الى السهرات الرمضانية التي يحييها السوريون، إما في المنزل أو في الجامع للصلاة، أو عند الأصدقاء أو في المقاهي».
ندى معدتي: الحرب قيّدتنا وأثرت في علاقاتنا الاجتماعية
تقول ندى معدتي: «أنتظر الشهر الكريم بفارغ الصبر وهو لم يتغير بالنسبة اليّ، ولا يزال يحافظ على طقوسه الخاصة. ومن أطباقي المميزة في رمضان، الشوربات على أنواعها والفتوش والكبة النية، ونبدأ إفطارنا عادة بالمشروبات كالسوس والعصائر ثم التمر ونتناول بعدها باقي أصناف الطعام. كما ترفض عائلتي تلبية دعوات الإفطار خارج المنزل، ويفضل أفرادها مشاهدة التلفاز، إلا أنني لا أملك متسعاً من الوقت لذلك، ففي انتظار موعد السحور، أستغل الوقت في قراءة القرآن».
وتتابع: «اختلفت طقوس رمضان كثيراً بين اليوم والأمس، فالحرب قيّدتنا خلال السنوات الماضية، وجعلتنا نمتنع عن الزيارات والسهرات بسبب الظروف الأمنية، مما أُثر في العلاقات الاجتماعية بين الناس، فلكل همومه ومشكلاته التي تشغله كل الوقت وتبعده عمن حوله».
تؤكد ريهام الهندي: «لا يزال شهر رمضان في دمشق يحتفظ بأجوائه وطقوسه الخاصة، وأجمل ما فيه الاجتماعات العائلية، وما تبثّه من ألفة ومحبة في النفوس، فليس أروع من السهرات الرمضانية و«لمة» الأسرة».
وتضيف: «قبل بدء شهر رمضان بأسبوع، تذهب العائلات كعادتها للتسوق، وجلب كل ما يلزم في هذا الشهر المبارك، وهو ما نطلق عليه «مونة رمضان»، حيث نعدّ في كل يوم من أيام الشهر لائحة مسبقة بالأطباق الرئيسة، تسبقها قائمة بالمشروبات الباردة والعصائر ومختلف أنواع السلطات. وبعد الإفطار، يقصد معظم الناس الجامع لتأدية صلوات التراويح، ويتابع آخرون برامجهم المعتادة على التلفاز، أو يقصدون معارفهم للتسلية والسهر. ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة، تحكم جهاز التلفزيون في كل بيت».
وترى ريهام أن الزيارات العائلية لا تزال مقدسة في رمضان، رغم أنها أصبحت محدودة وضيقة النطاق في ظل الحرب، وتؤكد: «بالنسبة إليّ، أفضّل تناول الإفطار مع عائلتي، خاصة إذا كان الطبق من إعداد أمي».
روعة جبارة: نحنّ الى صوت المسحراتي...
تقول روعة جبارة: «أنا من الأشخاص الذين يعشقون هذا الشهر وينتظرونه بفارغ الصبر، لكن بهجة رمضان أيام زمان خفت بريقها بعد سفر الأهل والأقارب وتركهم البلاد بسبب ظروف الحرب».
وتضيف: «أما إذا أردنا التحدث عن أطباق رمضان، وخاصة في مدينة حلب، فأهمها الفتوش والسلطات والشوربات على أنواعها، وبالطبع الكبة الحلبية النيئة مع طبق رمضاني خاص من المطبخ الحلبي. لكن ما يلفت النظر أن المطبخ الحلبي في أول يوم رمضان يتضمن «اليبرق» حيث تدعو الأم جميع أولادها وأحفادها المتزوجين لتناول الإفطار في منزلها، ومن ثم يتلذذون بالحلويات ويشربون العصائر كالسوس والتمر الهندي وعصير البرتقال الطازج... وبعد الإفطار يقصد الأهل والأقارب الجوامع لتأدية صلاة التراويح، ويتابعون بعدها المسلسلات التلفزيونية الرمضانية، بينما يدخنون النارجيلة أو يتناولون المكسرات، أو يلعبون طاولة الزهر، وغالباً ما تكون السهرات على شرفات المنازل. وفي السحور يجب أن يكون الطعام خفيفاً وخالياً من الدسم فيقتصر على الحواضر من أجبان وألبان وزيتون ومعروك حلبي...».
وتتابع روعة حديثها مؤكدةً: «لوقت قصير، كان صوت المسحراتي هو ما ينتظره الصغير قبل الكبير في رمضان، يجوب الحارات والشوارع ويدق على الأبواب منادياً بأسماء أصحابها، وهو يأكل المعروك... هذه الأيام الجميلة أصبحت ذكرى من الماضي، ونحاول جاهدين أن نحافظ على ما تبقى منها، لأن كنا نعيش حياة ترف، وقد انتهت مع بداية الحرب، ومع ذلك لا يزال لرمضان بهجته ورونقه الخاص».
محمد أبو راس: الإفطار الأهم يقتصر على اليومين الأول والأخير من شهر رمضان
يقول محمد أبو راس: «ما زلنا ننتظر شهر رمضان بشغف وشوق، عسى أن يفرج الله عنا، وبكل تأكيد اختلف رمضان اليوم عن رمضان الأمس، وحتى التحضير لهذا الشهر الكريم اختلف تماماً، إذ بتنا نعيش كل يوم بيومه من دون أن نعلم إن كانت الشمس ستشرق غداً أو لا... ومع ذلك، ما زالت التبولة والفتوش والسلطات أطباقاً رئيسة على مائدة رمضان، وتكلفتها مناسبة بعض الشيء، وفي السابق كنا نقصد المطاعم مرات عدة خلال شهر رمضان، أما اليوم فالإفطار الفخم يقتصر على اليومين الأول والأخير من شهر رمضان، ويمر باقي الأيام عادياً... وبكل تأكيد، ما زال التلفزيون في المرتبة الأولى من خلال المسلسلات المعروضة، تليه مواقع التواصل التي تؤنس بشكل كبير، خاصة أن الزيارات أصبحت شبه معدومة بسبب فقدان الأمن ولعدم تحميل الناس فوق طاقاتهم لارتفاع الأسعار...».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024