جولي في عوالم الإغريق... إنها أثينا
أثينا... كثيرًا ما شغلت عاصمة اليونان ومهد حضارة الإغريق مخيّلتنا بكل وجوهها السياسية والفنية والفلسفية، فمن أروقة عالمها القديم خرجت معادلة فيثاغورس الرياضية، ونظريات سقراط التوحيدية وأفلاطون المثالية وأرسطو المنطقية، وأخذتنا أساطيرها إلى عالم لا ينفك يصوّر ثنائية الخير والشر، القبح والجمال، الحب والكراهية، الخيانة والوفاء.
أثينا مدينة سكانها فخورون بتاريخهم الإغريقي وحضارته يحتفلون بهما مع كل إشراقة شمس تبسط أناملها الأرجوانية على رابية الأكروبوليس، وغروب يغرق في لازوردية البحر الأبيض المتوسط.
وبين شروق الشمس وغروبها تدخلك أثينا في أروقة عوالمها، تتصفحين تاريخها، تتسوّقين في سوق البرغوث موناستيراكي، وتحوزين حمام البخار وتسترخين على الشاطئ في غراند بيتش Lagonissi، وتكتشفينها في جولة على درّاجة السيغواي Segway، أو تركبين قطار أثينا السعيد، أو تشاركين سكّانها رقصة زوربا الفلكلورية، ولا مانع في أن تعبّري عن سعادتك بكسر الأطباق... ذلك التقليد اليوناني الطريف.
الأكروبوليس رمز أثينا
على رابية صخرية يبلغ ارتفاعها 156 مترًا يقف أكروبوليس أثينا، يتأمل في المدينة التي تبدلت وجوه سكانها وهو بقي حارسها المتكئ على أعمدة الزمن الذي يخبر أبناءه عن الحضارات والأساطير والأديان التي ازدهرت في يونانهم القديمة منذ أكثر من ألف سنة، فيما تُحفه الأربع، وهي معبد أثينا البارتينون ومدخل الأكروبول بروبيلي ومعبد أركيتون ومعبد الأسطورة نيكي، تصدّق على حكاياته محتفظة بسيرتها الأولى.
وتحاصر جدران محصّنة قوية قمة الأكروبوليس لأكثر من 3300 سنة. بني الحصن الأول خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ليحمي مقر إقامة حاكم الميسينية المحلي.
في القرن الثامن قبل الميلاد، تحوّل الأكروبوليس إلى معبد، وبعدما انتصر اليونانيون على الفرس، وضعوا خططًا عمرانية لدولتهم تحت قيادة بيركلس، فبنت مجموعة استثنائية من المهندسين المعماريين والنحاتين المعابد الأربعة التي يضمها، لتتحول تلة صخرية إلى مجمع فريد من نوعه، شهد على ظهور الفكر اليوناني الكلاسيكي. هنا على هذه الرابية ولدت الديمقراطية مفهومًا وممارسة سياسية... والفلسفة، والمسرح، وحرية التعبير والرأي، لتبقى بنات أفكار الإغريق الأساس الفكري والروحي للعالم المعاصر وقيمه. اختلف مفهوم الديمقراطية الذي انبثق من أثينا قبل آلاف السنين، ولكن بقيت الكلمة، فلكل شعب ديمقراطيته.
خلال خمسة وعشرين قرنًا، نجا الأكروبوليس من الحروب والانفجارات والقصف والحرائق والزلازل، وبقي يذكّر الناس بأن الإغريق بُناة الحضارة الأولى كانوا هنا.
متحف أكروبوليس
هو من المتاحف التي يجب ألا تفوّتي زيارتها عندما تزورين أثينا. فهو تحفة عصرية بتصميم حديث، تكتشفين بين جدرانه مفهوم علم الجمال القديم للأكروبوليس وتشعرين بروح أثينا القديمة.
