تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

مقدمات البرامج على الفضائيات الفلسطينية: أوضاع البلاد تجبرنا على ارتداء اللون الأسود

آلاء كراجة

آلاء كراجة

رانية حمدالله

رانية حمدالله

هدى القدومي

هدى القدومي

ولاء بطاط

ولاء بطاط

تواجه مقدمات البرامج على شاشات الفضائيات الفلسطينية الكثير من المواقف التي تجبرهن على الظهور بشكل موحد الى حد ما، في ما يتعلق بطول الملابس وألوانها وقصّات الشعر والماكياج. وقد يصل الأمر أحياناً إلى حد إلغاء حلقة تلفزيونية أو تبديل الملابس ذات الألوان الفاتحة بملابس ألوانها  داكنة أو سوداء، إضافة الى استعمال الماكياج المُطفأ. «لها» التقت مقدمات برامج فلسطينيات، وكان هذا الحوار.


مقدمة بعض البرامج على فضائية «فلسطين»، الإعلامية هدى القدومي (37 عاماً)، حاصلة على درجة البكالوريوس في تخصص التلفزة والإعلام، وماجستير في تخصص تنمية الموارد البشرية وبناء المؤسسات، حدثتنا عن سبب اختيارها لمهنة الإعلام فقالت: «منذ صغري تمنيت أن أصبح صحافية، واخترت أن أكون مقدمة برامج لأنني أحببت هذا العالم وتقديم كل ما هو جديد للجمهور، كما أعشق تفاعلهم معي خلال البرامج الحوارية».
وعن تأثير الوضع العام في فلسطين في مظهر الإعلامية الفلسطينية توضح هدى: «تؤثر الأحداث في مظهر مقدمات البرامج وملابسهن، لذا يجب عليهن أن يحترمن خصوصية الجمهور الفلسطيني، لأن الأوضاع المأسوية تفرض علينا ارتداء الملابس التي تحترم ألوانها رهبة الحدث، فلا يعقل أن يسقط شهداء على أرض الوطن ونظهر بألوان فاقعة وماكياج صارخ». وتضيف: «كثيراً ما بدّلت ملابسي بسبب الوضع العام في البلاد، كما أختار الألوان الداكنة في الغالب احتراماً لمشاعر المواطن الفلسطيني».
«لست من عشاق صيحات الموضة»... هذا ما تؤكده القدومي وتتابع بالقول: «أختار ما يليق بي من ملابس بغض النظر عن الموضة وصيحاتها، كما أحب الألوان الهادئة والترابية وأبتعد عن تلك الصارخة، ويبقى الأسود ملك الألوان بالنسبة إلي. وفي الفترة الأخيرة عدّلت في طول شعري واخترت قصة شعر قصيرة، وكانت هذه المرة الأولى التي أجرب فيها ذلك لأنني في طبعي لا أحب التغيير».
تؤكد معدّة ومقدمة البرامج على الفضائية نفسها، الإعلامية آلاء كراجة (31 عاماً)، والمتخصصة في مجال الإعلام، أنها تحب العمل الصحافي الاستقصائي، وتتابع: «اهتمامي بالدفاع عن حقوق المضطهدين دفعني لاختيار هذه المهنة. وبالنسبة الى تقديم البرامج، أعتقد بأنني أملك القدرة على إدارة الحوار والتقديم بشكل جيد».
وعن اختيارها لملابس معينة، تقول: «في حال استشهاد أحد المواطنين، أتجنب ارتداء الملابس ذات الألوان الفاتحة، وأركز على الألوان الداكنة، كما أضع ماكياجاً خفيفاً، وقد حصل معي هذا أثناء العدوان على غزة عام 2014 ، ليتكرر الأمر نفسه في الأشهر الأخيرة الماضية، بحيث بدّلت ملابسي كثيراً بسبب حدث ما، كما أشعر بالحيرة في اختيار الملابس المناسبة عند سقوط شهداء أو تصعيد الاعتداءات على المواطنين من جانب الاحتلال الإسرائيلي».
تعشق آلاء الموضة وتتابع صيحاتها، تقول: «أحب مواكبة صيحات الموضة واختيار ما يناسبني منها، وهذا ضروري لأي مقدمة برامج، فالشكل الخارجي مهم في الإعلام. شخصياً، أحب الأبيض والأسود لأنهما كلاسيكيان، وبالنسبة الى قصّات الشعر أختار منها ما يناسبني، ولكنني أفضّل بالدرجة الأولى القصة الفرنسية التي أعتمدها، فهي تليق بي».
