تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

نجوم «الراب» العرب يحاولون كسر الملل في الحياة وفي الموسيقى

مع مرور السنين وتعاقب الأجيال، اختلفت أنواع الموسيقى والغناء التي غزت الوطن العربي، فبعدما سادت الموسيقى الطربية خلال الأعوام الخمسين الأولى من القرن العشرين، وظهرت موسيقى البوب والهيب هوب مع أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بدأت موسيقى الراب تنتشر في الوطن العربي خلال السنوات العشر الأخيرة لكن باستحياء، فمن أبرز الذين يقدمون موسيقى الراب في مصر ولبنان؟ وماذا يقولون عن تجاربهم الغنائية والصعوبات التي تواجههم؟ 


ما هو الراب؟
موسيقى الراب أحد فروع ثقافة الهيب هوب الرئيسية، والتعريف الأكاديمي لها كما يدرسه الموسيقيون في الأكاديميات الفنية هو التحدث وترديد الأغنية بقافية معينة، وهو أيضاً تسليم القوافي والتلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع القافية من دون الالتزام بلحن معين، وقد انتشرت في الولايات المتحدة الأميركية في بداية السبعينيات في حي برونكس، في ولاية نيويورك على أيدي الأميركيين الأفارقة، كما انتشرت عالمياً منذ بداية التسعينيات.
وكلمة راب RAP هي اختصار لجملة Rhythmic African Poetry، وتعني «الشعر الإفريقي المقفّى» حيث إن الكلمة كانت جزءاً من لغة الأميركيين السُمر منذ الستينيات. وحالياً يعد فن الراب هو الأول والأشهر في أميركا وأوروبا، حيث إن أعلى التقييمات ومبيعات الألبومات الغنائية أصبحت من نصيب كل من يحترف موسيقى الراب، وعلى عكس ما يحدث في الوطن العربي، الذي ما زال يخطو خطوات خجولة في هذا المجال. فالوطن العربي لا يعرف حتى الآن مطرباً محترفاً لديه شعبية واسعة في تقديم موسيقى الراب، فكلها خطوات فردية، منها ما حقق نجاحاً بسيطاً، ومنها ما لا يزال يقاوم من أجل النجاح.

