تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

محاربة التحرش والعنف بالركض!

أن تمارس رياضة فهذا أمر عادي، لكن أن تمارس رياضة من أجل نشر الثقافة والأعمال الخيرية، فهذا هو الجديد الذي ابتكره بعض الشباب في مصر بعدما كونوا فرقاً للركض بأسماء مختلفة، رافعين شعار: «الركض من أجل الخير». كيف بدأ هؤلاء الشباب فكرتهم؟ وما هو هدفهم؟ وما الخير الذي يقدمونه؟ وماذا يستفيدون من ذلك؟ «لها» تحقق.


ثقافة جديدة
أحمد الشاذلي، 29 عاماً، أحد مؤسسي فريق Cairo Runners يقول: «رغم نقلنا الفكرة عن الدول الأوروبية، إلا أن ذلك لم يكن من أجل التقليد الأعمى، إذ وجدنا في مصر أماكن وشوارع جيدة لممارسة رياضة الركض، فضلاً عن أن هدفنا الثاني كان تجميع الشباب في عمل مفيد».
يتذكر الشاذلي تاريخ 14 كانون الأول 2012، ويبتسم مؤكداً أنه تاريخ لا ينسى، حيث كان التاريخ الرسمي لانطلاق Cairo Runners، للمرة الأولى في شوارع مصر، حيث أن أعداد المشاركين لم تتعدّ الـ 60 فرداً حينها، أما اليوم فيصل متوسط أعداد المشاركين إلى 3000 متسابق. ويتابع: «أكبر عدد حققناه كان ستة آلاف متسابق في نصف الماراثون الذي أقمناه في العام الفائت، كما نهدف إلى تنظيم ماراثون عالمي يشارك فيه العداؤون من شتى أنحاء العالم، بمختلف الجنسيات، لكننا نكتفي حالياً بنصف الماراثون، لأن ثقافة الركض ما زالت جديدة على المجتمع المصري». يشير الشاذلي، وهو المسؤول الإعلامي في الفريق، إلى أن ردود أفعال المشاركين في حدث الركض الأسبوعي لم تكن متوقعة في البداية، حيث تباينت بين الدهشة والفرحة لتحقيق هذا الحدث في شوارع مصر، لافتاً إلى أن الجميل في الأمر أن جميع الفئات شاركت في الركض منذ البداية، شباباً ومسنين وأمهات مع أولادهن، خاصة مع دعوة الفريق الأمهات للمشاركة ودعم طاقتهنّ الإيجابية بمناسبة عيد الأم، فتوافدت أمهات شابات مع أطفالهنّ، هذا فضلاً عن بعض الشباب الذين اصطحبوا أمهاتهم.
ويضيف: «مع ازدياد أعداد المشاركين، بدأت الجمعيات الخيرية تتواصل معنا من أجل نشر الوعي بأمور اجتماعية وصحية، فشرعنا في تحديد أهداف للركض، فضلاً عن كونه هاماً للصحة البدنية والنفسية، فكنا تارة نختتم ركضنا برسالة توعية بكيفية التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة في الأسرة والعمل، وأخرى للتوعية بمرض السكر، وانضمت إلينا إحدى الجمعيات المهتمة بنشر ذلك الوعي، وأجرت تحاليل لقياس نسبة السكر لدى جميع المشاركين معنا، الى جانب التوعية بأمراض الدم وأهمية التبرع به، وغيرها من الإرشادات الصحية والاجتماعية والتي كان آخرها أهمية دعم السياحة الداخلية. ويكمل الشاذلي حديثه قائلاً: «الجميل في الأمر أن المشاركين في الركض يقبلون على التوعية التثقيفية أياً كانت، ودائماً ما يتفاعلون مع مسؤولي التثقيف في الجمعيات الخيرية التي تشاركنا، فضلاً عن رفعنا شعار «الركض من أجل مناهضة العديد من الأمراض»، مثل سرطان الثدي، والعديد من الثقافات الاجتماعية الخاطئة مثل العنف ضد المرأة».

