أبنائي لا يطيعونني... ماذا أفعل
يتوقع الأهل الطاعة العمياء من أطفالهم، ويبذلون مجهودًا كبيرًا لكي يتمكنوا من إرغامهم على تنفيذ أوامرهم. وكثيرًا ما نسمع الأم تقول لابنها أو لابنتها «عليك القيام بذلك لأنني طلبت منك ذلك». هذه العبارة غالبًا ما تكون غير مجدية، فعندما تصرخ الأم في وجه طفلها «قم بذلك»، تتوقّع منه أن يطيعها كالحمل الوديع، وكم تودّ لو ينفّذ طلبها من دون تذمر أو شكوى أو اختلاقٍ للحجج.
فاستخدام القوة مع الطفل يؤدي إلى مقاومة ورفض يجعلانه «غير مهذب» في نظر الأهل الذين يبدون متوترين بعدما استنفدوا جميع وسائلهم التربوية. وفي المقابل، نجد الكثير من الأطفال ممن يتجاوبون مع أهلهم وينفذون رغباتهم بكل سرور.
فلماذا يرفض بعض الأطفال تنفيذ طلبات أهلهم؟
يؤكد علماء نفس الطفل أن رفض الطفل ظاهرة طبيعية، خصوصًا عندما يدرك ما يحيط به فيكون الرفض عنده أحد أشكال التعبير عن ذاته المستقلة. لذا تتطلب تربية الطفل اليوم من الأم الكثير من الدراية بحاجاته حتى تستطيع تقويم سلوكه في حضورها وفي غيابها على حد سواء.
وهذا لا يعود عليها بالفائدة وحدها، بل على الطفل أيضًا. فالطفل ذو السلوك الجيد يشعر بالثقة، وباحترام الذات، وبقدرته على تدبير أموره في شكل جيد. فعوضًا عن شعوره بالخنوع بسبب صراخ أمه سيشعر بالفخر لأنه يعيش مع أهله بمحبة.
كيف يمكن إرساء القوانين المنزلية؟
لا شك في أن وضع حدود لتصرفات الأبناء من الأمور المهمة في التربية الصحيحة. ومن المعروف أن الأبناء يسعون إلى كسب رضا الأهل إذا كانت تعليماتهم واضحة.
غير أن الأهل قد يشعرون بأنهم عاجزون عن تطبيق القواعد التي وضعوها، فهم يتكلمون كثيرًا ويصبحون عاطفيين أحيانًا وغير قادرين على تطبيقها بحزم. لذا لا بد لهم من اتباع استراتيجية محددة في وضع قوانين المنزل ونظمه.
بعض النصائح لوضع الاستراتيجية
في الطفولة المبكرة
يتعلم الطفل خلال سنواته الأولى في الحضانة معنى الروتين وقواعد السلوك الضرورية في الحياة، وغالبًا ما يكون روتين الحضانة مرنًا، وغير صارم، مما يجعله متجاوبًا معه.
فالطفل في هذه المرحلة المبكرة من العمر يكون كالإسنفجة إذا صح التعبير يستوعب كل ما يتلقاه، ويختزن في ذاكرته كل الأمور الجيدة منها والسيئة، التي تظهر في ما بعد في تصرفاته وفي سلوكه الاجتماعي.
الإيجابية والتقرب أقصر الطرق
يؤكد التربويون أن تقرّب الأم من طفلها ومخاطبته في شكل إيجابي هما من أنجع الوسائل التي تجعله مطيعًا. وهذا يتطلب من الأم اقتناعًا تامًا بفائدتهما ومحاولة مستمرة في تطبيقهما في مختلف الظروف. فقبل أن تطلب من طفلها القيام بأمر ما، عليها ملاحظة ما يقوم به ومن ثم إرشاده إلى ما عليه القيام به لاحقًا. «برافو أنهيت طبق الطعام، يمكنك الآن تناول تفاحة لذيذة». فهذا الأمر يعزز ثقة الطفل بنفسه، ويجعله يفخر بما قام به، مما يدفعه إلى القيام بالعمل التالي برحابة صدر.
والاقتراب من الطفل ضروري عندما تطلب الأم منه أمرًا، فمثلاً عوضًا عن مناداته من الغرفة الثانية كي يتناول الغداء، عليها التوجه إليه مباشرة ومرافقته بلطف إلى غرفة الطعام.
السلوك الفوضوي يتطلب ترويضًا
لا يؤدي عزل الطفل أحيانًا إلى جعله مطيعًا. ويمكن الأم إحراز تقدم في ترويض سلوك طفلها الفوضوي من طريق متابعة كل ما يقوم به. فمثلاً إذا كان طفلها يقفز على الكنبة، يمكنها أن ترشده إلى المكان الذي يمكنه القفز فيه.
وإذا كان يرسم على الجدار، يمكنها أن تبعد أقلام التلوين، على أن تعلمه في المرة التالية أين يمكنه استعمال أقلام التلوين. وإذا كانت تريده أن ينزل عن طاولة الطعام، يمكنها أن تقول «لن أسمح لك باللعب على الطاولة... هل تريد النزول وحدك أم تريد مساعدتي».