يضم غاليريات عدة وهي: سفوح الأكروبوليس، ومعرض البارثينون العتيق ومنحوتات ومخطوطات الكتابات المقدسة، فضلاً عن الأشياء التي كانت تستعمل في الحياة اليومية.
يمكنك أيضًا مشاهدة أعمال الترميم، والتحدّث إلى الدليل السياحي الذي هو عالم آثار، والحصول على الهدايا التذكارية الصغيرة من متجر التحف، وتناول الطعام في مطعم موجود في الطبقة الثانية من المتحف.
المتحف الأثري الوطني
هو من أكبر المتاحف في اليونان ويضم أكثر من 11 ألف معروضة، يدخلك في تجربة بانورامية للحضارة اليونانية، من عصور ما قبل التاريخ إلى العصور القديمة المتأخرة. تضم غاليريات الفن فيه مجموعات أثرية دائمة العرض، من بينها منحوتات فنية تعتبر تحفًا رائعة.
يمكنك التعرف إلى فنون ما قبل التاريخ وإلى مجموعة المنحوتات، التي تدلك على تطور فن النحت اليوناني القديم من القرن السابع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، زهريات ومنحوتات صغيرة جدًا، ومجموعات من البرونز، مع العديد من التماثيل الأساسية، والتماثيل الصغيرة، ومجموعات فرعونية، وهي الآثار الوحيدة التي تشير إلى وصول الفراعنة إلى اليونان، ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل السلالات الحاكمة عام 5000 قبل الميلاد حتى الفتح الروماني.
سوق البرغوث موناستيراكي
بعد زيارة التاريخ وقراءة سطوره، لا بد لك من زيارة أسواق أثينا، فهي لا تقتصر على التسوّق بل على تجربة رائعة فيها الكثير من الطرافة، فإذا لم يساوم التاريخ اليوناني على مجده، فإن سوق موناستيراكي يسمح لك بالمساومة، ولكن على السعر.
فاليونانيون في النهاية هم من شعوب البحر الأبيض المتوسط، ولديهم الكثير من العادات المشرقية التي تجعل التعامل معهم غير متحفّظ. في سوق موناستيراكي تشعرين بأنك في سوق مدينة جبيل اللبنانية أو في أحد أسواق تونس أو المغرب، فالمتاجر القديمة تشمخ بأبوابها الخشب ومعروضاتها، منها المتدلية من السقف ومنها المفروشة على الأرض أو الطاولة... والجميع يناديك لتشتري، تذكارات يونانية ولا سيما الدمى التقليدية التي ترتدي «الفوستانيللا» للرجال، وفستان «أماليا» للنساء. يمتد سوق البرغوث موناستيراكي على مساحة واسعة من ساحة موناستيراكي ومحطة المترو وصولاً إلى نهاية الشارع إرمو.
قد تظنين أنه يفتح يومًا واحدًا في الأسبوع! لا إنه سوق دائم، وإنما يوم الأحد هو أكثر إثارة للاهتمام، فهو يوم التنزيلات الكبرى على كل ما يعرض من الملابس إلى الكتب القديمة والطوابع والعملات، والأثاث، والبطاقات البريدية، والتذكارات، وزينة الديكور وأكثر من ذلك. يمكن الأسعار أن تختلف والمفاوضة ضرورية وفيها متعة.
الحمّامات
تقع الحمامات في حي ثيسيون Thission، على مقربة من بيت الحمام الشهير «ذا ويندز» the Winds في بلاكا. إنه الحمّام الأقدم في أثينا.
هذه المساحة البسيطة المعاصرة، تم تصميمها على نمط حمامات البخار الشرقية التقليدية. تعكس القبّة المثيرة للإعجاب، ومقاعد الرخام الموجودة في الوسط والمحاطة بالأحواض الفردية جوًا من الحمّامات القديمة.