إبراهيم فاروق: فريق «إسفلت» يستخدم الراب لإيصال رسائل الى الجمهور
من أشهر الفرق الغنائية في مصر والوطن العربي والأبرع تقديماً لموسيقى الراب، فريق «إسفلت» الذي نشأ مع نهاية عام 2004 وقدم عدداً من الأعمال الغنائية التي اشتهرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «السيناريو» و «كوول مهيتاب».
يتحدث عن الفريق ونشأته، إبراهيم فاروق أحد أعضائه، ويقول: «فريق إسفلت ظهر رسمياً على الساحة الغنائية عام 2005، وكنا نتكون من أربعة أفراد، وجاءت فكرة إطلاق اسم إسفلت على الفريق، بسبب أغنية قدمناها بهذا الاسم وحققت وقتها نجاحاً كبيراً، فقررنا أن نكمل بها. وبعد نجاح الأغنية، تعرض الفريق لأزمة انقسمنا على أثرها وتركنا عدد من الأفراد، لكننا قررنا متابعة المشوار واستكمال النجاح الذي كنا قد حققناه خلال الفترة البسيطة التي ظهرنا فيها».
وعن سبب ظهورهم كمطربي موسيقى راب، بعيداً من أي موسيقى أخرى، يوضح ابراهيم: «كفريق غنائي، نرى أن الراب من أفضل أنواع الموسيقى والغناء في إيصال الرسالة الهادفة الى الجمهور، كما أنه لن يُشعرك أبداً بالملل، لأن المستمع سيركز جيداً في ما يقال، بخلاف الأغاني العادية التي تتحكم فيها القافية والكلمات الشعرية المتداولة، فحين نستمع إلى أغنية رومانسية أو عادية، نجد الكورال يكرر ما يقوله المطرب مرة أو مرتين، كما لا يحدث تغيير في أنواع الآلات المستخدمة في الموسيقى لكسر حاجز الملل، أما في موسيقى الراب فالآلات تتنوع وتختلف».
وعن الأغنية التي حققت لهم الشهرة في أنحاء مصر، يقول عضو الفريق: «لا ننكر أن أغنية «دايماً مع بعض»، التي قدمناها لإحدى شركات الاتصالات في مصر، كانت سبباً رئيساً في وصولنا الى شريحة كبيرة من المصريين والعرب، فلو كان من يعرفنا قبل الإعلان هم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فبعد الإعلان وصلنا إلى الملايين عبر التلفزيون، خصوصاً أن الإعلان جاء من خلال إحدى شركات الإنتاج التي رشحتنا لشركة الاتصالات، وجلسنا وقتها مع الشاعر نصر الدين نجاح والملحن والموزع أحمد فرحات، وارتأينا أن الأغنية جديدة ومختلفة تماماً عن الأعمال التي قدمناها من قبل، فأحبننا المشاركة فيها وسعداء لأنها حققت لنا نجاحاً كبيراً».
وحول استغراب البعض لأسماء أغنياتهم، يقول ابراهيم فاروق: «أغنية «السيناريو والحوار» أطلقنا عليها هذا الاسم، لأنها عبارة عن سيناريو وحوار قدمناه بالفعل نحن وفريق «الزيرو»، والأغنية تحمل رسالة نؤكد فيها للناس اعتراضنا على ازدياد الألفاظ الخارجة في أغاني الراب، مما يترك انطباعاً خاطئاً عند كثيرين بأن الراب لا يقدم سوى الشتائم... فجاءت الأغنية على شكل «خناقة» بيننا وبين أعضاء فريق الزيرو، وفي نهاية الأغنية أوضحنا أن الراب فن هادف مثله مثل باقي الفنون. أما عن أغنية «كوول مهيتاب» فاستوحيت فكرتها من الفنان أحمد مكي، وهو الذي ابتكرها في أحد أعماله الدرامية، وأخبرناه بفكرة الأغنية، وهي مغايرة لفكرة أغنية «السيناريو والحوار»، أي أن تلك الأغنية مكملة للأغنية الأولى». 

زاب ثروت: اتجهت الى «الراب» لأن صوتي سيِّئ
زاب ثروت واحد من أشهر مطربي الراب في مصر، تعود شهرته إلى أغنياته التي قدمها وحملت بعض المصطلحات والكلمات الغربية التي لم يعتد المصريون أو العرب سماعها في الأغاني، وكانت بدايته الفنية في 2009 مع أغنية «الصبح»، وأتبعها من ثم بثلاث أغانٍ أخرى حتى عام 2011، وانضم حينها الى فريق «إسفلت» في أغنية «كاتب لبكرة كتاب»، والتي صدرت قبل انطلاق ثورة 25 يناير بـ48 ساعة.
يتحدث ثروت عن نشأته ودخوله عالم الراب، ويقول: «لم أجد صعوبة في احتراف الغناء، وبالتحديد موسيقى الراب، فمنذ أن قررت دخول المجال لم تقف أسرتي في طريقي، بالعكس رحبت كثيراً بالفكرة، ووافقت على أن أترك دراستي في كلية الهندسة لأتجه الى الغناء، في موقف ربما لا تصدقه أي أسرة مصرية أو عربية، لكنني أرى أن هذا الأمر هو الذي حقق لي النجاح، فالجميع وقفوا الى جانبي وساندوني في حلم حياتي، إلى أن رأيته يتحقق».
وعن سبب تسميته بـ «زاب» قبل اسمه الحقيقي ثروت، يوضح: «أعشق ألعاب الفيديو والكمبيوتر، وأي عمل إلكتروني، وفي أحد الأيام وجدت صديقي شادي يطلق عليَّ اسم «زاب» لعشقي وهوسي بتلك الألعاب، ومن وقتها أصبح اللقب ملازماً لاسمي الحقيقي في عائلتي وبين أصدقائي، وحين احترفت الغناء وجدت أن الاسم مناسب تماماً للمجال، بحيث يستطيع أن يخطف الأنظار والمسامع بما أقدمه».
ولدى سؤاله عن سبب اختياره موسيقى وأغاني «الراب»، أجاب ساخراً: «اخترت الراب والهيب هوب لأن صوتي سيِّئ ولا يصلح لغناء لون آخر».

