أحمد الشامي: «خلف أبواب الصمت» يخترق صمت ضحايا «زنا المحارم»
لعل «زنا المحارم» أو «سفاح القربى» من أبرز المواضيع الحساسة في مجتمعاتنا العربية. وعلى الرغم من انتشار هذه الحالات، يقف الصمت حاجزاً أمام هذه الحقيقة، وذلك لأسباب عدة، أهمها غياب الأماكن الآمنة، الخوف على المظهر الاجتماعي للأسرة، بالإضافة إلى عدم تقبل المجتمع للضحية وتحميلها مسؤولية التحرش بها ربما، وفي المقابل يبقى «الجلّاد» في مأمن في ظل هذه الظروف... بعض الضحايا خرجن عن صمتهن في «خلف أبواب الصمت»، الفيلم الذي وثّقه الصحافي الاستقصائي المصري أحمد الشامي، والذي يحدثنا في هذا الحوار عن الحالات التي تناولها في تحقيقه وأبرز الصعوبات التي واجهته...
- حدثنا عن فيلم «خلف أبواب الصمت».
أجريت تحقيقاً استقصائياً عن التحرش داخل الأسرة المصرية، وصوّرته كفيلم وثائقي استقصائي حمل عنوان «خلف أبواب الصمت». وشارك الفيلم في أكثر من مهرجان سينمائي ومسابقات صحافية. وبالنسبة إلى الجوائز، حزت الجائزة الدولية للصحافة الاستقصائية على مستوى العالم... كما نال الفيلم الجائزة الأولى في مهرجان المغرب للأفلام الوثائقية والقصيرة في الدار البيضاء (كازابلانكا)، وتم اختياره للمشاركة في المسابقة الرسمية في أكثر من 15 مهرجاناً سينمائياً حول العالم، ونحن في انتظار النتائج.
- ماذا عن عرضه في لبنان؟
عُرض الفيلم أخيراً في مهرجان طرابلس في لبنان، وتم اختياره في المسابقة الرسمية.
- هل عُرض على القنوات المصرية؟
عُرض بدايةً على قناة ON Tv ثم نقلته معظم المواقع الإلكترونية وكتبت عنه، كما شاركته مواقع التواصل الاجتماعي، وعُرض في مهرجانات سينمائية في مصر وفي مهرجانات إقليمية.
- ماذا عن مدة الفيلم ومن ساهم في إعداده وإخراجه؟
مدة الفيلم نحو 26 دقيقة، والتحقيق من كتابتي وقد تابعت كل الحالات بنفسي، ومن إخراج هيثم عبدالحميد، وهو من المخرجين الشباب الحائزين جوائز عدة على مستوى العالم.
- كم قضية ناقشت في الفيلم؟
ظهرت في الفيلم ثلاث قضايا، الحالة الأولى تعرضت فيها الضحية لمحاولة اغتصاب من جانب عمّها ولكنها نجت منها. أما الحالة الثانية فتسلط الضوء على قضية فتاة تبلغ من العمر 15 سنة، وقد تعرضت لمحاولات اغتصاب عدة من والدها، وحملت منه، وقد أجريت في الفيلم لقاء مع الفتاة والأب والأم. والمشكلة أن أسرتها لم تصدقها، ولا سيما والدتها، خصوصاً أنها أخبرتها مراراً بما يفعل والدها معها، لكنها لم تصدقها بل صدقت زوجها إلى أن حملت البنت منه. الفتاة الثالثة تعرضت للاغتصاب من جانب والدها، ولكنها تواصلت معنا خلال عملية المونتاج لمنع عرض حالتها خوفاً من والدها لأنها لم تكن قد وجدت مكاناً آمناً بعد... ونحن لبّينا طلبها، وعندما وجدت مكاناً آمناً تواصلت معنا مجدداً لتؤكد موافقتها على عرض حالتها، لكن للأسف كنا قد أنهينا الفيلم. في الختام، نوهنا بأن الضحايا ما زلن يخفن من ردود الفعل، ويجب أن توضع الحلول وتُذلل العراقيل أمام المتحرَّش بها حتى تكشف عن حالتها.
- أين صورتم الفيلم؟
صورناه في مصر، وحاولنا أن نسلط الضوء على المعاناة. في البداية، صورنا مشهداً تمثيلياً للحالات داخل الأسرة، فتاة نائمة في غرفتها ويهاجمها أحد أفراد الأسرة الذي كانت تشعر بالأمان في وجوده، واستعنّا بعناوين الصحف التي تحدثت عن هذه الحالات، دعّمنا الفيلم بنتائج الاستبيانات الحكومية. المركز القومي للمرأة كان قد أجرى استبياناً شمل كامل الجمهورية، فرصدنا النتائج وتحدثنا إلى خبراء حللوا الموضوع، وقالوا إنها ظاهرة على الرغم من أن الجزء الأساسي فيها خفي ويخاف من التعبير. أعتقد أنه لو قام المسؤولون في الدولة بالإجراءات اللازمة، وذلك من خلال تشجيع الضحايا على الكلام وإزالة المعوقات، سنجد مشاركة أكبر من الناس، ونجد حلولاً للمشكلة بدلاً من التكتم عليها فتنفجر وتهدد كيان الأسرة المصرية.