وعن اختيارها مهنة تقديم البرامج، توضح: «أفضّل العمل التلفزيوني لأنني أحب الصورة، وأعتقد أن فيها قدرة على الإبداع وإيصال الحقيقة. أيضاً أحب العمل في الإذاعة، فلها سحرها الخاص».
وحول دعم المجتمع لمقدمات البرامج الفلسطينيات، تقول: «أي شخص يظهر على الشاشة يكون معرضاً لنقد الجمهور. وفلسطينياً، قد يصبح محط اهتمام بسبب محدودية العمل التلفزيوني الفلسطيني، لكنني أشعر بتقدير من الجمهور الذي يتفاعل مع المواضيع التي أناقشها، وكثيراً ما يتواصلون معي لطرح قضاياهم». وتتابع: «وهذا يحيطني بهالة من الشهرة والتي تكون ضريبتها كبيرة في التعامل مع الآخرين والمجتمع، ولذلك أسعى الى التأثير في مستوى الحقوق الإنسانية والقضايا الاجتماعية وأطالب بالمساواة والعدالة في ظل القانون، وأهدف الى التغيير في شتى الميادين».
من جانبها، تؤكد الإعلامية ولاء بطاط، الحاصلة على بكالوريوس في الإعلام والتلفزة، وماجستير في الدراسات الإقليمية، وهي مقدمة برامج أطفال ومديرة دائرة برامج الأطفال في تلفزيون «فلسطين»، أنها اختارت العمل في مجال الإعلام لأنها أحبته منذ طفولتها، وتقول: «اخترت إعلام الأطفال تحديداً لأهميته في تخصيص مساحة للطفل الفلسطيني في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، ولأن الزملاء الإعلاميين يختارون العمل في مجالات الإعلام السياسي أو الإخباري نظراً الى طبيعة الظروف السياسية والأمنية التي يعيشها شعبنا، ولذلك فضّلت أن أؤدي رسالة إعلامية موجهة الى الأطفال من أجل توعيتهم وتنشئتهم وطنياً وتأمين مساحة من الفرح علّها تخفف من حدة الآلام التي يعانونها يومياً، والاهم من ذلك هو تفاعلهم مع المواضيع المختلفة التي تعبر عن اهتماماتهم وما يختلج في دواخلهم».
وعن مظهر مقدمة البرامج الفلسطينية، ترى ولاء «أن من الضروري أن تظهر المذيعة أو مقدمة البرامج بشكل لائق، وأن يتفاعل اختيارها للملابس مع ما يدور من أحداث في الساحة الفلسطينية، فمقدمة البرامج أو المذيعة جزء من الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال الإسرائيلي، وإذا كانت هناك أحداث أليمة فسينعكس ذلك على نفسية المذيعة كمواطنة عادية، وبالتالي ستراعي في اختياراتها الظروف العامة»... وتشير الى أنها ارتدت ملابس باللون الأسود في الحرب الاسرائيلية على غزه عام 2009، وفي عام 2014 اختارت ملابس معتدلة الألوان، مؤكدةً: «لم أختر طوال فترات الحرب الألوان التي أحبها والتي تناسب برنامجي، إذ فرضت الألوان الداكنة نفسها على ملابسي وعكست مشاعري ووجعي على شعبي. كما أفضّل دائماً الملابس التي تناسب طبيعة عملي وبرامجي، فأرتدي الجينز والقميص وغيره، وهذه الملابس أرتديها في حياتي العملية لأكون قريبة من الأطفال في ملابسهم. وعندما أختار ملابس غالية الثمن لا أهتم باسم مصممها، وألواني المفضلة هي الزهري والأزرق الداكن والأبيض... فهي تعكس شخصيتي الحيوية والعملية».
وعن حجابها، تقول ولاء: «لقد تعمّدت أن أكون بحجابي، وشخصيتي مقربة من الأطفال، فالسنوات الطويلة التي ظهرت فيها بحجابي على شكل الضفيرة أو الجدلة الجانبية، عوّدت الأطفال على صورتي، علما أنني أحرص دائماً على التجديد مع الحفاظ على ما يناسب طبيعة برامج الأولاد».