ضد سرطان الثدي
آية صفوت، مسؤولة العلاقات العامة في فريق Cairo Runners وعضو مؤسس، تؤكد أن هدفهم الأساسي من الفريق هو أن يرى الشباب القاهرة نظيفة بعيون جميلة، ويستطيعوا ممارسة الركض بحرية في شوارعها الواسعة.
وتتابع: «ركضنا في البداية من أجل نشر ثقافة الرياضة وحب الانتماء إلى الوطن ورؤيته بعيون جميلة، وكذلك بهدف نشر الوعي بأن العقل السليم في الجسم السليم، خاصة إذا تمت ممارسة الرياضة في تجمعات، مما انعكس إيجاباً عليَّ، إذ شعرت بأن ممارسة الركض كل أسبوع في الهواء الطلق تخرج الطاقة السلبية من داخلي، وتزيدني قوة ونشاطاً وإقبالاً على الحياة، فضلاً عن تقوية الصبر والاحتمال في الحياة بشكل عام، وهذا ما أكدته غالبية المشاركين معنا أيضاً. والجميل في الأمر استغلالنا لتكنولوجيا العصر وثورة مواقع التواصل الاجتماعي، فمن لا يشاركنا الرياضة، يشاركنا الوعي بمساعينا الخيرية من خلال نشر صور الركض والأهداف الخيرية على وسائل التواصل الاجتماعي».

ركض وبانتومايم
محمد سعيد الشهير بمحـمد شيتوس، قرر أن يمارس الركض مضيفاً إليه نكهة السعادة، من طريق دمجه بفن البانتومايم (العروض الإيمائية) الذي يسعى إلى نشره.
يقول محمد: «جريت من أجل السعادة، والبداية كانت عندما أخبرني اصدقائي بأنهم منتظمون في الركض أسبوعياً مع فريق في المعادي يهدف إلى نشر فوائد الرياضة على الجميع، كما أكدوا لي أن فريقهم يستعد لتنظيم اليوم التالي بمناسبة رأس السنة، ويحاولون أن يضفوا عليه طابع المرح، فقررت الاشتراك وهاتفت منسّقي الفريق فرحبوا بوجودي». ويتابع: «في اليوم المحدد ركض الجميع، وتواجدت شخصيات كارتونية مثل «سبايدر مان» و «بات مان» جسّدهما شباب، وقدمت بدوري فقرة البانتومايم، سعياً مني لإعادة هذا الفن الى المجتمع المصري بعد انقراضه».
أعجب محمد بفكرة الركض ودمج الفن مع الرياضة، وكرر الأمر في مرات عدة. وعن ردود أفعال المشاركين تجاه فن البانتومايم، يقول شيتوس: «المشاركون في الحدث الرياضي أعربوا عن سعادتهم الشديدة وحبهم لهذا الفن الذي تفاعلوا معه، أما أنا فكنت في قمة سعادتي».

ضد التحرش
الركض من أجل مناهضة التحرش، كان الحدث الأكبر الذي اشتهر به فريق Egy Runners. يقول كريم الكردي، محاسب (28 عاماً)، وأحد مؤسسي الفريق: «اعتدنا الركض منذ أكثر من أربع سنوات مع صديقنا كريم عادل صاحب فكرة تأسيس الفريق، وكنا وقتها أربعة أصدقاء نركض بانتظام مرة أسبوعياً، حتى تحمس كريم عادل لتأسيس فريق للركض، ودعانا لمشاركته في نشر الفكرة على نطاق واسع، فوافقنا وبدأنا نخبر زملاءنا في الكلية والعمل، ثم أسسنا صفحة رسمية للفريق على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، لنعلن فيها عن نشاطات الفريق». ويؤكد الكردي أن اهتمام الفريق بأهداف مختلفة خيرية وإيجابية للركض في كل مرة، تزامن مع زيادة نسبة التحرش في الشارع المصري، ويقول: «حينها اقترح أحد الأصدقاء أن نخصص هدف جرينا ذلك الأسبوع لمناهضة التحرش، وبالفعل تواصلنا مع أكثر من فريق ومؤسسة، مثل «قوة ضد التحرش»، وانضم إلينا عدد من مدربي الدفاع عن النفس ليعلّموا الفتيات فنوناً قتالية بسيطة في مواجهة التحرش، فضلاً عن انضمام أكثر من 25 فريقاً للركض إلينا، فكانت الأعداد المشاركة كبيرة جداً، ولاقى الحدث صدى كبيراً وانتشاراً واسعاً، خاصةً أن عدد العدائين المشاركين في الحدث تخطى الألف». ويتابع: «بعدها بفترة كان الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة سرطان الثدي، فتعاونّا مع إحدى الجمعيات الخيرية لمكافحة سرطان الثدي، وأعلنّا أننا سنركض من أجل مريضات سرطان الثدي وبهدف التثقيف ضد المرض، وبالفعل انضم إلينا أطباء أورام من الجمعية، وتحدثوا عن ماهية المرض وكيفية الفحص الذاتي والتصدي للمرض، كما انضمت إلينا ناجيات من المرض».

