تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

جدل بين علماء الدين: معركة الطلاق اللفظي تعود من جديد!

الدكتور سعد الدين الهلالي

الدكتور سعد الدين الهلالي

الدكتور أحمد عمر هاشم

الدكتور أحمد عمر هاشم

الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي

الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي

الدكتور سالم عبدالجليل

الدكتور سالم عبدالجليل

الدكتورة فايزة خاطر

الدكتورة فايزة خاطر

من جديد عادت معركة وقوع الطلاق اللفظي من عدمه لتشتعل بين علماء الدين، بعدما قاد الدكتور سعد الدين الهلالي والشيخ خالد الجندي، حملة يطالبان فيها بعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي والاعتداد فقط بالطلاق الموثق، حيث أيدهما البعض وعارضهما البعض الآخر، وكلا الفريقين يستند إلى أدلة شرعية يبرهن بها على صحة موقفه! ورغم أن القضية نفسها شهدت من قبل خلافات بين علماء الدين، لكنها جاءت هذه المرة أكثر سخونة، فمن يحسم هذا الجدل؟


في البداية، يقول الداعية الإسلامي الشهير الشيخ خالد الجندي: «الطلاق الشفوي لا يعتد به في ظل وجود عقود الزواج المتعارف عليها في البلاد، لأن هذا ليس طلاقاً مطلقاً، وفق العديد من آراء الفقهاء، مما جعل الطلاق بالكلام فقط – كما يتم للأسف في مصر والعديد من الدول العربية – يساهم في خراب بيوت كثيرة من دون سبب، رغم أنه في الحقيقة ليس طلاقاً عند كثير من الفقهاء».
ويوضح الشيخ الجندي أن الطلاق الشفوي لا يقع، لأن ولي الأمر قيّد الطلاق بوثيقة رسمية، وذلك بإصدار قانون عام 1931، يشترط في الطلاق أن يكون عند المأذون بوجود شاهدين ويتم توثيقه، كما أن العلماء أقروا هذا الكلام، إلى أن خرج علينا اليوم أدعياء الفتوى، ليقولوا لنا إن المرأة في حال الطلاق الشفوي تكون طالقاً شرعاً وغير طالق قانوناً، وأباحوا لها الزواج عرفياً بآخر لتفادي الصدام بالتجريم القانوني، مع أنها تكون هنا في الحقيقة قد جمعت بين زوجين، لأنها لم تطلق شرعاً من الزوج الأول، الذي لم يوثّق طلاقه عند المأذون وأمام شهود.
ويطالب الشيخ خالد الجندي بمحاكمة من يفتي بوقوع الطلاق الشفوي، لأنه بالفعل يقع تحت طائلة القانون، لكن يجب تفعيل ذلك، خاصة أن الطلاق الشفوي قضية تمس كل أسرة، وقد ظلمت المرأة كثيراً بسبب ذلك الأمر، وتم التقليل من مكانتها، بل إنه بسبب هذا الطلاق عمَّ البلاء وتفرقت الأسر وتشتّتت المجتمعات، وتَشرَّدَ الأطفال، وحدثت المصائب والكوارث، وانتُهكت الأعراض.
وينهى الشيخ الجندي كلامه، مشيراً إلى أن الطلاق الشفوي يعد مرتعاً خصباً لأدعياء الفتوى، وقد فسر كل منهم حالات الطلاق اللفظي كما يحلو له، ولذلك يجب أن يتحرك علماء الأمة لرفض هذا الطلاق، وقصر الطلاق على ذاك الموثق بشهود حفاظاً للحقوق والأعراض.