وعن كلمات أغنياته وهجوم البعض عليها من حين لآخر، يقول: «كلمات أغنياتي أكتبها بنفسي، وبالفعل أصدرت كتاباً شعرياً للأغنيات التي قدمتها، ربما في بداية الأمر كان احتراف الكتابة صعباً عليَّ، لكن مع الوقت تعلمت طرقاً لتطوير الكتابة، كان الفضل فيها يعود الى صديقي أمير عيد، المغني في فرقة «كايروكي»، كما أرفض أن يهاجم البعض أغنياتي، لأنني أقدم ما يحدث في المجتمع والشارعين المصري والعربي، فقد كتبت وغنيت لفلسطين والمسجد الأقصى، في حين لم يتطرق عدد من المطربين الكبار يوماً في مشروعهم الغنائي إلى هذه القضية الهامة، ففلسطين بالنسبة إليّ قضية قومية عربية وليست قضية فلسطينية فقط، وكلمات الأغنية تدور حول الفارق بين قلوب الشعوب وقلوب أصحاب القرار، الذين يكتفون بإرسال بعض المساعدات.
وعن أكثر أغنية يفتخر بتقديمها، يذكر: «أفتخر بأغنيتي التي قدمتها مع الفنان محمود العسيلي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، حول محاربة المخدرات وكيفية التعايش مع مجتمع نقي وسليم».
أما عن نجاح أغنية «مين السبب» والذي أحدث ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيقول: «بدأت في كتابة تلك الأغنية منذ ما يقرب من عامين، بالتعاون مع شريف مصطفى، عضو فريق كايروكي الذي قام بتوزيعها، ووضع التصور النهائي للموسيقى، وتم تسجيلها بالفعل، لكن بسبب الظروف التي مرت بها البلاد آنذاك تأخر موعد طرحها، وتواصلنا مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فرحّبت بالفكرة»... مؤكداً أن الأغنية موجهة الى المجتمع الساكت على الظلم، والذي يتجاهل خطأ يقع أمام عينيه من دون يُحرك ساكناً، نافياً في الوقت نفسه أن تكون موجهة الى المتحرش الذي يعلم جيداً أنه مخطئ».

سوسكا: أتمنى تحقيق نجومية الأميركية «نيكي ميناج»
تعد سوسكا واحدة من المطربات المصريات اللواتي تمكّن من كسر حاجز الخوف لديهن، والإعلان بوضوح عن احترافها الغناء بموسيقى الراب مع ارتدائها الحجاب.
تتحدث سوسكا عن مشوارها مع الغناء، وتقول: «حكايتي مع احتراف الغناء بموسيقى الراب تعود الى أكثر من عشر سنوات، فالبداية كانت في عام 2006، وقبل ذلك كنت أمارس هوايتي في كتابة الشعر، وقمت بعرض هذا الشعر على كبار الملحنين، ولكن كان يتم رفضه لأسباب عدة، أهمها أنني غير مشهورة، فتركت الشعر وتفرغت لغناء الراب واستخدام الشعر الذي أكتبه، وظللت خمس سنوات أعمل لنفسي، وبالتحديد من عام 2006 وحتى 2011، أقوم خلالها بتسجيل «التراكات» ونشرها على الإنترنت، ثم أُقيمت أول حفلة عام 2011 في دار الأوبرا المصرية برعاية الدكتور أحمد الجبالي، وتم تسجيل اسمي رسمياً، بأنني أول فتاة مصرية تغني الراب في دار الأوبرا المصرية، وهو حدث يعد تاريخياً».
وعن اختيار اسم سوسكا، تضيف: «اسمي الحقيقي سوسن، لكن منذ صغري والجميع ينادونني باسم سوسكا، ونادراً ما يناديني أحد باسم سوسن، ولذلك لمّا اخترت مجال الفن، وجدت أن سوسكا سيكون أقرب الى الجمهور من اسمي الحقيقي».
وحول أهم ما قدمته خلال الفترة الماضية، تقول: «كونت فرقة غنائية باسم «سوسكا فاملي»، لها استوديو صغير بقيادة الفنان «ميدو ستار»، وهو يتولى أعمال التلحين والتوزيع، وقد أصدرت الفرقة ألبوم «حب الحياة»، كما نقدم حفلات غنائية في كل أنحاء مصر».
واختتمت سوسكا حديثها عن حلمها مؤكدةً: «أتمنى أن أحقق النجاح الذي حققته مغنية الراب الأميركية «نيكي ميناج»، وأن تصبح فرقتي أكبر وأشهر فرقة في الشرق الأوسط وتنتشر أعمالها في العالم أجمع».

