عملت «مسحراتية» من أجل أخي وشعرت بالرعب في اليوم الأول
«سحورك يا صايم، إصح يا نايم وحّد الرزاق، سحورك يا فاطمة، سحوركم يا حبايبي، سحورك يا عادل، سحوركم يا حبايبي، إصح يا نايم وحّد الرزاق»... بهذه الكلمات والأسماء تنقر دلال عبدالقادر محمد، أشهر مسحراتية في مصر، على طبلتها لتوقظ الصائمين النائمين، وتوقظ معهم عقولاً أغفلت دور المرأة في المجتمع، وحقها في ممارسة مهن جعلوها ذكورية فقط، خاصة لو كانت مهناً موسمية.
- كيف قررت التمرد على تقاليد المجتمع لتعملي «مسحراتية»؟
لقد ورثت المهنة أباً عن أخ، وكان أخي الوحيد محبوباً من الجميع في منطقة سكننا الشعبية، ثم وافته المنية فجأة، وحزنت بشدة على فراقه، لكنني قررت أن أحمل طبلته وأخرج لإحياء ذكراه في رمضان متبعةً طريقته نفسها، فعملت مسحراتية في حينا الشعبي والحي الراقي المجاور لنا، خاصة أن أخي كان مصدر بهجة لكثيرين في الشهر الكريم، ومنذ صغري كنت أخرج معه وقت السحور حاملةً فانوسي الصغير.
- ألم تخشي انتقادات الجيران خاصةً أنك تخرجين من منزلك في وقت متأخر وتعودين قبيل أذان الفجر؟
أتحايل على تلك النظرة الاجتماعية باصطحاب أحد أبنائي معي، فضلاً عن حب أطفال المنطقة لي وتعلقهم الشديد بمهنتي كمسحراتية. والحقيقة أنني عندما قررت إحياء ذكرى أخي الأكبر، لم أفكر في كوني امرأة، بل فكرت في إحياء ذكرى أخي، خاصةً أنني أعيل ثلاثة من أبنائه.
- على ذكر حب الأطفال لك، هل تحفظين أسماء جميع أطفال المنطقة؟
بالطبع أحفظ أسماءهم جميعاً، وأردد اسماء أطفال كل شارع وكل عمارة، ومن المواقف الطريفة أن تختلط في ذهني أحياناً اسماء أطفال العمارة، فأنادي أحدهم خطأ ليتنافس الأطفال على تصحيح الاسم، وتمتزج ضحكاتهم مع ضحكاتي.
- صفي لنا شعورك أثناء ممارسة مهنتك كمسحراتية.
أشعر بسعادة عارمة أعجز عن وصفها، ويمكنني التأكيد أن مصدر تلك السعادة هم الأطفال وارتباطهم بي، خاصة عندما أناديهم بأسمائهم، مثلاً أنادي «إصح يا يوسف، إصحي يا ريتال، إصح يا إبراهيم»... وفي تلك الأثناء أجد بعضهم يلتف حولي في الشارع ويطلب مني ذكر اسمه، وبعضهم يطل من الشرفات والنوافذ طالباً مني ذكر اسمه، فبهجة الصغار وتعلقهم بي مصدر سعادتي طوال العام وليس في الشهر الكريم فقط.
- ما العقبات التي واجهتك في بداية عملك؟
لم أواجه أي عقبات أو تحرش كما تشكو بعض النساء العاملات، وقد يعود السبب إلى كوني من منطقة شعبية يعرفني معظم سكانها، لكن الغصة كانت عندما يسألني أحدهم: أين أخوك؟ حينها لا أستطيع حبس دموعي.
- ألم يعترض أبناؤك على عملك كمسحراتية؟
إطلاقاً، فهم يعرفون مدى السعادة والراحة النفسية التي تعود عليَّ من هذه المهنة، خاصةً أنني أحيي ذكرى أخي الذي افتقدت مع وفاته معاني جميلة في الحياة، فممارسة مهنة المسحراتية تصبّرني على فراق أخي.
- هل تتمنين أن يرث أبناؤك مهنة المسحراتي؟
أتمنى أن يرث ابني الكبير مهنتي ويحيي ذكرى عائلتي، خاصة أن مهنة المسحراتي أوشكت على الزوال في مصر، وعدد العاملين فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
- لكن مع الثورة التكنولوجية لم يعد الصائمون في حاجة ماسة إلى المسحراتي اعتماداً على برامج الموبايل والمنبه الإلكتروني وغيرها، فما رأيك؟
قد يكون هذا صحيحاً في الأحياء السكنية الراقية التي خيّمت عليها العزلة، فسكان العمارة الواحدة لا يعرفون بعضهم بعضاً، لكن في المقابل نجد سكان الأحياء الشعبية يتهافتون على المسحراتي ويحزنون لغيابه، خاصةً أنها مهنة مرتبطة بذكريات الطفولة.
- هل أنت ربة منزل في الأساس، أم تعملين في مهنة أخرى؟
مهنتي الأساسية «مكوجية»، وأمارسها منذ أكثر من 30 عاماً، وأمتلك محلاً خاصاً، وابني الكبير ورث مني المهنة، لكن بعد تجنيده طلب مني زوجي التفرغ للمنزل، في انتظار أن ينهي ابني تجنيده ويدير المحل... واليوم أعمل مسحراتية فقط.
- هل اعترض زوجك على العمل كمسحراتية؟
لم يعترض أبداً، فهو رجل متفهم جداً.
- هل تتذكرين شعورك في أول يوم سحّرتِ فيه الجيران وأهل المنطقة؟
كنت أشعر بالرعب، ومتخوفة من ألا يتقبّلني الناس مثلما كانوا يتقبلون أخي.
- هل تربحين من مهنتك؟
رغم أنها مهنة موسمية تعتمد على شهر واحد في العام، لكنني أربح منها ما يرضيني، وأحاول من خلالها رد جميل أخي بالاهتمام بأولاده الصغار، فكان أخي معتاداً أن يهديني كل عام مع بداية رمضان «عباءة» جديدة، وحالياً أقوم بالدور ذاته مع أولاده من خلال ربحي من مهنة المسحراتي، والذي يكون غالباً في نهاية الشهر الكريم.
- قديماً كان كعك العيد من الهدايا التي يقدمها الناس للمسحراتي، هل ما زال هذا التقليد قائماً؟
ما زال إهداء المسحراتي كعك العيد تقليداً قائماً، وكذلك «العيدية- النقود» موجودة، فضلاً عن هدايا هي عبارة عن ملابس وألعاب ترسل إلى أولاد أخي الصغار من طريقي، فما زالت هذه المظاهر الرمضانية قائمة الى يومنا هذا.
- هل تعارضين لو طلبت ابنتك أن تعمل مسحراتية؟
ابنتي كبيرة ومتزوجة، لكنني لن أعارض أبداً إذا كانت متفقة مع زوجها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024