تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

جدل ديني فجّرته قضية زينة وعز: هل يجوز الخلع من الزواج العرفي؟

بعدما تقدمت الفنانة زينة بدعوى خُلع من الفنان أحمد عز عن زواجها العرفي منه، يصبح السؤال: هل يجوز الخُلع من الزواج العرفي؟ المفاجأة التي فجّرها علماء الدين لنا أنه يجوز، لكن بشروط، فما هي؟ وهل هناك في المقابل زواج عرفي لا يجوز فيه للزوجة الحصول على حق الخُلع؟ وما هو أيضاً رأي القانون؟


ضوابط شرعية
تشير الدكتورة سماح عزب، الأستاذة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات- جامعة الأزهر، إلى أن الشريعة الإسلامية أعطت الرجل حق التطليق، وفي مقابل ذلك أعطت المرأة حق الخلع من طريق الافتداء، إذا ما كرهت زوجها وخافت ألا تُوفِّيه حقوقه الشرعية، استناداً الى قول الله تعالى: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» (آية 229) سورة «البقرة».
وعن أول حالة خلع في الإسلام من الزواج العرفي الذي كان سائداً في صدر الإسلام، حيث لم يكن هناك توثيق، أوضحت الدكتورة سماح عزب أن الصحابية حبيبة بنت سَهل الأنصاري زوجة ثابت بن قيس، هي صاحبة أول حالة خلع، بل إن هذه الآية الكريمة السابقة نزلت في هذا الشأن، وقد جاءت قصتها في الأحاديث النبوية، حيث جاءت امرأة ثابت الى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وقالت: «يا رسول الله، زوجي ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلُق ولا دِين، لكن أكره الكفر في الإسلام - أي أكره عدم الوفاء بحقِّه لبغضي له -، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): أتردِّين عليه حديقته، وهي المهر الذي أمهرها، فقالت: نعم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لثابت: اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة».
وتنهي الدكتورة سماح عزب كلامها، مؤكدة أنه يجوز شرعاً الخلع من الزواج العرفي إذا كان زواجاً صحيحاً من الناحية الشرعية، أما إذا كان زواج مراهقين أو مستهترين فلا يجوز، لأنه يجب ألا نطوع أحكام الشرع لأهواء البشر، بل يجب على البشر أن يلتزموا بأحكام الدين من دون المماطلة أو البحث عن ثغرات، لقول الله تعالى: «َمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً» (آية 36) سورة «الأحزاب».

نوعان
تلفت الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، إلى أن للخُلع مدلولاً شرعياً، يعني إزالة الزواج سواء طالبت بذلك الزوجة أو وليّها أو من ينوب عنها، ومعناه بإيجاز أن تُخالع المرأة زوجها ويتم تطليقها منه في مقابل ما يشبه التعويض، نقدياً أو عينياً، تدفعه لتفتدي نفسها به، وقد جعله الإسلام مخرجاً للمرأة إن أريد بها الضرر وهي لا تقبله.  وتوضح الدكتورة عفاف أن الإسلام ينظر إلى الخلع على أنه عقد تم فيه الإيجاب والقبول، لكنه مختلف عن الزواج في دور كل من الرجل والمرأة، حيث إنه بالنسبة الى الرجل تعليق للطلاق على قبول المال، وبالنسبة الى المرأة فدية ومُفاوَضة، وهو حل إسلامي فريد لمشكلة مستعصية، وهي رغبة المرأة في إنهاء العلاقة الزوجية. وعن مشروعية الخلع من الزواج العرفي، تشير الدكتورة عفاف إلى أن القضية ذات شقين، أولهما إذا كان يقصد بالزواج العرفي زواجاً شرعياً مكتمل الشروط والأركان الشرعية، إلا أنه غير موثق فهذا يجوز فيه الخلع شرعاً. أما الحالة الثانية فهو الزواج العرفي غير مكتمل الشروط والأركان، وبالتالي غير موثق، كالذي يتم بين طلاب وطالبات المدارس والجامعات وبعض الفنانين والفنانات، فهذا لا يجوز فيه الخلع شرعاً، لأنه علاقة غير شرعية وفق رأي جمهور الفقهاء.