طاقة إيجابية:
يلتقط أطراف الحديث كريم كامل، 24 عاماً، محامٍ وأحد مؤسسي فريق Egy Runners، ويؤكد أن من أهم الأهداف الخيرية التي أعلنوا عنها ولاقت قبولاً كبيراً من الشباب ونجحت على نطاق واسع، كان «الركض من أجل التوعية بأمراض الدم والتبرع به»، قائلاً: «فكرة التبرع بالدم ليست سهلة على المصريين بشكل عام، خاصة مع انتشار أمراض مزمنة، مثل الضغط المرتفع أو المنخفض أو فقر الدم، فضلاً عن أن فكرة فقدان الدم من أجل التبرع في أوساط الشباب ليست منتشرة وتتضمن معلومات مغلوطة بصورة كبيرة، لذا تواصلنا مع كلية الطب في جامعة عين شمس، وعدد كبير من الأطباء للتوعية بأهمية التبرع بالدم، فكانت من أكثر المرات التي نظمنا فيها حدثاً للركض، نجاحاً، وأكد لنا المشاركون تصحيح معلوماتهم المغلوطة حول ثقافة التبرع بالدم، وأنهم سيساعدون على نشرها بين أصدقائهم وأقاربهم».
يلفت كريم إلى أنه بجانب نشر الثقافة والأهداف الخيرية، فإن الركض يعود بالإيجاب على الصفات الشخصية مؤكداً أن تغييرات إيجابية طرأت على شخصيته، فضلاً عن تحسين علاقته بأخته بعد انضمامها إلى الفريق، حيث توطدت علاقتهما لاشتراكهما في الهدف نفسه.

ضد الاكتئاب
من الناحية النفسية، يؤكد الدكتور وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن انتشار الركض من أجل الخير فكرة غربية طوّرها الشباب بما يتماشى مع المجتمع المصري.
ويلفت أستاذ الطب النفسي إلى أن النجاح الذي يحققه هذا الشباب يعد انتصاراً لفكرتهم واستغلالهم لطاقتهم في أفكار إيجابية تخدم المجتمع، حيث إن الشباب يتطور بانفتاحه على العالم، وينقل تلك الخبرات الى كبار السن أيضاً، مستغلاً الثورة التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي كأدوات لتحقيق أهدافه الخيرية، فضلاً عن هدف الشهرة أيضاً، الذي تحققه الـ «سوشيال ميديا» أسرع من الإعلام نفسه، نظراً الى كثرة مستخدميها.
ويؤكد الدكتور وائل أن الانخراط في مجموعات يساعد على الحماية من أمراض الاكتئاب عموماً، وهذا ما تقوم به مجموعات الركض التي ينظمها الشباب، ففضلاً عن دور الرياضة في تفريغ شحنات التوتر والطاقة السلبية من جسم الإنسان وتفكيره، إلا أنها تعالج الاكتئاب أيضاً، فيصبح المرء أكثر قابلية للانخراط في المجتمع وخدمته، واستقبال جميع الأفكار الإيجابية أو الخيرية والتثقيفية التي تُنظم إلى جانب الركض.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080