وثيقة وشهود
يطالب الدكتور سعد الدين الهلالي، رئيس قسم الفقه المقارن في كلية الشريعة في جامعة الأزهر، بوضع قيد في عملية الطلاق، وأن يضاف الى وثيقته وجود شهود لكي يكون صحيحاً شرعاً، لأن تقييد صحة وقوع الطلاق والرجعة بالإشهاد يحققان مصالح مقصودة شرعاً، وهي السيطرة على هوجة الطلاق، الذي أصبح كلمة سهلة تلوكها ألسنة الجهلاء وتدفع ثمنها المرأة وأولادها.
ويشير الدكتور الهلالي إلى أن من مصالح تقييد الطلاق بالإشهاد والتوثيق، حفظ الأسر من التفكك، وكذلك تقييد وقوع الرجعة بالإشهاد، فهذا يؤدي الى حفظ حدود الله بمراعاة العدّة التي لا يجوز الرجعة بعدها.
ويوضح الدكتور الهلالي أنه وضع كل تفاصيل القضية وضوابطها الشرعية وأدلته على عدم وقوع الطلاق اللفظي في كتاب صدر أخيراً تحت عنوان «فقه المصريين في إبطال الطلاق الشفوي»، وأثبت من خلاله بالبحث العلمي وأقوال الفقهاء بطلان الطلاق الشفوي وتسبّبه في تشريد العديد من الأطفال، رغم أنه ليس طلاقاً شرعياً ولا يتناسب أبداً مع عقود الزواج.
وينهي الدكتور الهلالي كلامه قائلاً: «أقمت الحجة أمام الله بما أعطاني من علم، أن أي طلاق غير موثق لا يقع حتى لو قال الزوج لزوجته «أنت طالق» مليون مرة... ألا هل بلغت اللهم فاشهد، ومن رفض فإنه يساهم في خراب بيوت المصريين الذين يصر كثير منهم على أن الطلاق الشفوي يقع».

تفنيد المزاعم
أما الدكتورة ماجدة هزاع، رئيسة قسم الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فترفض الدعوة لعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، قائلة: «اتفق فقهاء السلف والخلف الذين يعتد بقولهم على أن الطلاق يقع بالصيغة الصريحة أو الكتابة المقترنة بنية المطلق في مفارقة زوجته، وأصل هذا يكون باللفظ، لأنه أقوى الصيغ في التعبير عن الإرادة، ولا يجوز اللجوء إلى كتابة صيغة الطلاق إلا عند وجود ضرورة لذلك، كأن يكون المراد مثلاً توثيق الطلاق أو الإشهاد عليه أو نحو ذلك».
وتضيف: «اشتركت مع زوجي الدكتور عبدالفتاح إدريس، رئيس قسم الفقه في جامعة الأزهر، برصد ما أجمع عليه فقهاء السلف والخلف، ووجدنا أن الطلاق يقع بمجرد التلفظ به من دون الحاجة إلى إجراء آخر. ولهذا فإن من يقول بغير ذلك، لا فقه فيه، وكلامه باطل جملة وتفصيلاً، وليس لدى من يدّعي عدم وقوع الطلاق اللفظي الشفوي أسانيد شرعية قوية من القرآن الكريم والسُنّة النبوية، وهما مصدرا التشريع في الإسلام، فمن أين جاؤوا بإبطال الطلاق الشفوي وقصّروه على الموثّق وفي وجود شهود؟».
وتوضح الدكتورة ماجدة، أنه إذا كان لولي الأمر سلطة في أمر ما، فإن سلطته مقصورة على تقييد المباحات فقط. أما الاستناد إلى مبرر أن المصلحة تقتضي هذا التقييد بالتوثيق والشهود، فإنه ليس لولي الأمر – أياً كانت سلطته – في أي حال وتحت أي مبرر، أن يحرِّم الحلال أو يبيح المحرّم، ومن ثمَّ فإن الطلاق يقع لمجرد التلفظ به من جانب المطلِّق، من دون حاجة إلى توثيق أو نحو ذلك.
وتفنّد الدكتورة ماجدة مزاعم من يشترطون الإشهاد، قائلة: «إن مجرد الإشهاد يستحبه بعض الفقهاء لدفع النكران أو الجحود، الذي قد يدّعيه الزوج أو الزوجة، لكن لا أثر له في وقوع الطلاق، ولا يعلق وقوع الطلاق على شيء غير عبارة المطلّق أو إرادته، سواء المنطوقة أو المكتوبة».
وتختتم الدكتورة ماجدة كلامها، مؤكدة أنه لم يثبت أن بعض صحابة الرسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد طلّقوا وكتبوا هذا الطلاق أو وثَّقوه أو أشهدوا عليه، وقد كان التوثيق بالكتابة موجوداً في زمانهم، لأن الكتابة موجودة منذ فجر التاريخ، وكذلك توثيق الأحداث، وبالتالي لو كان شرطاً لوقوع الطلاق لنص عليه القرآن الكريم أو السُنّة النبوية، وقد حذّر الله من يجتهدون في غير محله ويغيّرون الحلال والحرام، خاصة في ما يتعلق بالأعراض، فقال الله تعالى: «.... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آية 63) سورة «النور».