الأركان والشروط
 تؤكد الدكتورة سهير الفيل، وكيلة كلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، أن الزواج العرفي المتعارف عليه عبر التاريخ الإسلامي ما هو إلا زواج شرعي مستوفٍ لأركانه وشروطه، غير أنه لم يوثق في المحكمة، وطالما أنه بهذه الكيفية فيجوز الخلع فيه كالزواج الموثق تماماً، لكن من طريق المجالس العرفية أو الاتفاقات الأسرية، وليس من طريق المحكمة. وتوضح الدكتورة سهير أنه يكفي لإتمام الخلع من الزواج العرفي أن يتفق الطرفان ويتراضيا على أن ترد الزوجة ما دفعه لها زوجها من المهر أياً كانت قيمته، طالما أنه تم بالتراضي والاتفاق من دون إكراه أو إجبار أو سوء نية، والله سيحاسب الزوج الذي يجبر زوجته على الخلع – سواء من زواج رسمي أو عرفي – على نيته التي يطّلع عليها الله وحده، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».  وتطالب الدكتورة سهير الفيل، الزوج الذي يتزوج عرفياً – أياً كانت ظروف هذا الزواج وملابساته - بأن يتقي الله في المرأة بأن يعطيها حقوقها، ولا يجبرها على الخلع من أجل مكاسب مادية يحققها من وراء ذلك، كأن يسيء معاملتها ليجعل الخلع – وليس الطلاق – هو وسيلتها الوحيدة للخروج من جحيم هذا الزواج.

تحذير
أما الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، فيؤكد أن من المقرر شرعاً أن يتعهد الزوج في صيغة الزواج – سواء كان عرفياً أو رسمياً – أمام الله ثم الحاضرين بحسن معاملة الزوجة، وأن يتقي الله فيها، لأنه زواج تم على كتاب الله وسنّة رسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، وإذا خالف ذلك وأجبرها على الخلع فهو آثم شرعاً، وعقابه عند الله شديد لمخالفته قول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» (الآيتان 90-91) سورة «النحل».
ويحذّر الدكتور عمر هاشم الأزواج الذين يتزوجون عرفياً، من التهاون أو التفريط في حقوق الزوجات بحجة أن زواجهم عرفي، مع أن الله وصف الزواج – سواء كان موثقاً أو عرفياً – بالميثاق الغليظ، فقال سبحانه وتعالى: «... وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» (آية 21) سورة «النساء». ولهذا فإنه لا يجوز شرعاً الخلع من أي زواج غير شرعي غير مكتمل الشروط والأركان.
 ويختتم الدكتور عمر هاشم كلامه، داعياً أولياء أمور الفتيات الى تيسير الزواج الحلال، خاصة في عصر كثرت فيه المغريات وأصدقاء أو صديقات السوء، لأن تعسير الحلال يفتح أبواباً للحرام، وهذه غرائز مشتعلة يجب ترويضها بالزواج الشرعي الموثق، وليس العرفي المثير للجدل من الناحية الشرعية والقضائية.

هناك فرق
تعترض الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية- جامعة الأزهر، على معاملة الزواج العرفي المكتمل الأركان والشروط الشرعية في قضية الخلع مثل العلاقات غير الشرعية بين المراهقين والمراهقات من طريق ورقة وشهود غير عدول، لأن هناك فرقاً، فالأول زواج شرعي غير موثّق يجوز فيه الخلع، أما الثاني فهو علاقة غير شرعية آثمة ويجب شرعاً عقاب مرتكبيها، لأنهم يشيعون الفاحشة باسم الدين وهو من ذلك براء، وينطبق عليهم قول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (آية 19) سورة «النور».
وتوضح الدكتورة إلهام شاهين أن عدم توثيق الزواج العرفي لا يفسد العقد، لكنه لا يضمن حقوق الزوجة في الزواج والإنجاب والإرث والطلاق، ولهذا يعد التوثيق أمراً مهماً في عصرنا الذي خربت فيه الذمم، كوسيلة لإثبات تلك الحقوق وإلزام الزوج بها، ومع هذا فإنه يجوز عند بعض الفقهاء وقوع الخلع والطلاق في الزواج المختلف فيه، إذا غلب على الجميع صحته.

