نساء رائدات في العلوم يعملن على تغيير وجه العالم!
تجاهد المرأة العربية يوماً بعد يوم في سبيل تحقيق ذاتها وأهدافها وطموحاتها. لكن رغم إصرارها واجتهادها، تواجهها تحديات كبيرة في مجتمعنا تتطلب منها المزيد من العزم والجهود، خصوصاً أنه تقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة مقارنةً بالرجل، إضافةً إلى أنه يطلب منها دائماً تحقيق التوازن بين الحياة العائلية والمهنية. لكن بوجود الإرادة الصلبة، تثبت المرأة في مجتمعاتنا جدارة وإرادة تستحقان التقدير في مختلف المجالات من دون أن تُظهر أي تقصير بحق عائلتها. د. حبيبة الصفار من الإمارات العربية المتحدة، والأستاذة الجامعية ياسمين ميرزابان من المملكة العربية السعودية، من النساء العربيات الرائدات في مجال العلوم اللواتي حققن إنجازات باهرة تركت صداها على مستوى عالمي. بعد فوزهما بمنح «لوريال-يونيكسو من أجل المرأة في العلم للشرق الاوسط» للعام 2014، نالتا هذا العام زمالة المواهب الصاعدة العالمية التي تعمل على تغيير وجه العالم عن فئتي التكنولوجيا والهندسة: «ابتكارات قد تغيّر وجه الطب» التي فازت بها الأستاذة الجامعية ياسمين ميرزابان عن ابحاثها حول هجرة الخلايا الجذعية في محاولة للتعمّق في هذا المجال وكيفية استعمالها لمعالجة الأمراض. أما الفئة الثانية فهي «حلول في علوم الصحة من خلال الطب الحديث» والتي فازت بها د. حبيبة الصفار عن أعمالها في تحديد عوامل الخطر الجينية والبيئية المرتبطة بالسمنة الزائدة والأمراض القلبية الوعائية الناتجة من داء السكّري.
د. حبيبة الصفار: تنقص المرأة العربية العاملة بيئة مناسبة لمساعدتها في الحفاظ على التوازن العائلي والمهني
- في أي سن اخترت السير في هذا الطريق العلمي؟
لي ميول علمية منذ طفولتي، ولكن في المرحلة الثانوية وبشكل خاص في الصف الاول الثانوي، قررت اختيار الفرع العلمي لأتابعه في المرحلة الجامعية وأحدد التخصص الذي أريد.
- هل كنت تتوقعين من البداية أن تحققي كل هذه النجاحات؟
نعم فلكل مجتهد نصيب. وأي انسان اجتهد في الدراسة، لا بد من أن يكرمه ربّه بالنجاح والتوفيق. فمن يعمل ليس كمن لا يعمل، ويبقى بعد ذلك التوفيق من الله القدير. والمهم هو السعي والاجتهاد في العمل، وهما من العناصر الأساسية لأي نجاح.
- لماذا اخترت الدراسة في الخارج... في الولايات المتحدة وأستراليا؟
أولاً رغبة الدراسة في الخارج جاءت من تشجيع أهلي لدراسة التخصص الذي أتمناه. وهذا التخصص لم يكن متوافراً في دولة الإمارات. لذا، سافرت بغرض الدراسة.
- من أكثر من دعمك في مشوار النجاح وتحقيق الإنجازات؟
لقد حصلت على دعم مستمر من قيادتنا الرشيدة على مختلف الصعد، هذا فضلاً عن دعم الاهل، خصوصاً أمي الغالية رغم عدم تلقيها أي دراسة.
- هل ثمة ما تطمحين إليه اليوم بعد كل ما حققته من إنجازات؟
في الواقع، لا أزال في أول الطريق، وهناك الكثير من المشاريع والخطط العلمية التي أطمح إلى تحقيقها. فعلم الجينات لا يزال في طفولته في دولة الإمارات، وأتمنى من الله تعالى أن يساعدني لجعل دولتنا الحبيبة تتصدر الدول في مجال الابحاث العلمية.
- ماذا ينقصك اليوم؟
أحمد الله على جميع نعمه التي لا تحصى. لا ينقصني شيء، والفضل في ذلك يعود الى حكومتنا الرشيدة وقيادتها التي تستثمر في الانسان أولاً وتهتم بسعادته وصحته.
- هل شعرت بالذنب نحو العائلة أو بالتقصير في عملك؟
لا، لم أشعر بالذنب يوماً.
