رسالة أحمد السقا تعيد صغيراً الى أحضان أمه
طفل صغير يجلس على أحد الأرصفة في حالة من الإعياء الشديد، يصرخ من شدة الألم وهو يصارع الموت ليدفع ثمن زواج والدته من رجل بلا قلب، حكم عليه بالإعدام في طبق "كشري"، تناوله بلهفة وهو يجالس من كان في يوم من الأيام بمثابة والده، لكن القدر كان أكثر رحمة به، فأرسل اليه من ينقله إلى المستشفى وينقذه من موت محقق.
صرخات ألم تصدر من طفل صغير تستجدي المارة، كادت تختفي وسط زحام الشوارع، بعدما خارت قواه وعجز بنيانه عن الصراخ، إلا أن أنظار أحدهم تعلقت به وهو يجلس على رصيف المقهى المطل على الشارع، مع مجموعة من أصدقائه في منطقة كوبري القبة غربي القاهرة، فأسرع إليه لتبدأ أولى خطوات كشف الجريمة البشعة التي ارتُكبت بحق صغير لا حول له ولا قوة.
لم يكن الصغير في حالة تسمح له بالكلام، بعدما بدا على موعد مع الموت، فسارع الشاب الى نقله إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه، لكن كلمات الطبيب خرجت قاسية وهي تبلغه بأن الصغير يعاني تسمماً حاداً، وإذا لم يسرع بنقله إلى مركز السموم قد يتوفى لسوء حالته.
إنقاذ الصغير
بلا تفكير انطلق الشاب بصحبة الصغير من مستشفى منشية البكري إلى مركز السموم التابع لمستشفى الدمرداش غربي القاهرة، من دون أن يتوقف طوال الطريق عن ترديد الدعوات له بالشفاء، علّه ينجو من الموت.
كإجراء طبيعي، أبلغ المستشفى قسم الشرطة بحضور طفل مصاب بتسمم حاد إثر تناوله كمية كبيرة من سم الفئران دُسّت له في طعام تناوله، الأمر الذي يشير إلى شبهة جنائية، مما استوجب الإبقاء على مرافقه الى حين حضور رجال الشرطة لاستجوابه عن تفاصيل الواقعة.
لم يكن المرافق إلا فاعل خير يدعى معتز محمود سيد، 29 سنة، حاصل على بكالوريوس تجارة، شاهد الصغير في حالة إعياء شديد وهو يجلس على رصيف المقهى، وبعدما فشل في التوصل الى أهله، قرر نقله إلى المستشفى على مسؤوليته.
اختفاء الأب
في محضر رسمي قال معتز إن الطفل أبلغه أنه يدعى محمد، وكان بصحبة والده حين توجّها لتناول الكشري في أحد مطاعم المنطقة، ثم تركه في مكان العثور عليه أمام المقهى وتوجه لشراء السجائر بعدما طلب منه انتظاره، لكنه لم يعد، مشيراً إلى أنه ذكر له أنه يقيم في الجيزة ووالده يدعى علي ووالدته حنان، وهو ما أكده الطفل بعدما نجحت محاولة إسعافه وتم إنقاذه.
لم يكتف معتز بما فعله لإنقاذ محمد، بل قرر مواصلة دوره في البحث عن أهله من دون أن يترك الأمر لرجال الشرطة بمفردهم، فالتقط له صورة وهو يرقد في المستشفى وضعها على حسابه الشخصي على «فايسبوك»، ونشرها أيضاً على صفحات الجرائد المهتمة بالبحث عن المفقودين، لربما يشاهده أحد من أقاربه ويتعرف إليه.
رسالة فنان
الفنان أحمد السقا كان واحداً من الذين علموا بقصة هذا الصغير، ليتعاطف مع الأمر وينشر رسالة مرفقة بصورة «محمد» على حسابه الشخصي في «فايسبوك» لمتابعيه، الذين تجاوز عددهم الـ 11 مليون شخص، طالباً منهم مساعدته في العثور على أهل الصغير من خلال إعادة نشر الرسالة، وهو ما كان بالفعل، ليتم الوصول إلى والدته التي كانت تبحث عنه.