الورقة لا تكفي
أما الدكتور محمد عبدالمنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية- جامعة الأزهر، فيعترض على إمكانية الخلع من الزواج العرفي، لأن «ما بني على باطل فهو باطل»، وما كان حراماً لا يمكن النظر إليه كالحلال، لأن الزواج الذي اشتهر في هذه الأيام باسم الزواج العرفي، هو في الحقيقة ليس زواجاً شرعياً، بل إن تسميته باسم الزواج حرام شرعاً، لأنه علاقة غير شرعية، ولهذا يجب تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة.  ويوصف الدكتور البري غالبية ما يطلق عليه «الزواج العرفي» الآن، ومنه زواج كثير من الفنانين والفنانات والمراهقين والمراهقات، بأنه عبارة عن اجتماع الرجل مع المرأة سراً، وكتابة ورقة بينهما يعترف فيها الرجل بأنه تزوج المرأة، وقد يكون هناك شهود غير عدول من أصدقائهما غير الملتزمين أخلاقياً، ولا يعرفون أحكام الشرع، إنما هم مجرد غطاء لتبرير فعلتهم الآثمة التي تدفع المرأة وأهلها ضريبتها الكبرى من خلال المحاكم والفضائح.  وينهي الدكتور البري كلامه، مؤكداً أن ما يسمح فيه شرعاً بالخلع أو الطلاق هو الزواج العرفي المكتمل الشروط والأركان الشرعية، أما غير ذلك فهو زواج زيّنه الشيطان لأتباعه لخداع أنفسهم بأنه زواج، وقد حذّرنا الإسلام من الوقوع فريسة لألاعيب شياطين الإنس والجن، خاصة في ما يتعلق بالأعراض التي يعمل الإسلام على صيانتها من العبث، فقال الله تعالى: «وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً» (آية 32) سورة «الإسراء».

أولياء الأمور
يتهم الدكتور سعد الدين الهلالي، رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة والقانون- جامعة الأزهر، أولياء أمور الفتيات بأنهم السبب الرئيسي في انتشار الزواج العرفي، لأنهم قصَّروا في تعريف بناتهم بأمور دينهن، أو في منعهن من الزواج بمن يرغبن بغير سبب شرعي، وهذا يخالف ما أمر به الله، حين قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
ويجيز الدكتور الهلالي للبنت التي يرفض وليّها تزويجها بمن تحب من الرجال ذوي الكفاءة والدين، أن تتجاوزه إلى الولي الأبعد، أو ترفع أمرها إلى القضاء، بدلاً من الزواج العرفي الذي لا يعطيها الحق في طلب الخلع، لأنه غير موثّق، وحتى إذا قبل القضاء دعوى الخلع من الزواج العرفي لأي سبب كان، فإنه يظل محل جدل وشك من الناحية الشرعية،
وقد نهانا رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم) عن الزواج وغيره من الأمور الشرعية التي فيها شك أو ريبة، فقال: «إن الحلال بيّن وإن الحـرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
 ويختتم الدكتور الهلالي كلامه، مؤكداً أنه يجوز الخلع إذا كان الزواج مستكملاً شروطه وأركانه، من ولي للمرأة يتولى العقد وشهود وإيجاب وقبول، لأنه صحيح ولو لم يوثق في المؤسسات الرسمية، لكن توثيقه أفضل، وقد أكد بعض الفقهاء أنه قد يفسد عقد الزواج بدون توثيق، خاصة بين طلبة الجامعات، أو إذا رغب الزوجان في إخفاء الزواج، أو إذا كان الشهود غير عدول، نظراً الى ما يترتب عليه من تجاوزات شرعية وأخلاقية وهتك للأعراض إذا لم يكن شرعياً.

ضوابط قانونية
عن الضوابط القانونية للخلع من الزواج العرفي، يشير المحامي منتصر العمدة الى أن دعوى التطليق خلعاً هي إحدى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج، أي أنها تستند إلى عقد الزواج كأساس لها، وبالتالي لا خلع، أو تطليق خلعاً، إلا من زواج صحيح وقائم، وذلك وفقاً لنص المادة 17 الفقرة 2 من القانون الرقم 1 لسنة 2000.
ويوضح منتصر العمدة أنه يجب التفريق بين حالتين، أولاهما: إذا أقامت المتزوجة عرفياً دعواها بطلب التطليق خلعاً ولم ينكر الزوج قيام العلاقة الزوجية، فإن المحكمة تلتزم بالسير في دعوى التطليق خلعاً.
الحالة الثانية، وهي الأكثر شيوعاً، حين ينكر الزوج زواجه عرفياً بالمدّعية عليه بالزواج، وتُقدم عقد زواجها وتطلب التطليق منه خلعاً، فإن المادة 17 الفقرة 2 من القانون الرقم 1 لسنة 2000، تنص على قبول دعوى التطليق والفسخ، طالما كان الزواج ثابتاً بأي كتابة. أما إذا لم تكن مع الزوجة وثيقة فلا تقبل المحكمة دعوى الخُلع.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080