الشفوي يقع
توضح الدكتورة فايزة خاطر بعض التفاصيل المتعلقة بالطلاق، وتساعد في فهم القضية، قائلة: «ألفاظ الطلاق المتفق عليها شرعاً هي الصريحة، «الطلاق والفراق والسراح»... وكلها جاءت في القرآن الكريم والسُنّة النبوية، ولم تُشترط فيها الكتابة، ولهذا فإن الطلاق قد يقع أصالةً عن المطلّق أو وكالةً عنه أو ولايةً لظروف سفره أو فقدانه الأهلية، بل إن الطلاق قد يقع باللفظ والكتابة والإشارة المفهومة، وبالتالي فإن كتابة الطلاق لإنهاء العلاقة الزوجية أمر إجرائي إداري رسمي في الدولة، لكن عدم كتابته لا يمنع من وقوعه، والإشهاد عليه في بعض المذاهب مستحب».
وتشير الدكتورة فايزة إلى أن القول بأن الطلاق الشفوي لا يقع مخالفة بصريح القرآن والسُنّة العملية المنقولة عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وما تناقلته الأجيال في كل العصور وفي كل أقطار الإسلام، وما يذكره المجترئون على الشريعة من عدم وقوعه، لا دليل شرعياً عليه، لأن ألفاظ الطلاق جاءت في القرآن عامة، وهذا العموم يجعلها تتناول اللفظ الشفوي قبل غيره، باعتبار أن هذا هو السلوك الطبيعي في الطلاق في عهد النبي (صلّى الله عليه وسلّم) والصحابة والتابعين، ولم يشترط أحد توثيقاً أو إشهاداً، ولا يحق لكائن من كان أن يحجر على كلام الله عز وجل، أو أن يقيد مطلقاً وأن يخصص عاماً.
وتنهي الدكتورة فايزة كلامها مؤكدة: «يجب التصدي لغير المتخصصين في الدراسات الفقهية، وحتى إذا خرج فقيه كبير من الفقهاء ليجتهد أو يقدم طرحاً جديداً، فلا يصح أن ينفرد برأيه، لأن هذه الأمور المستقرة لا بد فيها من الاجتهاد الجماعي في المجامع الفقهية درءاً للفتنة، خاصة أننا نتكلم في قضية حساسة جداً وفيها أعراض وأنساب، ولهذا يجب الأخذ بما استقر عليه الفقهاء منذ عهد الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) حتى الآن».

ضوابط الطلاق
أما الدكتور سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف سابقاً، وعميد مركز الحمد للثقافة الإسلامية،  فيؤكد أن الطلاق مشروع في كل الديانات لحل بعض الأمور التي تقتضيه، وربما يطلّق الرجل امرأته التي يحبها ويتحمل ألم فراقها حتى يجنّبها ألماً هو سببه، ويقع الطلاق المحرر على يد المأذون بلا خلاف، ويعمل بما يسجله المأذون من كونها طلقة أو طلقتين أو ثلاثاً، بمجرد توقيع الزوجين على قسيمة الطلاق.
ويوضح الدكتور سالم عبدالجليل، أن الطلاق الشفوي يقع بشروط أهمها:
أَن يطلق الرجل زوجته بلفظ «أنت طالق».
أن يكون في كامل وعيه وإدراكه وليس تحت تأثير الإكراه أو الغضب الشديد.
ألا تكون الزوجة حائضاً أو نفساء.
أن يقع الطلاق في طهر لم يحصل فيه جماع.
يُلزم الرجل – دينياً - بأن يسجل هذا الطلاق الشفوي لدى المأذون إذا قرر عدم مراجعة زوجته، حتى لا يجعلها معلّقة.