ميام محمود: الحجاب لا يمنعني من الغناء
اشتهرت ميام محمود بتقديم موسيقى الراب بعدما ظهرت في النسخة الثالثة من برنامج المواهب «آرابز غوت تالانت»، حيث استطاعت أن تصل إلى المرحلة ما قبل النهائية، وأشاد بها نجوم لجنة تحكيم البرنامج يومذاك، الفنان أحمد حلمي والفنانة نجوى كرم والعميد علي جابر.
وعن دخولها مجال غناء الراب، تقول ميام: «اكتشفت أسرتي موهبتي في التأليف والغناء حين كان عمري ثماني سنوات، وتطورت مع الوقت وأحببت كتابة الشعر، إلى أن جاءت مرحلة الإعدادية وأصررت على تقديم أعمال غنائية بطريقة الراب. لكن قبل مرحلة البرنامج، كانت مشاركاتي تقتصر على أصدقائي فقط، حيث كنت أغني في المدرسة أو في الشارع، وأنشر كتاباتي على الإنترنت».
وعن اختيار موسيقى الراب بالتحديد، تكشف: «موسيقى الراب تجعل الجميع يقدمون أعمالاً جديدة ومختلفة، فهي ليست قالباً ثابتاً، وتستطيع كفنان أن تشّكل فيه، وقد أحببت منذ دخولي المجال أن أقود حملة ضد التحرش والمطالبة بقوانين حقوق المرأة والإنسان».
وعن أبرز الصعوبات التي واجهتها في المجال، تقول ميام: «أبرزها عدم توافر الإمكانيات المطلوبة كالاستديوات، بحيث لم أسجل حتى الآن إلا أغنية واحدة، فكل محاولاتي فردية في البيت ومن خلال الإنترنت، كما لا بد لي من الاعتراف بأنني أخطأت في بداية عملي، إذ ركزت على التأليف وأهملت التدريب الغنائي بشكل كامل. ومن الأمور التي كنت أعتقد أنها ستسبب لي مشاكل لكنها لم تحدث، ارتدائي الحجاب حيث إن غنائي به لم يعوقني مطلقاً، ولم يتحدث عنه أحد بالسلب».
وعن مشاركتها في برنامج «آرابز غوت تالانت»، توضح ميام محمود: «لم أكن أعرف البرنامج جيداً، ولم أفكر أبداً في المشاركة فيه، إلى أن وصلت الاختبارات إلى مصر، ورأيت شقيقي يسارع الى المشاركة فيه، وبالفعل تم قبوله، ففكرت بالترشح اليه أيضاً وتحدثت مع والدي الذي شجعني على هذه الخطوة، وتسجلت في البرنامج من طريق الهاتف، وقدمت أغنية راب ونجحت في الاختبارات، إلى أن تمكنت من الوصول إلى الحلقات النهائية والظهور أمام الملايين في الوطن العربي».