هنا يمكنك أن تسترخي وتتركي البخار المتصاعد يزيل التوتر من جسمك. وقد تستمتعين بحمام تجديد البشرة، من طريق تقشير عميق بالإسفنج التقليدي والتدليك المهدّئ الرائع، يليه تناول كوب من الشاي الدافئ. مساحة تتسع لستة أشخاص، ويوم الثلاثاء فقط للسيدات. كما تقدم العصائر الطازجة والأطباق اليونانية التقليدية.
معلومة: يفتح الحمام من الإثنين إلى الجمعة من الثانية عشرة والنصف حتى العاشرة مساء، وفي عطلة نهاية الأسبوع من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساء. الحجز ضروري.
غراند بيتش Lagonissi
يعتبر هذا الشاطئ مثاليًا لتمضية يوم واحد في محيط جذاب. يقع في الضاحية الجنوبية لأثينا غراند ريزورت Lagonissi، على طريق سونيو. إنه شاطئ فريد ومثالي لممارسة الرياضات المائية.
يمكنك الاسترخاء في أحد مقاهيه والاستمتاع بنسائم البحر، مع الموسيقى الهادئة، والعصائر الطازجة، أو الاسترخاء على الرمال لحمام شمس لطيف. فيما يبدو مطعم بوسيديون المكان المثالي لتناول الطعام اليوناني بعد السباحة أو حمام الشمس.
معلومة: يستقبل غراند بيتش هواة البحر من أيار/ مايو حتى نهاية أيلول/سبتمبر ويضم دور سينما، وملعب كرة الطائرة الشاطئية، شريط الشاطئ، وغرف تبديل الملابس والاستحمام، وخدمة واي فاي.
جولي في أثينا عبر الدراجة الكهربائية سيغواي Segway
اكتشفي مدينة أثينا بطريقة سهلة وممتعة وآمنة عبر دراجة سيغواي. انطلقي من صخرة الأكروبوليس إلى الاستاد الأولمبي الأول، من ثم إلى سوق البرغوث موناستيراكي وإلى Pnyka مسقط رأس الديموقراطية.
ومن أغورا القديمة إلى الحدائق الوطنية، تعرّفي إلى الآثار القديمة، والمعالم الحديثة لواحدة من أجمل مدن البحر الأبيض المتوسط وأقدمها. وتعرّفي إلى الماضي الأسطوري والتاريخي لأثينا، والحياة اليومية والنشاطات الترفيهية لهذه المدينة.
قطار أثينا السعيد Athens Happy Train
تعتبر الجولة في قطار أثينا السعيد مغامرة ولا أمتع. ركوب هذا القطار يتيح لك جولة مدتها 60 دقيقة على معالم المدينة التاريخية. هو قطار الشارع، ينطلق من ميدان سينتاغما وميدان موناستيراكي ويعبر المركز التاريخي للمدينة، والأحياء القديمة وتلة الأكروبوليس.
تشمل الجولة الأكروبوليس، بلاكا، معبد زيوس، وميدان موناستيراكي، والسوق الرومانية القديمة وملعب باناثينايكو، ومسرح هيرودس أتيكوس، وقوس هادريان ومتحف الأكروبوليس الجديد.
تقفزين من قطار أثينا السعيد في ميدان موناستيراكي لاستكشاف الشوارع الضيقة في منطقة بلاكا، أقدم حي في أثينا، وفي متحف الأكروبوليس الجديد لزيارة تلة الأكروبوليس. يتوقف قطار أثينا السعيد في هذه النقاط لمدة خمس عشرة دقيقة. يمكنك استعمال التذاكر نفسها في أي من القطارات الأخرى لمدة ساعتين.
معلومة: يعمل قطار أثينا السعيد على مدار السنة. تبدأ الجولات من 09:00 صباحًا حتى 12:00 مساء كل ثلاثين دقيقة كل أيام الأسبوع. ويرافق الركاب في جميع الجولات مرشد سياحي يتكلم اللغتين الإنكليزية واليونانية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024