هل ذكاء الطفل فطري أم مكتسب؟
مهما كانت المدة التي يمضيها جهاد في إنجاز فرض الرياضيات فإنه لا يصل إلى النتيجة المرجوة، فيما زميله جاد ينجز الفرض بسرعة وينال الدرجات العالية. هل الذكاء فطرة أم اكتساب؟ وهل يكفي أن تكون لدى الطفل القدرات الجيدة ليتطوّر؟
منذ القدم والجدل البيزنطي قائم بين الاختصاصيين في علم النفس، الذين يسألون عن دور الفطرة والاكتساب في الذكاء. إذ يرى التربويون وبعض علماء النفس أن الذكاء مسألة جينية تتعلق بالوراثة، ما يعني أن بعض الناس يولدون أذكياء بالفطرة، ومن دون هذه الوراثة الجينية، فإنه مهما توافرت لهم في طفولتهم الأدوات التي تساهم في تطوير ذكائهم، وكل محاولات التعليم، فإنهم يواجهون الفشل.
وفي المقابل، يؤكد اختصاصيون آخرون أهمية التعليم في تطوير الذكاء منذ الطفولة المبكرة، فيما البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل مهمة جدًا لأنها تقدّم الدعم، فمن الأسرة تنتقل الرغبة في التعلم والمعرفة.
إذ لاحظت دراسات نفسية مختلفة أنه رغم أن مرحلة الطفولة المبكرة تبقى فترة رئيسة للتعلم، فإن الأطفال الذين نشأوا في بيئة اجتماعية تقدّر العلم والمعرفة، يتطور ذكاؤهم بشكل إيجابي في سن المراهقة، لأنه قد توافرت لهم بيئة اجتماعية صحّية.
الاكتساب أقوى أثرًا من الفطرة
ذهب بعض اختصاصيي الفيزيولوجيا العصبية إلى القول إن كل الأطفال يمكن أن يتعلموا القراءة في مرحلة مبكرة بفضل توفير المحفّزات المناسبة. ووفقاً لهم، فإن دماغ طفل في الخامسة يكتسب 80 في المئة من وزنه في سن البلوغ.
مما يعني أن هذه السن هي الفترة المناسبة للتعلم، لأن الطفل، بيولوجياً، يكون لديه استعداد قوي لتطوير ذكائه. فيما يؤكد أولياء الأطفال الفائقي الذكاء أن أبناءهم لم يولودوا فائقي الذكاء، وإنما أصبحوا كذلك بسبب الطرق التعليمية التي وفّروها لهم.
إذًا، يمكن الأطفال جميعًا أن يكونوا أذكياء شرط توفير الوسائل التعليمية التي تبلور ذكاءهم.
كيف يمكن تحديد الذكاء؟
الذكاء هو مجموعة الوظائف العقلية التي تهدف إلى المعرفة المفهومية والعقلانية. وهو أيضاً قدرة الإنسان على التكيف مع الأوضاع الجديدة، وإيجاد حلول للمشاكل التي تظهر فجأة.
ولكن هناك بعض الأطفال الذين يولدون بذكاء متوقّد. أليس للعامل الوراثي دور؟
لا يمكن الحسم في هذه المسألة، إذ هناك عوامل وراثية، ولكن لا يوجد جينات للذكاء. وثمة العديد من الدراسات التي حاولت إيجاد تسلسل هرمي للذكاء بين الشعوب أو بين الدول، لكنها لم تتمكن من إثبات الوراثة. وفي المقابل، هناك بعض الأطفال يولدون بذكاء فوق العادة مقارنة بأقرانهم، لذا من المهم الكشف المبكر عن هذا الامتياز، ليكون أداة منتجة وليس أداة معيقة. فمستقبل الطفل الفائق الذكاء يعتمد على دعم الأهل له.