الراب في لبنان... احتجاج ضد مظاهر التهميش
طفّار بعلبك


من مناطق الحرمان، من سهل البقاع اللبناني انطلق برفقة صديق له وأطلقا معاً فرقة «طفّار بعلبك» التي تقدّم فن الراب. هما صديقان تشاركا الطفولة والدراسة ووحّدتهما اللهجة البعلبكية الحادة، ومعاناة الحي الذي يقطنان فيه، وفرّقهما الفن أخيراً. افترق جعفر عن ناصردين وأصبح لكل منهما أعماله الغنائية، واسمه الذي تضمّن «الطفّار» حتى بعد حلّ الفرقة.

جعفر الطفّار: رفضوا أن ينتجوا لي بسبب اسمي!
«الطفّار»، هم من ارتكبوا تجاوزات قانونية، رغم أنهم بالنسبة إلى البعض، ضحايا الظروف التي أجبرتهم على ذلك. يقول جعفر: «لا يخجلني ولا يقلقني الوقوف بجانب الطفار بغضّ النظر عن خلفياتهم السياسية أو الفكرية، أنظر إلى الوضع الذي يعيشون فيه، وأحتجّ عليه بأغنياتي، وطالما سمعني شخص واحد وفهم قصدي، يعني أن حقي قد وصلني».
«اللهجة هي الأساس في أغنياتي، فعندما تتحدّثين باسم أهالي البقاع، لا بد من أن تنطقي بلهجتهم، وهذه كانت المفتاح للوصول للناس، وأصبحت الهوية»، يقول «جعفر الطفّار». وعن الاحتكاك مع الجمهور، يقول: «البقاعيون ليسوا معتادين على سماع فن الراب، وما قرّبنا منهم هو اللهجة، إضافةً إلى الموضوع الذي نتناوله في أغنياتنا، والذي وجدوا فيه شيئاً ما يمسّهم ويمثّلهم». ويضيف: «وصلنا من خلال أغنياتنا وألبوماتنا، ولكن في مكان ما، نحتاج إلى التعاطي المباشر مع الناس، وللأسف فلا أمكنة مخصّصة لإجراء الحفلات في منطقتنا، وقد اقتصر نشاطي الفني على حفلة واحدة أحييتها في مدينة بعلبك وأخرى في مدينة صور، أما باقي الحفلات فكانت محصورة في العاصمة بيروت». لجعفر مهنة أخرى، فالراب ليس عملاً تجارياً يعيش منه، بل يدفع من جيبه لإنتاجه، وقد وزّع ألبومه الأخير بالمجّان. لديه تجارب في كتابة وإلقاء «العتابا»، اكتسبها بالفطرة من البيئة التي يقطن فيها، وعن التحاقه بفن الراب، يقول: «لم أكن في صغري أسمع الراب، إنما عشت ضغطاً جعل الكلام يخرج مني، كنت أعمل حينها Valet Parking. وما أوصلني إلى الراب، هو علاقتي مع «الكتيبة 5»، وهي فرقة راب فلسطينية، كانت صاحبة أول ألبوم راب سمعته. في العادة أكتب «بيت عتابا»، أكتب قصيدة، إلى أن وجدت بين يديّ كلاماً أشبه بنص، أسمعتهم إياه ووضعنا عليه الموسيقى، وانطلقنا».
يروي جعفر حادثة صادفته مع إحدى الشركات الإنتاجية، فيقول: «عرضوا عليّ الإنتاج، لكنهم واجهوا مشكلة في اسم «الطفّار»، وبالطبع رفضت تغييره، فالاسم هو الأساس، وإن استغنيت عنه، فماذا سأنتج معهم إذاً؟!». وعن نشاطاته الفنية، يقول: «الكلمة موجودة، والمواضيع جاهزة، لكنني أسرق الدقائق سرقة لدخول الاستوديو، فالوقت الذي أمضيه هناك، عائلتي أحق به... نعيش في بلد تستنزف مؤسساته طاقات الموظّف طوال اليوم مقابل مبلغ زهيد، فمن أين ستجلبين الطاقة في نهاية اليوم لزيارة الاستوديو وتسجيل الأغنيات؟!، برأيي، أفضل ما يمكن فعله هو الهجرة...».