- كم من الوقت استغرق إنجاز التحقيق؟
التحقيق احتاج إلى نحو سنة كاملة.
- ماذا عن الصعوبات التي واجهتك؟
الصعوبة الأساسية كانت في ايجاد الضحايا، ولكي أتغلب على هذه الصعوبات أجريت استبياناً على الانترنت، ثم بدأ الناس بالتحدث عن حالاتهم. والصعوبة الثانية كانت في إثبات كوني مصدر ثقة لهم لكي يخبروني عن تعرضهم لهذه الحوادث. فثمة من اكتفى بإرسال بريد إلكتروني، أو تحدث عبر الهاتف لمرات، وهناك حالات التقيت بها وجهاً لوجه. أما الصعوبة الكبرى فكانت جلوسهن أمام الكاميرا مع إخفاء هوياتهن، إلى أن تمكنّا من إقناع ثلاث أو أربع حالات للتحدث عن تجربتهن.
- ما النتيجة التي وصلتم إليها؟
تحدث هذه الحالات بغض النظر عن المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي للأسرة. كل الحالات التي عايشناها كانت من مختلف الطبقات الاجتماعية ومن كل المناطق المصرية. كما أن التشديد في العقوبات من دون أن يكون هناك منزل أو مكان آمن للضحايا يساهم في منع الضحية من التبليغ عن الحادثة التي تعرضت لها. مثلاً عندما تبلّغ الضحية عن والدها فسيقول لها الوالد بأنه بعد أن يتم إعدامه، وذلك استناداً الى القانون الجديد، ستفقد العائلة مصدر الدخل، وهناك أسر تخاف على مظهرها الاجتماعي، ومع ذلك تواجه غالبية الضحايا مشكلة ايجاد مكان آمن لها. مثلاً حين تتعرض الضحية لتحرش أو اغتصاب خارج المنزل، تشكو ألمها لعائلتها، ولكن عندما تتعرض لهذه الحادثة في المنزل فلمن تشتكي؟ ومن سيصدقها؟ حاولنا أن نسلط الضوء على هذه الحالات، وأن نوصل الضحايا إلى المؤسسات التي تُعنى بها، لكي تتمكن الضحايا الأخريات اللواتي يخفن من التحدث من الوصول إلى هذه الأماكن.
- هل سلطتم الضوء على وجهة نظر المجتمع من هذه الحالات؟
استعنا بوجهة نظر الجمعيات المعنية بقضايا المرأة، فتحدثت عن ردود فعل الناس والضحايا بما أنهم يملكون خبرة طويلة في هذا الشأن. لم نستطلع رأي المجتمع، ولكننا حاولنا أن نقول للناس إن هذه الظاهرة موجودة بأعداد وموثقة باستبيانات رسمية، واستناداً إلى كلام الضحية المؤثر والعميق. وهذا النوع من الحوادث قد يدفع بعض الضحايا إلى الاتجاه نحو العنف وتناول الأدوية والانتقام، أو الانحراف... وبعض الضحايا يصبحن انطوائيات، ويرفضن الزواج، فإحدى الفتيات أكدت انها لن تتزوج بعدما اعتدى عليها والدها، وفي حال تزوجت فإنها ستخاف على ابنتها من زوجها، الأمر الذي يهدد كيان الأسرة المصرية بشكل مأسوي.
ماذا عن أصداء الفيلم؟
«المركز القومي للمرأة» أعلن أن هناك خطة خمسية يتم إعدادها حالياً، وهي تتناول كل أنواع العنف الجنسي والجسدي، خاصة ضحايا الاغتصاب والتحرش، وهم يرون أن من يقوم بهذه الأفعال المشينة خارج منزله، يقوم بها داخل منزله أيضاً، وبالتالي نحن بحاجة إلى خطوات سريعة في ما يتعلق بالتشريعات. كما أن لدينا ما يُسمى بالمساكن الآمنة لاحتواء الضحايا، ولكن تواجه هذه المساكن إجراءات كثيرة ومعقدة، وحالياً يحاولون تذليل هذه العقبات. جمعيات كثيرة شاركت هذا التحقيق على صفحاتها الإلكترونية وتحدثت عنه لأنه ينقل صورة حية للناس عن حالات كشفت النقاب بنفسها عما تعرضت له من اغتصاب وتحرش، وكانت ردود فعل المجتمع قوية جداً وشهدنا تفاعلاً كبيراً مع الفيلم، وهي المرة الأولى التي يشاهدون فيها تصويراً حقيقياً لا تمثيلاً، فتميز العمل بالصدقية، وأهم نقطة أردنا التوصل إليها هي أن «نلحق قبل تفاقم الظاهرة» مثلما حصل في التحرش العادي، إذ حاول الناس إخفاءه إلى أن وصل الى نحو 99% في الشارع.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024