وتضيف: «المجتمع الفلسطيني يتابع مقدمات البرامج اللواتي يظهرن على الشاشة ويمنحهن ثقته إذا لمس صدقهن بدعمهن القضايا التي يطرحنها، وهذا ينطبق على أي فئة وأي مجتمع، وهذه العلاقة تبادلية بين المقدمة وجميع شرائح المجتمع الفلسطيني، ويبقى طموحي تحقيق هدفي الذي من أجله أظهر على الشاشة، وهو ترك بصمة في مجالي والتأثير ايجاباً في حياة الطفل الفلسطيني وإسعاده وحمايته من خلال ما أقدمه من توعية وتنشئة وطنية».
من جهتها، تقول الإعلامية رانية حمدالله، الحاصلة على بكالوريوس من جامعة النجاح الوطنية - كلية الآداب، وهي مقدمة برامج في تلفزيون «فلسطين»، إن المهنة هي من اختارتها، وتؤكد: «أطمح منذ طفولتي أن أكون مقدمة برامج، وكان ذلك أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع، وبدا أنه لن يتحقق إلا في الغربة، إلى أن جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وأسست تلفزيوناً وطنياً للمرة الأولى في فلسطين. وبعدما أنهيت دراستي الجامعية، التحقت كمتدربة بطاقم التلفزيون. في البداية عملت معدّة لبرنامج «فلسطين هذا الصباح»، ثم مراسلة تقارير خاصة بالبرامج، وبعد أقل من عامين أصبحت مقدمة برنامج ومسؤولة عن إعداده بشكل كامل لمدة خمس سنوات» أما رسالتها الإعلامية كمقدمة برامج فلسطينية، فهي «لم تعد خياراً شخصياً، بل أصبحت واجباً وطنياً ومجتمعياً، علينا أن نحمله أو على الأقل أن نساهم في تسليط الضوء عليه. وطابع المهن في فلسطين مختلف عنه في سائر الأوطان، فهي تحمل الطابع الثوري المتأتي من كوننا شعباً تحت الاحتلال يشق طريقه نحو الدولة المستقلة، فالهموم الوطنية والمجتمعية هنا أضعاف مما هي عليه في أي دولة أخرى».
وتضيف رانية حمدالله: «الشكل والملابس وباقي الأمور من قالب البرنامج وطابعه وإعداده تتبع الأحداث وسخونتها في البلد، وأضطر أحياناً إلى استبدال حلقة بأخرى حين يستشهد أحد المواطنين، فمن غير اللائق أن أخرج على شاشة التلفزيون الرسمي وأنا أرتدي ملابس بألوان فاقعة مثلاً والناس يشيّعون شهداءهم، ونحن دائماً على استعداد لهذه المتغيرات».
«إن ولعي بالموضة لم يأت من عملي في تقديم البرامج»، تقول رانية وتضيف: «أهتم بها منذ زمن، ولا أعلم السبب الحقيقي لاهتمامي بها ومتابعتها غير أنني أحبها، وأتبع ما يناسبني منها وما يليق بشكلي».
وتوضح: «إن رواتب العاملين في التلفزيون الحكومي ليست كرواتب العاملين في الفضائيات العربية والدولية، بل هي محدودة نوعاً ما، ومع ذلك أحرص على اقتناء الأزياء التي تتناسب مع جسمي وإن كانت غالية الثمن ومرهقة مادياً، لإدراكي أن شكل المذيعة ومظهرها أيضاً أمران مهمان إلى جانب حضورها وثقافتها».
وعن ألوانها المفضلة تقول: «لدي هوس بالألوان ولا أحب لوناً أكثر من الآخر، لكن بحكم التجربة ومتابعتي للموضة، أصبحت أدرك ما يتناسب مع الكاميرا ومع ديكور البرنامج وطابعه. وفي السنة الماضية تسلّمت اختصاصية تجميل ومستشارة مهام اختيار ملابسنا في التلفزيون، مما خفف عنا عبء انتقاء الملابس، الأمر الذي كان يأخذ مني وقتاً طويلاً».
وتشير الى قصّات الشعر التي تختارها قائلة: «أنتقي دائماً من قصّات الشعر تلك التي تتناسب مع وجهي الدائري، وطبعاً ما يتناسب بشكل أو بآخر مع طبيعة البرنامج الذي سأقدمه في الفترة نفسها ومع الموضة السائدة في حينه. وأنا بطبعي أميل الى الشعر الطويل رغم أن بعض المتابعين يبدون إعجابهم بالشعر القصير ويفضلونه لي.