وضع قواعد يلتزمها في الأمكنة العامة
ترتبك الأم من تصرف طفلها الفوضوي الذي يزعجها ويزعج الآخرين. وعندما تطلب من ابنها الهدوء، لا تجد منه آذانًا صاغية. لذا من الأفضل للأم أن تحضر طفلها مسبقًا قبل الذهاب إلى بيت الجدة، أو إلى الحديقة العامة بأن تقول له ما يتوجب عليه فعله. فإذا كانا سيذهبان في اليوم التالي إلى بيت الجدة بمناسبة العيد، عليها أن تقول له مثلاً «عندما نذهب إلى بيت الجدة غدًا أتوقع منك ألا تركض طوال الوقت وتزعج الآخرين». أما إذا أرادت اصطحابه إلى المتجر حيث يوجد الكثير من الأمور التي تثير فضول الطفل، على الأم أن تطلب من زوجها أو جارتها مرافقتها كي تتمكن من مراقبة طفلها إذا انشغلت بأمر ما.
وإذا لم تعد تستطيع التحكّم في تصرفات طفلها، عليها إبعاده عن المكان فورًا، وألا تحاول توبيخه أمام الغرباء، فهذا يزيده تعنتًا، بل عليها أن تنتظر اللحظة التي يهدأ فيها وتحدّثه بلهجة هادئة وصارمة في الوقت نفسه مبينة له مساوئ تصرفاته، وكيف أن الآخرين سوف ينفرون منه فور رؤيته. فهي بذلك تمنحه فرصة تقويم نفسه.
الطلب واضح والفعل أوضح
كثيرًا ما تطلب الأم من طفلها أمورًا عامة فلا يستطيع تحديد ما الذي يجب القيام به، ما يشعره بالارتباك وعدم القدرة على تنفيذها. لذا من المهم جدًا أن تكون واضحة في ما تطلبه، فمثلاً بدل أن تطلب منه ترتيب غرفته، عليها أن تطلب منه تحديد ما الذي يجب ترتيبه، هل هو السرير أم توضيب الثياب. كما عليها أن تعلمه كيفية القيام بأمر ما، فمثلاً يمكنها أن تريه كيفية تنظيف الأسنان بأن تنظف أسنانها أمامه.
وضع خيارات عدة
في حالات كثيرة، يمكن الأم أن تضع لطفلها خيارات محددة لكي ينفذ تعليماتها. فمنح الطفل حرية الاختيار بين أمور محددة يجعله يشعر بالقوة والسيطرة اللتين تخففان من حدة معارضته. فمثلاً عندما يحين وقت الاستحمام، يمكنها أن تقول له «حان وقت الاستحمام، هل تفضل أخذ حمام سريع، أم تفضل أن أملأ لك المغطس بالماء والصابون؟»، «حان وقت الذهاب إلى المدرسة، هل تريد مني أن أجهز لك ملابسك، أم تفضل تحضيرها بنفسك؟». فهذه الطريقة كفيلة بأن تجعله يشعر بالحرية ضمن حدود معينة تفرضها الأم.
الحزم في الطلب
يعتبر الحزم الطريقة المثلى كي يطيع الطفل تعليمات أمه، شرط أن تصحبه نبرة ونظرة جدّيتان توحيان للطفل بعواقب عدم الطاعة وضرورة التقيد بتعليمات والدته.
فالليونة في توجيه التعليمات تجعل الطفل يشعر بأنه غير ملزم بتطبيقها. فمثلاً عندما تقول الأم له «لمَ لا تذهب إلى غرفتك!»، تُشعره بأن ما تطلبه ليس واجبًا عليه القيام به، لذا فإن الحزم هو الحل الوسط بين الليونة والعنف.
البقاء على الحياد
عندما تقول الأم لابنها «أريدك أن تذهب إلى الفراش»، فهي ربما تُنشئ نزاعًا بينها وبينه. الطريقة المثلى هي وضع قوانين موضوعية كأن تشير إلى الساعة وتقول له «إنها الساعة الثامنة، حان وقت النوم». هكذا يصير النزاع والشعور بالغبن بين الطفل والساعة بدل أن يكون بينه وبين أمه. وهكذا سوف يكره الطفل القوانين وليس أهله.
تفسير أهمية التقيد بقوانين المنزل
عندما يفهم الطفل أن تطبيق القوانين المنزلية هو من أجل مصلحته ومصلحة الآخرين فسيطيعها عوضًا عن رفضها، لأنه سوف يدرك أهميتها في تطوير شخصيته وسلوكه. ولكن على الأم أن تتجنب الشرح المطوّل وليكن مختصرًا كأن تقول له مثلاً: «ممنوع الضرب لأن ذلك يؤذي الآخرين».
نقد السلوك وليس الطفل
عندما يقوم الطفل بتصرف غير لائق، على الأهل أن ينتقدوا سلوكه كأن تقول الأم له مثلاً «ممنوع الضرب»، ولا تقول له «أنت ولد سيئ». ويؤكد التربويون ضرورة تجنب نعت الطفل بصفة ما، فهذا يجعله يتمادى في تصرفاته غير آبه بالعواقب.
التحكّم في المشاعر
تؤكد الدراسات التربوية أنه عندما يكون الأهل في حالة غضب يعاقبون أبناءهم عقابًا شديدًا، سواء كان شفهيًا أو جسديًا، لذا عليهم أن يتعلموا السيطرة على مشاعر الغضب وأن يؤجلوا العقاب إلى أن يصبحوا في حالة أكثر هدوءًا تمكّنهم من السيطرة على تصرفات أطفالهم في شكل عقلاني ومرن.
قد يواجه الأهل صعوبة في تطبيق هذه الاستراتيجية التربوية في بادئ الأمر، لذا فإن ذلك يتطلب منهم الصبر والتعقل كي يكونوا المرشدين الحقيقيين لأطفالهم. فكلما ساد التفاهم والتعاون بينهم وبين أبنائهم، قويت علاقة العائلة واشتدت أواصرها
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024