ولكن لا يمكن الحسم ما إذا كان الطفل فائق الذكاء إلا من خلال خضوعة لاختبار ذكاء IQ عند اختصاصي. فعندما يطرح الطفل أسئلة ميتافيزيقية عن الحياة والموت، وفي الوقت نفسه لا يعرف كيف يعقد شريط حذائه، هل يعني هذا أنه فوضوي أم فائق الذكاء! لن يتمكن الأهل من معرفة هذا إلا بمساعدة اختصاصي، إذ وحده اختبار الذكاء يؤكد الأمر أو ينفيه.
ولكن ماذا يميز الطفل الفائق الذكاء؟ وهل كل التلامذة الأوائل هم فائقو الذكاء؟
ليس سهلاً التأكد من ذلك، فبعض الأطفال الفائقي الذكاء يبدون أغبياء لأنهم لا يتكيفون مع النظام المدرسي. وفي الواقع لا توجد بيانات نمطية للفائق الذكاء، وإنما لائحة من المؤشرات، وهي:
- اكتساب سريع وعميق للمعلومات، وقدرة على تعلّم لغة جديدة بشكل سريع.
- ذهن متوقّد ومتفوق على أقرانه من السن نفسها.
- تنبّه واضح الى كل ما يدور حوله.
- رغبة شديدة في الاكتشاف والمعرفة وتعلّم كل ما هو جديد.
- قدرة كبيرة على التركيز لمدة طويلة.
- ميل إلى العمل الفردي وتجنب العمل ضمن فريق.
- ميل إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس.
- نظرة مثالية إلى الأمور، فهو يتوقّع الكثير من نفسه ولا ترضيه الإنجازات التي يحققها حتى ولو كانت كبيرة ومهمة.
- طرح أسئلة صعبة ومحرجة أحيانًا قد يصعب على الراشدين الإجابة عنها. فهذا الطفل يهتم بالكون، والإشكاليات الميتافيزيقية للإنسان، وحدود الفضاء، وغالبًا يغير في شغفه، فهو يريد أن يعرف كل شيء.
- ذاكرة ممتازة ولغة غنية بالمفردات.
- نضج مبكر، فهو يبدأ المشي والكلام قبل أوانه.
- شعور مبكر بهوّيته، أي يشعر بأن مستوى تفكيره أنضج ممن هم في سنّه.
- رغبة واضحة في التواصل مع الآخرين لتجنب شعور العزلة.
- سريع الملل من العمل الروتيني.
- اهتمام شديد بالقيم الأخلاقية والقضايا الإنسانية كالعدل ومحاربة الفقر والمساواة بين جميع الناس.
- عدم الامتثال الى ما يطلب منه، وأحيانًا كثيرة يرفض القواعد التي تُفرض عليه فيحاول تخطيها.
- ميل كبير إلى مرافقة الراشدين، لذا يُلاحظ على هذه الفئة من الأطفال عدم رغبتهم في اللعب أو مرافقة من هم في سنّهم لأنهم يشعرون بأنهم أكثر نضجًا من أقرانهم.
- لديه روح الفكاهة ويستعملها للتعبير عن أفكاره بطريقة غير مباشرة، فيبرر خطأه بطريقة طريفة إلى درجة قد تضحك الأم بدل لومه.
- لديه انجذاب استثنائي للألعاب المعقّدة، وفي المقابل يشعر بالملل من النشاطات الروتينية.
ويؤكد الاختصاصيون أن كل هذه السمات ليست إلا مؤشرات، وحده الاختبار النفس- حركي، واختبار الذكاء الذي يقوم به اختصاصي نفسي يؤكد ما إذا كان الطفل متقد الذكاء أم لا. لذا، فإن كان الأهل يظنون أن ابنهم فائق الذكاء، عليهم استشارة اختصاصي في علم نفس الطفل لكي يتمكن من تقويم الحالة بشكل علمي ومؤكد. وبالتالي يعرفون كيف يمكنهم التعامل مع ابنهم، سواء كان متفوق الذكاء أو مستوى ذكائه متوسطاً.
دائمًا نسمع باختبار الذكاء الـ IQ ، فما هو؟
هو اختبار بسيط مكوّن من أسئلة ترتكز على المنطق وسرعة البديهة وغيرها من المهارات الذكائية، تُطرح على عدد من الأطفال من فئة عمرية معيّنة. فإذا نال طفل معدلاً أقل بكثير من المعدّل العام الذي هو 130، فهذا مؤشر الى أنه أقل ذكاء من الفئة العمرية التي ينتمي إليها.