- هل بدا لك ضرورياً في مرحلة من المراحل إعطاء الأولوية لأي منهما على حساب الآخر؟
مبدئي في الحياة هو الحفاظ على التوازن وتنظيم الوقت، وتبقى الأولوية لأسرتي من دون تقصير في حياتي المهنية والدراسية.
- هل توافقين على ان المرأة التي تدخل مجال العلوم وتغوص في الدراسة تبقى متعطشة إلى المزيد من العلم ولا تشعر بالاكتفاء؟
طبعاً فالمرأة الطموحة تبقى متعطشة إلى المزيد من العلم والمعرفة، خصوصاً في عصرنا هذا حيث التكنولوجيا في العلوم في تطور مستمر.
- ما الذي ينقص المرأة العربية الناجحة في رأيك لتحظى بالمزيد من الفرص وتبرز أكثر؟
تنقص المرأة العربية العاملة كأم وزوجة بيئة مناسبة لها لمساعدتها في الحفاظ على التوازن العائلي والمهني.
- هل ثمة نقص في المبادرات المشجعة والداعمة للمرأة العربية؟
ليس في الإمارات العربية المتحدة، ولا يمكنني أن أبدي رأيي بشأن باقي الدول.
- ما الدافع وراء اختيارك مجال دراستك؟
أعشق العلوم منذ طفولتي، ولدي شغف بهذا النوع من المجالات، خصوصاً تلك التي تتعلق بجسم الانسان.
- ما سبب تركيزك على مرض السكري؟
مرض السكري شائع جداً في دولة الإمارات والخليج العربي، وأتمنى أن ألعب دوراً رئيساً في تحديد مسببات المرض وطرق الوقاية منه.
- ما أسباب ارتفاع نسب الإصابة بالسكري في دول الخليج، وكيف يتم العمل على الحد منها؟
هناك عوامل عدة تسبب ارتفاعاً في معدلات الإصابة بالسكري في الخليج، كالجينات والبيئة ونمط الحياة.
- ما الصعوبات التي واجهتها في دراستك؟
كأي فتاة عربية مسلمة تدرس في الخارج، واجهت صعوبات في التأقلم مع البيئة الغربية والابتعاد عن الجو العائلي.
- هل واجهت صعوبات قد لا تواجهها مثلاً فتاة أجنبية تختار الغوص في العلم؟
لقد درست في ثلاث قارات. ومن المؤكد أنه لم يكن سهلاً التأقلم مع العيش في بلاد الغرب... فعاداتنا وتقاليدنا تختلف جذرياً.
- هل تتمتعين بشخصية ساعدتك على مواجهة التحديات لتحققي النجاح أياً كانت الظروف؟
أنعم الله سبحانه وتعالى عليّ بشخصية ديناميكية تتأقلم مع مختلف الظروف. أعتقد أنني ورثتها عن جدّتي رحمها الله، والتي ترملت في عز شبابها وأخذت على عاتقها مسؤولية تربية اولادها وأحفادها في الوقت نفسه. واجهت جدّتي مختلف التحديات، لكنني كنت أراها قوية دائماً في مواجهة ظروف الحياة... كانت قدوة لي في المثابرة والاجتهاد وعدم اليأس مهما قست الظروف.
د. ياسمين ميرزابان: لا أزال أفاجئ نفسي من خلال تحقيق أهدافي الشخصية وثمة الكثير في انتظاري
- كامرأة، هل كان من السهل عليك متابعة تخصصك؟
يجمع العلم العقول العظيمة بغض النظر عن الجنس. صحيح أن النساء يواجهن في جميع أنحاء العالم تحديات عدة في مجال العلم، خصوصاً مع الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعملية. أيضاً تقع على عاتق المرأة مسؤوليات كبيرة في المجتمعات والثقافات المختلفة، وتفوق أحياناً مسؤوليات الرجل. كما أن تكوين الأسرة وتربية الاطفال قرار حاسم، واللجوء إليه في وقت مبكر من شأنه إعاقة نجاح المرأة في هذا القطاع التنافسي.
من أجل التوفيق بين الحياة العائلية والمهنية، على مكان العمل أن يلبّي الاحتياجات الثقافية والعائلية، كما لا بد من تعزيز الآليات لدعم المرأة في نجاحها. أعتبر نفسي محظوظة جداً لإقامتي وعملي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية KAUST، الامر الذي يسهّل التوفيق بين مهنتي وعائلتي. على الصعيد الشخصي، ندعم وزوجي مهنة بعضنا بعضاً لضمان النجاح مستقبلياً. أما اطفالنا فمثقفون جداً ويفهمون جيداً فوائد العمل الشاق والمدروس.