وفي ما يخصّ تجربتها القصيرة في الإعلام المسموع، تقول رانية: «الإعلام المسموع تلزمه مهارات مختلفة عن مهارات التعامل مع الكاميرا، فسحر الكاميرا مختلف عن سحر المايكروفون الإذاعي. خضت تجربة المسموع على خجل ولم أتعمق بها لكوني مأسورة بالكاميرا».
المجتمع الفلسطيني يدعم مقدمات البرامج الفلسطينيات... هذا ما أكدته رانية الحمدالله بقولها: «مع بداية الانتفاضة الثانية، خطا المجتمع الفلسطيني خطوات سباقة في مجال دعمه للصحافيات والإعلاميات واحتفائه بهن، فهناك إعلاميات كبيرات في الوسط الإعلامي الفلسطيني طرقن أبواب الشاشات العربية، ونلن كل الاحترام والتقدير في مجتمعنا الذي يعاملنا معاملة النجمات نظراً الى غياب نجمات الدراما والسينما إجمالاً عن الساحة الفلسطينية».
ضريبة الشهرة شيء جميل، ومن الممكن استثمارها ليس فقط على الصعيد الشخصي بل على الصعيد المجتمعي أيضاً. هذا ما تلفت إليه رانية وتوضح: «إن الشهرة رأس مالنا في هذا العمل ورصيدنا الذي لا ينضب مهما تقدمت بنا السنين وغبنا عن الشاشة والناس، وأذكر أنني قبل أشهر قليلة كنت مدعوة لمهرجان إعلامي في الأردن ضم عدداً كبيراً من النجوم العرب، والتقيت خلاله مع المذيعة سوسن تفاحة مقدمة الأخبار خلال ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته في التلفزيون الأردني، وكانت سعادتي لا توصف بها وبلقائها، لأننا كنا نتابع فقط التلفزيون الأردني، ووددت حينها لو  أكون، بعد سنوات، سبباً في بهجة مذيعة شابة».
وعن مواقف تعرضت لها بصفتها مقدمة برنامج، وحفرت في ذاكرتها، تقول رانية: «إن هذه المواقف على مدار أحد عشر عاماً لا تعد ولا تحصى، لكون تجربتنا كفلسطينيات مختلفة. هناك مثلاً، موقف لا يفارق مخيلتي بتاتاً، بطلته طفلة من غزة كانت حينها تبلغ من العمر 4 أشهر، وتم عرض تقرير عنها في البرنامج الذي كان يبث مباشرةً على الهواء، وتضمّن التقرير مناشدة والديها لتأمين علاج دائم لطفلتهما أو نقلها للعلاج خارج غزة، وعُرض التقرير في الحلقة على وزير الصحة في حينها، وعند أول سؤال له عن كيفية مساعدة الطفلة؟ أجابني: إن الاحتلال يمنع خروج الطفلة من القطاع لكون غزة محاصرة، والأمر بيد الاحتلال. وحين سألته عما يفعل لو كانت الطفلة طفلته؟ كان جوابه الصمت، ولم ألقَ إجابة لي ولا لذوي الطفلة، فأنهيت الفقرة قبل أوانها بـ20 دقيقة بعدما انتابتني نوبة بكاء وإحساس بالعجز نحو الطفلة وأهلها. وكان هذا أكثر المواقف التي أشعرتني بالضعف والعجز أمام المشاهد وأمام نفسي».
في الختام، ولدى سؤالها عن طموحها أجابتنا رانية بقولها:  «ببساطة شديدة، هو أن أجد مكاناً في هذا الفضاء العالمي ومساحة لفلسطين المحتلة وفلسطين الدولة الناشئة وفلسطين الشتات وفلسطين اللجوء وفلسطين حق العودة وفلسطين المنقسمة على نفسها بين الضفة وغزة. طموحي أن أجد مكاناً يتسع لوجع المرأة لفلسطينية وطموحها، وطموحي الشخصي كأي مقدمة برامج،  برنامج يحقق إنجازات على الأرض مجتمعياً وفكرياً بما أن المعادلات السياسية لا تتغير في الوضع الراهن. إن كل ما يستطيع تقديمه الإعلام هو فضح جرائم الاحتلال أمام عالم أصم أبكم! وهذا ما يشعرنا بالعجز واللاجدوى أحياناً.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080