ومن ينال أعلى من المعدّل المطلوب، تكون لديه قدرات ذكائية تفوق من هم في سنّه. عمومًا، تشير الدراسات إلى أن الطفل الذي يكون نتيجة اختبار الذكاء عنده أعلى من 130 يعتبر طفلاً فائق الذكاء.
ما المشكلات التي يعانيها التلامذة المتفوقو الذكاء؟
هي المشكلات التعلمية نفسها التي يواجهها التلامذة ذوو الذكاء الجيد أو المتوسط. فقد يعاني التلميذ الفائق الذكاء مشكلات أكاديمية واجتماعية نتيجة عبقريته.
تظهر الصعوبات في المواد المدرسية في مرحلة مبكرة من التعليم، وأحيانًا منذ مرحلة الحضانة، ولكن تظهر بشكل واضح وكبير في مرحلة المدرسة، ولا سيما في المرحلة المتوسطة، وغالباً قد يفشل التلميذ المتفوق الذكاء في المدرسة، لأنها لا تلبي توقعاته.
النتيجة، ينكفئ ويترجم هذا الانكفاء بسلوكه المعطل، أو اللامبالي. فعدم الاهتمام بالمدرسة قد يؤدي إلى التسرب منها، والتهميش والانحراف.
أما أسباب الفشل المدرسي فقد تكون نتيجة صعاب في الكتابة، مثل الدسيغرافيا، والقراءة ديسليكسيا، اللتين يعاني منهما بعض الأطفال المتفوقو الذكاء، ولا سيما الذكور.
إذاً، يواجه الطفل الفائق الذكاء المشكلات نفسها التي يواجهها الطفل العادي، ولكن المشكلة أن كشف الصعوبة ليس مسألة سهلة، فمشكلات كهذه تبدو متعارضة مع ذكائه الحاد، لذا من الصعب على الأهل والمعلمين اكتشافها، فضلاً عن أن التلميذ المتوقد الذكاء لديه طلاقة لفظية يخفي من خلالها الصعوبات في اللغة الكتابية والتي تظهر في فترة لاحقة.
هل صحيح أنه كلما كان معدل اختبار الذكاء مرتفعًا كانت الصعوبات أكبر؟
تبعاً للدراسات النفسية فإن من 10 إلى 30 في المئة من الأطفال المتفوقي الذكاء يعانون اضطرابات سلوكية ونفسية، وهذه المظاهر مرتبطة بالصعوبة التي يواجهونها في إدارة الفارق الفكري بينهم وبين من هم في سنّهم. وكلما كانت نتيجة اختبار الذكاء مرتفعة، كانت الاضطرابات شديدة، خصوصًا عند الذكور.
وتشير الدراسات الى أن 30 في المئة من التلامذة الفائقي الذكاء يتسرّبون من المدرسة لأنهم يصلون إلى مرحلة يعتبرون أنفسهم فيها أنهم موجودون في مكان ممل لا يشبع فضولهم المعرفي ولا يلبي حاجاتهم الذكائية وليس هناك ما يحفزهم على التعلّم.
كل هذه العوامل تؤدي إلى الرسوب وبالتالي إلى التسرّب المدرسي. لذا من الضروري متابعة التلميذ الفائق الذكاء إلى حين انتهاء دروسه الثانوية، لأنه عندما يدخل الجامعة يعرف ماذا يريد وأي اختصاص جامعي يفضل، فهو صار في استطاعته إدارة ذكائه.
مثلاً، يدرك أنه بارع في الرياضيات فيختار هذا المجال وينجح فيه بتفوّق. وحين يستمر الأهل والمدرّسون في متابعة التلميذ الفائق الذكاء فهم يساعدونه في تطوير ذكائه، وبالتالي لن يكون مثل غيره، بل قد يصبح في المستقبل مخترعًا أو مميزًا في المجال الذي اختاره.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024