موقف دار الإفتاء
حاولت دار الإفتاء المصرية الوقوف على الحياد في هذه المعركة، إلا أنها وجدت نفسها تميل إلى الاعتراف بالطلاق الشفهي، حيث يقول الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى في دار الإفتاء: «الطلاق هو حل عقدة النكاح أو الزواج، الذي تم بناؤه على الألفاظ، والتوثيق ما هو إلا توثيق للألفاظ، ولذلك فإن الأصل في الزواج هو الصيغة اللفظية التي تقع بين الزوج وولي الزوجة».
ويوضح أن حل عقدة الزواج الذي تم بالكلام يكون أيضاً بالألفاظ، ولهذا ندعو الأزواج الى أن يحجموا عن التلفظ بهذه الكلمات، لأنها تحل عقد الزواج بين الزوجين، وبالتالي فإن الأصل في الزواج والطلاق هو الألفاظ الشفهية، ولهذا فإن دار الإفتاء لا تصدر حكماً بوقوع طلاق الرجل لزوجته، إلا بعد التحقيق مع الزوج بواسطة نحو عشرة علماء، حفاظاً على الأسرة. ويشير الدكتور خالد إلى أن دار الإفتاء تستفسر من الزوج عن كيفية وقوع الطلاق الشفهي وطريقة تلفظه به، فإذا ما تحققت اللجنة الشفهية من الزوج، تفتي له بالطلاق حتى قبل أن يوثّق، وهذا التوثيق لإثبات الحقوق ولا دخل له بالحلال والحرام.

النية
يتخذ الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، موقفاً وسطاً في هذه القضية الحساسة، حيث يربطها بالنية لدى الناطق بالطلاق الشفوي، فإذا نوى به الطلاق وكان صريحاً بأن يقول لها «أنت طالق»، سواء قالها بلسانه أو بعثها في رسالة أو وثّقه أو أشهد عليه، كل ذلك يجعل الطلاق واقعاً، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ويشير الدكتور عمر هاشم، إلى أنه حتى في حال كتابة الطلاق، يجب أن يتم الرجوع أيضاً إلى نية المطلّق، لأنه قد يكون مكرهاً أو ليس صريحاً، حيث كتبه بألفاظ تحمل أكثر من معنى، فإذا أعلن أنه نوى الطلاق وقصده فإنه يقع، وإن لم ينوِ أو أعلن أنه مكره على ذلك، لا يقع.
وينهي الدكتور عمر هاشم كلامه محذراً العلماء من الجدل في هذه القضية الحيوية، وتركها للمجامع الفقهية التي تضم كبار العلماء، فضلاً عن أنها تمثل وسيلة العصر في الاجتهاد الجماعي.

جدل قانوني
يؤكد المستشار محمد إبراهيم المحامي، أن القانون لا يعترف بغير الطلاق الموثق. أما الطلاق الشفوي فلا بد من أن يعترف به الزوج ويوثقه، لأن المادة 21 من القانون الرقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، نصت على أنه: «لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق».
ويكشف المستشار محمد إبراهيم جانباً آخر من الجدل القانوني حول تلك القضية، إذ يشير إلى أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم مشروعية المادة السابقة، وأجازت إثبات وقوع الطلاق بجميع طرق الإثبات الشرعية، بما في ذلك البينة أو شهادة الشهود، وبالتالي فإن الطلاق الشفوي يعتد به عند إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، بشرط إثباته بأي طريقة.{

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079