- هل اخترت هذا التخصص بغية خدمة المجتمع وإحداث تغييرات إيجابية فيه، أم أن هذا التخصص يعكس الاشواط التي قطعتها في حياتك وأثرت فيك؟
لقد اخترت مجال البحوث أساساً لأنني أردت المساهمة في قطاع الطبّ. فلطالما جذبني هذا القطاع وطمحت من خلال مهنتي الى التقدم في الطب ومعالجة المرضى الذين يعانون الأمراض ويلجأون الى العلاج بالخلايا الجذعية.
- عندما نتحدث عن علاج السرطان، هل نجد أنفسنا أمام تطورات وانجازات كبيرة في السنوات المقبلة؟ أم لا يزال هذا الامر يتطلب المزيد من العمل والتطور؟
العمل في مجال الخلايا الجذعية في نشاط مستمر. إنها منطقة ممولة جيداً في جميع أنحاء العالم نظراً الى قدرتها على توليد كميات غير محدودة من الخلايا المختلفة المطلوبة لتجديد الأنسجة التالفة. ورغم أن الباحثين بذلوا جهداً كبيراً في سبيل التقدم، لكن تنتظرنا رحلة طويلة من العمل الدؤوب قبل ان ننتقل من مرحلة التجارب على الحيوانات إلى مرحلة التجارب على البشر.
- هل تعتقدين بأن مرض السرطان غير قابل للشفاء في الوقت الحاضر مقارنة مع التطور العلمي القائم، أم أن هناك أمراضاً أخطر من السرطان لا بد من علاجها؟
إنه سؤال صعب جداً. ثمة تباين في مرض السرطان. هناك أنواع يسهل علاجها. الأهم هو الكشف المبكر عن السرطان حتى لا يتفشى في باقي أجزاء الجسم. شخصياً أعمل بشكل رئيس على مرض سرطان الدم كسرطان الدم النخاعي الحاد الذي توصّلنا أخيراً إلى معالجته، وقد حصلنا على نتائج إيجابية للغاية. اما اليوم، فمن الضروري المضي قدماً مستخدمين هذه التطورات الإيجابية كنقطة انطلاق نحو مزيد من الاكتشافات.
اشارك الى جانب زملائي من العلماء الموهوبين في حملة عالمية خاصة بالمجتمع العلمي لإيجاد سبل تكون كفيلة بمواجهة انتشار السرطان. على صعيد آخر، نركز على دراسة هجرة الخلايا من الورم الأساسي إلى مواقع بعيدة في الجسم.
- تتم متابعة التخصصات المهمة خارج بلادنا، ما الذي ينقصنا في المنطقة؟
هذا الأمر صحيح، إلا أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية KAUST تعمل على تغيير هذا الواقع، ونأمل ان نستمر في جذب الطلاب المحليين الموهوبين وتعليمهم في المملكة العربية السعودية. لقد تقدمت المملكة العربية السعودية في مجال البحوث الطبية ولا تزال تستثمر في مجال التعليم والبحوث، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى المزيد من النجاحات في السنوات المقبلة.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية KAUST نقطة جذب رئيسة للمرأة السعودية التي تهتم بمجال البحوث لكونها قريبة من المنزل. وقد سافر العديد من الطلاب السعوديين الى الخارج على مدى سنوات بهدف الدراسة، غير أن هذا الامر أكثر شيوعاً عند الطلاب الذكور لكون الطالبات يفضّلن البقاء قرب أسرهن. من هنا، تستمر الطالبات السعوديات في التوجه نحو KAUST.
- هل حققت النجاح منذ بداية حياتك المهنية أم استغرق هذا الامر وقتاً؟
النجاح شخصي ونسبي. أعتقد بأنني لا أزال أفاجئ نفسي من خلال تحقيق أهدافي الشخصية، وثمة الكثير في انتظاري. كما أتشارك بعض الصفات التي يتفق معظم الباحثين عليها، وهي الصبر، المثابرة والتطلعات الكبيرة. وأتطلع في السنوات المقبلة الى تحسين حياة الأشخاص الذين يعانون أمراضاً.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024