ناصردين الطفّار: تمسّكي بلهجتي البعلبكية هو تمسّك بطبيعة الراب العفوية
اختيار اسم «الطفّار» كان بعيداً عن المفاخرة بالجريمة مثلما حاول البعض أن يصوّر وفق قول ناصر، لم يكن سوى إعلان أن هناك أناساً يؤمنون بأن القانون لا يُطبَّق بشكل عادل.
تمسّكه باللهجة البعلبكية هو تمسّك بطبيعة الراب العفوية التي تعكس طبيعة المؤدّي وشخصيته الحقيقية في البيت وفي الشارع والعمل، ولا يعتبر أن اللهجة المحلية كانت سرّ نجاح فنّه، بل اقتصر دورها على زرع الحماسة لدى المستمع، فلو لم يجد في الموسيقى والنص قيمة، لأدار ظهره».
يشير ناصردين إلى أن الراب العربي انطلق من فلسطين في تسعينيات القرن الماضي، إلاّ أن الإعلام عتّم عليه ولم يلتفت إليه إلاّ حين اكتشف الدور الذي لعبته أغنيات الراب في التحركات الشعبية، ويشدّد: «أعتقد أن الراب العربي يعيش عصره الذهبي حالياً».
وعن اهتمامه بالمظهر والشكل قال: «الراب الحقيقي أبعد ما يكون عن الاستعراض، شكلياً وحركياً وكلامياً، والرابر الحقيقي يعيش الراب كأسلوب حياة، أكان في الأكل أم الشرب أم القرارات والأفكار والتعامل مع نفسه ومع محيطه».
تعتبر الحفلات المحك الرئيس لمغني الراب، وأهم من الأغاني المسجلة مهما وصل مستواها وانتشارها. فكيف يتحضر لهذه الحفلات؟ يقول ناصردين: «لولا الحفلات لتركت الفن وأصبحت «رابر إنترنت» مثل البعض...». ويضيف: «أتبادل الطاقة مع الجمهور الذي يملأ حفلاتي والذي حفظ أغنياتي «بَصم»، من دون الحاجة إلى وسيلة إعلامية أو مموّل أو شركة إنتاج لدعمي، وهو في نظري أهم انتصار بين الانتصارات العديدة التي أحقّقها اليوم، ومن بينها تشغيل شباب الحراك المدني أغنياتي وكتابة جمل وشعارات منها على جدران العاصمة بيروت». واختتم حديثه بالقول: «الموسيقى تمنحنا الأمل والثقة بأنفسنا وبقدراتنا على تحطيم الأصنام والثوابت البالية في لبنان».