أحداث مثيرة كشفها رجال المباحث بعد التوصل إلى والدة الصغير، الذي تبين أنه يدعى محمد علي عبدالله، ويبلغ من العمر ست سنوات، ويقيم في منطقة المنيب في الجيزة بصحبة والدته حنان طلعت مخلوف، 39 سنة، ربة منزل.
مفاجأة
قالت الأم إن زوجها والد الصغير قد توفي منذ سنوات عدة، لتثير دهشة الجميع، بعدما ذكر أنه كان بصحبة والده الذي اختفى عقب الحادثة، وبسؤالها عمن يكون إذاً هذا الشخص الذي كان برفقته، اضطرت للقول بأنه طليقها.
ذكرت الأم أن بعد وفاة زوجها، تعرفت إلى شخص يدعى محمد عبدالغفار عبدالسلام، 35 سنة، عامل في إحدى الشركات، وقررت الزواج منه لتجد رجلاً ينفق عليها، إلا أن المشاكل تفاقمت بينهما لدرجة جعلتها تطلب الطلاق وتنفصل عنه. عقب ذلك حاول طليقها العودة إليها مرة ثانية، إلا أنها رفضت طلبه تلافياً للمشاكل، وأبلغته بشكل قاطع بأنها لن تعود اليه مهما حدث، لتنتهي علاقتها به تماماً منذ ذلك اليوم، مشيرة إلى أنها لا تعلم شيئاً عن حقيقة اصطحابه لصغيرها، الذي عللت عدم تحريرها محضراً بغيابه لقيامها بالبحث عنه.
ضبط المتهم
في ضوء ما جُمع لرجال المباحث من معلومات، بات مؤكداً أن هذه الجريمة البشعة وراءها طليق والدة الطفل، ليصدر قرار من النيابة بضبطه وإحضاره على ذمة اتهامه بالشروع في قتل الصغير من خلال دس السم له في الطعام.
في أحد الأكمنة سقط المتهم، ليجد نفسه مجبراً على الاعتراف بمحاولة قتل هذا الصغير، الذي استغل براءته وحالة الحرمان التي يعيشها واستدرجه لتناول طبق «كشري»، كاد يكون الأخير في حياته، لولا أن القدر كان رحيماً به.
قال المتهم إنه توجه إلى منزل مطلقته قاصداً الانتقام منها، حيث اشترى كمية من سُم الفئران من إحدى الصيدليات، بعد أن اتخذ قراره بقتل صغيرها ليحرق قلبها عليه. وفور وصوله، شاهد الصغير يلهو أمام العقار الذي تسكن فيه، وما إن لمحه حتى ركض نحوه ليرتمي في أحضانه، حيث كان يظنه والده.
السم في العسل
ولأن الشيطان قد تجسد في هذا الرجل، الذي انتُزعت الرحمة من قلبه، حمل الصغير وانطلق إلى أحد المطاعم، مستغلاً براءته، ليضع له السُم في العسل الذي تجسد في طبق كشري، التهمه الصغير بنهم من دون أن يدرك أنه على موعد مع الموت الذي حدده له هذا الشيطان.
ولأن السم سينطق بعد لحظات بآلام قاتلة في أحشاء هذا الصغير، تركه الجاني أمام المقهى واختفى، حتى لا تُكشف جريمته، ظناً منه أنه سيتوفى بعد لحظات من دون أن يتمكن أحد من الوصول إليه، لكن إرادة الله كانت أقوى منه، وأرسل اليه من ينقذه ليُفتضح أمره.
أقوال طليق الأم كانت كفيلة بأن توجه النيابة العامة اليه الاتهام بالشروع في قتل الطفل، ليصدر قرار بحبسه تمهيداً لإحالته الى المحاكمة، في حين تم تحرير محضر إهمال للأم، التي تسلّمت صغيرها بعدما تعهدت برعايته وعدم تركه يلهو في الشارع وحده.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024