فرقة «من الآخر»: الراب فكر وليس مظهراً
توحّدا فنياً قبل 4 سنوات لخدمة منطقتهما طرابلس اللبنانية، تحدّثا عن قضاياها وأوّل ما قدّماه كان أغنية «بلا سلاح» التي رافقت المعارك هناك ليغنّيا بعدها أكثر من أغنية، تناولت الحرب القائمة في منطقتهما، وليخرجا أخيراً ويغنّيا لحقوق الطفل والمرأة ويتناولا قضيتَي المخدرات والميسر في أعمالهما الفنية.
الراب منفتح على كل المجالات وليس محصوراً في قضية معينة، إنما في لبنان، هو محصور بموضوع الغضب السائد، يقول عيسى أحد عضوَي الفرقة. ويضيف: «لا يحظى هذا الفن بالكثير من الاهتمام في بلدنا، وربما التعقيد الكلامي هو السبب، ولكن إن كانت عناصر الأغنية جميلة من لحن وكلام وتوزيع، يصبح الإنسان ملزماً بأن يسمعها. علماً أن البعض يرى أنه فن «شارع»، رغم أنه فن يحكي عن الشارع، ونسعى كفرقة الى تغيير هذه الفكرة وانتزاع هذه الصورة من عقول الناس».
أبرز مغني الراب هم من الشعراء الشعبيين والأفراد المشاغبين الذين تتحدّر أصولهم من مجتمع أُجبروا فيه على الانجراف في حياة الشغب، وذلك بسبب قسوه الحياة.
تبدو موسيقى الراب مملّة ومتشابهة بالنسبة الى البعض، فما الذي يميز هذه الفرقة عن باقي الرابرز؟ يقول عضوا الفريق عيسى نعمان وإيهاب نهيلي: «نولي اهتماماً كبيراً بنوع الموسيقى التي نغنّي، بالإضافة إلى انتقائنا الكلمات المؤثرة المعبّرة عن القضية التي نتناولها، ونستعين بمنتج فني لبناني يدعى جاد ترو ويعيش في أميركا، يعمل كل منّا على موسيقاه وكلامه، ثمّ نتناقش فيها على «غروب» الواتساب الذي أنشأناه».
إلى جانب مهنة غناء الراب، يدرس إيهاب الهندسة الداخلية ويعمل في مجال التجارة. لم يرتديا ثياب الراب يوماً في كليبات الفرقة، فالراب فكر وليس «لِبس» وفق قولهما، وغالباً ما يختاران ملابس تلائم الفكرة التي يتناولانها. ففي كليب يعبّر عن اليأس يرتديان اللون الأصفر، وقد ظهرا بهذا اللون في كليب حقوق المرأة.
تعتبر الحفلات المحك الرئيس لمغني الراب، والأهم من الأغاني المسجلة مهما علا مستواها واتسع انتشارها. فكيف يتحضران لهذه الحفلات؟ يقولان: «كنا نتمرّن في المنزل سابقاً، أما اليوم فنقصد مسارح طرابلس لنجري فيها تمريناتنا، ونلتفت خلالها الى أدق التفاصيل التي يمكن أن تصادفنا في الحفلات، من عدد الحضور إلى كيفية توزيع بعضنا على المسرح وجدول الأغنيات التي سنقدّمها».

نشاطات خارجية
وعمّا إذا كانا وجدا في الحراك المدني مادة دسمة لفنّهما، يقول عضوا فرقة «من الآخر»: «من الأساس كنا مع حملة «طلعت ريحتكم» وكانت أغنيتنا جاهزة للتسجيل، وقبل 24 ساعة من تنفيذها، أوقفنا كل شيء». مثّلت الفرقة لبنان في المؤتمر العالمي للهيب الهوب العام الماضي، وأخبرت الجمهور عن قضاياها اللبنانية، كما شاركت في مهرجان «اتجنن» في مصر وأحيت حفلة ليلة رأس السنة في تركيا، وكانت لها جولة فنية في المغرب العربي وأخرى في الخليج، ولم تحصر نشاطاتها في لبنان. واليوم، تتحضَّر لإطلاق أغنية جديدة، بالإضافة إلى ألبوم كامل سيصدر الصيف المقبل. والأبرز، هو أن الفرقة تتفاوض حالياً مع شركة إنتاج لتنضم إليها، وهو إنجاز أحرزته الفرقة في حين فشل سواها في إيجاد من ينتج له.
تحسد الفرقة من وصل قبلها من فرق قبل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وتطمح للوصول إلى الناس الذين لا يسمعون الراب، هؤلاء الأشخاص الذين يتعبون من سماع هذه الأغنيات، ولهذه الغاية، أصبح التحضير للأغنية الواحدة يتطلّب منها شهراً كاملاً من التحضيرات بعدما كانت تنفَّذ بيوم واحد. وتختتم فرقة «من الآخر» حديثها معنا بالقول: «السياسة مادة دسمة لابتكار الأغنيات، لكنها لا تعنينا، فكل 5 دقائق تولد مشكلة يمكننا التحدّث عنها، من الكهرباء إلى المياه والنفايات، إلخ...».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080